جميع المواضيع

السبت، 31 مايو 2014



السؤال: سؤالي عن الرجعة، هل هي ثابتة؟ وهل فعلاً أن المعصومين سيرجعون جميعهم؟ أي الأئمة الاثني عشر والنبي الأكرم صلوات الله عليهم؟ لأننا صرنا نسمع ذلك هذه الأيام؟

الجواب: الرجعة من الأمور المسلمة والضرورية، التي تظافرت بالدلالة عليها الآيات والروايات والإجماع بقسميه. وعدد الروايات فيها بلغ عدة مئات. لكن التواتر حول التفاصيل ولا سيما حضور المعصومين إجمالي. والمتيقن منه حضور النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسين بالإضافة إلى الإمام المنتظر عليهم أفضل الصلاة والسلام. وفي سائر المعصومين عليهم السلام وردت روايات تنص على حضورهم أيضاً.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

رجعة النبي وأهل البيت للأرض من المسلمات



السؤال: سؤالي عن الرجعة، هل هي ثابتة؟ وهل فعلاً أن المعصومين سيرجعون جميعهم؟ أي الأئمة الاثني عشر والنبي الأكرم صلوات الله عليهم؟ لأننا صرنا نسمع ذلك هذه الأيام؟

الجواب: الرجعة من الأمور المسلمة والضرورية، التي تظافرت بالدلالة عليها الآيات والروايات والإجماع بقسميه. وعدد الروايات فيها بلغ عدة مئات. لكن التواتر حول التفاصيل ولا سيما حضور المعصومين إجمالي. والمتيقن منه حضور النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسين بالإضافة إلى الإمام المنتظر عليهم أفضل الصلاة والسلام. وفي سائر المعصومين عليهم السلام وردت روايات تنص على حضورهم أيضاً.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:50 م
السؤال: ما معنى هذه الرواية التي أوردها مؤلف كتاب «الخصائص الزينبية» الجزائري نور الدين عن فاطمة عليها السلام، بأنها قالت: ولدت الحسن والحسين من الفخذ الأيمن وزينب وأم كلثوم من الفخذ الأيسر؟! والسلام عليكم..
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد سألتم عن رواية ذكرت في كتاب: «الخصائص الزينبية»، حول كيفية ولادة السيدة الزهراء (عليه السلام) لأولادها صلوات الله وسلامه عليهم..
ونقول:
إن راوي هذه الرواية فيما نعلم هم الغلاة، مثل الخصيبي(1). وقد وصف علماء الرجال هذا الرجل بما يجعله في عداد الضعفاء، فقد قالوا عنه: إنه كذاب، فاسد المذهب، صاحب مقالة ملعونة، لا يلتفت إليه(2)..
كما أن الحسين بن عبد الوهاب قد نقلها عن كتاب «الأنوار والبدع» لأبي القاسم الكوفي(3) الذي يقال فيه نفس ما يقال في الخصيبي. فراجع(4).
فما دام أنها لم تؤيد من أي طريق آخر، فلا مجال للركون إليها، ومع غض النظر عن ذلك، فلابد من تأويلها إن أمكن، أو رد علمها إلى أهلها.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

ـــــــــــــــ
(1) راجع: الهداية الكبرى ص180.
(2) راجع قاموس الرجال، وسائر كتب الرجال، ترجمة الحسين بن حمدان الخصيبي.
(3) عيون المعجزات ص51 وراجع: مدينة المعاجز ج3 ص225 و226 والبحار ج34 ص256.
(4) راجع قاموس الرجال ج7 ص350 / 353.
مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة، السؤال 307

رواية غريبة في ولادة الحسنين عليهما السلام

السؤال: ما معنى هذه الرواية التي أوردها مؤلف كتاب «الخصائص الزينبية» الجزائري نور الدين عن فاطمة عليها السلام، بأنها قالت: ولدت الحسن والحسين من الفخذ الأيمن وزينب وأم كلثوم من الفخذ الأيسر؟! والسلام عليكم..
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد سألتم عن رواية ذكرت في كتاب: «الخصائص الزينبية»، حول كيفية ولادة السيدة الزهراء (عليه السلام) لأولادها صلوات الله وسلامه عليهم..
ونقول:
إن راوي هذه الرواية فيما نعلم هم الغلاة، مثل الخصيبي(1). وقد وصف علماء الرجال هذا الرجل بما يجعله في عداد الضعفاء، فقد قالوا عنه: إنه كذاب، فاسد المذهب، صاحب مقالة ملعونة، لا يلتفت إليه(2)..
كما أن الحسين بن عبد الوهاب قد نقلها عن كتاب «الأنوار والبدع» لأبي القاسم الكوفي(3) الذي يقال فيه نفس ما يقال في الخصيبي. فراجع(4).
فما دام أنها لم تؤيد من أي طريق آخر، فلا مجال للركون إليها، ومع غض النظر عن ذلك، فلابد من تأويلها إن أمكن، أو رد علمها إلى أهلها.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

ـــــــــــــــ
(1) راجع: الهداية الكبرى ص180.
(2) راجع قاموس الرجال، وسائر كتب الرجال، ترجمة الحسين بن حمدان الخصيبي.
(3) عيون المعجزات ص51 وراجع: مدينة المعاجز ج3 ص225 و226 والبحار ج34 ص256.
(4) راجع قاموس الرجال ج7 ص350 / 353.
مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة، السؤال 307

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  4:28 م

الجمعة، 30 مايو 2014



السؤال: كثيراً ما نسمع عن الأبدال والأوتاد؟ فمن هم؟ وهل لهم وجود حقيقي؟ أم أنهم وصف عام مجازي يقصد منه كل شيء مؤثر في هذا الوجود؟

الجواب: الأبدال جمع بدل، مثل اقلام وأعلام جمع قلَم وعلَم، تعني في اللغة بنحو الإجمال شخصاً يكون بدلاً عن شخص آخر يكون مكانه في وظيفته ومقامه، مع صدق عنوان البدلية. وأطلق في الأحاديث لفظ الأبدال وأريد به معاني خاصة، كالأوصياء والأئمة المعصومين عليهم السلام، فقد رُوِيَ عن الخالد بن الهيثم الفارسي أنه قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السَّلام) إن الناس يزعمون أن في الأرض أبدالاً، فمن هؤلاء الأبدال؟ قال: "صدقوا؛ الأبدال الأوصياء، جعلهم الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض بَدَلَ الأنبياء، إذ رفع الأنبياء وختمهم محمد ( صلى الله عليه و آله ) "[1].
 وفي بعضها أريد به أصحاب الإمام الحجة المهدي عجل الله فرجه الشريف، كما  رُوِيَ عن جابر الجعفي أنه قال: قال أبو جعفر ( عليه السَّلام ): " يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، و الأبدال من أهل الشام، و الأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم"[2].
 وفي بعضها أنهم قوم لهم عدد معين كلما مات واحد منهم حل آخر محله. كما قال الشيخ الطُريحي: [إن] الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر[3].
 والمراد منهم على كل حال قوم بلغوا درجة عليا من الدين والتعبد استحقوا بها تلك المنزلة والفضل. وهو الظاهر من كلام العلامة المجلسي، حيث يقول: "ظاهر الدعاء المروي من أم داود عن الصادق ( عليه السَّلام ) في النصف من رجب ـ حيث قال ـ: " اللهم صل على محمد و آل محمد، و ارحم محمداً و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على الأوصياء و السعداء و الشهداء وأئمة الهدى، اللهم صل على الأبدال والأوتاد والسياح والعباد والمخلصين والزهاد وأهل الجد والاجتهاد "، ـ إلى آخر الدعاء ـ يدل على مغايرة الأبدال للأئمة (عليهم السلام )، لكن ليس بصريح فيها، فيمكن حمله على التأكيد"[4].
 ويبدو أنها جميعاً صحيحة، أو لا أقل من صحة أغلبها، وإن كان كلٌّ منها بلحاظه الخاص.
ومثل ذلك الكلام عن الأوتاد. فالكلمة من حيث اللغة بمعنى المسمار والثقل الذي يكون سبباً لثبات البناء. كالمسمار في السفينة، والزر في الثوب، والجبال في الأرض. قال تعالى: "ألم نجعل الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً"[5]، وقال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "ووتد بالصخور ميَدَان أرضه"[6]. وهذا اللفظ أليق بانطباقه على أهل البيت الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأقرب من حمله على غيرهم؛ لأنهم العلة الغائية لهذا الخلق، ولولاهم لساخت الأرض بمن فيها. والأحاديث في ذلك غير قليلة؛ منها: ما رواه الكليني عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنّي واثني عشر من ولدي، وأنت يا علي، زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم يُنظَروا"[7]. ومنها ما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة: " وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه"[8].

[1]بحار الأنوار  الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ): 27 / 48.
[2]الغيبة: 476، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، و بحار الأنوار: 52 / 334.
[3]مجمع البحرين: 5 / 319، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي.
[4] بحار الأنوار: 27 / 48.
[5] النبأ: 6-7.
[6] نهج البلاغة: الخطبة 1).
[7] الكافي 1: 534/ باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم عليهم السلام/ ح 17.
[8] بحار الأنوار: ج99 ص154.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

الأبدال والأوتاد



السؤال: كثيراً ما نسمع عن الأبدال والأوتاد؟ فمن هم؟ وهل لهم وجود حقيقي؟ أم أنهم وصف عام مجازي يقصد منه كل شيء مؤثر في هذا الوجود؟

الجواب: الأبدال جمع بدل، مثل اقلام وأعلام جمع قلَم وعلَم، تعني في اللغة بنحو الإجمال شخصاً يكون بدلاً عن شخص آخر يكون مكانه في وظيفته ومقامه، مع صدق عنوان البدلية. وأطلق في الأحاديث لفظ الأبدال وأريد به معاني خاصة، كالأوصياء والأئمة المعصومين عليهم السلام، فقد رُوِيَ عن الخالد بن الهيثم الفارسي أنه قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السَّلام) إن الناس يزعمون أن في الأرض أبدالاً، فمن هؤلاء الأبدال؟ قال: "صدقوا؛ الأبدال الأوصياء، جعلهم الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض بَدَلَ الأنبياء، إذ رفع الأنبياء وختمهم محمد ( صلى الله عليه و آله ) "[1].
 وفي بعضها أريد به أصحاب الإمام الحجة المهدي عجل الله فرجه الشريف، كما  رُوِيَ عن جابر الجعفي أنه قال: قال أبو جعفر ( عليه السَّلام ): " يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، و الأبدال من أهل الشام، و الأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم"[2].
 وفي بعضها أنهم قوم لهم عدد معين كلما مات واحد منهم حل آخر محله. كما قال الشيخ الطُريحي: [إن] الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر[3].
 والمراد منهم على كل حال قوم بلغوا درجة عليا من الدين والتعبد استحقوا بها تلك المنزلة والفضل. وهو الظاهر من كلام العلامة المجلسي، حيث يقول: "ظاهر الدعاء المروي من أم داود عن الصادق ( عليه السَّلام ) في النصف من رجب ـ حيث قال ـ: " اللهم صل على محمد و آل محمد، و ارحم محمداً و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على الأوصياء و السعداء و الشهداء وأئمة الهدى، اللهم صل على الأبدال والأوتاد والسياح والعباد والمخلصين والزهاد وأهل الجد والاجتهاد "، ـ إلى آخر الدعاء ـ يدل على مغايرة الأبدال للأئمة (عليهم السلام )، لكن ليس بصريح فيها، فيمكن حمله على التأكيد"[4].
 ويبدو أنها جميعاً صحيحة، أو لا أقل من صحة أغلبها، وإن كان كلٌّ منها بلحاظه الخاص.
ومثل ذلك الكلام عن الأوتاد. فالكلمة من حيث اللغة بمعنى المسمار والثقل الذي يكون سبباً لثبات البناء. كالمسمار في السفينة، والزر في الثوب، والجبال في الأرض. قال تعالى: "ألم نجعل الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً"[5]، وقال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "ووتد بالصخور ميَدَان أرضه"[6]. وهذا اللفظ أليق بانطباقه على أهل البيت الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأقرب من حمله على غيرهم؛ لأنهم العلة الغائية لهذا الخلق، ولولاهم لساخت الأرض بمن فيها. والأحاديث في ذلك غير قليلة؛ منها: ما رواه الكليني عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنّي واثني عشر من ولدي، وأنت يا علي، زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم يُنظَروا"[7]. ومنها ما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة: " وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه"[8].

[1]بحار الأنوار  الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ): 27 / 48.
[2]الغيبة: 476، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، و بحار الأنوار: 52 / 334.
[3]مجمع البحرين: 5 / 319، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي.
[4] بحار الأنوار: 27 / 48.
[5] النبأ: 6-7.
[6] نهج البلاغة: الخطبة 1).
[7] الكافي 1: 534/ باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم عليهم السلام/ ح 17.
[8] بحار الأنوار: ج99 ص154.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:53 م




السؤال: كيف نستطيع أن نفسر اختصاص أمير المؤمنين عليه السلام، بكرامة الولادة في الكعبة، دون رسول الله صلى الله عليه وآله؟


الجواب: 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

توطئة وتمهيد:
إننا قبل أن ندخل في الإجابة على السؤال المذكور، نحب التذكير بأن بين النبوة والإمامة، والنبي والإمام، فرقاً، فيما يرتبط بترتيب الأحكام الظاهرية على من يؤمن بذلك وينكر، ومن يتيقن ويشك، ومن يحب ويبغض..
فأما بالنسبة للنبوة والنبي (صلى الله عليه وآله)، فإن أدنى شك أو شبهة بها، وكذلك أدنى ريب في الرسول (صلى الله عليه وآله) يوجب الكفر، كما أن بغض الرسول (صلى الله عليه وآله) بأي مرتبة كان، يخرج الإنسان من الإسلام واقعاً، وتلحقه وتترتب عليه أحكام الكفر، في مرحلة الظاهر أيضاً، فيحكم عليه بالنجاسة، وبأنه لا يرث من المسلم وغير ذلك..
وأما الإمامة والإمام (عليه السلام)، فإن الحكمة والرحمة الإلهية، وحب الله تعالى للناس، ورفقه بهم، قد اقتضى: أن لا تترتب الأحكام الظاهرية على من أنكر الإمامة، أو شك فيها، أو في الإمام (عليه السلام)، أو قصر في حبه.. ولكن بشرطين..
أحدهما: أن يكون ذلك الإنكار، أو الشك، أو التقصير ناشئاً عن شبهة، إذ مع عدم الشبهة في ثبوت النص أو في دلالته، يكون المنكر أو الشاك مكذباً لرسول الله صلى الله عليه وآله، راداً على الله سبحانه، ومن كان كذلك فهو كافر جزماً..
الثاني: أن لا يكون معلناً ببغض الإمام، ناصباً العداء له، لأن الناصب حكمه حكم الكافر أيضاً..

النبي لا يقتل أحداً؛ لماذا؟
وبعدما تقدم نقول:
إذا كان قيام الإسلام وحفظه يحتاج إلى جهاد وتضحيات، ثم إذا كان في الجهاد قتل ويتم، ومصائب ومصاعب، ولم يكن يمكن لرسول الله أن يتولى بنفسه كسر شوكة الشرك، وقتل فراعنته وصناديده.. لأن ذلك يوجب أن ينصب الحقد عليه، وأن تمتلئ نفوس ذوي القتلى ومحبيهم، ومن يرون أنفسهم في موقع المهزوم بغضاً له، وحنقاً عليه..
وهذا يؤدي إلى حرمان هؤلاء من فرصة الفوز بالتشرف بالإسلام، وسيؤثر ذلك على تمكّن بنيهم، وسائر ذويهم ومحبيهم من ذلك أيضاً.. فقضت الرحمة الإلهية أن يتولى مناجزتهم من هو كنفس الرسول (صلى الله عليه وآله)، الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ألا وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)..
واقتضت هذه الرحمة أيضاً رفع بعض الأحكام الظاهرية ـ دون الواقعية ـ المرتبطة بحبه وبغضه، وبأمر إمامته عليه السلام، تسهيلاً من الله على الناس، ورفقاً بهم ـ رفعها ـ عن منكر امامته عليه السلام، وعن المقصر في حبه، ولكن بالشرطين المتقدمين وهما: وجود الشبهة وعدم النصب، لأنه مع عدم الشبهة ومع نصب العداء للإمام يكون من قبيل تعمد تكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله)، والتمرد والرد على الله سبحانه، كما قلنا..

معالجة قضايا الروح والنفس:
وفي سياق آخر نقول أيضاً:
إن معالجة قضايا الحب والبغض، والرضا والغضب، والإنفعالات النفسية، تحتاج إلى اتصال بالروح، وبالوجدان، وإلى إيقاظ الضمير، وإثارة العاطفة، بالإضافة إلى زيادة البصيرة في الدين، وترسيخ اليقين بحقائقه..
وهذا بالذات هو ما يتراءى لنا في مفردات السياسة الإلهية، في معالجة الأحقاد التي علم الله سبحانه: أنها سوف تنشأ، وقد نشأت بالفعل، كنتيجة لجهاد الإمام علي عليه السلام، في سبيل هذا الدين..
ونحن نعتقد: أن قضية ولادة الإمام علي عليه السلام في جوف الكعبة، واحدة من مفردات هذه السياسة الربانية، الحكيمة، والرائعة..

