جميع المواضيع

الأربعاء، 20 مايو 2015



السؤال: ما هي الادلة من كتب اهل السنة المعتبرة على ان الرسول الأكرم (ص) نصب علي ابن ابي طالب وليا و خليفة من بعده؟
 
الجواب: إن طالب الحق لا يقترح شكلا خاصا في الدليل، لأنه حيثما صح البرهان، وقام الدليل الحق، وجب عليه اتباعه. على أن هذه المسألة بعرضها العريض لا يتسع لها هذا المختصر. فإن حق الجواب أن يشمل آيات القرآن وأحاديث السنة.
ويكفي إجماع المسلمين على تصحيح اتباع أمير المؤمنين عليه السلام، والاختلاف على قبول غيره. وهذا من الأمور المتفق عليها. ثم إن القرآن يعج بالآيات النازلة بحق أمير المؤمنين وأهل بيته صلوات الله عليهم، من قبيل قوله تعالى في آية الولاية: " إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون "[1]، وقوله تعالى في آية التطهير: " إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا"[2]، وقوله تعالى في آية المباهلة: " فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين "[3]، وقوله في آية الإنذار: " وأنذر عشيرتك الأقربين "[4]، وغيرها كثير من الآيات، مع ملاحظة الأحاديث المفسرة لها، والمبينة لأسباب نزولها، ومن كتب الفريقين المعتبرة. والتأمل في دلالاتها بعيدا عن التعصب يقود إلى إمامتهم وولايتهم وطهارتهم وعصمتهم، وأن الاقتداء بهم واتباعهم أمان في الدنيا والآخرة.
ومن الأحاديث عدد كبير لا يمكن حصره في مثل هذه الإجابات المختصرة، من قبيل حديث الثقلين الذي نقلته أهم كتب المسلمين، وأكثرها اعتبارا، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا"[5].
 وحديث المنزلة، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"[6]، وهو وارد عن رسول الله في مصادر أهل السنة في أكثر من خمسة عشر موطنا. والقرآن يفسر تلك المنزلة بذكر ما كان لهارون من موسى، ومن ضمنها قوله تعالى: "واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري . كي نسبّحك كثيرا . ونذكرك كثيرا . إنّك كنت بنا بصيرا . قال قد أوتيت سؤلك يا موسى"[7]، وهكذا سائر الآيات الواصفة لمقام هارون ومنزلته من موسى.. وحديث السفينة، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله: "مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"[8]!.
وحديث الولاية بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي يقول فيه: "إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي"[9] الذي روي بأربعة أسانيد وطرق كل منها صحيح في نفسه، ولا يمكن رده، كما شهد بذلك علامتهم الألباني ، وقد خرجها في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وشدد النكير على ابن تيمية لإنكاره وتكذيبه لهذا الحديث الصريح !.
وحديث الغدير المعروف والمشهور والمتواتر وأيضا جاء عنه (صلى الله عليه وآله) عن البراء بن عازب قال : كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال [وا]: بلى. قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى قال: فأخذ بيد علي فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة"[10] وقد رواه بطرق عدة أحمد بن حنبل، في كتاب فضائل الصحابة، كما روى الذهبي مثله، في كتاب أحاديث مختارة[11].
وحديث الإنذار يوم الدار، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟"، فلم يستجب له في ذلك المجلس الذي جمع فيه النبي (ص) عشيرته ، غير علي (عليه السلام) فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا..". وهذا الحديث رواه ابن عساكر في تاريخه بسند صحيح ورواه بسند جيد، وأحمد بن حنبل في مسنده، وأيضا رواه غير هما من رجال الحديث ورواة السنن.
وحديث "الخلفاء من بعدي اثنا عشر". وفي رواية أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "كلهم من قريش" وفي ثالثة: "كلهم من بني هاشم"[12]. وثمة روايات تنقلها بعض مصادر أهل السنة يذكر صلى الله عليه وآله وسلم فيها الأئمة بأسمائهم كما ذكر ذلك الخوارزمي الحنفي في كتابه (مقتل الحسين): (بسنده عن أبي سلمى راعي إبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : "ليلة أسري بي إلى السماء، قال لي الجليل جل وعلا: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه"، قلت : والمؤمنون، قال : صدقت، قال : يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم أطلعت الثانية فاخترت عليا فشققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا  وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم، ما غفرت له، حتى يقرّ بولايتكم. يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يارب، فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور، قياما يصلون وهو في وسطهم (يعني المهدي)، كأنه كوكب دري. قال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي)[13]. وهذا الحديث أيضا رواه القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة)[14]، وفيه : "قال : يا محمد هؤلاء حججي على عبادي وهم أوصياؤك..."[15] الحديث، وأيضا رواه الشيخ الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين ج2 آخر الكتاب).
ومن المعلوم أن هذا ليس إلا مجرد إيجاز، كما ذكرنا في بداية الكلام، وإلا فإن العشرات، إن لم يكن المئات، من كتب العقائد والمناظرات قد ناقشت هذه المسائل، بشيء من الروية والتفصيل والتوثيق، ويمكن مراجعتها، مثل كتب المراجعات، والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين، وليالي بيشاور لسلطان الواعظين، وغيرها.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


