جميع المواضيع

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016


السؤال: تعدُّ رواية تزويج الحسين (ع) للقاسم (ع) من إبنته سكينة محط جدل ، ما هو رأيكم في هذه الرواية ؟ وما هو تعليقكم على إحيائها وسردها على المنبر وفي العزاء ؟
 
الجواب : قضية تزويج القاسم بن الحسن (ع) يوم عاشوراء في كربلاء ليست مورد جدلٍ عند العلماء، فهي ليست ثابتة عند أحدٍ منهم، إذ لم يرد ذكرها في شيئٍ من مصادرنا المعتبرة ولو في الجملة.
نعم تفرَّد كتاب المنتخب المنسوب لفخر الدين الطريحي (رحمه الله) بنقل روايةٍ مفادها انَّ الحسين (ع) عقد للقاسم على إبنةٍ له لم يسمِّها إلا انَّه لم يذكر سنده إليها، فهي ضعيفة نظراً لكونها مرسَلة هذا مضافا إلى انَّه لم يذكر مصدره للرواية ، والفاصلة بينه وبين واقعة الطف تزيد على الألف عام، فليس من وسيلةٍ للتثبُّت من صدور الرواية، على انَّ من غير المحرَز إنتساب كلِّ ما هو مكتوب في كتاب المنتخب للشيخ الطريحي رحمه الله ، فلا يبعد انَّه قد أُضيف عليه ما ليس منه كما إحتمل ذلك بل جزم به بعض المحقِّقين. ولو ثبت انَّ المذكور في كتاب المنتخب مُنتَسِبٌ واقعاً لفخر الدين الطريحي فإنَّ ذلك لا ينفي الضعف عن الرواية المذكورة بعد أنْ لم يذكر لها سنداً بل ولا مصدراً ، وبعد عدم قيام القرائن الموجبة للوثوق أو حتى الظن بوقوعها .
فالرواية ساقطة عن الإعتبار سنداً بل لا يخلو متنها من وهن، فلا ينبغي تناولها في مجالس العزاء حرصاً على المصداقية.
وأما ما يذكره بعض الإخوة الخطباء في مقام الإستدلال على ثبوت الرواية فهو في غالبه من الحديث عن الإمكان، والإمكان ليس مورداً للإشكال إلا انَّه لا يُنتج الإثبات للصدور، أذ انَّ الذي يُثبت الوثوق بصدور الرواية هو إما سلامة سندها إو إكتنافها بقرائن موجبة للوثوق بالصدور، وكلُّ ذلك غير متاح، فالرواية مرسَلةٌ بل هي من أضعف ما تكون عليه المراسيل نظراً لخلوها أساسأ من السند هذا مضافاً إلى انَّه قد تفرَّد بنقلها مَن تفصله عن واقعة الطف فاصلةٌ زمنيَّة تربو على الألف عام، وليس في النصوص الحديثيَّة أو التأريخية ما يُشعر بوقوع ما اشتملت عليه الرواية من مضامين ، وليس ثمة من موانع تقتضي عدم نقلها لو كانت قد وقعت بل الدواعي مقتضيه لنقل مثلها ، وقد نُقلت من الأحداث ما هو أقل شأناٍ منها ، هذا مع قطع النظر عن غرابة بعض مضامين الرواية التي يحتاج الإستئناس بها ورفع الإستيحاش عنها إلى توجيهٍ لا يخلو من تكلُّف.

سماحة الشيخ محمد صنقور

رواية تزويج القاسم (ع) في كربلاء هل هي صحيحة؟


السؤال: تعدُّ رواية تزويج الحسين (ع) للقاسم (ع) من إبنته سكينة محط جدل ، ما هو رأيكم في هذه الرواية ؟ وما هو تعليقكم على إحيائها وسردها على المنبر وفي العزاء ؟
 