ولادة علي (عليه السلام) في الكعبة صنع الله:
ويمكن توضيح ذلك بأن نقول:
إن ولادته (عليه السلام)، في الكعبة المشرفة، إنما هي أمر صنعه الله تعالى له، لأنه يريد أن تكون هذه الولادة رحمة للأمة، وسبباً من أسباب هدايتها.. وليست أمراً صنعه الإمام علي (عليه السلام) لنفسه، ولا هي مما سعى إليه الآخرون، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به، أو التأييد لمفهوم اعتقادي، أو لواقع سياسي، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه، في صراع ديني، أو اجتماعي، أو غيره..
ويلاحظ: أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته عليه السلام حين دخلت، وحين خرجت، بعد أن وضعته في جوف الكعبة ـ وقد جرى هذا الصنع الإلهي له ـ  حيث كان عليه السلام لايزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد.. ليدل دلالة واضحة على اصطفائه له، وعلى عنايته به..
وذلك من شأنه أن يجعل أمر الاهتداء إلى نور ولايته أيسر، وليكون الإنسان في إمامته أبصر..
ويتأكد هذا الأمر بالنسبة لأولئك الذي سوف تترك لمسات ذباب سيفه «ذي الفقار» آثارها في المستكبرين والطغاة من إخوانهم، وآبائهم، وعشائرهم، أو من لهم بهم أية صلة أو رابطة..
الرصيد الوجداني آثار وسمات:
إن هذا الرصيد الوجداني الذي هيأ الله لهم أن يختزنوه في قلوبهم وعقولهم من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد فضله وإمامته ثم يأتي الواقع العلمي ليعطيها المزيد من الرسوخ والتجذر في قلوبهم وعقولهم من خلال مشاهداتهم، ومعرفتهم بتلك الألطاف الإلهية به عليه السلام، وإحساسهم بعمق وجدانهم بأنه وليد مبارك، وبأنه من صفوة خلق الله ومن عباده المخلصين، سيجعلهم يدركون: أنه (عليه السلام)، لا يريد بما بذله من جهد، وجهاد في مسيرة الإسلام، إلا رضا الله سبحانه، وإلا حفظ مسيرة الحياة الإنسانية، على حالة السلامة، وفي خط الاعتدال.. لأنها مسيرة سيكون جميع الناس ـ بدون استثناء ـ عناصر فاعلة ومؤثرة فيها، ومتأثرة بها..
وبذلك يصبح الذين يريدون الكون في موقع المخاصم له عليه السلام، أو المؤلب عليه، أمام صراع مع النفس ومع الوجدان، ومع الضمير، وسيرون أنهم حين يحاربونه إنما يحاربون الله ورسوله.. ويسعون في هدم ما شيده للدين من أركان، وما أقامه من أجل سعادتهم، وسلامة حياتهم، من بنيان..
 ولادة علي (عليه السلام) في الكعبة لطف بالأمة:
فولادة الإمام علي عليه السلام، في الكعبة المشرفة، هي لطف، بالأمة بأسرها، حتى أولئك الذين وترهم الإسلام منها، وسبيل هداية لهم ولها، وهو سبب انضباط وجداني، ومعدن خير وصلاح، ينتج الإيمان، والعمل الصالح، ويكف من يستجيب لنداء الوجدان، عن الامعان في الطغيان، والعدوان، وعن الانسياق وراء الأهواء، والعواطف، من دون تأمل وتدبر..
وغني عن البيان، أن مقام الإمام علي عليه السلام وفضله، أعظم وأجل من أن تكون ولادته عليه السلام، في الكعبة سبباً أو منشأ لإعطاء المقام والشرف له.. بل الكعبة هي التي تتشرف به وتعتز، وتزيد قداستها، وتتأكد حرمتها بولادته فيها صلوات الله وسلامه عليه..
وأما رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن معجزته الظاهرة التي تهدي الناس إلى الله تعالى، وصفاته، وإلى النبوة والنبي، وتدلهم عليه، وتؤكد صدقه، ولزوم الإيمان به، وتأخذ بيدهم إلى الإيمان باليوم الآخر.. ـ ان هذه المعجزة ـ هي هذا القرآن العظيم، الذي يهدي إلى الرشد من أراده، والذي لا بد أن يدخل هذه الحقائق إلى القلوب والعقول أولاً، من باب الاستدلال، والانجذاب الفطري إلى الحق بما هو حق.. من دون تأثر بالعاطفة، وبعيداً عن احتمالات الإنبهار بأية مؤثرات أخرى مهما كانت..
إذ إن القضية هي قضية إيمان وكفر، وحق وباطل، لا بد لإدراكهما من الكون على حالة من الصفاء والنقاء، وتفريغ القلب من أي داع آخر، قد يكون سبباً في التساهل في رصد الحقيقة، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها، والوصول إليها..
فالله لا يريد أن تكون مظاهر الكرامة، سبباً في إعاقة العقل عن دوره الأصيل في إدراك الحق، وفي تحديد حدوده، وتَلَمُّس دقائقه، وحقائقه والتبيُّن لها إلى حد تصير معه أوضح من  الشمس، وأبين من الأمس..
ولذلك فإن الله تعالى لم يصنع لرسوله، ما يدعوهم إلى تقديسه كشخص، ولا ربط الناس به قبل بعثته بما هو فرد بعينه لا بد لهم من الخضوع والبخوع له وتمجيد مقامه، لأن هذا قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل، ولا الطريقة الفضلى، في سياسية الهداية إلى الأمور الإعتقادية، التي هي أساس الدين، والتي تحتاج إلى تفريغ النفس وإعطاء الدور، كل الدور، للدليل وللبرهان، وللآيات والبينات، وإلى أن يكون التعاطي مع الآيات والدلائل بسلامة تامة، وبوعي كامل، وتأمل عميق، وملاحظة دقيقة..
وهذا هو ما نلاحظه في إثارات الآيات القرآنية لقضايا الإيمان الكبرى، خصوصاً تلك التي نزلت في الفترة المكية للدعوة. فإنها إثارات جاءت بالغة الدقة، رائعة في دلالاتها وبياناتها، التي تضع العقل والفطرة أمام الأمر الواقع الذي لا يمكن القفز عنه، إلا بتعطيل دورهما، وإسقاط سلطانهما، لمصلحة سلطان الهوى، ونزوات الشهوات، والغرائز..
وهذا الذي قلناه، لا ينسحب ولا يشمل إظهار المعجزات والآيات الدالة على الرسولية، وعلى النبوة، فإنها آيات يستطيع العقل أن يتخذ منها وسائل وأدوات ترشده إلى الحق، وتوصله إليه.. وتضع يده عليه.. وليست هي فوق العقل، ولا هي من موجبات تعطيله، أو اضعافه.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..

سماحة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي دام ظله.

لماذا وُلد الإمام علي (عليه السلام) في الكعبة؟





السؤال: كيف نستطيع أن نفسر اختصاص أمير المؤمنين عليه السلام، بكرامة الولادة في الكعبة، دون رسول الله صلى الله عليه وآله؟


الجواب: 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

توطئة وتمهيد:
إننا قبل أن ندخل في الإجابة على السؤال المذكور، نحب التذكير بأن بين النبوة والإمامة، والنبي والإمام، فرقاً، فيما يرتبط بترتيب الأحكام الظاهرية على من يؤمن بذلك وينكر، ومن يتيقن ويشك، ومن يحب ويبغض..
فأما بالنسبة للنبوة والنبي (صلى الله عليه وآله)، فإن أدنى شك أو شبهة بها، وكذلك أدنى ريب في الرسول (صلى الله عليه وآله) يوجب الكفر، كما أن بغض الرسول (صلى الله عليه وآله) بأي مرتبة كان، يخرج الإنسان من الإسلام واقعاً، وتلحقه وتترتب عليه أحكام الكفر، في مرحلة الظاهر أيضاً، فيحكم عليه بالنجاسة، وبأنه لا يرث من المسلم وغير ذلك..
وأما الإمامة والإمام (عليه السلام)، فإن الحكمة والرحمة الإلهية، وحب الله تعالى للناس، ورفقه بهم، قد اقتضى: أن لا تترتب الأحكام الظاهرية على من أنكر الإمامة، أو شك فيها، أو في الإمام (عليه السلام)، أو قصر في حبه.. ولكن بشرطين..
أحدهما: أن يكون ذلك الإنكار، أو الشك، أو التقصير ناشئاً عن شبهة، إذ مع عدم الشبهة في ثبوت النص أو في دلالته، يكون المنكر أو الشاك مكذباً لرسول الله صلى الله عليه وآله، راداً على الله سبحانه، ومن كان كذلك فهو كافر جزماً..
الثاني: أن لا يكون معلناً ببغض الإمام، ناصباً العداء له، لأن الناصب حكمه حكم الكافر أيضاً..

النبي لا يقتل أحداً؛ لماذا؟
وبعدما تقدم نقول:
إذا كان قيام الإسلام وحفظه يحتاج إلى جهاد وتضحيات، ثم إذا كان في الجهاد قتل ويتم، ومصائب ومصاعب، ولم يكن يمكن لرسول الله أن يتولى بنفسه كسر شوكة الشرك، وقتل فراعنته وصناديده.. لأن ذلك يوجب أن ينصب الحقد عليه، وأن تمتلئ نفوس ذوي القتلى ومحبيهم، ومن يرون أنفسهم في موقع المهزوم بغضاً له، وحنقاً عليه..
وهذا يؤدي إلى حرمان هؤلاء من فرصة الفوز بالتشرف بالإسلام، وسيؤثر ذلك على تمكّن بنيهم، وسائر ذويهم ومحبيهم من ذلك أيضاً.. فقضت الرحمة الإلهية أن يتولى مناجزتهم من هو كنفس الرسول (صلى الله عليه وآله)، الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ألا وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)..
واقتضت هذه الرحمة أيضاً رفع بعض الأحكام الظاهرية ـ دون الواقعية ـ المرتبطة بحبه وبغضه، وبأمر إمامته عليه السلام، تسهيلاً من الله على الناس، ورفقاً بهم ـ رفعها ـ عن منكر امامته عليه السلام، وعن المقصر في حبه، ولكن بالشرطين المتقدمين وهما: وجود الشبهة وعدم النصب، لأنه مع عدم الشبهة ومع نصب العداء للإمام يكون من قبيل تعمد تكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله)، والتمرد والرد على الله سبحانه، كما قلنا..

معالجة قضايا الروح والنفس:
وفي سياق آخر نقول أيضاً:
إن معالجة قضايا الحب والبغض، والرضا والغضب، والإنفعالات النفسية، تحتاج إلى اتصال بالروح، وبالوجدان، وإلى إيقاظ الضمير، وإثارة العاطفة، بالإضافة إلى زيادة البصيرة في الدين، وترسيخ اليقين بحقائقه..
وهذا بالذات هو ما يتراءى لنا في مفردات السياسة الإلهية، في معالجة الأحقاد التي علم الله سبحانه: أنها سوف تنشأ، وقد نشأت بالفعل، كنتيجة لجهاد الإمام علي عليه السلام، في سبيل هذا الدين..
ونحن نعتقد: أن قضية ولادة الإمام علي عليه السلام في جوف الكعبة، واحدة من مفردات هذه السياسة الربانية، الحكيمة، والرائعة..

ولادة علي (عليه السلام) في الكعبة صنع الله:
ويمكن توضيح ذلك بأن نقول:
إن ولادته (عليه السلام)، في الكعبة المشرفة، إنما هي أمر صنعه الله تعالى له، لأنه يريد أن تكون هذه الولادة رحمة للأمة، وسبباً من أسباب هدايتها.. وليست أمراً صنعه الإمام علي (عليه السلام) لنفسه، ولا هي مما سعى إليه الآخرون، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به، أو التأييد لمفهوم اعتقادي، أو لواقع سياسي، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه، في صراع ديني، أو اجتماعي، أو غيره..
ويلاحظ: أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته عليه السلام حين دخلت، وحين خرجت، بعد أن وضعته في جوف الكعبة ـ وقد جرى هذا الصنع الإلهي له ـ  حيث كان عليه السلام لايزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد.. ليدل دلالة واضحة على اصطفائه له، وعلى عنايته به..
وذلك من شأنه أن يجعل أمر الاهتداء إلى نور ولايته أيسر، وليكون الإنسان في إمامته أبصر..
ويتأكد هذا الأمر بالنسبة لأولئك الذي سوف تترك لمسات ذباب سيفه «ذي الفقار» آثارها في المستكبرين والطغاة من إخوانهم، وآبائهم، وعشائرهم، أو من لهم بهم أية صلة أو رابطة..
الرصيد الوجداني آثار وسمات:
إن هذا الرصيد الوجداني الذي هيأ الله لهم أن يختزنوه في قلوبهم وعقولهم من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد فضله وإمامته ثم يأتي الواقع العلمي ليعطيها المزيد من الرسوخ والتجذر في قلوبهم وعقولهم من خلال مشاهداتهم، ومعرفتهم بتلك الألطاف الإلهية به عليه السلام، وإحساسهم بعمق وجدانهم بأنه وليد مبارك، وبأنه من صفوة خلق الله ومن عباده المخلصين، سيجعلهم يدركون: أنه (عليه السلام)، لا يريد بما بذله من جهد، وجهاد في مسيرة الإسلام، إلا رضا الله سبحانه، وإلا حفظ مسيرة الحياة الإنسانية، على حالة السلامة، وفي خط الاعتدال.. لأنها مسيرة سيكون جميع الناس ـ بدون استثناء ـ عناصر فاعلة ومؤثرة فيها، ومتأثرة بها..
وبذلك يصبح الذين يريدون الكون في موقع المخاصم له عليه السلام، أو المؤلب عليه، أمام صراع مع النفس ومع الوجدان، ومع الضمير، وسيرون أنهم حين يحاربونه إنما يحاربون الله ورسوله.. ويسعون في هدم ما شيده للدين من أركان، وما أقامه من أجل سعادتهم، وسلامة حياتهم، من بنيان..
 ولادة علي (عليه السلام) في الكعبة لطف بالأمة:
فولادة الإمام علي عليه السلام، في الكعبة المشرفة، هي لطف، بالأمة بأسرها، حتى أولئك الذين وترهم الإسلام منها، وسبيل هداية لهم ولها، وهو سبب انضباط وجداني، ومعدن خير وصلاح، ينتج الإيمان، والعمل الصالح، ويكف من يستجيب لنداء الوجدان، عن الامعان في الطغيان، والعدوان، وعن الانسياق وراء الأهواء، والعواطف، من دون تأمل وتدبر..
وغني عن البيان، أن مقام الإمام علي عليه السلام وفضله، أعظم وأجل من أن تكون ولادته عليه السلام، في الكعبة سبباً أو منشأ لإعطاء المقام والشرف له.. بل الكعبة هي التي تتشرف به وتعتز، وتزيد قداستها، وتتأكد حرمتها بولادته فيها صلوات الله وسلامه عليه..
وأما رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن معجزته الظاهرة التي تهدي الناس إلى الله تعالى، وصفاته، وإلى النبوة والنبي، وتدلهم عليه، وتؤكد صدقه، ولزوم الإيمان به، وتأخذ بيدهم إلى الإيمان باليوم الآخر.. ـ ان هذه المعجزة ـ هي هذا القرآن العظيم، الذي يهدي إلى الرشد من أراده، والذي لا بد أن يدخل هذه الحقائق إلى القلوب والعقول أولاً، من باب الاستدلال، والانجذاب الفطري إلى الحق بما هو حق.. من دون تأثر بالعاطفة، وبعيداً عن احتمالات الإنبهار بأية مؤثرات أخرى مهما كانت..
إذ إن القضية هي قضية إيمان وكفر، وحق وباطل، لا بد لإدراكهما من الكون على حالة من الصفاء والنقاء، وتفريغ القلب من أي داع آخر، قد يكون سبباً في التساهل في رصد الحقيقة، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها، والوصول إليها..
فالله لا يريد أن تكون مظاهر الكرامة، سبباً في إعاقة العقل عن دوره الأصيل في إدراك الحق، وفي تحديد حدوده، وتَلَمُّس دقائقه، وحقائقه والتبيُّن لها إلى حد تصير معه أوضح من  الشمس، وأبين من الأمس..
ولذلك فإن الله تعالى لم يصنع لرسوله، ما يدعوهم إلى تقديسه كشخص، ولا ربط الناس به قبل بعثته بما هو فرد بعينه لا بد لهم من الخضوع والبخوع له وتمجيد مقامه، لأن هذا قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل، ولا الطريقة الفضلى، في سياسية الهداية إلى الأمور الإعتقادية، التي هي أساس الدين، والتي تحتاج إلى تفريغ النفس وإعطاء الدور، كل الدور، للدليل وللبرهان، وللآيات والبينات، وإلى أن يكون التعاطي مع الآيات والدلائل بسلامة تامة، وبوعي كامل، وتأمل عميق، وملاحظة دقيقة..
وهذا هو ما نلاحظه في إثارات الآيات القرآنية لقضايا الإيمان الكبرى، خصوصاً تلك التي نزلت في الفترة المكية للدعوة. فإنها إثارات جاءت بالغة الدقة، رائعة في دلالاتها وبياناتها، التي تضع العقل والفطرة أمام الأمر الواقع الذي لا يمكن القفز عنه، إلا بتعطيل دورهما، وإسقاط سلطانهما، لمصلحة سلطان الهوى، ونزوات الشهوات، والغرائز..
وهذا الذي قلناه، لا ينسحب ولا يشمل إظهار المعجزات والآيات الدالة على الرسولية، وعلى النبوة، فإنها آيات يستطيع العقل أن يتخذ منها وسائل وأدوات ترشده إلى الحق، وتوصله إليه.. وتضع يده عليه.. وليست هي فوق العقل، ولا هي من موجبات تعطيله، أو اضعافه.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..