[1]  المائدة: 55.
[2]  الأحزاب: 33.
[3]  آل عمران: 61.
[4]  الشعراء: 214.
[5]  حديث متواتر ، أخرجه مسلم في صحيحه ، والدارمي في فضائل القرآن ، وأحمد في مسنده 2: 114 وغيرهم.
[6]  منها على سبيل المثال: صحيح البخاري: 5 / 89  90 ح 202 و ج 6 / 18 ح 408، صحيح مسلم: 7 / 120  121، سنن الترمذي: 5 / 598  599 ح 3730 و 3731.
[7]  طه: 29-36.
[8]  المستدرك على الصحيحين: 3 / 150. ذخائر العقبى: 20. مجمع الزوائد: 9 / 168.
[9]  سلسلة الأحاديث الصحيحة، ناصر الدين الألباني: (2223).
[10]  أحمد بن حنبل، في كتاب فضائل الصحابة، ج2 ص596.
[11]  أحاديث مختارة، لشمس الدين الذهبي: ج1 ص78. صحيح الترمذي 5: 591 برقم: 3713. الاستيعاب 3: 36 المطبوع على هامش الاصابة، وغير هذه الكتب.
[12]  ينابيع المودة 3/104.
[13] مقتل الحسين 1/95.
[14] ينابيع المودة 3/380.
[15] فرائد السمطين، الحمويني الشافعي: ج2 آخر الكتاب.
 

حقانية دين أهل البيت (عليهم السلام) من مصادر العامة



السؤال: ما هي الادلة من كتب اهل السنة المعتبرة على ان الرسول الأكرم (ص) نصب علي ابن ابي طالب وليا و خليفة من بعده؟
 
الجواب: إن طالب الحق لا يقترح شكلا خاصا في الدليل، لأنه حيثما صح البرهان، وقام الدليل الحق، وجب عليه اتباعه. على أن هذه المسألة بعرضها العريض لا يتسع لها هذا المختصر. فإن حق الجواب أن يشمل آيات القرآن وأحاديث السنة.
ويكفي إجماع المسلمين على تصحيح اتباع أمير المؤمنين عليه السلام، والاختلاف على قبول غيره. وهذا من الأمور المتفق عليها. ثم إن القرآن يعج بالآيات النازلة بحق أمير المؤمنين وأهل بيته صلوات الله عليهم، من قبيل قوله تعالى في آية الولاية: " إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون "[1]، وقوله تعالى في آية التطهير: " إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا"[2]، وقوله تعالى في آية المباهلة: " فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين "[3]، وقوله في آية الإنذار: " وأنذر عشيرتك الأقربين "[4]، وغيرها كثير من الآيات، مع ملاحظة الأحاديث المفسرة لها، والمبينة لأسباب نزولها، ومن كتب الفريقين المعتبرة. والتأمل في دلالاتها بعيدا عن التعصب يقود إلى إمامتهم وولايتهم وطهارتهم وعصمتهم، وأن الاقتداء بهم واتباعهم أمان في الدنيا والآخرة.
ومن الأحاديث عدد كبير لا يمكن حصره في مثل هذه الإجابات المختصرة، من قبيل حديث الثقلين الذي نقلته أهم كتب المسلمين، وأكثرها اعتبارا، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا"[5].
 وحديث المنزلة، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"[6]، وهو وارد عن رسول الله في مصادر أهل السنة في أكثر من خمسة عشر موطنا. والقرآن يفسر تلك المنزلة بذكر ما كان لهارون من موسى، ومن ضمنها قوله تعالى: "واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري . كي نسبّحك كثيرا . ونذكرك كثيرا . إنّك كنت بنا بصيرا . قال قد أوتيت سؤلك يا موسى"[7]، وهكذا سائر الآيات الواصفة لمقام هارون ومنزلته من موسى.. وحديث السفينة، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله: "مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"[8]!.
وحديث الولاية بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي يقول فيه: "إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي"[9] الذي روي بأربعة أسانيد وطرق كل منها صحيح في نفسه، ولا يمكن رده، كما شهد بذلك علامتهم الألباني ، وقد خرجها في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وشدد النكير على ابن تيمية لإنكاره وتكذيبه لهذا الحديث الصريح !.
وحديث الغدير المعروف والمشهور والمتواتر وأيضا جاء عنه (صلى الله عليه وآله) عن البراء بن عازب قال : كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال [وا]: بلى. قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى قال: فأخذ بيد علي فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة"[10] وقد رواه بطرق عدة أحمد بن حنبل، في كتاب فضائل الصحابة، كما روى الذهبي مثله، في كتاب أحاديث مختارة[11].
وحديث الإنذار يوم الدار، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟"، فلم يستجب له في ذلك المجلس الذي جمع فيه النبي (ص) عشيرته ، غير علي (عليه السلام) فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا..". وهذا الحديث رواه ابن عساكر في تاريخه بسند صحيح ورواه بسند جيد، وأحمد بن حنبل في مسنده، وأيضا رواه غير هما من رجال الحديث ورواة السنن.
وحديث "الخلفاء من بعدي اثنا عشر". وفي رواية أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "كلهم من قريش" وفي ثالثة: "كلهم من بني هاشم"[12]. وثمة روايات تنقلها بعض مصادر أهل السنة يذكر صلى الله عليه وآله وسلم فيها الأئمة بأسمائهم كما ذكر ذلك الخوارزمي الحنفي في كتابه (مقتل الحسين): (بسنده عن أبي سلمى راعي إبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : "ليلة أسري بي إلى السماء، قال لي الجليل جل وعلا: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه"، قلت : والمؤمنون، قال : صدقت، قال : يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم أطلعت الثانية فاخترت عليا فشققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا  وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم، ما غفرت له، حتى يقرّ بولايتكم. يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يارب، فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور، قياما يصلون وهو في وسطهم (يعني المهدي)، كأنه كوكب دري. قال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي)[13]. وهذا الحديث أيضا رواه القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة)[14]، وفيه : "قال : يا محمد هؤلاء حججي على عبادي وهم أوصياؤك..."[15] الحديث، وأيضا رواه الشيخ الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين ج2 آخر الكتاب).
ومن المعلوم أن هذا ليس إلا مجرد إيجاز، كما ذكرنا في بداية الكلام، وإلا فإن العشرات، إن لم يكن المئات، من كتب العقائد والمناظرات قد ناقشت هذه المسائل، بشيء من الروية والتفصيل والتوثيق، ويمكن مراجعتها، مثل كتب المراجعات، والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين، وليالي بيشاور لسلطان الواعظين، وغيرها.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