الجواب : قضية تزويج القاسم بن الحسن (ع) يوم عاشوراء في كربلاء ليست مورد جدلٍ عند العلماء، فهي ليست ثابتة عند أحدٍ منهم، إذ لم يرد ذكرها في شيئٍ من مصادرنا المعتبرة ولو في الجملة.
نعم تفرَّد كتاب المنتخب المنسوب لفخر الدين الطريحي (رحمه الله) بنقل روايةٍ مفادها انَّ الحسين (ع) عقد للقاسم على إبنةٍ له لم يسمِّها إلا انَّه لم يذكر سنده إليها، فهي ضعيفة نظراً لكونها مرسَلة هذا مضافا إلى انَّه لم يذكر مصدره للرواية ، والفاصلة بينه وبين واقعة الطف تزيد على الألف عام، فليس من وسيلةٍ للتثبُّت من صدور الرواية، على انَّ من غير المحرَز إنتساب كلِّ ما هو مكتوب في كتاب المنتخب للشيخ الطريحي رحمه الله ، فلا يبعد انَّه قد أُضيف عليه ما ليس منه كما إحتمل ذلك بل جزم به بعض المحقِّقين. ولو ثبت انَّ المذكور في كتاب المنتخب مُنتَسِبٌ واقعاً لفخر الدين الطريحي فإنَّ ذلك لا ينفي الضعف عن الرواية المذكورة بعد أنْ لم يذكر لها سنداً بل ولا مصدراً ، وبعد عدم قيام القرائن الموجبة للوثوق أو حتى الظن بوقوعها .
فالرواية ساقطة عن الإعتبار سنداً بل لا يخلو متنها من وهن، فلا ينبغي تناولها في مجالس العزاء حرصاً على المصداقية.
وأما ما يذكره بعض الإخوة الخطباء في مقام الإستدلال على ثبوت الرواية فهو في غالبه من الحديث عن الإمكان، والإمكان ليس مورداً للإشكال إلا انَّه لا يُنتج الإثبات للصدور، أذ انَّ الذي يُثبت الوثوق بصدور الرواية هو إما سلامة سندها إو إكتنافها بقرائن موجبة للوثوق بالصدور، وكلُّ ذلك غير متاح، فالرواية مرسَلةٌ بل هي من أضعف ما تكون عليه المراسيل نظراً لخلوها أساسأ من السند هذا مضافاً إلى انَّه قد تفرَّد بنقلها مَن تفصله عن واقعة الطف فاصلةٌ زمنيَّة تربو على الألف عام، وليس في النصوص الحديثيَّة أو التأريخية ما يُشعر بوقوع ما اشتملت عليه الرواية من مضامين ، وليس ثمة من موانع تقتضي عدم نقلها لو كانت قد وقعت بل الدواعي مقتضيه لنقل مثلها ، وقد نُقلت من الأحداث ما هو أقل شأناٍ منها ، هذا مع قطع النظر عن غرابة بعض مضامين الرواية التي يحتاج الإستئناس بها ورفع الإستيحاش عنها إلى توجيهٍ لا يخلو من تكلُّف.

سماحة الشيخ محمد صنقور

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:49 م

0 التعليقات:

الأحد، 23 أكتوبر 2016


السؤال:
يذكرُ بعضُ الخطباء في سياقِ عرْض مقتلِ الحسين (ع) أنَّ السيِّدة زينب (ع) خرجت تُدافع الشمر حين كان يحزُّ رأسَ الحسين (ع) فألقتْ بنفسها على جسد الحسين (ع) فلكزها برجلِه، ويقول بعضُهم أنَّه لكزها بكعب الرمح فسقطتْ مغشيَّاً عليها في أرض المعركة، فهل مثلُ هذه الأخبار صحيحة؟
الجواب:
ليست صحيحة بل لا أصل لها، ولم نجد لها ذكراً في كتبِنا المعتبرة، نعم بعضُ هذه الأخبار مذكورةٌ في كتبِ مجاهيل من المتأخرين أو في كتب بعض غير المتثبِّتين في النقل مثل كتاب أسرار الشهادات المليئ بهذه الأخبار الموهونة رغم أن مؤلِّفه من العلماء ولكنَّه كان متساهلاً في النقل، وقد أقرَّ هو بذلك في أكثر من موردٍ من كتابه هذا الفاقد في مجملِه للإعتبار.
 