سماحة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي دام ظله.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  3:28 م

السؤال: ما هو القرب الإلهي؟ ولماذا نحن نتوجه نحو السماء حين ندعو ونتوجه إلى الله؟ ولماذا حين عرج بالنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء "دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أوأدنى"؟

الجواب: لا حقيقة في واقع الأمر للفوق والتحت ، فإن من يكون في شمال الكرة الأرضية ينظر فوق رأسه ويعتبره فوقاً وسماء وعلوّاً، ومن يكون في جنوب الأرض كذلك ينظر أعلى رأسه ويعتبره فوقاً وسماء وعلوّاً، مع أن الجهتين لو تأملنا متضادتان تماماً. وهكذا من يكون في شرق الكرة الأرضية وفي غربها.
بل إن الأرض بنفسها لو دققنا جرم سماوي يسبح في فلك من أفلاك السماء. فهي على هذا فوق، وليس تحت كما نتخيل بالقياس إلى الأفلاك الأخرى. ومن يكن على سطح القمر ينظر إلى الأرض على أنها كوكب سماوي فوق رؤوسهم. مع أننا نرى أنفسنا تحت والسماء فوق!. سبحان الله! وهذا من عجائب الخلق ولطائف التدبير.
ثم إن رحلة المعراج قبل أن تكون في عالم الملك هي رحلة في عالم الملكوت.
وحتى على تسليم القول بصعود النبي صلى الله عليه وآله ومعراجه في الفضاء السماوي الظاهري، فإنما هي علامة وضعها الله عز وجل للانتساب إليه، كما نسب إليه البيت العتيق، فقيل بيت الله، وناقة صالح فقيل ناقة الله، وبعض الأيام فقيل: أيام الله، فكل هذه الأسماء حين تضاف إلى الله سبحانه، فهي إنما تتشرف بالانتساب إليه والانتماء إليه جل في علاه، لا أنها تصبح ظرفاً زمانياً أو مكانياً أو حالياً له؛ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
فالمقصود إذن من القرب هو الاقتراب المعنوي من رضوان الله بتقواه وطاعته. والخلق في ذلك متفاوتون، وقربهم كذلك يتفاوت بتبع ذلك، وأقربهم إليه: أتقاهم وأطوعهم إليه سبحانه. ولا شك أن هذا القرب أفضل وأعلى حتى من الجنة ولذاتها؛ قال تعالى: " وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (البقرة: 72)


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


ما هو القرب الإلهي؟ ولماذا نحن نتوجه نحو السماء حين ندعو ونتوجه إلى الله؟


السؤال: ما هو القرب الإلهي؟ ولماذا نحن نتوجه نحو السماء حين ندعو ونتوجه إلى الله؟ ولماذا حين عرج بالنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء "دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أوأدنى"؟

الجواب: لا حقيقة في واقع الأمر للفوق والتحت ، فإن من يكون في شمال الكرة الأرضية ينظر فوق رأسه ويعتبره فوقاً وسماء وعلوّاً، ومن يكون في جنوب الأرض كذلك ينظر أعلى رأسه ويعتبره فوقاً وسماء وعلوّاً، مع أن الجهتين لو تأملنا متضادتان تماماً. وهكذا من يكون في شرق الكرة الأرضية وفي غربها.
بل إن الأرض بنفسها لو دققنا جرم سماوي يسبح في فلك من أفلاك السماء. فهي على هذا فوق، وليس تحت كما نتخيل بالقياس إلى الأفلاك الأخرى. ومن يكن على سطح القمر ينظر إلى الأرض على أنها كوكب سماوي فوق رؤوسهم. مع أننا نرى أنفسنا تحت والسماء فوق!. سبحان الله! وهذا من عجائب الخلق ولطائف التدبير.
ثم إن رحلة المعراج قبل أن تكون في عالم الملك هي رحلة في عالم الملكوت.
وحتى على تسليم القول بصعود النبي صلى الله عليه وآله ومعراجه في الفضاء السماوي الظاهري، فإنما هي علامة وضعها الله عز وجل للانتساب إليه، كما نسب إليه البيت العتيق، فقيل بيت الله، وناقة صالح فقيل ناقة الله، وبعض الأيام فقيل: أيام الله، فكل هذه الأسماء حين تضاف إلى الله سبحانه، فهي إنما تتشرف بالانتساب إليه والانتماء إليه جل في علاه، لا أنها تصبح ظرفاً زمانياً أو مكانياً أو حالياً له؛ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
فالمقصود إذن من القرب هو الاقتراب المعنوي من رضوان الله بتقواه وطاعته. والخلق في ذلك متفاوتون، وقربهم كذلك يتفاوت بتبع ذلك، وأقربهم إليه: أتقاهم وأطوعهم إليه سبحانه. ولا شك أن هذا القرب أفضل وأعلى حتى من الجنة ولذاتها؛ قال تعالى: " وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (البقرة: 72)


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:57 ص

الخميس، 29 مايو 2014

السؤال: إذا كان الله عالماً بكل شيء، ومنها أفعال العباد قبل وقوعها، أفلا يعد ذلك سلباً لاختيار الإنسان؟
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنك إذا علمت بأن الشمس سوف تطلع غداً من المشرق، في الساعة الفلانية، فإن علمك ليس له تأثير في طلوعها، وكذا لو علمت بأن فلاناً سيقتل فلاناً الآخر، فإن علمك لا أثر له في القتل، ولا يعتبرك أحد قاتلاً، ولا يطالبك أولياؤه بدمه، ولا يحكم بالقَوَد.. 
وهكذا يقال بالنسبة لعلم الله تعالى بأفعالنا، فإنه سبحانه يعلم بأننا سنقوم بالفعل الفلاني باختيار منا.. فهو يعلم بالفعل ويعلم بأسباب الإقدام عليه، وأنه سيكون بالاختيار، وبالقدرات التي نملكها في مجال التنفيذ..
نعم.. هناك فيض مستمر منه تعالى على هذا الإنسان، حيث يفيض عليه الوجود والحياة، والقدرة، وكل ما يملكه لحظة فلحظة.. حتى حين يمارس أفعاله..
ولكن هذا الفيض والعطاء لا يعني أنه تعالى هو الذي يفعل، أو يجبر على الفعل.. بل هو يعطي ونحن نأخذ، والآخذ يتصرف فيما يأخذ كيف نشاء..
وهذا كما لو أعطى الأب ولده أموالاً ليصرفها في حاجاته المشروعة، وحدد له موارد الصرف.. فإنه قد يصرفها في مواردها، وقد يصرفها في غيرها.. فإن الوالد لا يلام على إعطائه المال، لأنه قد أعطاه إياه على سبيل الإحسان إليه.. كما أنه لا يطالب بما يفعله ذلك الولد..
وربما يمكن أن يمثل لذلك بالطاقة الكهربائية التي نحصل عليها من مولدها.. فإننا نحن الذين نختار توظيف تلك الطاقة في هذا الفعل أو في ذاك، فنستفيد منها في التدفئة تارة، وفي التبريد أخرى، وفي الإنارة ثالثة، و.. و.. الخ.. وقد نقتل أو نعذب بها إنساناً أيضاً..
وفي جميع الأحوال: فإننا نحن الذين نختار، ونحن نتحمل مسؤولية ما نختاره. وليس للمولِّد أو لصاحبه أي ذنب في ذلك.. ولا يطالبون بآثار اختياراتنا نحن للطاقة التي يضعونها تحت اختياراتنا، كما أن المنافع التي نحصل عليها من خلال توظيفنا للطاقة في الموارد النافعة لا يصل إليهم منها شيء..
وفي جميع الأحوال نقول: إن الله بكل شيء عليم، ولكن علمه هذا ليس له دور في صنع الفعل.. بل هو يعلم أن الفعل سيتحقق، عن إرادة واختيار منا.. فهو تعالى يعلم بالفعل، ويعلم بأنه سيحصل باختيارنا وبإرادتنا له، وهو علم صادق بلا شك، ولكن صدقه لا يعني أن له أي تأثير في المعلوم..
والحمد لله رب العالمين.

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

_______

مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة) المجموعة الخامسة، السؤال 240

علم الله لا ينافي الإختيار

السؤال: إذا كان الله عالماً بكل شيء، ومنها أفعال العباد قبل وقوعها، أفلا يعد ذلك سلباً لاختيار الإنسان؟
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنك إذا علمت بأن الشمس سوف تطلع غداً من المشرق، في الساعة الفلانية، فإن علمك ليس له تأثير في طلوعها، وكذا لو علمت بأن فلاناً سيقتل فلاناً الآخر، فإن علمك لا أثر له في القتل، ولا يعتبرك أحد قاتلاً، ولا يطالبك أولياؤه بدمه، ولا يحكم بالقَوَد.. 
وهكذا يقال بالنسبة لعلم الله تعالى بأفعالنا، فإنه سبحانه يعلم بأننا سنقوم بالفعل الفلاني باختيار منا.. فهو يعلم بالفعل ويعلم بأسباب الإقدام عليه، وأنه سيكون بالاختيار، وبالقدرات التي نملكها في مجال التنفيذ..
نعم.. هناك فيض مستمر منه تعالى على هذا الإنسان، حيث يفيض عليه الوجود والحياة، والقدرة، وكل ما يملكه لحظة فلحظة.. حتى حين يمارس أفعاله..
ولكن هذا الفيض والعطاء لا يعني أنه تعالى هو الذي يفعل، أو يجبر على الفعل.. بل هو يعطي ونحن نأخذ، والآخذ يتصرف فيما يأخذ كيف نشاء..
وهذا كما لو أعطى الأب ولده أموالاً ليصرفها في حاجاته المشروعة، وحدد له موارد الصرف.. فإنه قد يصرفها في مواردها، وقد يصرفها في غيرها.. فإن الوالد لا يلام على إعطائه المال، لأنه قد أعطاه إياه على سبيل الإحسان إليه.. كما أنه لا يطالب بما يفعله ذلك الولد..
وربما يمكن أن يمثل لذلك بالطاقة الكهربائية التي نحصل عليها من مولدها.. فإننا نحن الذين نختار توظيف تلك الطاقة في هذا الفعل أو في ذاك، فنستفيد منها في التدفئة تارة، وفي التبريد أخرى، وفي الإنارة ثالثة، و.. و.. الخ.. وقد نقتل أو نعذب بها إنساناً أيضاً..
وفي جميع الأحوال: فإننا نحن الذين نختار، ونحن نتحمل مسؤولية ما نختاره. وليس للمولِّد أو لصاحبه أي ذنب في ذلك.. ولا يطالبون بآثار اختياراتنا نحن للطاقة التي يضعونها تحت اختياراتنا، كما أن المنافع التي نحصل عليها من خلال توظيفنا للطاقة في الموارد النافعة لا يصل إليهم منها شيء..
وفي جميع الأحوال نقول: إن الله بكل شيء عليم، ولكن علمه هذا ليس له دور في صنع الفعل.. بل هو يعلم أن الفعل سيتحقق، عن إرادة واختيار منا.. فهو تعالى يعلم بالفعل، ويعلم بأنه سيحصل باختيارنا وبإرادتنا له، وهو علم صادق بلا شك، ولكن صدقه لا يعني أن له أي تأثير في المعلوم..
والحمد لله رب العالمين.

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

_______

مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة) المجموعة الخامسة، السؤال 240

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  4:15 م

الأربعاء، 28 مايو 2014


من فصول الصراع 1-2-11
 
1-الغرور
 
حلّ الغرور مرّةً أخرى على صدري
كأنني غريمُه من حيث لا أدري!
 
يتبعني كالظل في سرّي وفي جهري
يزين لي نفسي بوصفٍ فائق المكرِ
 
يقول: أنت عادمُ النظير في الدهرِ
بل أنت سرّ الكون منذ عالم الذرِّ!
 
والناس إن لم يدركوا مقامك السحري
فالطير لا يرقى إلى منزلة النسرِ!
 
يا ربُّ فالغوث لمن أتاك في ضُرِّ
ألطف به واكشف له حقيقة الأمرِ
 
    ***   ***    ***
 
2-الغيرة والحسد
 
وكلما شاهدتُ نعماءَ لدى أحدْ
تعصف بي حكومة الغيرة والحسدْ
 
أريد كلَّ الخير لي من دونما كمَدْ
بالمال والجمال والكمال والولدْ
 
نفسي تمنيني بعيشٍ كلُّه رغَد
لا ظمأٌ فيه ولا جوعٌ ولا نكَد
 
والناس من حوليَ كالعبيد والسنَدْ
تحفّني بالمدح والثناء للأبد!
 
وليس من يُعيذني سواك يا صمد
من شرَكِ الوسواس والخناس والحسَد


من كلمات سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


من فصول الصراع: 1-الغرور 2-الغيرة والحسد


من فصول الصراع 1-2-11
 
1-الغرور
 
حلّ الغرور مرّةً أخرى على صدري
كأنني غريمُه من حيث لا أدري!
 
يتبعني كالظل في سرّي وفي جهري
يزين لي نفسي بوصفٍ فائق المكرِ
 
يقول: أنت عادمُ النظير في الدهرِ
بل أنت سرّ الكون منذ عالم الذرِّ!
 
والناس إن لم يدركوا مقامك السحري
فالطير لا يرقى إلى منزلة النسرِ!
 
يا ربُّ فالغوث لمن أتاك في ضُرِّ
ألطف به واكشف له حقيقة الأمرِ
 
    ***   ***    ***
 
2-الغيرة والحسد
 
وكلما شاهدتُ نعماءَ لدى أحدْ
تعصف بي حكومة الغيرة والحسدْ
 
أريد كلَّ الخير لي من دونما كمَدْ
بالمال والجمال والكمال والولدْ
 
نفسي تمنيني بعيشٍ كلُّه رغَد
لا ظمأٌ فيه ولا جوعٌ ولا نكَد
 
والناس من حوليَ كالعبيد والسنَدْ
تحفّني بالمدح والثناء للأبد!
 
وليس من يُعيذني سواك يا صمد
من شرَكِ الوسواس والخناس والحسَد


من كلمات سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:46 م

0 التعليقات:

السؤال: هناك نصوص تتحدث عن أن علياً (عليه السلام) قد هدد عائشة بالطلاق من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حرب الجمل.
وبعضها تقول: إنه (عليه السلام) قد طلقها بالفعل، وقال لها: إذهبي، فقد أطلقنا لك في الأزواج.
فهل يصح طلاق المرأة بعد وفاة زوجها؟! أليس الموت كافياً في البينونة؟! وما معنى قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أمَّهَاتُهُمْ}(1)؟.


الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
فإن من خصوصيات النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، عدم جواز تزوج غيره بنسائه (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته، كما دل عليه قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أمَّهَاتُهُمْ}(2). وقال عز من قائل: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً}(3).
فقد جعل الله سبحانه حرمة نبيه ميتاً كحرمته حياً، كرامة منه تعالى له، وإظهاراً لمقامه (صلى الله عليه وآله).
وأما بالنسبة لما ورد من أن علياً (عليه السلام) قد طلق إحدى زوجاته (صلى الله عليه وآله)، أو هددها بذلك وذلك بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).. فإنما هو بمعنى حرمانها من هذا الشرف بإخراجها عن حكم زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)، وإباحة التزوج لها بمن شاءت، وبذلك يتم نزع صفة الأمومة للمؤمنين عنها، أي من حيث حرمة الزواج بها والتزويج لها.. وعدم حرمته.
وعلى كل حال فإن هناك روايات عديدة تعرضت لموضوع الطلاق، والتهديد فقد:
1 ـ أورد الشيخ الصدوق (رحمه الله) رواية طويلة جاء فيها:
«.. نظر إلي مولانا أبو محمد (عليه السلام) فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا.
قال: والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟
قلت: على حالها يا مولاي.
قال: فسل قرة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ـ فقال لي الغلام: سل عما بدا لك منها.
فقلت له: مولانا وابن مولانا، إنا روينا عنكم: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: أنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك.
ونساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كان طلاقهن وفاته، قال: ما الطلاق؟
قلت: تخلية السبيل.
قال: فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد خليت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج؟
قلت: لأن الله تبارك وتعالى حرم الأزواج عليهن. قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن؟
قلت: فأخبرني يابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فخصهن بشرف الأمهات.
فقال رسول الله: يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين»(4).
2 ـ روى المجلسي في البحار: عن الأصبغ بن نباتة قال: بعث علي (عليه السلام) يوم الجمل إلى عائشة: «إرجعي وإلا تكلمت بكلام تبرين من الله ورسوله».
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للحسن: إذهب إلى فلانة فقل لها: قال لك أمير المؤمنين: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن إليك بما تعلمين».
 فلما أخبرها الحسن بما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قامت ثم قالت: خلوني!
فقالت لها امرأة من المهالبة: أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم وحاورتيه، وخرج من عندك مغضباً، وأتاك غلام فأقلعت؟
قالت: إن هذا الغلام ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن أراد أن ينظر إلى مقلتي رسول الله فلينظر إلى هذا الغلام، وقد بعث إلي بما علمت.
قالت: فأسألك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليك إلا أخبرتينا بالذي بعث إليك.
قالت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه بيد علي، فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة(5).
3 ـ عن إبراهيم بن الحسين، بإسناده عن سالم بن أبي الجعد، قال: بعث علي (عليه السلام) إلى عائشة بعد أن انقضى أمر الجمل وهي بالبصرة، أن ارجعي إلى بيتك، فأبت، ثم أرسل إليها ثانية، فأبت، ثم أرسل إليها ثالثة: لترجعن أو لأتكلم بكلمة يبرأ الله بها منك ورسوله.
فقالت: أرحلوني أرحلوني.
فقالت لها امرأة ـ ممن كان عندها من النساء: يا أم المؤمنين ما هذا الذي ذعرك من وعيد علي (عليه السلام) إياك. قالت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) استخلفه على أهله، وجعل طلاق نسائه بيده(6).
4 ـ روى عمر بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: وفيه أن أمير المؤمنين قال حين بويع لعثمان عندما حضرت عمر الوفاة..
قال: فأناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة.
أفيكم أحد ورث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصارت تركته إليه من بعده غيري؟
قالوا: اللهم، لا.
قال: فأناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة، أفيكم أحد استخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أهله، وجعل طلاق نسائه بيده، غيري؟
قالوا: اللهم، لا(7).
وأما بالنسبة لقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أمَّهَاتُهُمْ} فقد ظهر أن المراد أمومتهن للمؤمنين في خصوص أمر حرمة الزواج منهن.. دون سائر الأحكام، ولذلك لم يجز لهن كشف شعورهن، ومحاسنهن، أمام الرجال المؤمنين. ولا يرثهن، كما لا يصح توريثهن من غير من دلت الأدلة على توريثه من الأرحام. وذلك ظاهر لا يخفى.
والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

ـــــــــــــــ

(1) سورة الأحزاب، الآية 6.
(2) سورة الأحزاب، الآية 6.
(3) سورة الأحزاب، الآية 53.
(4) كمال الدين وتمام النعمة ص 458، دلائل الإمامة ص 511، مدينة المعاجز ج 8 ص 55، بحار الأنوار ج 38 ص 88 و ج 52 ص82، وراجع تفسير نور الثقلين ج 4 ص 238، وج 5 ص372. ومستدرك البحار ج 6 ص 572.
(5) الإيضاح ج 2 ص79 ـ 80، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص397، بحار الأنوار ج 83 ص 75، مواقف الشيعة ج 2 ص 139.
(6) شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج 1 ص 210.
(7) شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج2 ص190، الاحتجاج ج 1 ص 199، بحار الأنوار ج 31 ص 334.