[1]  المائدة: 55.
[2]  الأحزاب: 33.
[3]  آل عمران: 61.
[4]  الشعراء: 214.
[5]  حديث متواتر ، أخرجه مسلم في صحيحه ، والدارمي في فضائل القرآن ، وأحمد في مسنده 2: 114 وغيرهم.
[6]  منها على سبيل المثال: صحيح البخاري: 5 / 89  90 ح 202 و ج 6 / 18 ح 408، صحيح مسلم: 7 / 120  121، سنن الترمذي: 5 / 598  599 ح 3730 و 3731.
[7]  طه: 29-36.
[8]  المستدرك على الصحيحين: 3 / 150. ذخائر العقبى: 20. مجمع الزوائد: 9 / 168.
[9]  سلسلة الأحاديث الصحيحة، ناصر الدين الألباني: (2223).
[10]  أحمد بن حنبل، في كتاب فضائل الصحابة، ج2 ص596.
[11]  أحاديث مختارة، لشمس الدين الذهبي: ج1 ص78. صحيح الترمذي 5: 591 برقم: 3713. الاستيعاب 3: 36 المطبوع على هامش الاصابة، وغير هذه الكتب.
[12]  ينابيع المودة 3/104.
[13] مقتل الحسين 1/95.
[14] ينابيع المودة 3/380.
[15] فرائد السمطين، الحمويني الشافعي: ج2 آخر الكتاب.
 

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:41 م

0 التعليقات:

الجمعة، 8 مايو 2015


السؤال: عند اختي ابن توفي وله من العمر 10 أيام، هل الطفل شفيع لوالديه يوم القيامة أرجو إيضاح ذلك لأن أختي متعبة جداً من البكاء على ابنها وأريد أن أريها إجابتكم ولكم منا جزيل الشكر.



الجواب: قل لها: أما ترضى أن يكون كافله فاطمة الزهراء سلام الله عليها، أو إبراهيم وسارة عليهما السلام؟ أما ترضى أن تتمتن علاقتها ببضعة النبي صلوات الله عليهما وآلهما؟

 هكذا ورد في الروايات الشريفة. ففي الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام: أن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين، يغذوانهم من شجرة في الجنة، لها أخلاف كأخلاف البقر، في قصور من در، فإذا كان يوم القيامة؛ ألبسوا وطيبوا وأهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنة مع آبائهم" (توحيد الشيخ الصدوق: ص393).

وفي مجمع البيان وتفسير القمي: عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام: " ان أطفال شيعتنا من المؤمنبن تربيهم فاطمة الزهراء عليها السلام" (تفسير الميزان: ج19 ص16).

وفي توحيد الصدوق بإسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام: " إذا مات الطفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السموات والأرض: أﻻ إن فلان بن فلان قد مات، فإن كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه، وإﻻ دفع إلى فاطمة تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين فيدفعه إليه".

وأما مسألة الشفاعة للوالدين فهي ثابتة أيضا، بل وأكثر من ذلك فإن الأطفال بأنفسهم يثقلون صحيفة والديهم؛ كما في المروي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قال: "إني رأيت البارحة عجبا: ...رأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه، فجاء أفراطه فثقلوا ميزانه" (مسكن الفؤاد: ص117). والفرط هو  المتقدم من الشيء. والمراد هنا ذريته أو أعضاؤه إذا كانت في رضا الله تعالى. وقال صلى الله عليه وآله: "النفساء يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة" (مسكن الفؤاد: ص117).

وروي أن رجلا كان يجيء بصبي له معه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه مات فاحتبس والده عن رسول الله صلى الله عليه وآله. فسأل عنه، فقالوا: مات صبيه الذي رأيته معه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هلا آذنتموني فقوموا إلى أخينا نعزيه.. فلما دخل عليه إذا الرجل حزين وبه كآبة، فعزاه، فقال: أما يسرك أن يكون يوم القيامة بإزائك، فيقال له: ادخل الجنة! فيقول: يا رب وأبواي؟! فلا يزال يشفع حتى يشفعه الله عز وجل فيكم، فيدخلكم جميعا الجنة. (مسكن الفؤاد: ص119).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: بحمدك نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد. (مسكن الفؤاد: ص119).

