جميع المواضيع

الخميس، 16 مايو 2019



:: المَوعِظَةُ الناجِعَةُ البليغةُ لسماحةِ سيّدنا الأُستاذ الفاضِل مُحَمّد باقر السيستاني، دَامَت إفاضاتُه المُباركة، والتي ينبغي أن نعيها بأُذنٍ واعيةٍ وبقلوبٍ صادقةٍ مَنهجاً وسُلُوكا ::

:1:- إنَّ اللهَ تبارك وتعالى قد ذمَّ اليهودَ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا -وفي ذلك رسالةٌ لنا أيُّهَا الإخوةُ، سواءٌ لنا كمؤمنين بصفةٍ عامّةٍ أم كدُعاةٍ إلى اللهِ سبحانه بصفةٍ خاصّةٍ بأن يكون حَملُهُم لكتاب اللهِ سبحانه وتعالى حَملاً ذي مِصداقيَّةٍ – يَحملونه بقلوبِهم وبعقولِهم وبعواطفِهم وبسُلُوكِهم – ولا يَحملونه بأذهانهم فحسب ليكونَ مادّةَ تصريفٍ للفِكرِ والمُناقشة.

:2:- وقد ذمَّ اللهُ اليهودَ أيضاً في ما كانوا يعتقدون بأنّهم أولياءُ اللهِ – وفي ذلك رسالةٌ لنا أيضاً – في أن لا تُؤدِّي العصبيّاتُ والخصوصيّاتُ الناشئةُ بالتراكم من خلال الأماني ومن خلال التفسير الخاطئ للنصوص إلى أن يعتقدَ الإنسانُ ويُوجبَ أنَّ له خصوصيّةً مع اللهِ تعالى، فليس  بين الله وبين أحدٍ مِن قرابة، ولن يُفَضّل اللهُ تعالى قوماً لأنَّهم قومُ فُلانٍ ولا ذُريَّةً بعنوان أنّهم ذُريّة فُلان –  لا بل المَناطُ في ذلك هو المِصداقيّة في الاعتقادِ والسلوك.

:3:- ويُنبّهُ اللهُ تبارك وتعالى في رسالةٍ أُخرى إلينا – إلى أنَّ على المُؤمن أن يكونَ جاهزاً للقاءِ اللهِ سبحانه وتعالى، كما ورد في دعاء الصحيفة السجّاديّة الشريفة :
(وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ عَمَلًا نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إِلَيْكَ، وَ نَحْرِصُ لَهُ عَلَى وَشْكِ اللّحَاقِ بِكَ حَتّى يَكُونَ الْمَوْتُ مَأْنَسَنَا الّذِي نَأْنَسُ بِهِ، وَ مَأْلَفَنَا الّذِي نَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وَ حَامّتَنَا الّتِي نُحِبّ الدّنُوّ مِنْهَا)

:4:- لا ينبغي بالمؤمن أن يكون فارّاً هارباً من ذِكرِ الموتِ – فعليه أن يكونَ مُستأنساً بالموتِ ومُتهيِّئاً له ومُستعدّاً للقاءِ اللهِ جلّ وعلا، - لا مَن إذا ذُكِرَ الموتُ اشمئزَّ منه ويقول: إنَّ قلبي انقبضَ – لماذا تذكرُ الموتَ؟ وهو المَصيرُ الّذي لا بُدَّ مِن أن نَصيرَ إليه جميعاً، وهو الغايةُ التي نسيرُ إليها – فالانقباضُ من ذكرِ الموتِ يُعبّرُ عن الخلودِ إلى هذه الحياة الدُنيا.

:5:- فلا بُدَّ مِن أن نُربّي أنفسنَا كمؤمنين عامةً وكدُعاةٍ إلى اللهِ خاصّةً على استحضارِ المَوتِ والشعورِ بأنَّنا نسير إلى المَوتِ سيراً حثيثاً، كما نسيرُ في الحقيقة في طريقنا إلى المَقاصد الأُخرى التي نقصدها.