كتاب مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة) المجموعة الخامسة، السؤال 269

طلاق عائشة

السؤال: هناك نصوص تتحدث عن أن علياً (عليه السلام) قد هدد عائشة بالطلاق من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حرب الجمل.
وبعضها تقول: إنه (عليه السلام) قد طلقها بالفعل، وقال لها: إذهبي، فقد أطلقنا لك في الأزواج.
فهل يصح طلاق المرأة بعد وفاة زوجها؟! أليس الموت كافياً في البينونة؟! وما معنى قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أمَّهَاتُهُمْ}(1)؟.


الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
فإن من خصوصيات النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، عدم جواز تزوج غيره بنسائه (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته، كما دل عليه قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أمَّهَاتُهُمْ}(2). وقال عز من قائل: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً}(3).
فقد جعل الله سبحانه حرمة نبيه ميتاً كحرمته حياً، كرامة منه تعالى له، وإظهاراً لمقامه (صلى الله عليه وآله).
وأما بالنسبة لما ورد من أن علياً (عليه السلام) قد طلق إحدى زوجاته (صلى الله عليه وآله)، أو هددها بذلك وذلك بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).. فإنما هو بمعنى حرمانها من هذا الشرف بإخراجها عن حكم زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)، وإباحة التزوج لها بمن شاءت، وبذلك يتم نزع صفة الأمومة للمؤمنين عنها، أي من حيث حرمة الزواج بها والتزويج لها.. وعدم حرمته.
وعلى كل حال فإن هناك روايات عديدة تعرضت لموضوع الطلاق، والتهديد فقد:
1 ـ أورد الشيخ الصدوق (رحمه الله) رواية طويلة جاء فيها:
«.. نظر إلي مولانا أبو محمد (عليه السلام) فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا.
قال: والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟
قلت: على حالها يا مولاي.
قال: فسل قرة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ـ فقال لي الغلام: سل عما بدا لك منها.
فقلت له: مولانا وابن مولانا، إنا روينا عنكم: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: أنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك.
ونساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كان طلاقهن وفاته، قال: ما الطلاق؟
قلت: تخلية السبيل.
قال: فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد خليت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج؟
قلت: لأن الله تبارك وتعالى حرم الأزواج عليهن. قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن؟
قلت: فأخبرني يابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكمه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فخصهن بشرف الأمهات.
فقال رسول الله: يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين»(4).
2 ـ روى المجلسي في البحار: عن الأصبغ بن نباتة قال: بعث علي (عليه السلام) يوم الجمل إلى عائشة: «إرجعي وإلا تكلمت بكلام تبرين من الله ورسوله».
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للحسن: إذهب إلى فلانة فقل لها: قال لك أمير المؤمنين: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن إليك بما تعلمين».
 فلما أخبرها الحسن بما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قامت ثم قالت: خلوني!
فقالت لها امرأة من المهالبة: أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم وحاورتيه، وخرج من عندك مغضباً، وأتاك غلام فأقلعت؟
قالت: إن هذا الغلام ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن أراد أن ينظر إلى مقلتي رسول الله فلينظر إلى هذا الغلام، وقد بعث إلي بما علمت.
قالت: فأسألك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليك إلا أخبرتينا بالذي بعث إليك.
قالت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه بيد علي، فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة(5).
3 ـ عن إبراهيم بن الحسين، بإسناده عن سالم بن أبي الجعد، قال: بعث علي (عليه السلام) إلى عائشة بعد أن انقضى أمر الجمل وهي بالبصرة، أن ارجعي إلى بيتك، فأبت، ثم أرسل إليها ثانية، فأبت، ثم أرسل إليها ثالثة: لترجعن أو لأتكلم بكلمة يبرأ الله بها منك ورسوله.
فقالت: أرحلوني أرحلوني.
فقالت لها امرأة ـ ممن كان عندها من النساء: يا أم المؤمنين ما هذا الذي ذعرك من وعيد علي (عليه السلام) إياك. قالت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) استخلفه على أهله، وجعل طلاق نسائه بيده(6).
4 ـ روى عمر بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث طويل: وفيه أن أمير المؤمنين قال حين بويع لعثمان عندما حضرت عمر الوفاة..
قال: فأناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة.
أفيكم أحد ورث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصارت تركته إليه من بعده غيري؟
قالوا: اللهم، لا.
قال: فأناشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أيها النفر الخمسة، أفيكم أحد استخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أهله، وجعل طلاق نسائه بيده، غيري؟
قالوا: اللهم، لا(7).
وأما بالنسبة لقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أمَّهَاتُهُمْ} فقد ظهر أن المراد أمومتهن للمؤمنين في خصوص أمر حرمة الزواج منهن.. دون سائر الأحكام، ولذلك لم يجز لهن كشف شعورهن، ومحاسنهن، أمام الرجال المؤمنين. ولا يرثهن، كما لا يصح توريثهن من غير من دلت الأدلة على توريثه من الأرحام. وذلك ظاهر لا يخفى.
والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

ـــــــــــــــ

(1) سورة الأحزاب، الآية 6.
(2) سورة الأحزاب، الآية 6.
(3) سورة الأحزاب، الآية 53.
(4) كمال الدين وتمام النعمة ص 458، دلائل الإمامة ص 511، مدينة المعاجز ج 8 ص 55، بحار الأنوار ج 38 ص 88 و ج 52 ص82، وراجع تفسير نور الثقلين ج 4 ص 238، وج 5 ص372. ومستدرك البحار ج 6 ص 572.
(5) الإيضاح ج 2 ص79 ـ 80، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص397، بحار الأنوار ج 83 ص 75، مواقف الشيعة ج 2 ص 139.
(6) شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج 1 ص 210.
(7) شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج2 ص190، الاحتجاج ج 1 ص 199، بحار الأنوار ج 31 ص 334.

كتاب مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة) المجموعة الخامسة، السؤال 269

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  1:12 م

الثلاثاء، 27 مايو 2014


السؤال: الأطباء دائماً ما يؤيدون الإكثار من شرب الماء، حتى وإن لم يعطش الإنسان ولكن قرأنا الكثير من الروايات لا تؤيد شرب الماء دونما سبب. ولسنا من أهل الخبرة في تتبعها ومعرفة صحتها أو وضعها؛ فهل هناك روايات تؤيد ذلك الإكثار من الماء أيضاً؟ وشكراً جزيلاً لكم.

الجواب: "إن مسألة شرب الماء خلال تناول الطعام تمت مناقشتها مراراً ولغاية الآن لا يوجد هناك توافق بين الآراء حتى بين الأطباء والباحثين. فالذين يعارضون شرب الماء أثناء الوجبات يدّعون أن ذلك مضرّ للجسم وينصحون بشرب الماء إما قبل الوجبة بنصف ساعة أو بعدها بنصف ساعة".
ولا شك في أهمية ماء الشرب بالنسبة إلى جسم الإنسان، فقد ذكروا أنه "يشكل نسبة 75٪ من وزنه، ونسبة الماء في المخ تصل الى حوالي 85٪ من وزنه، وللماء وظيفة مصيرية بكل ما يتعلق بتقليل كثافة الدم لتسهيل عملية جريانه في العروق، ولإذابة الطعام وتوزيعه في عملية استقلاب المواد. كذلك فإن الماء يشارك في جميع العمليات والتفاعلات الكيماوية في الجسم ويحمل ويوزّع المواد الكيماوية والهورمونات بين خلايا الجسم، ويساهم في تجدّد خلايا الجسم ويوازن درجة حرارته. كذلك يشكّل الماء قناة لتخليص الجسم من الفضلات والأملاح عن طريق البول".
لكن لكي نتمكن من المقارنة بين التعاليم الصحية اليوم، وتعاليم الدين الحنيف، لا بد من الالتفات إلى عدة أمور:
1- أن ما يأتي به الوحي، وإن لم نفهمه أو ظنَنّا ما يخالفه: نعتقد جازمين أنه هو الحق وأن ما يخالفه أو يختلف عنه هو الباطل. لأنه يصدر عن الله سبحانه الخلاق العليم؛ "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"[1]؟، "بلى وهو الخلاق العليم"[2].
ومن تلك النصوص آيات قرآنية واضحة في الخلط بين الأكل وشرب الماء، كقوله تعالى: " قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا"[3]. وقوله عز وجل: " إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"[4]. والجمع فيها بين الأكل والشرب هو الظاهر من هذه الآية ومن أغلب الآيات التي جاءت بهذا اللفظ.
وهذا الحكم والعقيدة الراسخة يشمل السنة الصادرة عن النبي الأكرم وأئمة الهدى صلوات الله عليهم، وهو – إذا ثبت - أمر مقدّمٌ على نتايج البحوث الطبية النظرية، التي لم ترق بعد لتكون حقائق علمية مسلمة. حتى وإن لم يختلفوا فيها وعرضوها على أنها أمور علمية متفق عليها. وما أكثر الأفكار والمعلومات التي كانت شائعة أو سائدة يوماً مّا على أنها ثوابت وحقائق، وإذ بها تتهاوى أمام اكتشافات جديدة، قلبتها إلى عقائد بالية وعلوم مغلوطة، كما هو الحال بالنسبة لسطحية الأرض، ومركزيتها للكون، وانكساف الشمس وانخساف القمر، وأمثالها كثير.
2- أن العلم اليوم ما يزال مختلفاً حول شرب الماء، وفائدته ومضرته، قلة وكثرة، أثناء الطعام وقبله وبعده. ففي حين نجد البعض يؤكد على فائدة كثرة شرب الماء، يؤكد آخرون على عدم صحة هذا الأمر. وهكذا بالنسبة إلى تناول الماء مع الأكل؛ فبعضهم ينصح بعدمه معللاً ذلك بتسببه في عسر الهضم، فيما يرى غيرهم أنه على العكس من ذلك يفيد الهضم ويساعد الفم  والمعدة على مضغه وهضمه. وكل أصحاب هذه الآراء من ذوي الإختصاص!.
 وفي الوقت الذي لا نكذب فيه الأطباء فيما يُدْلون به، إلا أن هذا الاختلاف والتشويش ناتج عن الاطلاع الناقص على العلل والأسباب. فترى بعض البحوث تقرر ضرر الشاي مثلاً، وتأتي بحوث أخرى لتنفيه. وربما غلبت بعض هذه التقارير في فترة معينة على غيرها، لكنها في النهاية لا يمكن أن تعبر عن حقائق كاملة. وكما يقول الشاعر:
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة   علمت شيئاً وغابت عنك أشياءُ
3- أن النصوص النقلية هي أخبار مروية قد لا تكون قطعية الصدور، وإن بلغت في الاصطلاح الدرائي والحديثي مراتب عالية في الرواية. بل قد تكون قطعية الصدور لكنها تبقى ظنية الدلالة، وإن كان ظاهرها واضحاً وصريحاً للوهلة الأولى؛ لأن جهة الصدور غير يقينية، نتيجة لبعد الزمن وخفاء بعض القرائن المشخصة للمراد الحقيقي والدقيق. فلفظة الماء مثلاً ما هو المراد منها، هل هو مطلق الماء، أم ماء خاص، كماء زمزم، أو ماء الفرات؟ والمخاطب كذلك هل هو معتاد الناس لكل زمان، أم صنف خاص منهم يشكو من حالة معينة في ذلك الزمان أو المكان، بلحاظ الظرف الذي يعيشونه، وما يمكن أن يتعرض إليه من أعراض وأمراض. وعلى هذا قد لا يكون ما هو صالح لزمان أو مكان مّا صالحاً لزمان أو مكان آخرَين.
4- أن الوضع الصحي الذي عليه الناس اليوم لا يصح أن يقاس عليه الوضع في تلك الأيام الغابرة، فالأبدان غير الأبدان، والأطعمة غير الأطعمة، والمؤثرات غير المؤثرات. ولا يستطيع أن يميز بين الحالين غير العالم المتخصص. فإن الأمراض الشائعة اليوم قد تفرض علاجاً معيناً قد لا يكون مفيداً عند صحة البدن وسلامته، والعكس صحيح أيضاً.
 ولذلك قالوا: إن شرب الماء لبعض المرضى يكون بمثابة السم، بحيث يمنع عنه حتى مقدار القطرة الواحدة. وقد يحصل له يبوسة معينة وجفاف، نظراً لحرارة الفصل، أو يكون مصاباً بالرمال والحصيات البولية، أو بالإمساك المزمن؛ فيحتاج إلى كميات وافرة من الماء. وأما سواه من المعتدلين، أو المصابين بالإسهال فإنه ينصح بالإقلال من السوائل بعكس سابقه. وفي هذا السياق يمكن فهم بعض الأحاديث من قبيل: "أن تشرين الآخر ثلاثون يوما، فيه يقطع المطر الوسمي، وينهى فيه عن شرب الماء بالليل، ويقلل فيه من دخول الحمام والجماع، ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعناع والجرجير"[5].
 وإن التلوث البيئي اليوم قد أوجد حالات شبه ثابتة، وأمراضاً يصح أن تدعى بأمراض العصر. فما يشخصه الأطباء وأخصائيو التغذية وإن كان ظاهره مضاداً لمضمون تلك الأحادث إلا أنه تشخيص ناظر للحالات المستجدة، فلا تضارب ولا اختلاف.
وبعد أن اتضحت تلك المقدمات نقول:
إن الروايات الشرعية حول شرب الماء مختلفة الألسنة، فبعضها يحث عليه بعد الطعام، باعتبار أنه يخفف من جشوبته، ويساعد الفم على طحنه ومضغه، والمعدة على هضمه وتحليله. ولعل التعبير هنا بكثرة الشرب يراد منها الكثرة النسبية، أي نسبة إلى الأوقات الأخرى التي لا يستحب فيها ذلك. ففي بعض الروايات تذكر التلذذ بالشرب، وفائدة الإكثار منه. والتلذذ لا يحصل بمجرد الإكثار من الماء، بل يتوقف على إطالة أمد مكثه في الفم، وتمريره لتذوق طعمه، والإحساس ببرده. وكثرته لا تعني بالضرورة الكثرة الكمية، فإن الماء حين يمكث في الفم يستلزم بقاء الكمية المحدودة بنفسها مدة طويلة في الفم. وقد يكون المراد منه التخلص من الجفاف، أوجعل مجاري الجوف مببلة وحاجة البدن من الماء مؤمَّنة.
وبهذا يمكن الخروج بوجه يجمع بين لسانين في الأحاديث: بين الحث على كثرة التلذذ به والنهي عن الإكثار من الشرب. إذ التلذذ لا يعني كثرة إدخاله في الجوف، بل كثرة إبقائه في جوف الفم، بينما الثاني ينهى عن كثرة الإدخال في الجوف، بقصد الريّ من العطش، لأن العطش غالباً ما يكون كاذباً وغير حقيقي.
فعن التلذذ روي عن أبى عبد الله عليه السلام قال: "من تلذذ بالماء في الدنيا لذذه الله من أشربة الجنة"[6]. وقال أبو الحسن عليه السلام: "إنى أكثر شرب الماء تلذذاً"[7].
على أن الكثرة المطلوبة لم يعرف بعد كماً وعددا، بمعنى: هل أن هذا الحث هو بعد كل طعام أم بعد أنواع خاصة منه، وهل بكميات وافرة، أم بقدر يرفع الجفاف واليبوسة فقط؟ فإن بعض تلك الأخبار تأمر بالإقلال منه بعد تناول الدسم، وبعضها تنهي عن الإكثار من الشرب بشكل مطلق؛ مما ينصح بالرجوع في فهمه إلى المتخصصين في الطب والتغذية. فعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "لا بأس بكثرة شرب الماء على الطعام، وأن لا يكثر منه"[8]. وقال: "أرأيت لو أن رجلاً أكل مثل ذا طعاماً، (وجمع يديه كلتيهما، لم يضمهما، ولم يفرقهما)، ثم لم يشرب عليه الماء؛ أليس كانت تنشق معدته"[9]؟!. وعن ابن أبي طيفور المتطبب قال: دخلت على أبي الحسن الماضي، (يعني الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. ولعله كان قد عاده في مرضه)، فنهيته عن شرب الماء. فقال: " وما بأس بالماء؟ وهو يدير الطعام في المعدة، ويسكن الغضب، ويزيد في اللبن ويطفئ المرار"[10]!. ولكن عن الإمام الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أكل الدسم أقل من شرب الماء. فقيل: يا رسول الله، إنك لتُقلّ شرب الماء!. قال: هو أمرأ لطعامي"[11]. وعن الإمام الصادق عليه السلام وهو يوصي رجلاً، فقال: "أقلل من شرب الماء، فإنه يمد كل داء، واجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء"[12]. وعنه عليه السلام في رواية أخرى: "لا تكثر من شرب الماء، فإنه مادة لكل داء"[13]. وعنه أيضاً قوله: "لو أن الناس أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم"[14].

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
_________
[1] الملك: 14.
[2] (يس: 81).
[3] (مريم: 23-26).
[4] (المرسلات: 41- 43).
[5] بحار الأنوار: ج59 ص314.
[6] (ثواب الاعمال: 219).
[7] (بحار الأنوار: ج63 ص455).
[8] (بحار الأنوار: ج63 ص457).
[9] (المصدر السابق نفسه وبنفس الصفحة).
[10] (بحار الأنوار: ج63 ص457 ح42؛ وراجع الكافي 6 ر382 ).
[11] (الجعفريات: 161).
[12] (الكافي: ج ٦ ص ٣٨٢ ح ٢؛ المحاسن: ج ٢ ص ٣٩٧ ح ٢٣٨٧).
[13] (الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأشربة المباحة - الحديث 1).
[14] (وسائل الشيعة: ج17 ص190 ح4 ب6).




شرب الماء بين الطب والشريعة


السؤال: الأطباء دائماً ما يؤيدون الإكثار من شرب الماء، حتى وإن لم يعطش الإنسان ولكن قرأنا الكثير من الروايات لا تؤيد شرب الماء دونما سبب. ولسنا من أهل الخبرة في تتبعها ومعرفة صحتها أو وضعها؛ فهل هناك روايات تؤيد ذلك الإكثار من الماء أيضاً؟ وشكراً جزيلاً لكم.