ولقد شهد الكتاب الصادق المصدق بدخولهم الجنة مع آبائهم المؤمنين؛ قال تعالى: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم" (الطور: 21). ولك ان تراجعي كتب التفاسير في تفسير اﻵية الكريمة، وكتاب من ﻻ يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق:  (ج3 ص490).


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

هل الطفل المتوفي شفيع لوالديه يوم القيامة؟


السؤال: عند اختي ابن توفي وله من العمر 10 أيام، هل الطفل شفيع لوالديه يوم القيامة أرجو إيضاح ذلك لأن أختي متعبة جداً من البكاء على ابنها وأريد أن أريها إجابتكم ولكم منا جزيل الشكر.



الجواب: قل لها: أما ترضى أن يكون كافله فاطمة الزهراء سلام الله عليها، أو إبراهيم وسارة عليهما السلام؟ أما ترضى أن تتمتن علاقتها ببضعة النبي صلوات الله عليهما وآلهما؟

 هكذا ورد في الروايات الشريفة. ففي الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام: أن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين، يغذوانهم من شجرة في الجنة، لها أخلاف كأخلاف البقر، في قصور من در، فإذا كان يوم القيامة؛ ألبسوا وطيبوا وأهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنة مع آبائهم" (توحيد الشيخ الصدوق: ص393).

وفي مجمع البيان وتفسير القمي: عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام: " ان أطفال شيعتنا من المؤمنبن تربيهم فاطمة الزهراء عليها السلام" (تفسير الميزان: ج19 ص16).

وفي توحيد الصدوق بإسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام: " إذا مات الطفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السموات والأرض: أﻻ إن فلان بن فلان قد مات، فإن كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه، وإﻻ دفع إلى فاطمة تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين فيدفعه إليه".

وأما مسألة الشفاعة للوالدين فهي ثابتة أيضا، بل وأكثر من ذلك فإن الأطفال بأنفسهم يثقلون صحيفة والديهم؛ كما في المروي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قال: "إني رأيت البارحة عجبا: ...رأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه، فجاء أفراطه فثقلوا ميزانه" (مسكن الفؤاد: ص117). والفرط هو  المتقدم من الشيء. والمراد هنا ذريته أو أعضاؤه إذا كانت في رضا الله تعالى. وقال صلى الله عليه وآله: "النفساء يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة" (مسكن الفؤاد: ص117).

وروي أن رجلا كان يجيء بصبي له معه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنه مات فاحتبس والده عن رسول الله صلى الله عليه وآله. فسأل عنه، فقالوا: مات صبيه الذي رأيته معه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هلا آذنتموني فقوموا إلى أخينا نعزيه.. فلما دخل عليه إذا الرجل حزين وبه كآبة، فعزاه، فقال: أما يسرك أن يكون يوم القيامة بإزائك، فيقال له: ادخل الجنة! فيقول: يا رب وأبواي؟! فلا يزال يشفع حتى يشفعه الله عز وجل فيكم، فيدخلكم جميعا الجنة. (مسكن الفؤاد: ص119).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: بحمدك نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد. (مسكن الفؤاد: ص119).

ولقد شهد الكتاب الصادق المصدق بدخولهم الجنة مع آبائهم المؤمنين؛ قال تعالى: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم" (الطور: 21). ولك ان تراجعي كتب التفاسير في تفسير اﻵية الكريمة، وكتاب من ﻻ يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق:  (ج3 ص490).


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  9:09 م

5 التعليقات:

الأربعاء، 6 مايو 2015


السؤال: روي عن رسول الله ص أنه قال: أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثناً إلا كسره، ولا قبراً إلا سواه، ولا صورة إلا لطخها". أفلا يدل مثل هذا الحديث على حرمة البناء على القبور، ووجوب تسويتها بالأرض؟ وصحة ما قامت جماعة داعش وطالبان؟

 

الجواب: رفع القبور جائز لكنه مكروه إذا زاد عن أربع أصابع منفرجات. وترتفع الكراهة إذا كان البناء على قبر نبي أو إمام معصوم أو ولي صالح عالم، لأنه بذلك يكون بقعة لذكر الله والتقرب إليه.

ولكن ماذا نفعل في أمثال هذه الرواية؟

الجواب: إذا جاءتنا رواية، حتى لو كانت صحيحة السند، فهل يجب علينا قبولها مباشرة، أم علينا عرضها أولاً على القرآن، وعلى عقولنا، كما أمرنا بذلك النبي وأهل بيته الطاهرون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟ مثلاً لو كانت الرواية تجمع في مجلس واحد بين رسول الله وبين المأمون العباسي أو عمر بن عبد العزيز، فلا بد أن نعترض عليها، لأن التاريخ يرفض هذا الاجتماع.

وعن هذه الرواية المذكورة في السؤال نقول: مضافاً إلى أنها عامية ينفرد بها أهل الخلاف، فإن محتواها أيضاً يواجه مشاكل عديدة يجعلها مرفوضة جملة وتفصيلاً. 

إذ الظاهر منها أولاً: أنها كانت تتحدث عن المدينة المنورة، وهو اسم لم يطلق عليها إلا بعد الهجرة النبوية المباركة، ولذلك سميت باسمه (مدينة النبي)، مع أن سياق الرواية هو الحديث عنها قبل الهجرة.