:6:- وفي رسالةٍ أُخرى جاءت إلينا من اللهِ سبحانه بخصوصِ ذِكره والصلاة وتوقيره جلّ وعلا تنصُّ على عدم تقديم المقاصد الدنيويّة على المقاصد الدِّينيَّةِ وخصوصاً بشأن الصلاةِ – فالصلاةُ رمزُ العُبوديَّةِ والتعلّق بين الإنسانِ وبين اللهِ سبحانه، ومَن وقّر صلاته فقد وقّرَ اللهَ تبارك وتعالى، ومَن احتقرَ صلاته على حسابِ دُنيا فهذا نوعُ من قِصَرِ النَظَرِ في العاجل والآجل.

:7:- علينا في حالِ الصلاةِ، ومن وجوه الاهتمام بالصلاةِ أن نشعرَ بالإقبالِ على اللهِ سبحانه وتعالى، ولا نُفكِّر في اللهو، ولا نُفكّر في التجارةِ، ولا نُفكّر في البحوثِ الذهنيّة والفكريّة – وينبغي أن نُقبِلَ على ما أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى، وأن لا نقبِلَ على شيءٍ ليس مِن ذكرِ الصلاةِ في شيء.

:8:-  الآن عندما يقول الإنسانُ: اهدِنَا الصراطَ المُستقيم عليه أن يكون ملء فكره وقلبه وفمه طلبَ الهدايةِ من اللهِ سبحانه وتعالى والثبات على الطريقِ المُستقيمِ، ولا ينبغي أن ينشغلَ بمعنى آخرٍ لا يُلائم، وقد ورد في بعض الرواياتِ الشريفةِ أنَّ اللهَ تعالى إذا وجدَ عبدَه يُفكّر في الصلاةِ بشيءٍ من مقاصد الدنيا وبشيء مِن همومها يقول بما مضمون الرواية: يا عبدي إذا رأيتَ غيري أملك من ما تهمّ به لأمور الدنيا فعند الله الدنيا والآخرة – فإذا تُريدُ الدنيا فأقبل على اللهِ تعالى وإذا تُريدُ الآخرةَ فأقبل على الله سبحانه، فاللهُ بيده جميع المقاديرِ والجنودِ والخزائن.

:9 : لا ينبغي أن نتعاملَ مع اللهِ سبحانه وتعالى بما يُعبِّرُ عن سوءِ الأدبِ والإعراضِ – وفي هذه الصلاةُ التي نُصليّها أيِّ معنىٍ أن يتوجّهَ الإنسانُ إلى الأجواء والهواجس – متى نخلصُ مِن هواجس الدنيا وهمومها؟ 

:10:- أليس للهِ تبارك وتعالى في حياتنا حقُّ بذكره بمقدار عشر دقائق أو بمقدارِ نصف ساعةٍ في اليوم والليلةِ؟ كما نُقبِلُ على أصدقائنا في جلساتنا معهم، ونُقبلُ على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام؟
أليس للهِ حظٌّ مِن حياتنا حتّى في ما أمرنا به وفرضه علينا - نُساقُ إليه كأنّنا مَجبورون عليه مع إبداءِ الكراهةِ وعدم الرغبة وثِقلِ نفسٍ – فهذا لا يَليق به جلّ وعلا .
________________________________________________

: مجلس درس التفسير القرآني – ليلة الأربعاء التاسع من شهرِ رمضان المُباركِ 1440 هجري.

مَوعِظَةُ ناجِعَةُ بليغةُ



:: المَوعِظَةُ الناجِعَةُ البليغةُ لسماحةِ سيّدنا الأُستاذ الفاضِل مُحَمّد باقر السيستاني، دَامَت إفاضاتُه المُباركة، والتي ينبغي أن نعيها بأُذنٍ واعيةٍ وبقلوبٍ صادقةٍ مَنهجاً وسُلُوكا ::

:1:- إنَّ اللهَ تبارك وتعالى قد ذمَّ اليهودَ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا -وفي ذلك رسالةٌ لنا أيُّهَا الإخوةُ، سواءٌ لنا كمؤمنين بصفةٍ عامّةٍ أم كدُعاةٍ إلى اللهِ سبحانه بصفةٍ خاصّةٍ بأن يكون حَملُهُم لكتاب اللهِ سبحانه وتعالى حَملاً ذي مِصداقيَّةٍ – يَحملونه بقلوبِهم وبعقولِهم وبعواطفِهم وبسُلُوكِهم – ولا يَحملونه بأذهانهم فحسب ليكونَ مادّةَ تصريفٍ للفِكرِ والمُناقشة.