والمذكور في كتب المؤرخين من علمائنا كالشيخ المفيد (رحمه الله) فيما يتَّصلُ بهذه القضيَّة أنَّ الحسينَ (ع) لمَّا صار وحيداً فكان يُجالدُهم: "رشقوه بالسهام حتى صار كالقُنفذ فأحجمَ عنهم، فوقفوا بإزائه، وخرجتْ أختُه زينب إلى باب الفسطاط، فنادت عمرَ بن سعد بن أبي وقَّاص: ويحَك يا عمر! أيُقتلُ أبو عبد الله وأنتَ تنظرُ إليه؟ فلم يُجبْها عمر بشيءٍ، فنادت: ويحَكم أما فيكم مسلم؟!"(1).
 
وقال السيد ابن طاووس في اللهوف انَّ الحسين (ع) حينما سقط عن فرسه قال: "قال الراوي: وخرجت زينبُ من باب الفسطاط وهي تنادى وأخاه واسيداه، وا أهل بيتاه، ليتَ السماءَ أطبقتْ على الأرض، وليت الجبالَ تدكدكتْ على السهل"(2).
 
فخروجُ السيَّدة زينب (ع) - بحسب هذين النصَّين- كان إلى باب الفسطاط، وليس في النصَّين ولا في نصوصِ سائر علمائِنا ما يُشيرُ إلى توسُّطها أرضَ المعركة فضلاً عن التفاصيل التي يتداولُها بعضُ الخطباء، وكذلك فإنَّ ما ذكرَه مؤرخوا العامة لا يتفاوتُ كثيراً عمَّا ورد في النصَّين المذكورين، فمن ذلك ما أوردَه البلاذري في أنساب الأشراف أنَّ زينب بنت عليٍّ (ع) قالتْ لعمر بن سعد: يا عمر أيُقتلُ أبو عبد الله وأنت تنظر؟! فبكى (عمر) وانصرفَ بوجهه عنها"(3).
 
فعلى الإخوة الخطباء أنْ يتحرَّزوا في النقل ويُحاذروا شديداً من تعاطي مثل هذه الأخبار المذكورة في السؤال حتَّى لا يُبتلَوا من حيثُ لا يشعرون بالإساءة لمقام السيِّدة زينب (ع) ومقامِ سيِّد الشهداء (ع).
 
والحمد لله ربِّ العالمين
 
سماحة الشيخ محمد صنقور
 
 

1-الإرشاد – الشيخ المفيد- ج2 ص111-112.
2-اللهوف في قتلى الطفوف - السيد ابن طاووس - ص73.
3-أنساب الأشراف - أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري) - ج3 ص203.

هل السيدة زينب (ع) خرجت تُدافع الشمر حين كان يحز رأس الحسين (ع)؟


السؤال:
يذكرُ بعضُ الخطباء في سياقِ عرْض مقتلِ الحسين (ع) أنَّ السيِّدة زينب (ع) خرجت تُدافع الشمر حين كان يحزُّ رأسَ الحسين (ع) فألقتْ بنفسها على جسد الحسين (ع) فلكزها برجلِه، ويقول بعضُهم أنَّه لكزها بكعب الرمح فسقطتْ مغشيَّاً عليها في أرض المعركة، فهل مثلُ هذه الأخبار صحيحة؟
الجواب:
ليست صحيحة بل لا أصل لها، ولم نجد لها ذكراً في كتبِنا المعتبرة، نعم بعضُ هذه الأخبار مذكورةٌ في كتبِ مجاهيل من المتأخرين أو في كتب بعض غير المتثبِّتين في النقل مثل كتاب أسرار الشهادات المليئ بهذه الأخبار الموهونة رغم أن مؤلِّفه من العلماء ولكنَّه كان متساهلاً في النقل، وقد أقرَّ هو بذلك في أكثر من موردٍ من كتابه هذا الفاقد في مجملِه للإعتبار.
 