وثانياً: إن كان الحديث قد صدر في الحقبة المكية، فلقد كان الأهم والأولى قبل ذلك دعوة أهلها إلى الدين الحق، وهو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله بالفعل، حيث أرسل مصعباً لتلك المهمة. 

وثالثاً: لم يعرف عن المدينة المنورة – بحسب التتبع – أنها كانت تسنم القبور. 

ورابعاً: لا معنى لأن يرسل النبي صلى الله عليه وآله شخصاً واحداً إلى المدينة كي يقوم بكل تلك الأمور المذكورة. خصوصاً إذا افترضنا أنها كانت مدينة لم تدخل الإسلام بعد. ومن الطبيعي أن يجابهه أهلها بالاعتراض والقتال، لأنه يحطم دينهم، الذي هو أكثر شيء حساسية عند الإنسان، بغض النظر عن أنه عمل بعيد عن الحكمة والتدبير الذي وصف الله سبحانه به رسوله صلى الله عليه وآله.

خامساً: لا معنى لأن يخصص النبي صلى الله عليه وآله المدينة المنورة لطمس قبورها من بين سائر المدن والبلاد.

سادساً: الرواية تقول أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثناً إلا كسره ولا قبراً إلا سواه ولا صورةً إلا لطخها فقال رجل: أنا يا رسول الله فانطلق فهاب أهل المدينة فرجع فقال علي رضي الله عنه: أنا أنطلق يا رسول الله قال: فانطلق ثم رجع فقال: يا رسول الله لم أدع بها وثناً إلا كسرته ولا قبراً إلا سويته ولا صورةً إلا لطختها"[1]. مما يفهم منها أن الذهاب والإياب، ثم ذهاب أمير المؤمنين ورجوعه، كل ذلك حصل والناس مجتمعون ينتظرون، خصوصاً على بعض الروايات لهذا الخبر، التي ذكرت أن النبي صلى الله عليه وآله كانوا في جنازة، وكل الأحداث جرت،وهم ما يزالون في تلك الجنازة، هذا مع علمنا بالفاصل الجغرافي الشاسع بين مكة والمدينة، لاسيما لمثل تلك الأزمان التي كانت تتطلب أسابيع، إن لم يكن شهوراً، فيصعب استساغة الخبر.

سابعاً: لو افترضنا أن الحدث قد حصل بعد الهجرة، فلا معنى لأمر النبي صلى الله عليه وآله أن ينطلق أحدهم إلى المدينة، وكأنهم ليسوا من سكانها. 

فإن قيل: لا مشكلة في ذلك، إذ قد يكون قالها صلوات الله عليه وآله، ذات يوم وهو مع أصحابه خارج المدينة.

قلنا: لقد آمن أهل المدينة قبل الهجرة، وأمّر عليهم مصعب بن عمير، وبعد أن هاجر إليهم النبي صلى الله عليه وآله توطن المدينة، فصارت بلده التي دعا الله أن يحفظها، ولأن يحرّم ما بين لابتيها، كما حرّم الله مكة بالحرم. وقد أصبح السلطان الآمر والناهي فيها، فهل يعقل أن يسكت على أمر شركي وقبيح، كهذا المدعى في الخبر، ثم لا ينهى عنه، ولا يأمر بإعفائه، بل يتربص أن يخرج مع أصحابه خارج المدينة ليأمر أمره ذاك، وبهذه الصورة؟! أما كان الأجدر به صلوات الله عليه وآله أن يصدر أمراً بذلك فيأتمر المسلمون جميعهم، مهاجروهم وأنصارهم به؟!

ثامناً: لا معنى لرجوع الرجل خائباً وقد تملكته مهابة الناس وخوفهم. لاسيما مع ما ذكرناه من أن أهل المدينة كانوا هم الذين أقبلوا على الدين طوعاً دون إكراه، فبايعوا النبي على النصرة والطاعة وبذل الأرواح، وكل غالٍ ونفيس، فكان يكفي أن يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ليمتثلوا أمره.

تاسعاً: لو سلمنا صدور الحديث، فإنه إنما يأمر تسوية قبور الكفار لا المسلمين. مع أن البعض يحاول أن يسحب الحكم على المسلمين، وشتان بين الحالتين.

عاشراً: أيضاً لو سلمنا صدور مثل هذا الحديث، وغضضنا النظر عما ذكرناه من اعتراضات، فماذا نفعل في ما دل على جوازه بل الحث عليه من الآيات والروايات، وسيرة النبي صلى الله عليه وآله، بل وبأقواله الأخرى، وهي مذكورة في كتب المسلمين جميعاً؟

فمقتضى هذه الرواية تسوية القبر كليّاً مع الأرض والتراب، ولكن قوله تعالى: "قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً"[2]، ظاهر في رجحان ذلك ومشروعيته.

وكذلك تظهر سنة النبي وسيرته أنه صلى الله عليه وآله كان يزور القبور كقبور عمه الحمزة وصاحبه عثمان بن مظعون وأم أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت أسد عليه السلام، وقبر أمه آمنة بنت وهب عليها السلام في الأبواء وقد بقي سالماً بعد وفاتها قرابة خمسين عاماً، وكان معه أصحابه، فنزل عند قبرها، فبكى وبكى الجمع. وظاهر الحال أنه كان مبنيّاً، أو لا أقل من ارتفاعه عن الأرض، أو وجود أي علامة تميزه كقبر، بحيث يبقى معروفاً كقبر، طيلة تلك السنين. بل صرحت بعض الروايات أنه صلى الله عليه وآله نزل فأصلح ما اندرس من قبرها.