:2:- وقد ذمَّ اللهُ اليهودَ أيضاً في ما كانوا يعتقدون بأنّهم أولياءُ اللهِ – وفي ذلك رسالةٌ لنا أيضاً – في أن لا تُؤدِّي العصبيّاتُ والخصوصيّاتُ الناشئةُ بالتراكم من خلال الأماني ومن خلال التفسير الخاطئ للنصوص إلى أن يعتقدَ الإنسانُ ويُوجبَ أنَّ له خصوصيّةً مع اللهِ تعالى، فليس  بين الله وبين أحدٍ مِن قرابة، ولن يُفَضّل اللهُ تعالى قوماً لأنَّهم قومُ فُلانٍ ولا ذُريَّةً بعنوان أنّهم ذُريّة فُلان –  لا بل المَناطُ في ذلك هو المِصداقيّة في الاعتقادِ والسلوك.

:3:- ويُنبّهُ اللهُ تبارك وتعالى في رسالةٍ أُخرى إلينا – إلى أنَّ على المُؤمن أن يكونَ جاهزاً للقاءِ اللهِ سبحانه وتعالى، كما ورد في دعاء الصحيفة السجّاديّة الشريفة :
(وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ عَمَلًا نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إِلَيْكَ، وَ نَحْرِصُ لَهُ عَلَى وَشْكِ اللّحَاقِ بِكَ حَتّى يَكُونَ الْمَوْتُ مَأْنَسَنَا الّذِي نَأْنَسُ بِهِ، وَ مَأْلَفَنَا الّذِي نَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وَ حَامّتَنَا الّتِي نُحِبّ الدّنُوّ مِنْهَا)

:4:- لا ينبغي بالمؤمن أن يكون فارّاً هارباً من ذِكرِ الموتِ – فعليه أن يكونَ مُستأنساً بالموتِ ومُتهيِّئاً له ومُستعدّاً للقاءِ اللهِ جلّ وعلا، - لا مَن إذا ذُكِرَ الموتُ اشمئزَّ منه ويقول: إنَّ قلبي انقبضَ – لماذا تذكرُ الموتَ؟ وهو المَصيرُ الّذي لا بُدَّ مِن أن نَصيرَ إليه جميعاً، وهو الغايةُ التي نسيرُ إليها – فالانقباضُ من ذكرِ الموتِ يُعبّرُ عن الخلودِ إلى هذه الحياة الدُنيا.

:5:- فلا بُدَّ مِن أن نُربّي أنفسنَا كمؤمنين عامةً وكدُعاةٍ إلى اللهِ خاصّةً على استحضارِ المَوتِ والشعورِ بأنَّنا نسير إلى المَوتِ سيراً حثيثاً، كما نسيرُ في الحقيقة في طريقنا إلى المَقاصد الأُخرى التي نقصدها.

:6:- وفي رسالةٍ أُخرى جاءت إلينا من اللهِ سبحانه بخصوصِ ذِكره والصلاة وتوقيره جلّ وعلا تنصُّ على عدم تقديم المقاصد الدنيويّة على المقاصد الدِّينيَّةِ وخصوصاً بشأن الصلاةِ – فالصلاةُ رمزُ العُبوديَّةِ والتعلّق بين الإنسانِ وبين اللهِ سبحانه، ومَن وقّر صلاته فقد وقّرَ اللهَ تبارك وتعالى، ومَن احتقرَ صلاته على حسابِ دُنيا فهذا نوعُ من قِصَرِ النَظَرِ في العاجل والآجل.

:7:- علينا في حالِ الصلاةِ، ومن وجوه الاهتمام بالصلاةِ أن نشعرَ بالإقبالِ على اللهِ سبحانه وتعالى، ولا نُفكِّر في اللهو، ولا نُفكّر في التجارةِ، ولا نُفكّر في البحوثِ الذهنيّة والفكريّة – وينبغي أن نُقبِلَ على ما أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى، وأن لا نقبِلَ على شيءٍ ليس مِن ذكرِ الصلاةِ في شيء.