والمذكور في كتب المؤرخين من علمائنا كالشيخ المفيد (رحمه الله) فيما يتَّصلُ بهذه القضيَّة أنَّ الحسينَ (ع) لمَّا صار وحيداً فكان يُجالدُهم: "رشقوه بالسهام حتى صار كالقُنفذ فأحجمَ عنهم، فوقفوا بإزائه، وخرجتْ أختُه زينب إلى باب الفسطاط، فنادت عمرَ بن سعد بن أبي وقَّاص: ويحَك يا عمر! أيُقتلُ أبو عبد الله وأنتَ تنظرُ إليه؟ فلم يُجبْها عمر بشيءٍ، فنادت: ويحَكم أما فيكم مسلم؟!"(1).
 
وقال السيد ابن طاووس في اللهوف انَّ الحسين (ع) حينما سقط عن فرسه قال: "قال الراوي: وخرجت زينبُ من باب الفسطاط وهي تنادى وأخاه واسيداه، وا أهل بيتاه، ليتَ السماءَ أطبقتْ على الأرض، وليت الجبالَ تدكدكتْ على السهل"(2).
 
فخروجُ السيَّدة زينب (ع) - بحسب هذين النصَّين- كان إلى باب الفسطاط، وليس في النصَّين ولا في نصوصِ سائر علمائِنا ما يُشيرُ إلى توسُّطها أرضَ المعركة فضلاً عن التفاصيل التي يتداولُها بعضُ الخطباء، وكذلك فإنَّ ما ذكرَه مؤرخوا العامة لا يتفاوتُ كثيراً عمَّا ورد في النصَّين المذكورين، فمن ذلك ما أوردَه البلاذري في أنساب الأشراف أنَّ زينب بنت عليٍّ (ع) قالتْ لعمر بن سعد: يا عمر أيُقتلُ أبو عبد الله وأنت تنظر؟! فبكى (عمر) وانصرفَ بوجهه عنها"(3).
 
فعلى الإخوة الخطباء أنْ يتحرَّزوا في النقل ويُحاذروا شديداً من تعاطي مثل هذه الأخبار المذكورة في السؤال حتَّى لا يُبتلَوا من حيثُ لا يشعرون بالإساءة لمقام السيِّدة زينب (ع) ومقامِ سيِّد الشهداء (ع).
 
والحمد لله ربِّ العالمين
 
سماحة الشيخ محمد صنقور
 
 

1-الإرشاد – الشيخ المفيد- ج2 ص111-112.
2-اللهوف في قتلى الطفوف - السيد ابن طاووس - ص73.
3-أنساب الأشراف - أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري) - ج3 ص203.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:14 م

2 التعليقات:

الجمعة، 21 أكتوبر 2016


السؤال:
شيخنا قيل إنَّ الشهيد جونًا مولى أبي ذرٍّ الغفاري لم يُدفَن مع أنصار الحسين (ع)، فما صحة هذا القول؟
الجواب:
هذا القول لم نجده صريحًا في كتب الأخبار والمقاتل، نعم روى السيد محمد بن أبي طالب في مقتله عن الإمام الباقر عن علي بن الحسين (عليهم السلام): "وإنَّ الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى فوجدوا جونًا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه".
 
نقل ذلك العلامة المجلسي صاحب البحار، وأفاد الشيخ عباس القمي في كتابه منتهى الآمال أنه روي عمَّن حضر لدفن القتلى أنهم وجدوا جسد جون بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة طيبة أذكى من المسك رضوان الله عليه.
 
وكلا النصين ليسا صريحين في عدم دفنه في القبر الجماعي لشهداء الطف من الأنصار، نعم باعتبار أن الشهداء دُفنوا على الأرجح في اليوم الثالث عشر من المحرم فإن ذلك يقتضي لو صحَّ ما روي عن الإمام الباقر (ع) أنَّ الشهيد جونًا رحمه الله دُفن بمفرده لاستبعاد إعادة حفر القبر الجماعي الذي كان لشهداء الأنصار.
 