حيث جاء في ترجمة الأبواء من معجم البلدان، أنها: قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي ثلاثة وعشرون ميلاً، وبـالأبـواء قبر آمنة بنت وهب أم النبي (صلى الله عليه وآله) وكان السبب في دفنها هناك أن عبد اللّه والد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله ) كان قد خرج إلى المدينة يمتار تمراً فمات بالمدينة فكانت زوجته آمنة بنت وهب تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره فلما أتى على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ست سنين خرجت زائرة لقبره ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة ماتت بها[3].

وذكر ابن سعد في طبقاته تفصيل الخبر، و قال في آخره ما موجزه: فلما مر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في عمرة الحديبية بالأبواء أتى قبر أمه آمنة فأصلحه و بكى عنده وبكى المسلمون لبكاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)[4].

وأهم منه بناء قبر النبي صلى الله عليه وآله، وهو جوهر الدين ولبابه، وقد كان مرفوعاً، وعليه صندوق. وجاء في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفن في بيته الذي قبض فيه، ثم بني على الغرفة القبة الخضراء[5].

ونقلت الأخبار تبرّك أبي أيوب الأنصاري بقبر النبي (صلى الله عليه وآله). فعن داود بن أبي صالح، أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر فأخذ مروان برقبته، ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه ، فإذا به أبو أيوب الأنصاري، فقال: نعم إني لم آتِ الحجر، إنما جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم آت الحجر. سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله»[6]. وقد صحّحه الحاكم في مستدركه وكذلك الذهبي، وقال السبكي: فإن صح هذا الإسناد لم يكره مس جدار القبر»[7].

كما رووا عن ابن حملة: أن عبدالله بن عمر كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف، وأن بلالاً وضع خدّه عليه أيضاً[8]. وحين توفي أبو بكر وعمر بنوا على قبرهما أيضاً ورفعوهما في حجرة الزهراء سلام الله عليها.

وتلك هي قبور الصلحاء، ولاسيما الأنبياء والأولياء تملأ بلاد المسلمين شرقاً وغرباً، وقد جرت سيرة المسلمين على مختلف مشاربهم ومذاهبهم على زيارتها والتبرك بها والتوسل إلى الله عندها والتعبد فيها إلى الله عز وجل. ففي دمشق الشام ثمة أضرحة للنبي يحيى بن زكريا عليه السلام في دمشق والسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وسكينة بنت الحسين ورقية بنتي الحسين عليهن السلام، وبعض أزواج النبي رضوان الله عليهن، وفي صفين مرقدا عمار بن ياسر وأويس القرني. وفي فلسطين ضريح النبي إبراهيم في الخليل عليه السلام، بل وإسحاق ويعقوب وبعض النبيين. وفي مصر أضرحة السيدتين زينب ونفيسة ومالك الأشتر المعروف بالسيد العجمي. وقد كانت مقبرة البقيع تعج بأضرحة الأئمة والصالحين صلوات الله عليهم، لولا ما أقدم عليه الوهابيون من هدم القبور في عام بحجة التشريك وعبادة القبور، وما زالت بلاد المسلمين تعج بالكثير من القبور العظماء التي تهفو إليها قلوب المؤمنين بالله الواحد الأحد كلما تاقت قلوبهم للتوجه إلى الله سبحانه وتعالى.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.



[1] مسند أحمد 1 / 87 ، 89 ، 96 ، وغيرها. ومسند الطيالسي ، ح 96 و  155 .

 

[2] الكهف 21.

[3] معجم البلدان 1/100.

[4] جـاء خبر بكاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على قبر أمه وبكاء الصحابة في سائر كتب الحديث طبقات ابن سعد و سنن النسائي كتاب الجنائز، باب زيارة قبر المشرك 1/267.

[5] طبقات ابن سعد 2/292 ـ 294 ; و سيرة ابن هشام 4/343.

[6] مستدرك الحاكم 4: 560 الرقم 8571. وفاء الوفاء 4: 1404.

[7] وفاء الوفاء 4: 1404 ، كشف الارتياب: 347.

[8] كشف الارتياب: 436، عن الخطيب ابن حملة، شرح الشفاء 2: 199، وفاء الوفاء 4: 1405.

هل البناء على القبور حرام وشرك؟


السؤال: روي عن رسول الله ص أنه قال: أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثناً إلا كسره، ولا قبراً إلا سواه، ولا صورة إلا لطخها". أفلا يدل مثل هذا الحديث على حرمة البناء على القبور، ووجوب تسويتها بالأرض؟ وصحة ما قامت جماعة داعش وطالبان؟

 

الجواب: رفع القبور جائز لكنه مكروه إذا زاد عن أربع أصابع منفرجات. وترتفع الكراهة إذا كان البناء على قبر نبي أو إمام معصوم أو ولي صالح عالم، لأنه بذلك يكون بقعة لذكر الله والتقرب إليه.

ولكن ماذا نفعل في أمثال هذه الرواية؟

الجواب: إذا جاءتنا رواية، حتى لو كانت صحيحة السند، فهل يجب علينا قبولها مباشرة، أم علينا عرضها أولاً على القرآن، وعلى عقولنا، كما أمرنا بذلك النبي وأهل بيته الطاهرون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟ مثلاً لو كانت الرواية تجمع في مجلس واحد بين رسول الله وبين المأمون العباسي أو عمر بن عبد العزيز، فلا بد أن نعترض عليها، لأن التاريخ يرفض هذا الاجتماع.