:8:-  الآن عندما يقول الإنسانُ: اهدِنَا الصراطَ المُستقيم عليه أن يكون ملء فكره وقلبه وفمه طلبَ الهدايةِ من اللهِ سبحانه وتعالى والثبات على الطريقِ المُستقيمِ، ولا ينبغي أن ينشغلَ بمعنى آخرٍ لا يُلائم، وقد ورد في بعض الرواياتِ الشريفةِ أنَّ اللهَ تعالى إذا وجدَ عبدَه يُفكّر في الصلاةِ بشيءٍ من مقاصد الدنيا وبشيء مِن همومها يقول بما مضمون الرواية: يا عبدي إذا رأيتَ غيري أملك من ما تهمّ به لأمور الدنيا فعند الله الدنيا والآخرة – فإذا تُريدُ الدنيا فأقبل على اللهِ تعالى وإذا تُريدُ الآخرةَ فأقبل على الله سبحانه، فاللهُ بيده جميع المقاديرِ والجنودِ والخزائن.

:9 : لا ينبغي أن نتعاملَ مع اللهِ سبحانه وتعالى بما يُعبِّرُ عن سوءِ الأدبِ والإعراضِ – وفي هذه الصلاةُ التي نُصليّها أيِّ معنىٍ أن يتوجّهَ الإنسانُ إلى الأجواء والهواجس – متى نخلصُ مِن هواجس الدنيا وهمومها؟ 

:10:- أليس للهِ تبارك وتعالى في حياتنا حقُّ بذكره بمقدار عشر دقائق أو بمقدارِ نصف ساعةٍ في اليوم والليلةِ؟ كما نُقبِلُ على أصدقائنا في جلساتنا معهم، ونُقبلُ على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام؟
أليس للهِ حظٌّ مِن حياتنا حتّى في ما أمرنا به وفرضه علينا - نُساقُ إليه كأنّنا مَجبورون عليه مع إبداءِ الكراهةِ وعدم الرغبة وثِقلِ نفسٍ – فهذا لا يَليق به جلّ وعلا .
________________________________________________

: مجلس درس التفسير القرآني – ليلة الأربعاء التاسع من شهرِ رمضان المُباركِ 1440 هجري.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  11:13 ص

0 التعليقات:

الجمعة، 15 فبراير 2019


:1:- إنَّ توجيه الدِّين في موارد الوسوسةِ النفسيّةِ ، قد تجلّى خِصيصَاً وعِلاجاً في سورة الناس ، حيث قال اللهُ تباركَ تعالى : بسمِ اللهِ الرَحمَن الرَحِيم
((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)))
فإنَّ سورة النّاس نزلت خصيصاً لهذه الغاية،- معالجة الوسَاوِس النفسيّة لدى الإنسان ، وهي ليست للاستعاذة العامّة مثل سورة الفلق ،وإنّما هي للاستعاذة الخاصّة بالله تعالى في مقابل الوساوس النفسيّة.

:2:- إنَّ هذه السورة الشريفة نزلَت انسجاماً مع توحيد لله سبحانه في جميع الأمور ، فحصرَت التخلّصَ من الوسوسة بالالتجاء إليه، تبارك وتعالى ، وليست توجد أيّ طريقةٍ أخرى بديلةٍ عنها ، وفي ذلك ما يشير إلى لزوم ترك سائر الأدوات، التي كانت معروفة آنذاك وغيرها ، ومنها الرُقى ، والتي لم تتضمّن ذِكرَ الله تعالى ، فالرُقيَة كانت معروفة قبل الإسلام ، كما في الآية الشريفة : ((وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28))) القيامة .

:3:- يتركّز التوجيهُ في هذه السورة الشريفة على لزوم الاستعاذة بالله سبحانه من هذه الوساوس ، بحيث ينبغي أن تكون مقرونةً بحسن الظن بِمَن يُستعاذ به ، وهو الله ، جلّ وعلا ، والثقة به والتوكّل عليه ، والاقتناع بولايته ، فإذا كانت الاستعاذة الحقيقيّة على هذا الوجه كانت نافعةً في دَرءِ الوسوسة وضررها.

:4:- الوسَاوِسُ التي تعتري الإنسانَ على أنواع متعدّدة - منها :

: أوّلاً :- وسَاوِسٌ أخلاقيّةٌ :- بمعنى أنَّ الإنسان الذي له مبادئ فاضلة ، قد يوسوسُ إليه الشيطانُ في أن يَخلَّ بهذا المبدأ الأخلاقي ويرتكب خلافه .