الجواب: "إن مسألة شرب الماء خلال تناول الطعام تمت مناقشتها مراراً ولغاية الآن لا يوجد هناك توافق بين الآراء حتى بين الأطباء والباحثين. فالذين يعارضون شرب الماء أثناء الوجبات يدّعون أن ذلك مضرّ للجسم وينصحون بشرب الماء إما قبل الوجبة بنصف ساعة أو بعدها بنصف ساعة".
ولا شك في أهمية ماء الشرب بالنسبة إلى جسم الإنسان، فقد ذكروا أنه "يشكل نسبة 75٪ من وزنه، ونسبة الماء في المخ تصل الى حوالي 85٪ من وزنه، وللماء وظيفة مصيرية بكل ما يتعلق بتقليل كثافة الدم لتسهيل عملية جريانه في العروق، ولإذابة الطعام وتوزيعه في عملية استقلاب المواد. كذلك فإن الماء يشارك في جميع العمليات والتفاعلات الكيماوية في الجسم ويحمل ويوزّع المواد الكيماوية والهورمونات بين خلايا الجسم، ويساهم في تجدّد خلايا الجسم ويوازن درجة حرارته. كذلك يشكّل الماء قناة لتخليص الجسم من الفضلات والأملاح عن طريق البول".
لكن لكي نتمكن من المقارنة بين التعاليم الصحية اليوم، وتعاليم الدين الحنيف، لا بد من الالتفات إلى عدة أمور:
1- أن ما يأتي به الوحي، وإن لم نفهمه أو ظنَنّا ما يخالفه: نعتقد جازمين أنه هو الحق وأن ما يخالفه أو يختلف عنه هو الباطل. لأنه يصدر عن الله سبحانه الخلاق العليم؛ "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"[1]؟، "بلى وهو الخلاق العليم"[2].
ومن تلك النصوص آيات قرآنية واضحة في الخلط بين الأكل وشرب الماء، كقوله تعالى: " قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا"[3]. وقوله عز وجل: " إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"[4]. والجمع فيها بين الأكل والشرب هو الظاهر من هذه الآية ومن أغلب الآيات التي جاءت بهذا اللفظ.
وهذا الحكم والعقيدة الراسخة يشمل السنة الصادرة عن النبي الأكرم وأئمة الهدى صلوات الله عليهم، وهو – إذا ثبت - أمر مقدّمٌ على نتايج البحوث الطبية النظرية، التي لم ترق بعد لتكون حقائق علمية مسلمة. حتى وإن لم يختلفوا فيها وعرضوها على أنها أمور علمية متفق عليها. وما أكثر الأفكار والمعلومات التي كانت شائعة أو سائدة يوماً مّا على أنها ثوابت وحقائق، وإذ بها تتهاوى أمام اكتشافات جديدة، قلبتها إلى عقائد بالية وعلوم مغلوطة، كما هو الحال بالنسبة لسطحية الأرض، ومركزيتها للكون، وانكساف الشمس وانخساف القمر، وأمثالها كثير.
2- أن العلم اليوم ما يزال مختلفاً حول شرب الماء، وفائدته ومضرته، قلة وكثرة، أثناء الطعام وقبله وبعده. ففي حين نجد البعض يؤكد على فائدة كثرة شرب الماء، يؤكد آخرون على عدم صحة هذا الأمر. وهكذا بالنسبة إلى تناول الماء مع الأكل؛ فبعضهم ينصح بعدمه معللاً ذلك بتسببه في عسر الهضم، فيما يرى غيرهم أنه على العكس من ذلك يفيد الهضم ويساعد الفم  والمعدة على مضغه وهضمه. وكل أصحاب هذه الآراء من ذوي الإختصاص!.
 وفي الوقت الذي لا نكذب فيه الأطباء فيما يُدْلون به، إلا أن هذا الاختلاف والتشويش ناتج عن الاطلاع الناقص على العلل والأسباب. فترى بعض البحوث تقرر ضرر الشاي مثلاً، وتأتي بحوث أخرى لتنفيه. وربما غلبت بعض هذه التقارير في فترة معينة على غيرها، لكنها في النهاية لا يمكن أن تعبر عن حقائق كاملة. وكما يقول الشاعر:
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة   علمت شيئاً وغابت عنك أشياءُ
3- أن النصوص النقلية هي أخبار مروية قد لا تكون قطعية الصدور، وإن بلغت في الاصطلاح الدرائي والحديثي مراتب عالية في الرواية. بل قد تكون قطعية الصدور لكنها تبقى ظنية الدلالة، وإن كان ظاهرها واضحاً وصريحاً للوهلة الأولى؛ لأن جهة الصدور غير يقينية، نتيجة لبعد الزمن وخفاء بعض القرائن المشخصة للمراد الحقيقي والدقيق. فلفظة الماء مثلاً ما هو المراد منها، هل هو مطلق الماء، أم ماء خاص، كماء زمزم، أو ماء الفرات؟ والمخاطب كذلك هل هو معتاد الناس لكل زمان، أم صنف خاص منهم يشكو من حالة معينة في ذلك الزمان أو المكان، بلحاظ الظرف الذي يعيشونه، وما يمكن أن يتعرض إليه من أعراض وأمراض. وعلى هذا قد لا يكون ما هو صالح لزمان أو مكان مّا صالحاً لزمان أو مكان آخرَين.
4- أن الوضع الصحي الذي عليه الناس اليوم لا يصح أن يقاس عليه الوضع في تلك الأيام الغابرة، فالأبدان غير الأبدان، والأطعمة غير الأطعمة، والمؤثرات غير المؤثرات. ولا يستطيع أن يميز بين الحالين غير العالم المتخصص. فإن الأمراض الشائعة اليوم قد تفرض علاجاً معيناً قد لا يكون مفيداً عند صحة البدن وسلامته، والعكس صحيح أيضاً.
 ولذلك قالوا: إن شرب الماء لبعض المرضى يكون بمثابة السم، بحيث يمنع عنه حتى مقدار القطرة الواحدة. وقد يحصل له يبوسة معينة وجفاف، نظراً لحرارة الفصل، أو يكون مصاباً بالرمال والحصيات البولية، أو بالإمساك المزمن؛ فيحتاج إلى كميات وافرة من الماء. وأما سواه من المعتدلين، أو المصابين بالإسهال فإنه ينصح بالإقلال من السوائل بعكس سابقه. وفي هذا السياق يمكن فهم بعض الأحاديث من قبيل: "أن تشرين الآخر ثلاثون يوما، فيه يقطع المطر الوسمي، وينهى فيه عن شرب الماء بالليل، ويقلل فيه من دخول الحمام والجماع، ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعناع والجرجير"[5].
 وإن التلوث البيئي اليوم قد أوجد حالات شبه ثابتة، وأمراضاً يصح أن تدعى بأمراض العصر. فما يشخصه الأطباء وأخصائيو التغذية وإن كان ظاهره مضاداً لمضمون تلك الأحادث إلا أنه تشخيص ناظر للحالات المستجدة، فلا تضارب ولا اختلاف.
وبعد أن اتضحت تلك المقدمات نقول:
إن الروايات الشرعية حول شرب الماء مختلفة الألسنة، فبعضها يحث عليه بعد الطعام، باعتبار أنه يخفف من جشوبته، ويساعد الفم على طحنه ومضغه، والمعدة على هضمه وتحليله. ولعل التعبير هنا بكثرة الشرب يراد منها الكثرة النسبية، أي نسبة إلى الأوقات الأخرى التي لا يستحب فيها ذلك. ففي بعض الروايات تذكر التلذذ بالشرب، وفائدة الإكثار منه. والتلذذ لا يحصل بمجرد الإكثار من الماء، بل يتوقف على إطالة أمد مكثه في الفم، وتمريره لتذوق طعمه، والإحساس ببرده. وكثرته لا تعني بالضرورة الكثرة الكمية، فإن الماء حين يمكث في الفم يستلزم بقاء الكمية المحدودة بنفسها مدة طويلة في الفم. وقد يكون المراد منه التخلص من الجفاف، أوجعل مجاري الجوف مببلة وحاجة البدن من الماء مؤمَّنة.
وبهذا يمكن الخروج بوجه يجمع بين لسانين في الأحاديث: بين الحث على كثرة التلذذ به والنهي عن الإكثار من الشرب. إذ التلذذ لا يعني كثرة إدخاله في الجوف، بل كثرة إبقائه في جوف الفم، بينما الثاني ينهى عن كثرة الإدخال في الجوف، بقصد الريّ من العطش، لأن العطش غالباً ما يكون كاذباً وغير حقيقي.
فعن التلذذ روي عن أبى عبد الله عليه السلام قال: "من تلذذ بالماء في الدنيا لذذه الله من أشربة الجنة"[6]. وقال أبو الحسن عليه السلام: "إنى أكثر شرب الماء تلذذاً"[7].
على أن الكثرة المطلوبة لم يعرف بعد كماً وعددا، بمعنى: هل أن هذا الحث هو بعد كل طعام أم بعد أنواع خاصة منه، وهل بكميات وافرة، أم بقدر يرفع الجفاف واليبوسة فقط؟ فإن بعض تلك الأخبار تأمر بالإقلال منه بعد تناول الدسم، وبعضها تنهي عن الإكثار من الشرب بشكل مطلق؛ مما ينصح بالرجوع في فهمه إلى المتخصصين في الطب والتغذية. فعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "لا بأس بكثرة شرب الماء على الطعام، وأن لا يكثر منه"[8]. وقال: "أرأيت لو أن رجلاً أكل مثل ذا طعاماً، (وجمع يديه كلتيهما، لم يضمهما، ولم يفرقهما)، ثم لم يشرب عليه الماء؛ أليس كانت تنشق معدته"[9]؟!. وعن ابن أبي طيفور المتطبب قال: دخلت على أبي الحسن الماضي، (يعني الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. ولعله كان قد عاده في مرضه)، فنهيته عن شرب الماء. فقال: " وما بأس بالماء؟ وهو يدير الطعام في المعدة، ويسكن الغضب، ويزيد في اللبن ويطفئ المرار"[10]!. ولكن عن الإمام الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أكل الدسم أقل من شرب الماء. فقيل: يا رسول الله، إنك لتُقلّ شرب الماء!. قال: هو أمرأ لطعامي"[11]. وعن الإمام الصادق عليه السلام وهو يوصي رجلاً، فقال: "أقلل من شرب الماء، فإنه يمد كل داء، واجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء"[12]. وعنه عليه السلام في رواية أخرى: "لا تكثر من شرب الماء، فإنه مادة لكل داء"[13]. وعنه أيضاً قوله: "لو أن الناس أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم"[14].

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
_________
[1] الملك: 14.
[2] (يس: 81).
[3] (مريم: 23-26).
[4] (المرسلات: 41- 43).
[5] بحار الأنوار: ج59 ص314.
[6] (ثواب الاعمال: 219).
[7] (بحار الأنوار: ج63 ص455).
[8] (بحار الأنوار: ج63 ص457).
[9] (المصدر السابق نفسه وبنفس الصفحة).
[10] (بحار الأنوار: ج63 ص457 ح42؛ وراجع الكافي 6 ر382 ).
[11] (الجعفريات: 161).
[12] (الكافي: ج ٦ ص ٣٨٢ ح ٢؛ المحاسن: ج ٢ ص ٣٩٧ ح ٢٣٨٧).
[13] (الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأشربة المباحة - الحديث 1).
[14] (وسائل الشيعة: ج17 ص190 ح4 ب6).




من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  8:06 م
قلما ورد التأكيد على مستحب، كالتأكيد على صلاة الجماعة.. في روايات أهل البيت (ع)، هناك تأكيد كبير على هذه الصلاة، حتى يفهم من بعض المضامين أن الركعة الواحدة لا يحصي ثوابها إلا الله عز وجل.. في حديث قدسي طويل، ورد فيه أهمية وفضل صلاة الجماعة: (... فإذا زادوا على العشرة، فلو صارت بحار السماوات والأرض كلّها مداداً، والأشجار أقلاماً، والثقلان مع الملائكة كتاباًَ؛ لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة).. الخبر.
لماذا التأكيد على صلاة الجماعة، وما هي الدروس المستفادة من صلاة الجماعة؟..
أولا: إن الجماعة مظهر من مظاهر عزة الإسلام والمسلمين.. فلو لم يكن هناك حج، وليس هناك كعبة، ولا مسجد حرام؛ فإن الدين سيكون باهتا جدا.. فالمساجد والجماعة من مظاهر عزة المسلمين.. المسجد الممتلئ بالمصلين، هذا المسجد وجيه عند الله عز وجل.. يوم القيامة المساجد الفارغة، من الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل.. (ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه، أهله، وعالم بين جهال، ومصحف مغلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه).. كيف يشكو المسجد؟.. يتحدث كما الأرض تحدث أخبارها يوم القيامة {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.. فالذي يُنطق كل شيء يوم القيامة، حتى الجلود تشهد علينا وتنطق، ما المانع أن يجعل المسجد يشكو؟..
ثانيا: ورد في الروايات: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، أي لا صلاة كاملة، ولو صلى في غير المسجد، صحت صلاته، ولكنها ناقصة ليس فيها كمال.. أحدنا يتزوج ابنه، فيدعو جيرانه والذي لا يذهب، يسجل عليه مؤاخذة إلى آخر عمره.. فالذي يسمع: (حي على الصلاة) ولا يكلفه الأمر سوى خطوات إلى المسجد؛ من الممكن أن يكون بعيدا عن الرحمة الإلهية.
ثالثا: بعض الناس يوم القيامة كم يبتلى بالحسرة، لأنه كان بإمكانه أن يقيم الصلاة جماعة في بيته!.. إن الزوجة التي لا تعتقد بعدالة زوجها، والأولاد الذين لا يعتقدون بعدالة أبيهم، يدل على أن هناك خللا في الأسرة.. كم من الجميل أن تنظر المرأة إلى زوجها على أنه عادل، وينظر الأولاد إلى أبيهم على أنه عادل!.. ما المانع أن يأم الإنسان أهله؟.. هذه أيضا مزية فقدها البعض.
إن من شرائط إمام الجماعة: طهارة المولد، والعدالة، والبلوغ، والذكورة.. وهناك شرط غريب قلما مر على الأسماع، على نحو الفتوى أو الاحتياط الوجوبي: أن لا يكون من أهل البوادي.. لأن أهل البادية بعيدون عن المعرفة والثقافة {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا}.. فالإسلام يحثنا على أن نعيش في مواطن الثقافة والتعلم.. أما أن نذهب بعيدا في البوادي، فهذه حركة مرفوضة.. ولهذا من الشروط أن لا يكون إمام الجماعة من أهل البوادي.
وهناك شرط آخر: ليس من أذنب وتاب، كمن لم يذنب أصلا.. صحيح أن (الإسلام يجبّ ما قبله)، و(التائب من الذنب، كمن لا ذنب له).. ولكن هنيئا لإنسان لم يتلوث بالمعاصي الكبيرة!.. هنيئا لإنسان منذ أن عرف نفسه من البلوغ، لم يرتكب ما يسخط ربه!.. ومن هنا من شرائط إمام المسجد، أن لا يكون من الذين أقيم عليهم الحد.. حتى وإن تاب وأصبح من كبار المؤمنين، ولكن هذا لا يأم الناس جماعة ولو على الأحوط وجوبا.. معنى ذلك الإنسان الذي أمضى عمره في طاعة الله، عليه أن يحتفظ بهذا النقاء وهذه الطراوة وهذه البراءة.
إن هذه الفترة التي من البلوغ إلى العشرين، هي قمة الشهوات.. فالذي تجاوز هذه المرحلة، يكون قد تجاوز المرحلة الحرجة.. فليستقم على إيمانه، ليكون من الذين ينطبق عليهم هذا الحديث الشريف: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل.. وشاب نشأ في عبادة الله.. ورجل قلبه معلق بالمساجد.. ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه.. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله.. ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.. ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه).

سماحة الشيخ حبيب الكاظمي.