وعن هذه الرواية المذكورة في السؤال نقول: مضافاً إلى أنها عامية ينفرد بها أهل الخلاف، فإن محتواها أيضاً يواجه مشاكل عديدة يجعلها مرفوضة جملة وتفصيلاً. 

إذ الظاهر منها أولاً: أنها كانت تتحدث عن المدينة المنورة، وهو اسم لم يطلق عليها إلا بعد الهجرة النبوية المباركة، ولذلك سميت باسمه (مدينة النبي)، مع أن سياق الرواية هو الحديث عنها قبل الهجرة.

وثانياً: إن كان الحديث قد صدر في الحقبة المكية، فلقد كان الأهم والأولى قبل ذلك دعوة أهلها إلى الدين الحق، وهو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله بالفعل، حيث أرسل مصعباً لتلك المهمة. 

وثالثاً: لم يعرف عن المدينة المنورة – بحسب التتبع – أنها كانت تسنم القبور. 

ورابعاً: لا معنى لأن يرسل النبي صلى الله عليه وآله شخصاً واحداً إلى المدينة كي يقوم بكل تلك الأمور المذكورة. خصوصاً إذا افترضنا أنها كانت مدينة لم تدخل الإسلام بعد. ومن الطبيعي أن يجابهه أهلها بالاعتراض والقتال، لأنه يحطم دينهم، الذي هو أكثر شيء حساسية عند الإنسان، بغض النظر عن أنه عمل بعيد عن الحكمة والتدبير الذي وصف الله سبحانه به رسوله صلى الله عليه وآله.

خامساً: لا معنى لأن يخصص النبي صلى الله عليه وآله المدينة المنورة لطمس قبورها من بين سائر المدن والبلاد.

سادساً: الرواية تقول أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثناً إلا كسره ولا قبراً إلا سواه ولا صورةً إلا لطخها فقال رجل: أنا يا رسول الله فانطلق فهاب أهل المدينة فرجع فقال علي رضي الله عنه: أنا أنطلق يا رسول الله قال: فانطلق ثم رجع فقال: يا رسول الله لم أدع بها وثناً إلا كسرته ولا قبراً إلا سويته ولا صورةً إلا لطختها"[1]. مما يفهم منها أن الذهاب والإياب، ثم ذهاب أمير المؤمنين ورجوعه، كل ذلك حصل والناس مجتمعون ينتظرون، خصوصاً على بعض الروايات لهذا الخبر، التي ذكرت أن النبي صلى الله عليه وآله كانوا في جنازة، وكل الأحداث جرت،وهم ما يزالون في تلك الجنازة، هذا مع علمنا بالفاصل الجغرافي الشاسع بين مكة والمدينة، لاسيما لمثل تلك الأزمان التي كانت تتطلب أسابيع، إن لم يكن شهوراً، فيصعب استساغة الخبر.

سابعاً: لو افترضنا أن الحدث قد حصل بعد الهجرة، فلا معنى لأمر النبي صلى الله عليه وآله أن ينطلق أحدهم إلى المدينة، وكأنهم ليسوا من سكانها. 

فإن قيل: لا مشكلة في ذلك، إذ قد يكون قالها صلوات الله عليه وآله، ذات يوم وهو مع أصحابه خارج المدينة.

قلنا: لقد آمن أهل المدينة قبل الهجرة، وأمّر عليهم مصعب بن عمير، وبعد أن هاجر إليهم النبي صلى الله عليه وآله توطن المدينة، فصارت بلده التي دعا الله أن يحفظها، ولأن يحرّم ما بين لابتيها، كما حرّم الله مكة بالحرم. وقد أصبح السلطان الآمر والناهي فيها، فهل يعقل أن يسكت على أمر شركي وقبيح، كهذا المدعى في الخبر، ثم لا ينهى عنه، ولا يأمر بإعفائه، بل يتربص أن يخرج مع أصحابه خارج المدينة ليأمر أمره ذاك، وبهذه الصورة؟! أما كان الأجدر به صلوات الله عليه وآله أن يصدر أمراً بذلك فيأتمر المسلمون جميعهم، مهاجروهم وأنصارهم به؟!

ثامناً: لا معنى لرجوع الرجل خائباً وقد تملكته مهابة الناس وخوفهم. لاسيما مع ما ذكرناه من أن أهل المدينة كانوا هم الذين أقبلوا على الدين طوعاً دون إكراه، فبايعوا النبي على النصرة والطاعة وبذل الأرواح، وكل غالٍ ونفيس، فكان يكفي أن يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله ليمتثلوا أمره.

تاسعاً: لو سلمنا صدور الحديث، فإنه إنما يأمر تسوية قبور الكفار لا المسلمين. مع أن البعض يحاول أن يسحب الحكم على المسلمين، وشتان بين الحالتين.

عاشراً: أيضاً لو سلمنا صدور مثل هذا الحديث، وغضضنا النظر عما ذكرناه من اعتراضات، فماذا نفعل في ما دل على جوازه بل الحث عليه من الآيات والروايات، وسيرة النبي صلى الله عليه وآله، بل وبأقواله الأخرى، وهي مذكورة في كتب المسلمين جميعاً؟

فمقتضى هذه الرواية تسوية القبر كليّاً مع الأرض والتراب، ولكن قوله تعالى: "قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً"[2]، ظاهر في رجحان ذلك ومشروعيته.