: ثانياً : - وسَاوِسٌ فكريّةٌ :-  وهي أن يُشكّكَ الإنسانُ في ما يُوجَد بالنسبة إليه بإدراك واضح ، نظير مَن يعلم بخَلْقِ الله ، سبحانه ، للأشياء من خلال دلالة نظمها وروعتها ، ولكن يُلحُّ عليه الشيطانُ بالوسوسة ، مثلاً ب - مَن خلقَ اللهَ تعالى- أو ما إلى ذلك ، والإنسان يثق بأنَّ هذا السؤال لا محلّ له ، ولكن مع ذلك يتوجّه إليه شيءٌ من الوسوسة والترديد .

: ثالثاً :- وسَاوِسٌ عامّةٌ : - بمعنى أنَّ هناك أشياءَ واضحة نشهدها ، ولكن مع ذلك ، ورغم الوضوح تجد طروَ نوعٍ من الاختلالات فيها ،وهذه الاختلالات قد تعرض بانقداحات في نفسِ الإنسان ابتداءً ، فإنَّ الإنسان بنفسه أيضاً يملك أحدَ مناشئ الوسوسة ، وليس منشأ الوسوسة الخارجيّة دائماً هو الشيطان ، بل في بعض الأوقات تكون وساوس نفسيّة بحتة ، قال تعالى: ((  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16))) ق .

فالنفس الإنسانيّة أيضاً توسوس ، وفيها منافذ للضعف ، بحيث يمكن أن يُصابَ الإنسانُ بالوسوسة من خلال هذه المنافذ ، سواء كان ما يتعلّق بالمنافذ الأخلاقيّة أو بالعقائد القويمة أو بالأفكار الراشدة والصائبة والصحيحة .

: رابعاً :-  ثمةَ نوعٍ من الوسوسة قد يكون في الأمور الحسيّة : - مثل بعض الإيحاءات الحسيّة للسحَرَة ، التي تجعلُ الإنسانَ يجد الأشياءَ على غير ما هي عليها .

:5:- الكثيرُ من العوارض النفسيّة المتأزّمة تبدأ من ارهاصات من الوسوسة ، فإذا لم يعتد الإنسانُ عند طروها ، واستمسكَ بالموقف الواضح ، سواء كان هذا الموقف الواضح عقائديّاً أم أخلاقيّاً أم فكريّاً راشداً أم حسيّاً فإنَّه ستنقشع عنه الوسوسة وتذهب ، وتقل مُراودتها إيّاه.

:6:- وأمّا إذا اعتنى بهذه الوساوس وخضع لها واهتم بها نفسيّاً أو رتّب عليها الآثارَ خارجاً فستتعاظم ، حتى يخلَّ إن كانت هذه الوساوس ضدّ القيم الأخلاقيّة فالشخص قد يفقدَ المبدأ الأخلاقيَّ ، وينهار عنده ، ويفقد تماسكه الأخلاقي أصلاً ، فترى مُرتكبَ الفاحشة ، والعياذ بالله في أول مرّة يوسوس بارتكابها ، ثُمَّ إذا اعتنى بهذه الوسوسة واستجاب لغريزته ينهار لديه هذا المبدأ تماماً ، وكذلك الحال في ما يتعلّق بالعقائد أو بالأفكار أو السلوك الراشد ، وحتّى فيما يتعلّق بالطهارة والنجاسة أو في ما يتعلّق بالإتيان بالصلاة ، وغيرها .

:7:- إذا اهتمّ الإنسانُ بالوسوسة فسيُصاب نتيجة ذلك بهلوسة ، ويُصاب بعوارض نفسيّة جديدة ومتأزّمة ، قد يفقد فيها الاعتدالَ الإدراكي والاستقامةَ النفسيّةَ السليمةَ.