زادك في دقائق: صلاة الجماعة

قلما ورد التأكيد على مستحب، كالتأكيد على صلاة الجماعة.. في روايات أهل البيت (ع)، هناك تأكيد كبير على هذه الصلاة، حتى يفهم من بعض المضامين أن الركعة الواحدة لا يحصي ثوابها إلا الله عز وجل.. في حديث قدسي طويل، ورد فيه أهمية وفضل صلاة الجماعة: (... فإذا زادوا على العشرة، فلو صارت بحار السماوات والأرض كلّها مداداً، والأشجار أقلاماً، والثقلان مع الملائكة كتاباًَ؛ لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة).. الخبر.
لماذا التأكيد على صلاة الجماعة، وما هي الدروس المستفادة من صلاة الجماعة؟..
أولا: إن الجماعة مظهر من مظاهر عزة الإسلام والمسلمين.. فلو لم يكن هناك حج، وليس هناك كعبة، ولا مسجد حرام؛ فإن الدين سيكون باهتا جدا.. فالمساجد والجماعة من مظاهر عزة المسلمين.. المسجد الممتلئ بالمصلين، هذا المسجد وجيه عند الله عز وجل.. يوم القيامة المساجد الفارغة، من الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل.. (ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه، أهله، وعالم بين جهال، ومصحف مغلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه).. كيف يشكو المسجد؟.. يتحدث كما الأرض تحدث أخبارها يوم القيامة {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.. فالذي يُنطق كل شيء يوم القيامة، حتى الجلود تشهد علينا وتنطق، ما المانع أن يجعل المسجد يشكو؟..
ثانيا: ورد في الروايات: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، أي لا صلاة كاملة، ولو صلى في غير المسجد، صحت صلاته، ولكنها ناقصة ليس فيها كمال.. أحدنا يتزوج ابنه، فيدعو جيرانه والذي لا يذهب، يسجل عليه مؤاخذة إلى آخر عمره.. فالذي يسمع: (حي على الصلاة) ولا يكلفه الأمر سوى خطوات إلى المسجد؛ من الممكن أن يكون بعيدا عن الرحمة الإلهية.
ثالثا: بعض الناس يوم القيامة كم يبتلى بالحسرة، لأنه كان بإمكانه أن يقيم الصلاة جماعة في بيته!.. إن الزوجة التي لا تعتقد بعدالة زوجها، والأولاد الذين لا يعتقدون بعدالة أبيهم، يدل على أن هناك خللا في الأسرة.. كم من الجميل أن تنظر المرأة إلى زوجها على أنه عادل، وينظر الأولاد إلى أبيهم على أنه عادل!.. ما المانع أن يأم الإنسان أهله؟.. هذه أيضا مزية فقدها البعض.
إن من شرائط إمام الجماعة: طهارة المولد، والعدالة، والبلوغ، والذكورة.. وهناك شرط غريب قلما مر على الأسماع، على نحو الفتوى أو الاحتياط الوجوبي: أن لا يكون من أهل البوادي.. لأن أهل البادية بعيدون عن المعرفة والثقافة {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا}.. فالإسلام يحثنا على أن نعيش في مواطن الثقافة والتعلم.. أما أن نذهب بعيدا في البوادي، فهذه حركة مرفوضة.. ولهذا من الشروط أن لا يكون إمام الجماعة من أهل البوادي.
وهناك شرط آخر: ليس من أذنب وتاب، كمن لم يذنب أصلا.. صحيح أن (الإسلام يجبّ ما قبله)، و(التائب من الذنب، كمن لا ذنب له).. ولكن هنيئا لإنسان لم يتلوث بالمعاصي الكبيرة!.. هنيئا لإنسان منذ أن عرف نفسه من البلوغ، لم يرتكب ما يسخط ربه!.. ومن هنا من شرائط إمام المسجد، أن لا يكون من الذين أقيم عليهم الحد.. حتى وإن تاب وأصبح من كبار المؤمنين، ولكن هذا لا يأم الناس جماعة ولو على الأحوط وجوبا.. معنى ذلك الإنسان الذي أمضى عمره في طاعة الله، عليه أن يحتفظ بهذا النقاء وهذه الطراوة وهذه البراءة.
إن هذه الفترة التي من البلوغ إلى العشرين، هي قمة الشهوات.. فالذي تجاوز هذه المرحلة، يكون قد تجاوز المرحلة الحرجة.. فليستقم على إيمانه، ليكون من الذين ينطبق عليهم هذا الحديث الشريف: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل.. وشاب نشأ في عبادة الله.. ورجل قلبه معلق بالمساجد.. ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه.. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله.. ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.. ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه).

سماحة الشيخ حبيب الكاظمي.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  2:45 م

الاثنين، 26 مايو 2014



السؤال: يوم السابع والعشرين من شهر رجب، هل هو المعراج؟ أم المبعث الشريف؟!..
نرجو التوضيح.. والسلام عليكم..

الجواب:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فيما يتعلق بالسابع والعشرين من شهر رجب، نقول:
إن الثابت من طرق أهل البيت عليهم السلام ـ وأهل البيت أدرى بما فيه ـ هو أن هذا اليوم هو يوم المبعث النبوي الشريف، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يتيمن بيوم مبعثه، وبيوم ولادة الإمام علي (عليه السلام) حسبما نقله لنا ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي..
وأما الإسراء والمعراج، فقد كان في شهر رمضان المبارك..
وقد روي أيضاً: أنه كان في شهر ربيع الأول، وكلا التاريخين صحيح، فإن إسراءات النبي صلى الله عليه وآله، قد تعددت..
ويزعم أهل السنة أنه كان في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب. وهو غير صحيح..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

_______

مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة) المجموعة السادسة، السؤال 323

متى كان الإسراء والمعراج؟



السؤال: يوم السابع والعشرين من شهر رجب، هل هو المعراج؟ أم المبعث الشريف؟!..
نرجو التوضيح.. والسلام عليكم..

الجواب:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فيما يتعلق بالسابع والعشرين من شهر رجب، نقول:
إن الثابت من طرق أهل البيت عليهم السلام ـ وأهل البيت أدرى بما فيه ـ هو أن هذا اليوم هو يوم المبعث النبوي الشريف، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يتيمن بيوم مبعثه، وبيوم ولادة الإمام علي (عليه السلام) حسبما نقله لنا ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي..
وأما الإسراء والمعراج، فقد كان في شهر رمضان المبارك..
وقد روي أيضاً: أنه كان في شهر ربيع الأول، وكلا التاريخين صحيح، فإن إسراءات النبي صلى الله عليه وآله، قد تعددت..
ويزعم أهل السنة أنه كان في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب. وهو غير صحيح..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

_______

مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة حول الدين والعقيدة) المجموعة السادسة، السؤال 323

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  4:01 م

الأحد، 25 مايو 2014


ما أغفل الإنسان ما أجهله         
حيــاته أشــبه بالمهزلة
 
جاء إلى الدنيا كضيـف بها       
لكــنه يخــالها منزلـه
 
يأتي ضعيفاً جـاهلاً معدماً        
ليـس له من مالهـا خردلة
 
ينهب من هذا ويبغي على         
هـذا ويقضي عمره هرولة
 
وحين يأتي حتفـه بغتـةً          
يمضي كما جاء ولا مال له
 
من ذا الذي دام له عمرُه           
أو مالُه؟ بل ما الذي دام له؟
 
وليـس يبقى غير أفعـاله         
تصحبه في القبر كالظل له!


بقلم سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

ما أغفل الإنسان! ما أجهله!!


ما أغفل الإنسان ما أجهله         
حيــاته أشــبه بالمهزلة
 
جاء إلى الدنيا كضيـف بها       
لكــنه يخــالها منزلـه
 
يأتي ضعيفاً جـاهلاً معدماً        
ليـس له من مالهـا خردلة
 
ينهب من هذا ويبغي على         
هـذا ويقضي عمره هرولة
 
وحين يأتي حتفـه بغتـةً          
يمضي كما جاء ولا مال له
 
من ذا الذي دام له عمرُه           
أو مالُه؟ بل ما الذي دام له؟
 
وليـس يبقى غير أفعـاله         
تصحبه في القبر كالظل له!


بقلم سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:53 م

0 التعليقات:


دخل هارون الرشيد على الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وقد عمد على القبض عليه ، لأشياء كذبت عليه عنده ، فأعطاه طوماراً طويلاً فيه مذاهب شنعة نسبها إلى شيعته ، فقرأه ( عليه السلام ) ، ثمّ قال له : ( يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقوّل علينا ، وربّنا غفور ستور ، أبى أن يكشف أسرار عباده إلاّ في وقت محاسبته : ( يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) .
ثمّ قال : ( حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن علي ، عن النبي ( عليهم السلام ) : الرحم إذا مسّت اضطربت ثمّ سكنت ، فإن رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه ويصافحني فعل ) ، فتحوّل عند ذلك عن سريره ومد يمينه إلى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فأخذ بيمينه ثمّ ضمّه إلى صدره ، فاعتنقه وأقعده عن يمينه .
وقال : أشهد أنّك صادق وجدّك صادق ، ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) صادق ، ولقد دخلت وأنا أشد الناس حنقاً وغيظاً لما رقي إليّ فيك ، فلمّا تكلّمت بما تكلّمت ، وصافحتني سري عنّي ، وتحوّل غضبي عليك رضى .
وسكت ساعة ، ثمّ قال له : أريد أن أسألك عن العباس وعلي ، بما صار علي أولى بميراث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) من العباس ، والعباس عم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وصنو أبيه ؟
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( أعفني ) ، قال : والله لا أعفيتك ، فأجبني .
قال ( عليه السلام ) : ( فإن لم تعفني فآمنّي ) ، قال : آمنتك ، قال ( عليه السلام ) : ( إنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) لم يورّث من قدر على الهجرة فلم يهاجر ، إنّ أباك العباس آمن ولم يهاجر ، وإنّ علياً آمن وهاجر ، وقال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ) ) ، فتغيّر لون هارون .
ثمّ تابع الرشيد فقال : ما لكم لا تنسبون إلى علي وهو أبوكم ، وتنسبون إلى رسول الله وهو جدّكم ؟ فقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( إنّ الله نسب المسيح عيسى بن مريم ( عليه السلام ) إلى خليله إبراهيم ( عليه السلام ) بأمّه مريم البكر البتول ، التي لم يمسّها بشر ، في قوله تعالى : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) ، ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) ، فنسبه لأمّه وحدها إلى خليله إبراهيم ( عليه السلام ) .
كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون ( عليه السلام ) بآبائهم وأمّهاتهم ، فضيلة لعيسى ( عليه السلام ) ، ومنزلة رفيعة بأمّه وحدها ، وذلك قوله في قصّة مريم ( عليها السلام ) : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ، بالمسيح من غير بشر .
وكذلك اصطفى ربّنا فاطمة ( عليها السلام ) وطهّرها وفضّلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ) .
فقال له هارون ـ وقد اضطرب وساءه ما سمع ـ : من أين قلتم الإنسان يدخل الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء ، لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله ، فقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( هذه مسألة ما سئل عنها أحد من السلاطين غيرك ، ولا تيم ولا عدي ولا بنو أميّة ، ولا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها ) .
قال الرشيد : فإن بلغني عنك كشف هذا رجعت عمّا آمنتك ، فقال ( عليه السلام ) : ( لك ذلك ) ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( فإنّ الزندقة قد كثرت في الإسلام ، وهؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار ، هم المنسوبون إليكم ) ، فقال هارون : فما الزنديق عندكم أهل البيت ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( الزنديق هو الراد على الله وعلى رسوله ، وهم الذين يحادّون الله ورسوله ، قال تعالى : ( لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) ، وهم الملحدون ، عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد ) .
فقال هارون : أخبرني عن أوّل من ألحد وتزندق ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( أوّل من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين ، فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيبه آدم ( عليه السلام ) ، فقال اللعين : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) ، فعتا عن أمر ربّه وألحد ، فتوارث الإلحاد ذرّيته إلى أن تقوم الساعة ) ، فقال هارون : ولإبليس ذرّية ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( نعم ، ألم تسمع إلى قول الله عزّ وجل : ( إِلاَ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً * مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) ) ، فهل عرف الرشيد من أي فريق هو ؟!
ثمّ قال له الرشيد : بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه ، فقال ( عليه السلام ) : ( نعم ) ، وأوتي بدواة
وقرطاس ، فكتب : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، جميع أمور الأديان أربعة :
1ـ أمر لا اختلاف فيه ، وهو إجماع الأمّة على الضرورة التي يضطرّون إليها ، الأخبار المجمع عليها ، وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة ، والمستنبط منها كل حادثة ، وهو إجماع الأمّة .
2ـ وأمر يحتمل الشك والإنكار ، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجّة من كتاب الله مجمع على تأويلها ، وسنّة مجمع عليها لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصّة الأمّة وعامّتها الشك فيه والإنكار له .
وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه ، وأرش الخدش فما فوقه ، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين ، فما ثبت لك برهانه اصطفيته ، وما غمض عليك صوابه نفيته ، فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجّة البالغة التي بيّنها الله في قوله لنبيه ( صلّى الله عليه وآله ) : ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) .
يبلغ الحجّة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله ، كما يعلمها العالم بعلمه ، لأنّ الله عدل لا يجور ، يحتج على خلقه بما يعملون ، ويدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون ) .
فأجازه الرشيد وأحسن لقاءه ، وانصرف الإمام ( عليه السلام ) وقد دلّ خصمه ـ المسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين ـ على أمور الدين ، كما أوضح له منزلة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وصحّة أقوالهم ، ودعم ما ذهب إليه بأوثق الأدلّة والبراهين ، ولا غرو فهذا الغصن الطيّب هو من تلك الشجرة الطيّبة التي غرسها الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، وتعهّد سقايتها ورعايتها .

مناظرة الإمام الكاظم (ع) مع هارون الرشيد


دخل هارون الرشيد على الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وقد عمد على القبض عليه ، لأشياء كذبت عليه عنده ، فأعطاه طوماراً طويلاً فيه مذاهب شنعة نسبها إلى شيعته ، فقرأه ( عليه السلام ) ، ثمّ قال له : ( يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقوّل علينا ، وربّنا غفور ستور ، أبى أن يكشف أسرار عباده إلاّ في وقت محاسبته : ( يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) .
ثمّ قال : ( حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن علي ، عن النبي ( عليهم السلام ) : الرحم إذا مسّت اضطربت ثمّ سكنت ، فإن رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه ويصافحني فعل ) ، فتحوّل عند ذلك عن سريره ومد يمينه إلى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فأخذ بيمينه ثمّ ضمّه إلى صدره ، فاعتنقه وأقعده عن يمينه .
وقال : أشهد أنّك صادق وجدّك صادق ، ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) صادق ، ولقد دخلت وأنا أشد الناس حنقاً وغيظاً لما رقي إليّ فيك ، فلمّا تكلّمت بما تكلّمت ، وصافحتني سري عنّي ، وتحوّل غضبي عليك رضى .
وسكت ساعة ، ثمّ قال له : أريد أن أسألك عن العباس وعلي ، بما صار علي أولى بميراث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) من العباس ، والعباس عم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وصنو أبيه ؟
فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( أعفني ) ، قال : والله لا أعفيتك ، فأجبني .
قال ( عليه السلام ) : ( فإن لم تعفني فآمنّي ) ، قال : آمنتك ، قال ( عليه السلام ) : ( إنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) لم يورّث من قدر على الهجرة فلم يهاجر ، إنّ أباك العباس آمن ولم يهاجر ، وإنّ علياً آمن وهاجر ، وقال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ) ) ، فتغيّر لون هارون .
ثمّ تابع الرشيد فقال : ما لكم لا تنسبون إلى علي وهو أبوكم ، وتنسبون إلى رسول الله وهو جدّكم ؟ فقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( إنّ الله نسب المسيح عيسى بن مريم ( عليه السلام ) إلى خليله إبراهيم ( عليه السلام ) بأمّه مريم البكر البتول ، التي لم يمسّها بشر ، في قوله تعالى : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) ، ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) ، فنسبه لأمّه وحدها إلى خليله إبراهيم ( عليه السلام ) .
كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون ( عليه السلام ) بآبائهم وأمّهاتهم ، فضيلة لعيسى ( عليه السلام ) ، ومنزلة رفيعة بأمّه وحدها ، وذلك قوله في قصّة مريم ( عليها السلام ) : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ، بالمسيح من غير بشر .
وكذلك اصطفى ربّنا فاطمة ( عليها السلام ) وطهّرها وفضّلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ) .
فقال له هارون ـ وقد اضطرب وساءه ما سمع ـ : من أين قلتم الإنسان يدخل الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء ، لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله ، فقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( هذه مسألة ما سئل عنها أحد من السلاطين غيرك ، ولا تيم ولا عدي ولا بنو أميّة ، ولا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها ) .
قال الرشيد : فإن بلغني عنك كشف هذا رجعت عمّا آمنتك ، فقال ( عليه السلام ) : ( لك ذلك ) ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( فإنّ الزندقة قد كثرت في الإسلام ، وهؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار ، هم المنسوبون إليكم ) ، فقال هارون : فما الزنديق عندكم أهل البيت ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( الزنديق هو الراد على الله وعلى رسوله ، وهم الذين يحادّون الله ورسوله ، قال تعالى : ( لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) ، وهم الملحدون ، عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد ) .
فقال هارون : أخبرني عن أوّل من ألحد وتزندق ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( أوّل من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين ، فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيبه آدم ( عليه السلام ) ، فقال اللعين : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) ، فعتا عن أمر ربّه وألحد ، فتوارث الإلحاد ذرّيته إلى أن تقوم الساعة ) ، فقال هارون : ولإبليس ذرّية ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( نعم ، ألم تسمع إلى قول الله عزّ وجل : ( إِلاَ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً * مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) ) ، فهل عرف الرشيد من أي فريق هو ؟!
ثمّ قال له الرشيد : بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه ، فقال ( عليه السلام ) : ( نعم ) ، وأوتي بدواة
وقرطاس ، فكتب : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، جميع أمور الأديان أربعة :
1ـ أمر لا اختلاف فيه ، وهو إجماع الأمّة على الضرورة التي يضطرّون إليها ، الأخبار المجمع عليها ، وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة ، والمستنبط منها كل حادثة ، وهو إجماع الأمّة .
2ـ وأمر يحتمل الشك والإنكار ، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجّة من كتاب الله مجمع على تأويلها ، وسنّة مجمع عليها لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصّة الأمّة وعامّتها الشك فيه والإنكار له .
وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه ، وأرش الخدش فما فوقه ، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين ، فما ثبت لك برهانه اصطفيته ، وما غمض عليك صوابه نفيته ، فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجّة البالغة التي بيّنها الله في قوله لنبيه ( صلّى الله عليه وآله ) : ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) .
يبلغ الحجّة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله ، كما يعلمها العالم بعلمه ، لأنّ الله عدل لا يجور ، يحتج على خلقه بما يعملون ، ويدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون ) .
فأجازه الرشيد وأحسن لقاءه ، وانصرف الإمام ( عليه السلام ) وقد دلّ خصمه ـ المسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين ـ على أمور الدين ، كما أوضح له منزلة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وصحّة أقوالهم ، ودعم ما ذهب إليه بأوثق الأدلّة والبراهين ، ولا غرو فهذا الغصن الطيّب هو من تلك الشجرة الطيّبة التي غرسها الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، وتعهّد سقايتها ورعايتها .