وكذلك تظهر سنة النبي وسيرته أنه صلى الله عليه وآله كان يزور القبور كقبور عمه الحمزة وصاحبه عثمان بن مظعون وأم أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت أسد عليه السلام، وقبر أمه آمنة بنت وهب عليها السلام في الأبواء وقد بقي سالماً بعد وفاتها قرابة خمسين عاماً، وكان معه أصحابه، فنزل عند قبرها، فبكى وبكى الجمع. وظاهر الحال أنه كان مبنيّاً، أو لا أقل من ارتفاعه عن الأرض، أو وجود أي علامة تميزه كقبر، بحيث يبقى معروفاً كقبر، طيلة تلك السنين. بل صرحت بعض الروايات أنه صلى الله عليه وآله نزل فأصلح ما اندرس من قبرها.

حيث جاء في ترجمة الأبواء من معجم البلدان، أنها: قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي ثلاثة وعشرون ميلاً، وبـالأبـواء قبر آمنة بنت وهب أم النبي (صلى الله عليه وآله) وكان السبب في دفنها هناك أن عبد اللّه والد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله ) كان قد خرج إلى المدينة يمتار تمراً فمات بالمدينة فكانت زوجته آمنة بنت وهب تخرج في كل عام إلى المدينة تزور قبره فلما أتى على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ست سنين خرجت زائرة لقبره ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فلما صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة ماتت بها[3].

وذكر ابن سعد في طبقاته تفصيل الخبر، و قال في آخره ما موجزه: فلما مر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في عمرة الحديبية بالأبواء أتى قبر أمه آمنة فأصلحه و بكى عنده وبكى المسلمون لبكاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)[4].

وأهم منه بناء قبر النبي صلى الله عليه وآله، وهو جوهر الدين ولبابه، وقد كان مرفوعاً، وعليه صندوق. وجاء في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفن في بيته الذي قبض فيه، ثم بني على الغرفة القبة الخضراء[5].

ونقلت الأخبار تبرّك أبي أيوب الأنصاري بقبر النبي (صلى الله عليه وآله). فعن داود بن أبي صالح، أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر فأخذ مروان برقبته، ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه ، فإذا به أبو أيوب الأنصاري، فقال: نعم إني لم آتِ الحجر، إنما جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم آت الحجر. سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله»[6]. وقد صحّحه الحاكم في مستدركه وكذلك الذهبي، وقال السبكي: فإن صح هذا الإسناد لم يكره مس جدار القبر»[7].

كما رووا عن ابن حملة: أن عبدالله بن عمر كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف، وأن بلالاً وضع خدّه عليه أيضاً[8]. وحين توفي أبو بكر وعمر بنوا على قبرهما أيضاً ورفعوهما في حجرة الزهراء سلام الله عليها.

وتلك هي قبور الصلحاء، ولاسيما الأنبياء والأولياء تملأ بلاد المسلمين شرقاً وغرباً، وقد جرت سيرة المسلمين على مختلف مشاربهم ومذاهبهم على زيارتها والتبرك بها والتوسل إلى الله عندها والتعبد فيها إلى الله عز وجل. ففي دمشق الشام ثمة أضرحة للنبي يحيى بن زكريا عليه السلام في دمشق والسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وسكينة بنت الحسين ورقية بنتي الحسين عليهن السلام، وبعض أزواج النبي رضوان الله عليهن، وفي صفين مرقدا عمار بن ياسر وأويس القرني. وفي فلسطين ضريح النبي إبراهيم في الخليل عليه السلام، بل وإسحاق ويعقوب وبعض النبيين. وفي مصر أضرحة السيدتين زينب ونفيسة ومالك الأشتر المعروف بالسيد العجمي. وقد كانت مقبرة البقيع تعج بأضرحة الأئمة والصالحين صلوات الله عليهم، لولا ما أقدم عليه الوهابيون من هدم القبور في عام بحجة التشريك وعبادة القبور، وما زالت بلاد المسلمين تعج بالكثير من القبور العظماء التي تهفو إليها قلوب المؤمنين بالله الواحد الأحد كلما تاقت قلوبهم للتوجه إلى الله سبحانه وتعالى.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.



[1] مسند أحمد 1 / 87 ، 89 ، 96 ، وغيرها. ومسند الطيالسي ، ح 96 و  155 .

 

[2] الكهف 21.

[3] معجم البلدان 1/100.

[4] جـاء خبر بكاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على قبر أمه وبكاء الصحابة في سائر كتب الحديث طبقات ابن سعد و سنن النسائي كتاب الجنائز، باب زيارة قبر المشرك 1/267.

[5] طبقات ابن سعد 2/292 ـ 294 ; و سيرة ابن هشام 4/343.

[6] مستدرك الحاكم 4: 560 الرقم 8571. وفاء الوفاء 4: 1404.

[7] وفاء الوفاء 4: 1404 ، كشف الارتياب: 347.

[8] كشف الارتياب: 436، عن الخطيب ابن حملة، شرح الشفاء 2: 199، وفاء الوفاء 4: 1405.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  8:20 م

1 التعليقات:

back to top