:8:- إنَّ الْوَسْوَاسَ الْخَنَّاسَ بعد أن يُوسوس فجأةً - بعد ذلك يَغيبُ ، فحضوره ليس بشكل دائم ، وإنّما هو مِثل الإغارة على النفس ، يَغيرُ لحظةً فيغيبُ ، ثُمَّ يَرجعُ مرّةً أخرى ، إذن في ذِكرِ الْخَنَّاسِ إشارةٌ أنّه يوسوِسُ ويَغيبُ ، فهو لا يفصح عن نفسه بالشَكل المعقول ، وإنّما يقتصر عمله على الإيذاء ، يؤذي أذىً ويَهربُ ، فوصف الْخَنَّاسِ هو إشارةٌ إلى نقطة ضَعف    الْوَسْوَاسِ ، وهذا ينفع في مقام التلقين النفسي والعلاج ، وأنّه لا يستمر على منوال واحد ، وإنّما هو خطراتٌ تأتي وتزول ، فالوسوسةُ هي نحو من الإغارةِ الغادرةِ على النفسِ الإنسانيّة .
________________________________________________

:   فوائدٌ تفسيريّةٌ في سورة النّاس ، ألقاها علينا سماحةُ سيّدنا الأُستاذ الفاضل مُحَمّد باقر السيستاني ، دامت بركاتُه ، في عِدَة مُحاضراتٍ ، وكان آخرها - اليوم ، الأربعاء ، السابع من جمادى الآخرة ،1440 هجري ،  13-2- 2019م .

ظاهرةُ الوسوسَةِ النفسيَّةِ ومَوقفُ الدِّينِ منها تشخيصاً وعِلاجا


:1:- إنَّ توجيه الدِّين في موارد الوسوسةِ النفسيّةِ ، قد تجلّى خِصيصَاً وعِلاجاً في سورة الناس ، حيث قال اللهُ تباركَ تعالى : بسمِ اللهِ الرَحمَن الرَحِيم
((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)))
فإنَّ سورة النّاس نزلت خصيصاً لهذه الغاية،- معالجة الوسَاوِس النفسيّة لدى الإنسان ، وهي ليست للاستعاذة العامّة مثل سورة الفلق ،وإنّما هي للاستعاذة الخاصّة بالله تعالى في مقابل الوساوس النفسيّة.

:2:- إنَّ هذه السورة الشريفة نزلَت انسجاماً مع توحيد لله سبحانه في جميع الأمور ، فحصرَت التخلّصَ من الوسوسة بالالتجاء إليه، تبارك وتعالى ، وليست توجد أيّ طريقةٍ أخرى بديلةٍ عنها ، وفي ذلك ما يشير إلى لزوم ترك سائر الأدوات، التي كانت معروفة آنذاك وغيرها ، ومنها الرُقى ، والتي لم تتضمّن ذِكرَ الله تعالى ، فالرُقيَة كانت معروفة قبل الإسلام ، كما في الآية الشريفة : ((وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28))) القيامة .

:3:- يتركّز التوجيهُ في هذه السورة الشريفة على لزوم الاستعاذة بالله سبحانه من هذه الوساوس ، بحيث ينبغي أن تكون مقرونةً بحسن الظن بِمَن يُستعاذ به ، وهو الله ، جلّ وعلا ، والثقة به والتوكّل عليه ، والاقتناع بولايته ، فإذا كانت الاستعاذة الحقيقيّة على هذا الوجه كانت نافعةً في دَرءِ الوسوسة وضررها.

:4:- الوسَاوِسُ التي تعتري الإنسانَ على أنواع متعدّدة - منها :

: أوّلاً :- وسَاوِسٌ أخلاقيّةٌ :- بمعنى أنَّ الإنسان الذي له مبادئ فاضلة ، قد يوسوسُ إليه الشيطانُ في أن يَخلَّ بهذا المبدأ الأخلاقي ويرتكب خلافه .

: ثانياً : - وسَاوِسٌ فكريّةٌ :-  وهي أن يُشكّكَ الإنسانُ في ما يُوجَد بالنسبة إليه بإدراك واضح ، نظير مَن يعلم بخَلْقِ الله ، سبحانه ، للأشياء من خلال دلالة نظمها وروعتها ، ولكن يُلحُّ عليه الشيطانُ بالوسوسة ، مثلاً ب - مَن خلقَ اللهَ تعالى- أو ما إلى ذلك ، والإنسان يثق بأنَّ هذا السؤال لا محلّ له ، ولكن مع ذلك يتوجّه إليه شيءٌ من الوسوسة والترديد .

: ثالثاً :- وسَاوِسٌ عامّةٌ : - بمعنى أنَّ هناك أشياءَ واضحة نشهدها ، ولكن مع ذلك ، ورغم الوضوح تجد طروَ نوعٍ من الاختلالات فيها ،وهذه الاختلالات قد تعرض بانقداحات في نفسِ الإنسان ابتداءً ، فإنَّ الإنسان بنفسه أيضاً يملك أحدَ مناشئ الوسوسة ، وليس منشأ الوسوسة الخارجيّة دائماً هو الشيطان ، بل في بعض الأوقات تكون وساوس نفسيّة بحتة ، قال تعالى: ((  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16))) ق .