وهذا الاستبعاد لو تمَّ قبوله فهو لا يقتضي دفن الشهيد جون (رحمه الله) بعيدًا عن موقع دفن الأنصار، فهو واقع في محيط الحائر الحسيني، وذلك لإطباق النصوص التأريخية على أنَّ الأنصار جميعًا دُفنوا في موقعٍ واحد باستثناء الحر بن يزيد الرياحي رحمه الله، وذلك هو ما تقتضيه أيضًا الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) والمتصدِّية لبيان كيفية الزيارة.
 
ثم إنَّ الخبر المروي مرسلاً عن الإمام الباقر (ع) إنّما يصح قبوله بناءً على أنَّ الذي تصدَّى لدفن الحسين (ع) ومن كان معه من الشهداء هم أهل الغاضرية من بني أسد، إذ من المعقول وقوع الغفلة منهم عن جثمان الشهيد جون حين دفنهم الشهداء، إما لوقوعه خلف تلَّةٍ بعيدة شيئًا ما عن مصارع الشهداء، أو لأنَّ التراب كان قد غطّاه بفعل الرياح أو لأنه وقع في منحدرٍ منعهم من الالتفات إليه.
 
فالغفلة عن دفنه لو كان المتصدِّي للدفن هم أهل الغاضرية معقول جدًّا، أما بناءً على ما هو الصحيح من تصدّي الإمام السجاد (ع) لدفن الحسين (ع) والشهداء الذين كانوا معه فمستبعد جدًّا، فبعد الإيمان بعصمة الإمام (ع) عن الغفلة والخطأ لا بدَّ من الجزم بعدم ذهوله عن دفن هذا الشهيد الجليل، إذ أنه كان متصديًا لذلك، إلا أن يقال إنَّ الإمام لم يكن قد غفل عن دفنه وإنما ترك دفنه عن قصدٍ لحكمةٍ اقتضت ذلك وخفيَت علينا.
 
وثمَّة احتمال يمكن أن يكون وجيهًا وهو أنَّ الشهيد جونًا كان قد دُفن ضمن من دُفن من قتلى المعسكر الأموي اشتباهًا، ولأنَّ عشائر المعسكر الأموي رجعوا إلى كربلاء لتشخيص مواضع قبور قتلاهم أو إعادة تجهيزها فوجدوا جثمان جون ضمن قتلاهم، وحينئذٍ دفنه أهل الغاضرية من بني أسد قريبًا من موقع مدفن أنصار الحسين (ع) كما هو مقتضى نصوص الزيارة ومقتضى النصوص التأريخية التي أفادت أنَّ جميع أنصار الحسين (ع) مدفونون في محيط الحائر الحسيني.
 
وقوّة هذا الاحتمال تنشأ من ملاحظة نص الخبر المرويّ عن الباقر (ع) "وأنَّ الناس يحضرون المعركة يدفنون القتلى"، ومن المعروف تأريخيًا أن قتلى المعسكر الأموي دفنوا يوم الحادي عشر، ودفن الحسين (ع) وأنصاره في اليوم الثالث عشر على الأكثر، وحينئذٍ كيف يُقال "إن الناس يحضرون المعركة يدفنون القتلى" لولا ما ذكرناه من احتمال.
 
ولعلّ الله تعالى أراد أن يُظهر كرامة هذا الشهيد السعيد فكان ما وقع له من التأخر في الإلحاق بمدفن الشهداء.

سماحة الشيخ محمد صنقور

هل دُفن جون مولى أبي ذر مع أنصار الحسين؟


السؤال:
شيخنا قيل إنَّ الشهيد جونًا مولى أبي ذرٍّ الغفاري لم يُدفَن مع أنصار الحسين (ع)، فما صحة هذا القول؟
الجواب:
هذا القول لم نجده صريحًا في كتب الأخبار والمقاتل، نعم روى السيد محمد بن أبي طالب في مقتله عن الإمام الباقر عن علي بن الحسين (عليهم السلام): "وإنَّ الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى فوجدوا جونًا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه".
 
نقل ذلك العلامة المجلسي صاحب البحار، وأفاد الشيخ عباس القمي في كتابه منتهى الآمال أنه روي عمَّن حضر لدفن القتلى أنهم وجدوا جسد جون بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة طيبة أذكى من المسك رضوان الله عليه.
 