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  1:36 م

السبت، 24 مايو 2014


عاصر الإمام الكاظم ( عليه السلام ) خلال فترة إمامته أربعة من الخلفاء العباسيين ، و هم : المنصور ، المهدي ، الهادي ، الرشيد . و قد زخرت هذه الفترة بالأحداث و الوقائع التاريخية الخطيرة ، و كان من أبرز تلك الوقائع ، هي الثورات و السجن و الملاحقات و القتل الفردي و الجماعي لآل علي ابن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، و بني عمومتهم من الطالبِيّين . فالولاة يحكمون ، و يعبثون ، و يتصرفون كيف شاءوا ، ما زالوا محافظين على طاعة الخليفة . لأن المطلوب هو الولاء للخليفة العباسي لابَسط العدل و إقامة أحكام الإسلام ، و في مثل هذه الأوضاع كان طبيعياً ، أن ينال الإمام ( عليه السلام ) الظلم و السجن و الاضطهاد .
فأمر الرشيد بنقل الإمام من سجن الفضل إلى سجن السندي بن شاهك ، و الأخير كان شريراً لم تدخل الرحمة إلى قلبه ، و قد تَنكّر لجميع القِيَم . فكان لا يؤمن بالآخرة و لايرجو لله و قاراً ، فقابل الإمام ( عليه السلام ) بكل قسوة و جفاء ، فَضَيّق عليه في مأكله و مشربه ، و كَبّله بالقيود . و يقول الرواة : ( إنه قَيّده ( عليه السلام ) بثلاثين رطلاً من الحديد ) . و أقبل الإمام ( عليه السلام ) على عادته على العبادة ، فكان في أغلب أوقاته يصلي لربه ، و يقرأ كتاب الله ، و يُمجّده و يَحمُده على أنْ فَرّغه لعبادته .


كتابه إلى هارون :


و أرسل الإمام ( عليه السلام ) رسالة إلى هارون الرشيد ، أعرب فيها عن نقمته عليه ، و هذا هو نَصّها : ( إِنّه لن يَنقضي عَنّي يوم من البلاء ، حَتى ينقضي عَنك يوم من الرّخَاء ، حتى نَفنَى جميعاً إلى يومٍ ليس فيه انقضاء ، و هُناك يَخسرُ المُبطلون ) . و حكت هذه الرسالة ما أَلمّ بالإمام ( عليه السلام ) من الأسى في السجن ، و أنه سيحاكم الطاغية هارون الرشيد أمام الله تعالى في يوم يخسر فيه المبطلون .


شهادته ( عليه السلام ) :


عهد هارون إلى السندي باغتيال الإمام ( عليه السلام ) ، فَدُسّ له سُمّاً فاتكاً في رطب ، و أجبره السندي على تناوله . فأكل ( عليه السلام ) مِنهُ رطبات يسيرة ، فقال له السندي : زِد على ذلك . فَرَمَقَهُ الإمام ( عليه السلام ) بَطَرْفِه ، و قال له : ( حَسبُكَ ، قد بَلغتُ ما تحتاجُ إليه ) . و تفاعل السم في بدنه ( عليه السلام ) ، و أخذ يعاني الآلام القاسية ، و قد حفت به الشرطة القُساة . و لازَمه السندي ، و كان يُسمِعُه مُرَّ الكلام و أقساه ، و مَنعَ عنه جميع الإسعافات لِيُعَجّل له النهاية المَحتومة . و لما ثقل حاله ( عليه السلام ) ، و أشرف على النهاية ، استدعى المُسيّب بن زهرة ، و قال له : ( إني على ما عَرّفتُك من الرحيل إلى الله عزَّ و جلَّ ، فإذا دَعوتُ بِشُربة من ماءٍ فَشربتُها ، و رأيتني قد انتَفَختُ ، و اصفَرَّ لوني و احمَرَّ و اخضَرَّ ، وَ أتَلَوَّنُ ألواناً ، فأخبر الطاغية بوفاتي ) .
فقال المُسيَّب : فلم أزلْ أراقب وَعده ، حتى دعا ( عليه السلام ) بشربة فَشربَها ، ثم استدعاني فقال : ( يا مُسيَّب ، إن هذا الرِّجس السِّندي بن شَاهك سَيزعم أنه يتولَّى غسلي و دفني ، و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً ، فإذا حُمِلت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فَألحِدُوني بها ) .
قال المُسيَّب : ثم رأيتُ شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه ، و كان عهدي بسيِّدي الرضا( عليه السلام ) ، و هو غلام ، فأردت أن أسأله ، فصاح بي سيدي الكاظم ( عليه السلام ) ، و قال : ( أَليسَ قَد نَهَيتُك ؟! ) . ثم إنه غاب ذلك الشخص ، و جئتُ إلى الإمام ( عليه السلام ) ، فإذا به جثة هامدة قد فارق الحياة ، فانتهيت بالخبر إلى الرشيد . و كانت شهادته ( عليه السلام ) في ( 25 ) رجب من سنة ( 183 هـ ) .
فخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان إمام المسلمين و سيد المتقين و العابدين ، و خرجَت الشيعة ، و هي تلطم الصدور ، و تذرف الدموع ، و خرجت السيدات من نسائهم ، وَ هُنَّ يَندبْنَ الإمام ( عليه السلام ) ، و يرفَعْنَ أصواتَهُنَّ بالنياحَة عليه ( عليه السلام ) . و سارت مواكب التشييع في شوارع بغداد ، و هي تردد أهازيج اللوعة و الحزن . و سارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن و قد ساد عليها الحزن ، حتى انتهت إلى مقابر قريش في بغداد . فَحُفِر للجثمان العظيم قبر ، فواروه فيه ، و انصرف المشيعون ، و هم يعددون فضائله ( عليه السلام ) ، و يَذكُرون بمزيد من اللَّوعة الخسارةَ التي مُني بها المسلمون . فَتَحيَّات من الله على تلك الروح العظيمة ، التي ملأت الدنيا بفضائلها و آثارها و مآثرها .

شهادة الإمام الكاظم عليه السلام


عاصر الإمام الكاظم ( عليه السلام ) خلال فترة إمامته أربعة من الخلفاء العباسيين ، و هم : المنصور ، المهدي ، الهادي ، الرشيد . و قد زخرت هذه الفترة بالأحداث و الوقائع التاريخية الخطيرة ، و كان من أبرز تلك الوقائع ، هي الثورات و السجن و الملاحقات و القتل الفردي و الجماعي لآل علي ابن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، و بني عمومتهم من الطالبِيّين . فالولاة يحكمون ، و يعبثون ، و يتصرفون كيف شاءوا ، ما زالوا محافظين على طاعة الخليفة . لأن المطلوب هو الولاء للخليفة العباسي لابَسط العدل و إقامة أحكام الإسلام ، و في مثل هذه الأوضاع كان طبيعياً ، أن ينال الإمام ( عليه السلام ) الظلم و السجن و الاضطهاد .
فأمر الرشيد بنقل الإمام من سجن الفضل إلى سجن السندي بن شاهك ، و الأخير كان شريراً لم تدخل الرحمة إلى قلبه ، و قد تَنكّر لجميع القِيَم . فكان لا يؤمن بالآخرة و لايرجو لله و قاراً ، فقابل الإمام ( عليه السلام ) بكل قسوة و جفاء ، فَضَيّق عليه في مأكله و مشربه ، و كَبّله بالقيود . و يقول الرواة : ( إنه قَيّده ( عليه السلام ) بثلاثين رطلاً من الحديد ) . و أقبل الإمام ( عليه السلام ) على عادته على العبادة ، فكان في أغلب أوقاته يصلي لربه ، و يقرأ كتاب الله ، و يُمجّده و يَحمُده على أنْ فَرّغه لعبادته .


كتابه إلى هارون :


و أرسل الإمام ( عليه السلام ) رسالة إلى هارون الرشيد ، أعرب فيها عن نقمته عليه ، و هذا هو نَصّها : ( إِنّه لن يَنقضي عَنّي يوم من البلاء ، حَتى ينقضي عَنك يوم من الرّخَاء ، حتى نَفنَى جميعاً إلى يومٍ ليس فيه انقضاء ، و هُناك يَخسرُ المُبطلون ) . و حكت هذه الرسالة ما أَلمّ بالإمام ( عليه السلام ) من الأسى في السجن ، و أنه سيحاكم الطاغية هارون الرشيد أمام الله تعالى في يوم يخسر فيه المبطلون .


شهادته ( عليه السلام ) :


عهد هارون إلى السندي باغتيال الإمام ( عليه السلام ) ، فَدُسّ له سُمّاً فاتكاً في رطب ، و أجبره السندي على تناوله . فأكل ( عليه السلام ) مِنهُ رطبات يسيرة ، فقال له السندي : زِد على ذلك . فَرَمَقَهُ الإمام ( عليه السلام ) بَطَرْفِه ، و قال له : ( حَسبُكَ ، قد بَلغتُ ما تحتاجُ إليه ) . و تفاعل السم في بدنه ( عليه السلام ) ، و أخذ يعاني الآلام القاسية ، و قد حفت به الشرطة القُساة . و لازَمه السندي ، و كان يُسمِعُه مُرَّ الكلام و أقساه ، و مَنعَ عنه جميع الإسعافات لِيُعَجّل له النهاية المَحتومة . و لما ثقل حاله ( عليه السلام ) ، و أشرف على النهاية ، استدعى المُسيّب بن زهرة ، و قال له : ( إني على ما عَرّفتُك من الرحيل إلى الله عزَّ و جلَّ ، فإذا دَعوتُ بِشُربة من ماءٍ فَشربتُها ، و رأيتني قد انتَفَختُ ، و اصفَرَّ لوني و احمَرَّ و اخضَرَّ ، وَ أتَلَوَّنُ ألواناً ، فأخبر الطاغية بوفاتي ) .
فقال المُسيَّب : فلم أزلْ أراقب وَعده ، حتى دعا ( عليه السلام ) بشربة فَشربَها ، ثم استدعاني فقال : ( يا مُسيَّب ، إن هذا الرِّجس السِّندي بن شَاهك سَيزعم أنه يتولَّى غسلي و دفني ، و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً ، فإذا حُمِلت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فَألحِدُوني بها ) .
قال المُسيَّب : ثم رأيتُ شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه ، و كان عهدي بسيِّدي الرضا( عليه السلام ) ، و هو غلام ، فأردت أن أسأله ، فصاح بي سيدي الكاظم ( عليه السلام ) ، و قال : ( أَليسَ قَد نَهَيتُك ؟! ) . ثم إنه غاب ذلك الشخص ، و جئتُ إلى الإمام ( عليه السلام ) ، فإذا به جثة هامدة قد فارق الحياة ، فانتهيت بالخبر إلى الرشيد . و كانت شهادته ( عليه السلام ) في ( 25 ) رجب من سنة ( 183 هـ ) .
فخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان إمام المسلمين و سيد المتقين و العابدين ، و خرجَت الشيعة ، و هي تلطم الصدور ، و تذرف الدموع ، و خرجت السيدات من نسائهم ، وَ هُنَّ يَندبْنَ الإمام ( عليه السلام ) ، و يرفَعْنَ أصواتَهُنَّ بالنياحَة عليه ( عليه السلام ) . و سارت مواكب التشييع في شوارع بغداد ، و هي تردد أهازيج اللوعة و الحزن . و سارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن و قد ساد عليها الحزن ، حتى انتهت إلى مقابر قريش في بغداد . فَحُفِر للجثمان العظيم قبر ، فواروه فيه ، و انصرف المشيعون ، و هم يعددون فضائله ( عليه السلام ) ، و يَذكُرون بمزيد من اللَّوعة الخسارةَ التي مُني بها المسلمون . فَتَحيَّات من الله على تلك الروح العظيمة ، التي ملأت الدنيا بفضائلها و آثارها و مآثرها .

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  10:18 م

الجمعة، 23 مايو 2014


السؤال: أن جسم الإنسان كلما نما تغيرت خلاياه، بل تدخل في تركيب جسمه المواد التي يأكلها من لحوم وخضروات وغيرها، ولا شك أنها كانت في أجسام أخرى. مما يعني أن لكل إنسان مجموعة من الأبدان في طول حياته، بعضها ارتكب فيها المعصية، وبعضها ليس منه أصلا، بل من أجسام أخرى. فإذا كان الإنسان سيعذب في النار، ويحترق بدنه وجلده بها، فأي بدن هو المعاقب؟ أفلا يلزم أن العقاب ربما يقع على الجسم الذي لم يرتكب الجرم، وهو ظلم واضح.

الجواب: هذا ما يسمى بشبهة الآكل والمأكول، وقد أجيب بعدة إجابات:
منها: أن المحشور ليس هو البدن الدنيوي بشكل كامل، بل هو بدن مثالي، أو بدن جديد، بحيث ينتفي معه الاختلاط مع أجزاء المخلوقات الأخرى.
ومنها: أن الذي يعاد هو البدن الدنيوي بأصوله الأساسية، بمعنى خلوه من الزيادات العارضة عليه من الأجسام الأخرى.
ومنها: أن المدار في الثواب والعقاب ليس على البدن، بل على الروح، والشبهة المشار إليها إنما تتوجه على الاختلاط البدني، وهو غير ضار في حال كون المواجه للعقاب والثواب هو الروح خاصة.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

شبهة الآكل والمأكول!


السؤال: أن جسم الإنسان كلما نما تغيرت خلاياه، بل تدخل في تركيب جسمه المواد التي يأكلها من لحوم وخضروات وغيرها، ولا شك أنها كانت في أجسام أخرى. مما يعني أن لكل إنسان مجموعة من الأبدان في طول حياته، بعضها ارتكب فيها المعصية، وبعضها ليس منه أصلا، بل من أجسام أخرى. فإذا كان الإنسان سيعذب في النار، ويحترق بدنه وجلده بها، فأي بدن هو المعاقب؟ أفلا يلزم أن العقاب ربما يقع على الجسم الذي لم يرتكب الجرم، وهو ظلم واضح.

الجواب: هذا ما يسمى بشبهة الآكل والمأكول، وقد أجيب بعدة إجابات:
منها: أن المحشور ليس هو البدن الدنيوي بشكل كامل، بل هو بدن مثالي، أو بدن جديد، بحيث ينتفي معه الاختلاط مع أجزاء المخلوقات الأخرى.
ومنها: أن الذي يعاد هو البدن الدنيوي بأصوله الأساسية، بمعنى خلوه من الزيادات العارضة عليه من الأجسام الأخرى.
ومنها: أن المدار في الثواب والعقاب ليس على البدن، بل على الروح، والشبهة المشار إليها إنما تتوجه على الاختلاط البدني، وهو غير ضار في حال كون المواجه للعقاب والثواب هو الروح خاصة.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  9:07 م

الخميس، 22 مايو 2014


السؤال: ما هي العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام؟

الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عشر قبل الساعة لابدّ منها: السفياني والدجال والدخان والدابة وخروج القائم وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر. (غيبة الشيخ الطوسي ص267، بحار الأنوار ج52 ص209، بشارة الإسلام ص14).
وفي بعض الأحاديث أن المحتوم من العلامات هي خمس علامات مثل ما روي عن ميمون البان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خمس قبل قيام القائم: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف البيداء، وقتل النفس الزكية (الإرشاد للمفيد ج2 ص379، كمال الدين ص649، غيبة الطوسي ص267، إعلام الورى ص426).


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.



العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (عج)


السؤال: ما هي العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام؟

الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عشر قبل الساعة لابدّ منها: السفياني والدجال والدخان والدابة وخروج القائم وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر. (غيبة الشيخ الطوسي ص267، بحار الأنوار ج52 ص209، بشارة الإسلام ص14).
وفي بعض الأحاديث أن المحتوم من العلامات هي خمس علامات مثل ما روي عن ميمون البان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خمس قبل قيام القائم: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف البيداء، وقتل النفس الزكية (الإرشاد للمفيد ج2 ص379، كمال الدين ص649، غيبة الطوسي ص267، إعلام الورى ص426).


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.



من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  10:32 م

الثلاثاء، 20 مايو 2014


السؤال: ماذا تقولون عن الفلسفة والعرفان والتصوف؟

الجواب: الفلسفة بما إنها تتمحور حول العقل البشري والعقل البشري معرض للخطأ والاشتباه لولا الصيانة الشرعية، لقصوره عن إدراك كثير من الأمور أولاً، ولتشكل الصورة عنده بشكل مخلوط ومغلوط في أحيان أخرى، فيأخذها أخذ المسلمات، ثم يعطي النتائج وفق تلك المعطيات، على أنها صحيحة ومطابقة للواقع، وليس الأمر كذلك. لذلك لا منجاة للعقل البشري – والفلسفة ناتج من نتاجاته - من الوقوع في الخطأ، مثل نظرية العقول العشرة ووحدة الوجود، وغيرهما.  فتحصيل الفلسفة يجب أن يكون مشفوعاً بما جاء في القرآن الحكيم والأحاديث الشريفة للوقوف على أخطائها والتحرز منها.
و العرفان الصحيح منحصر طبق القرآن الحكيم والأحاديث الشريفة فيما دلّنا عليه أهل البيت المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين، بترويض النفس على تقوى الله، وذلك بأداء الواجبات وترك المحرمات، والانطلاق من نور العقيدة النزيهة الثابتة، وفوق ذلك بالالتزام بآداب الإسلام الإلزامية وغير الإلزامية، لما له من الآثار التكوينية والوضعية  على جسم  الإنسان وروحه وعقله.
وأما التصوف فالظاهر من هدي اهل البيت صلوات الله عليهم التنفير منهم واجتناب تخاريفهم. وقد نقل في مجمع البحرين قولاً بأن الصوفية: سمّوا بذلك لاستعمالهم لبس الصوف، والصوفية ونحوها من الطرائق والنحل التي أسسها حكام الجور من بني العباس مقابل مدرسة أهل البيت عليهم السلام وخاصة في زمن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، وقد تصدّوا (عليهم السلام) لكشف القناع عنهم وسحب مشروعيتهم، وبيان أنها مما لم ينزل الله بها من سلطان. وقال السيد الطباطبائي اليزدي في كتابه: «العروة الوثقى» وهو يعدّ النجاسات في الثامن منها: «والقائلين بوحدة الوجود من الصوفية اذا التزموا بأحكام الإسلام، فالأقوى عدم نجاستهم، إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد».