فالنفس الإنسانيّة أيضاً توسوس ، وفيها منافذ للضعف ، بحيث يمكن أن يُصابَ الإنسانُ بالوسوسة من خلال هذه المنافذ ، سواء كان ما يتعلّق بالمنافذ الأخلاقيّة أو بالعقائد القويمة أو بالأفكار الراشدة والصائبة والصحيحة .

: رابعاً :-  ثمةَ نوعٍ من الوسوسة قد يكون في الأمور الحسيّة : - مثل بعض الإيحاءات الحسيّة للسحَرَة ، التي تجعلُ الإنسانَ يجد الأشياءَ على غير ما هي عليها .

:5:- الكثيرُ من العوارض النفسيّة المتأزّمة تبدأ من ارهاصات من الوسوسة ، فإذا لم يعتد الإنسانُ عند طروها ، واستمسكَ بالموقف الواضح ، سواء كان هذا الموقف الواضح عقائديّاً أم أخلاقيّاً أم فكريّاً راشداً أم حسيّاً فإنَّه ستنقشع عنه الوسوسة وتذهب ، وتقل مُراودتها إيّاه.

:6:- وأمّا إذا اعتنى بهذه الوساوس وخضع لها واهتم بها نفسيّاً أو رتّب عليها الآثارَ خارجاً فستتعاظم ، حتى يخلَّ إن كانت هذه الوساوس ضدّ القيم الأخلاقيّة فالشخص قد يفقدَ المبدأ الأخلاقيَّ ، وينهار عنده ، ويفقد تماسكه الأخلاقي أصلاً ، فترى مُرتكبَ الفاحشة ، والعياذ بالله في أول مرّة يوسوس بارتكابها ، ثُمَّ إذا اعتنى بهذه الوسوسة واستجاب لغريزته ينهار لديه هذا المبدأ تماماً ، وكذلك الحال في ما يتعلّق بالعقائد أو بالأفكار أو السلوك الراشد ، وحتّى فيما يتعلّق بالطهارة والنجاسة أو في ما يتعلّق بالإتيان بالصلاة ، وغيرها .

:7:- إذا اهتمّ الإنسانُ بالوسوسة فسيُصاب نتيجة ذلك بهلوسة ، ويُصاب بعوارض نفسيّة جديدة ومتأزّمة ، قد يفقد فيها الاعتدالَ الإدراكي والاستقامةَ النفسيّةَ السليمةَ.

:8:- إنَّ الْوَسْوَاسَ الْخَنَّاسَ بعد أن يُوسوس فجأةً - بعد ذلك يَغيبُ ، فحضوره ليس بشكل دائم ، وإنّما هو مِثل الإغارة على النفس ، يَغيرُ لحظةً فيغيبُ ، ثُمَّ يَرجعُ مرّةً أخرى ، إذن في ذِكرِ الْخَنَّاسِ إشارةٌ أنّه يوسوِسُ ويَغيبُ ، فهو لا يفصح عن نفسه بالشَكل المعقول ، وإنّما يقتصر عمله على الإيذاء ، يؤذي أذىً ويَهربُ ، فوصف الْخَنَّاسِ هو إشارةٌ إلى نقطة ضَعف    الْوَسْوَاسِ ، وهذا ينفع في مقام التلقين النفسي والعلاج ، وأنّه لا يستمر على منوال واحد ، وإنّما هو خطراتٌ تأتي وتزول ، فالوسوسةُ هي نحو من الإغارةِ الغادرةِ على النفسِ الإنسانيّة .
________________________________________________

:   فوائدٌ تفسيريّةٌ في سورة النّاس ، ألقاها علينا سماحةُ سيّدنا الأُستاذ الفاضل مُحَمّد باقر السيستاني ، دامت بركاتُه ، في عِدَة مُحاضراتٍ ، وكان آخرها - اليوم ، الأربعاء ، السابع من جمادى الآخرة ،1440 هجري ،  13-2- 2019م .

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  9:54 ص

0 التعليقات:

back to top