وكلا النصين ليسا صريحين في عدم دفنه في القبر الجماعي لشهداء الطف من الأنصار، نعم باعتبار أن الشهداء دُفنوا على الأرجح في اليوم الثالث عشر من المحرم فإن ذلك يقتضي لو صحَّ ما روي عن الإمام الباقر (ع) أنَّ الشهيد جونًا رحمه الله دُفن بمفرده لاستبعاد إعادة حفر القبر الجماعي الذي كان لشهداء الأنصار.
 
وهذا الاستبعاد لو تمَّ قبوله فهو لا يقتضي دفن الشهيد جون (رحمه الله) بعيدًا عن موقع دفن الأنصار، فهو واقع في محيط الحائر الحسيني، وذلك لإطباق النصوص التأريخية على أنَّ الأنصار جميعًا دُفنوا في موقعٍ واحد باستثناء الحر بن يزيد الرياحي رحمه الله، وذلك هو ما تقتضيه أيضًا الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) والمتصدِّية لبيان كيفية الزيارة.
 
ثم إنَّ الخبر المروي مرسلاً عن الإمام الباقر (ع) إنّما يصح قبوله بناءً على أنَّ الذي تصدَّى لدفن الحسين (ع) ومن كان معه من الشهداء هم أهل الغاضرية من بني أسد، إذ من المعقول وقوع الغفلة منهم عن جثمان الشهيد جون حين دفنهم الشهداء، إما لوقوعه خلف تلَّةٍ بعيدة شيئًا ما عن مصارع الشهداء، أو لأنَّ التراب كان قد غطّاه بفعل الرياح أو لأنه وقع في منحدرٍ منعهم من الالتفات إليه.
 
فالغفلة عن دفنه لو كان المتصدِّي للدفن هم أهل الغاضرية معقول جدًّا، أما بناءً على ما هو الصحيح من تصدّي الإمام السجاد (ع) لدفن الحسين (ع) والشهداء الذين كانوا معه فمستبعد جدًّا، فبعد الإيمان بعصمة الإمام (ع) عن الغفلة والخطأ لا بدَّ من الجزم بعدم ذهوله عن دفن هذا الشهيد الجليل، إذ أنه كان متصديًا لذلك، إلا أن يقال إنَّ الإمام لم يكن قد غفل عن دفنه وإنما ترك دفنه عن قصدٍ لحكمةٍ اقتضت ذلك وخفيَت علينا.
 
وثمَّة احتمال يمكن أن يكون وجيهًا وهو أنَّ الشهيد جونًا كان قد دُفن ضمن من دُفن من قتلى المعسكر الأموي اشتباهًا، ولأنَّ عشائر المعسكر الأموي رجعوا إلى كربلاء لتشخيص مواضع قبور قتلاهم أو إعادة تجهيزها فوجدوا جثمان جون ضمن قتلاهم، وحينئذٍ دفنه أهل الغاضرية من بني أسد قريبًا من موقع مدفن أنصار الحسين (ع) كما هو مقتضى نصوص الزيارة ومقتضى النصوص التأريخية التي أفادت أنَّ جميع أنصار الحسين (ع) مدفونون في محيط الحائر الحسيني.
 
وقوّة هذا الاحتمال تنشأ من ملاحظة نص الخبر المرويّ عن الباقر (ع) "وأنَّ الناس يحضرون المعركة يدفنون القتلى"، ومن المعروف تأريخيًا أن قتلى المعسكر الأموي دفنوا يوم الحادي عشر، ودفن الحسين (ع) وأنصاره في اليوم الثالث عشر على الأكثر، وحينئذٍ كيف يُقال "إن الناس يحضرون المعركة يدفنون القتلى" لولا ما ذكرناه من احتمال.
 
ولعلّ الله تعالى أراد أن يُظهر كرامة هذا الشهيد السعيد فكان ما وقع له من التأخر في الإلحاق بمدفن الشهداء.

سماحة الشيخ محمد صنقور

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:55 م

0 التعليقات:

back to top