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


الموقف من الفلسفة والعرفان والتصوّف


السؤال: ماذا تقولون عن الفلسفة والعرفان والتصوف؟

الجواب: الفلسفة بما إنها تتمحور حول العقل البشري والعقل البشري معرض للخطأ والاشتباه لولا الصيانة الشرعية، لقصوره عن إدراك كثير من الأمور أولاً، ولتشكل الصورة عنده بشكل مخلوط ومغلوط في أحيان أخرى، فيأخذها أخذ المسلمات، ثم يعطي النتائج وفق تلك المعطيات، على أنها صحيحة ومطابقة للواقع، وليس الأمر كذلك. لذلك لا منجاة للعقل البشري – والفلسفة ناتج من نتاجاته - من الوقوع في الخطأ، مثل نظرية العقول العشرة ووحدة الوجود، وغيرهما.  فتحصيل الفلسفة يجب أن يكون مشفوعاً بما جاء في القرآن الحكيم والأحاديث الشريفة للوقوف على أخطائها والتحرز منها.
و العرفان الصحيح منحصر طبق القرآن الحكيم والأحاديث الشريفة فيما دلّنا عليه أهل البيت المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين، بترويض النفس على تقوى الله، وذلك بأداء الواجبات وترك المحرمات، والانطلاق من نور العقيدة النزيهة الثابتة، وفوق ذلك بالالتزام بآداب الإسلام الإلزامية وغير الإلزامية، لما له من الآثار التكوينية والوضعية  على جسم  الإنسان وروحه وعقله.
وأما التصوف فالظاهر من هدي اهل البيت صلوات الله عليهم التنفير منهم واجتناب تخاريفهم. وقد نقل في مجمع البحرين قولاً بأن الصوفية: سمّوا بذلك لاستعمالهم لبس الصوف، والصوفية ونحوها من الطرائق والنحل التي أسسها حكام الجور من بني العباس مقابل مدرسة أهل البيت عليهم السلام وخاصة في زمن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، وقد تصدّوا (عليهم السلام) لكشف القناع عنهم وسحب مشروعيتهم، وبيان أنها مما لم ينزل الله بها من سلطان. وقال السيد الطباطبائي اليزدي في كتابه: «العروة الوثقى» وهو يعدّ النجاسات في الثامن منها: «والقائلين بوحدة الوجود من الصوفية اذا التزموا بأحكام الإسلام، فالأقوى عدم نجاستهم، إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد».


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:40 م

الاثنين، 19 مايو 2014


السؤال: الحديث المشهور: "عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون". كثيراً ما نجد ترديده على المنابر، فهل يمكن قبوله، وهل هو صحيح أساساً؟

الجواب: الحديث بمثل هذه الألفاظ ضعيف، وهو مذكور كحديث قدسي في بعض المصادر، كعدة الداعي لابن فهد الحلي، ومشارق أنوار اليقين للطبرسي، وإرشاد القلوب للديلمي. وهو وإن كان سنده لا يخلو من كلام، وما في ألفاظه من استيحاش في بدو النظر، إلا أن مضمونه منثور بين أحاديث غير قليلة، وبعضها معتبر. فلا بد من توجيهه بحسب محدودية الإنسان والمخلوق الممكن في مقابل قدرة الله سبحانه المطلقة. لا سيما مع وروده بألفاظ متفاوتة في أحاديث عديدة، وعند الفريقين جميعاً، ومع هذا التوجيه لا يبقى مانع عقلي منه. وقدرة العبد حينئذ تكون إضافية لا استقلالية، وفي طول قدرة الله عز وجل لا في عرضها وموازاتها. وهذا هو الفرق بين المثلية التي يمكن قبولها هنا والمثلية المستحيلة والمنفية في قوله تعالى: "ليس كمثله شيء" (الشورى: 11). ولا بد كذلك من تقييد قدرة العبد بما يمكن في حقه، بما هو مخلوق ممكن الوجود، والله العالم.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

حديث "عبدي أطعني تكن مثلي" هل هو صحيح؟


السؤال: الحديث المشهور: "عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون". كثيراً ما نجد ترديده على المنابر، فهل يمكن قبوله، وهل هو صحيح أساساً؟

الجواب: الحديث بمثل هذه الألفاظ ضعيف، وهو مذكور كحديث قدسي في بعض المصادر، كعدة الداعي لابن فهد الحلي، ومشارق أنوار اليقين للطبرسي، وإرشاد القلوب للديلمي. وهو وإن كان سنده لا يخلو من كلام، وما في ألفاظه من استيحاش في بدو النظر، إلا أن مضمونه منثور بين أحاديث غير قليلة، وبعضها معتبر. فلا بد من توجيهه بحسب محدودية الإنسان والمخلوق الممكن في مقابل قدرة الله سبحانه المطلقة. لا سيما مع وروده بألفاظ متفاوتة في أحاديث عديدة، وعند الفريقين جميعاً، ومع هذا التوجيه لا يبقى مانع عقلي منه. وقدرة العبد حينئذ تكون إضافية لا استقلالية، وفي طول قدرة الله عز وجل لا في عرضها وموازاتها. وهذا هو الفرق بين المثلية التي يمكن قبولها هنا والمثلية المستحيلة والمنفية في قوله تعالى: "ليس كمثله شيء" (الشورى: 11). ولا بد كذلك من تقييد قدرة العبد بما يمكن في حقه، بما هو مخلوق ممكن الوجود، والله العالم.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  9:12 م

السؤال: يقول الدكتور الوائلي دام محفوظاً محظوظاً في قصيدته «إلى أبي تراب» ذاكراً بعض غزوات وحروب أمير المؤمنين شهيد المحراب عليه أفضل صلوات المصلين من كل الأصحاب في هذه الدار وفي الأصلاب:
بدر وأحد والهراس وخيبر      والنهروان ومثلها صفين
ما هي وقعة «الهراس» ما تأريخها؟
ولماذا هي خافية علينا ولم نسمع بها قبل هذا البيت؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد سألتم عن يوم المهراس، الذي ورد في شعر الشيخ الوائلي رحمه الله.
فنقول: إن المراد به يوم أحد..(1).
وقد سمي بذلك لأن الإمام علياً عليه السلام قد جاء فيه بالماء من المهراس..(2).
وقال شبل بن عبد الله يذكر حمزة الذي دفن بجانب المهراس:
واذكروا مصرع الحسين وزيد   وقتيل بجانب المهراس
وقيل إنه لسديف..(3).
والظاهر: أن الأمر قد اشتبه على الشيخ الوائلي فظن أن يوم أحد هو غير يوم المهراس، فعطف الثاني على الأول.. مشيراً بذلك إلى المغايرة بينهما، إذ إن العطف هنا ليس عطف تفسير لأن التفسير إنما يكون بما هو أعرف وأجلى..
كما أنه رحمه الله قد تصرف في بنية الكلمة، فقال: «الهراس» بدل «المهراس»..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

____________

(1) مستدرك الحاكم ج3 ص111 والمناقب للخوارزمي ص21 و22 وراجع: إرشاد المفيد ص48 وتيسير المطالب ص49.
(2) راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص111 والنهاية في اللغة ج5 ص259.
(3) راجع: الكامل للمبرد ص1178 ومعجم البلدان ج4 ص69.

ما هو يوم "المهراس"؟!


السؤال: يقول الدكتور الوائلي دام محفوظاً محظوظاً في قصيدته «إلى أبي تراب» ذاكراً بعض غزوات وحروب أمير المؤمنين شهيد المحراب عليه أفضل صلوات المصلين من كل الأصحاب في هذه الدار وفي الأصلاب:
بدر وأحد والهراس وخيبر      والنهروان ومثلها صفين
ما هي وقعة «الهراس» ما تأريخها؟
ولماذا هي خافية علينا ولم نسمع بها قبل هذا البيت؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد سألتم عن يوم المهراس، الذي ورد في شعر الشيخ الوائلي رحمه الله.
فنقول: إن المراد به يوم أحد..(1).
وقد سمي بذلك لأن الإمام علياً عليه السلام قد جاء فيه بالماء من المهراس..(2).
وقال شبل بن عبد الله يذكر حمزة الذي دفن بجانب المهراس:
واذكروا مصرع الحسين وزيد   وقتيل بجانب المهراس
وقيل إنه لسديف..(3).
والظاهر: أن الأمر قد اشتبه على الشيخ الوائلي فظن أن يوم أحد هو غير يوم المهراس، فعطف الثاني على الأول.. مشيراً بذلك إلى المغايرة بينهما، إذ إن العطف هنا ليس عطف تفسير لأن التفسير إنما يكون بما هو أعرف وأجلى..
كما أنه رحمه الله قد تصرف في بنية الكلمة، فقال: «الهراس» بدل «المهراس»..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.

____________

(1) مستدرك الحاكم ج3 ص111 والمناقب للخوارزمي ص21 و22 وراجع: إرشاد المفيد ص48 وتيسير المطالب ص49.
(2) راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص111 والنهاية في اللغة ج5 ص259.
(3) راجع: الكامل للمبرد ص1178 ومعجم البلدان ج4 ص69.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  3:22 م

الأحد، 18 مايو 2014


السؤال: من هو واضع علم النحو؟ فقد سمعنا أنه أمير المؤمنين عليه السلام، لكن بعض الأساتذة ينفون ذلك، ويقولون: إنه من وضع أبي الأسود أو قيس بن عاصم.

الجواب: أما تأسيس أمير المؤمنين لعلم النحو فهو من الأمور المعروفة المتواترة، المتسالم عليها عند نقلة هذه الآثار. ومما يدل على ذلك شهادة أرباب الفن وعلماء اللغة أنفسهم؛ قال السيوطي في كتاب النظائر والأشباه في النحو: قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه: حدثنا محمد بن رستم الطبرسي قال: حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حدثنا سعيد بن مسلم الباهلي، حدثنا أبي، عن جدي، عن أبي الأسود الدؤلي قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فرأيته مطرقاً متفكراً فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ فقال: إنى سمعت ببلدكم هذا لحناً، فأردت أن أصنع كتاباً في أصول العربية فقلنا: إن فعلت هذا أحييتنا، ثم أتيته بعد ثلاث، فألقى إليَّ صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله: اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل. ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع لك. واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر وشيء لا ظاهر ولا مضمر، وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر. قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب فذكرت فيها " إن وأن وليت ولعل وكأن " ولم أذكر " لكن "، فقال لي: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها، فقال: بلى هي منها فزدها فيها. كما روى أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره، أخذ أبو الأسود، النحو عن علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال: ويروى أن أبا الأسود الدؤلى قالت له ابنته: ما أحسنُ السماء! فقال لها: نجومها، فقالت: إني لم أُرد ذلك، وإنما تعجبت من حسنها فقال لها: إذن فقولي: ما أحسنَ السماء! فحينئذ وضع النحو، وأول ما رسم منه باب التعجب.
وحكى أبو حاتم السجستاني قال: ولد أبو الأسود الدؤلي في الجاهلية، وأخذ النحو عن علي بن أبى طالب قال: وزعم قوم أن أول من وضع النحو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وزعم آخرون أن أول من وضع النحو نصر بن عاصم، وليس بصحيح؛ لأنهما أخذا النحو عن أبي الأسود. والصحيح ان أول من وضع النحو علي بن أبى طالب ع، لان الروايات كلها تسند إلى أبي الاسود وأبو الاسود يسنده إلى علي بن ابي طالب (عليه السلام) وقال الأنباري بعد خطبة كتابه وقبل ما نقله المصنف عنه: اعلم أيّدك الله بالتوفيق وأرشدك إلى سواء الطريق أن أول من وضع علم العربية وأسس قواعده وحدّ حدوده، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأخذ عنه أبو الأسود. وقال ابن خلكان في تاريخه: أبو الأسود ظالم بن عمر بن سفيان الدؤلي كان من سادات التابعين وأعيانهم، صحب علي بن أبي طالب وشهد معه صفين وهو بصري، وكان من أكمل الرجال رأياً، وهو أول من وضع النحو، فقيل: إن علي بن أبي طالب وضع له الكلام ثلاثة أضرب، اسم وفعل وحرف، ثم دفعه إليه، وقال: تمم على هذا، إلى ان قال: وسمى النحو نحوًا لأن أبا الأسود استأذن علي بن أبي طالب أن يضع نحو ما وضع.
وفيما ذكرنا كفاية لإثبات تأسيس أمير المؤمنين (ع) لعلم النحو، ولمن أراد المزيد يمكنه مراجعة الكتب المختصة.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

هل أُخذ علم النحو من أمير المؤمنين (ع)؟


السؤال: من هو واضع علم النحو؟ فقد سمعنا أنه أمير المؤمنين عليه السلام، لكن بعض الأساتذة ينفون ذلك، ويقولون: إنه من وضع أبي الأسود أو قيس بن عاصم.

الجواب: أما تأسيس أمير المؤمنين لعلم النحو فهو من الأمور المعروفة المتواترة، المتسالم عليها عند نقلة هذه الآثار. ومما يدل على ذلك شهادة أرباب الفن وعلماء اللغة أنفسهم؛ قال السيوطي في كتاب النظائر والأشباه في النحو: قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه: حدثنا محمد بن رستم الطبرسي قال: حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حدثنا سعيد بن مسلم الباهلي، حدثنا أبي، عن جدي، عن أبي الأسود الدؤلي قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فرأيته مطرقاً متفكراً فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ فقال: إنى سمعت ببلدكم هذا لحناً، فأردت أن أصنع كتاباً في أصول العربية فقلنا: إن فعلت هذا أحييتنا، ثم أتيته بعد ثلاث، فألقى إليَّ صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله: اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل. ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع لك. واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر وشيء لا ظاهر ولا مضمر، وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر. قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب فذكرت فيها " إن وأن وليت ولعل وكأن " ولم أذكر " لكن "، فقال لي: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها، فقال: بلى هي منها فزدها فيها. كما روى أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره، أخذ أبو الأسود، النحو عن علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال: ويروى أن أبا الأسود الدؤلى قالت له ابنته: ما أحسنُ السماء! فقال لها: نجومها، فقالت: إني لم أُرد ذلك، وإنما تعجبت من حسنها فقال لها: إذن فقولي: ما أحسنَ السماء! فحينئذ وضع النحو، وأول ما رسم منه باب التعجب.
وحكى أبو حاتم السجستاني قال: ولد أبو الأسود الدؤلي في الجاهلية، وأخذ النحو عن علي بن أبى طالب قال: وزعم قوم أن أول من وضع النحو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وزعم آخرون أن أول من وضع النحو نصر بن عاصم، وليس بصحيح؛ لأنهما أخذا النحو عن أبي الأسود. والصحيح ان أول من وضع النحو علي بن أبى طالب ع، لان الروايات كلها تسند إلى أبي الاسود وأبو الاسود يسنده إلى علي بن ابي طالب (عليه السلام) وقال الأنباري بعد خطبة كتابه وقبل ما نقله المصنف عنه: اعلم أيّدك الله بالتوفيق وأرشدك إلى سواء الطريق أن أول من وضع علم العربية وأسس قواعده وحدّ حدوده، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأخذ عنه أبو الأسود. وقال ابن خلكان في تاريخه: أبو الأسود ظالم بن عمر بن سفيان الدؤلي كان من سادات التابعين وأعيانهم، صحب علي بن أبي طالب وشهد معه صفين وهو بصري، وكان من أكمل الرجال رأياً، وهو أول من وضع النحو، فقيل: إن علي بن أبي طالب وضع له الكلام ثلاثة أضرب، اسم وفعل وحرف، ثم دفعه إليه، وقال: تمم على هذا، إلى ان قال: وسمى النحو نحوًا لأن أبا الأسود استأذن علي بن أبي طالب أن يضع نحو ما وضع.
وفيما ذكرنا كفاية لإثبات تأسيس أمير المؤمنين (ع) لعلم النحو، ولمن أراد المزيد يمكنه مراجعة الكتب المختصة.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:55 م

السبت، 17 مايو 2014

إن طبيعة الجنس البشري أنه يتأثر بالأوهام، إلى درجة أنه يتعامل مع الموهوم تعامله مع المتيقن.. مثال ذلك: لو طلب من إنسان أن ينام ليلة مع ميت، فإن معظم الناس يستوحش من ذلك، رغم يقينه أن هذا الميت كالخشبة.. فالإنسان يخاف من الحي، لا من الميت.
قديما كانت تعد الجراثيم من عالم الغيب -بمعنى من المعاني- لأنها لا ترى، وذلك قبل اكتشاف المجهر، أما الآن وبعد اكتشافه، فإننا نرى أدق الأشياء.. وهذه الأيام هنالك ما يسمى: بالعين، والسحر، والشعوذة، والعمل.. فما هو الموقف الشرعي تجاه هذه الأمور؟..
إن بعض الناس طبيعتهم هكذا!.. ولعل البعض يتظاهر بالأكاديمية، وأنه إنسان علمي وموضوعي، فينفي كل شيء ما وراء المادة.. وطبعا هذا من الجهل بكل وضوح!.. لأننا نعيش في بيئة مليئة بالأمواج المغناطيسية، والكهربائية، والصوتية ...الخ.. وكل ما حولنا هو أشد تأثيرا في حياتنا من  الشهود.. وعليه، فإن الإنسان الذي لا يعتقد بأصل المادة، هذا إنسان غير موضوعي.
إن الإنسان لا ينفي أصل الموضوع، فهناك سورة في القرآن الكريم باسم (الجن) {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}.. وبالنسبة إلى السحر أيضا يقول القرآن الكريم: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}..  قديما كان هذا السحر موجودا، كانوا يعقدون العقد على الحبل، وتنفث فيه الساحرة.. وهناك معنى آخر للنفاثات: أي أن الإنسان إذا عقد عزمه على شيء، يأتي إنسان يحبط من عزمه؛ أي ينفث في عقده.. وورد أيضا في القرآن الكريم: {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}.
فإذن، إن هناك حقيقة قائمة، ولكن ليس معنى ذلك أن كل ما يراه الإنسان من عوامل غريبة، ينسبه إلى السحر وما شابه ذلك.. أحدهم يقول: دخلتُ على الهادي (ع)، وقد نكيت إصبعي، وتلقّاني راكبٌ وصدم كتفي، ودخلتُ في زحمةٍ، فخرقوا عليّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرّك من يومٍ فما أشأمك!.. فقال لي: (يا حسن!.. هذا وأنت تغشانا، ترمي بذنبك من لا ذنب له).. فأثاب إليّ عقلي، وتبيّنتُ خطائي، فقلت: مولاي!.. أستغفر الله، فقال: (يا حسن!.. ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها، إذا جُوزيتم بأعمالكم فيها)؟.. قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً وهي توبتي يا بن رسول الله!.. قال: (والله ما ينفعكم، ولكنّ الله يعاقبكم بذمّها على ما لا ذمّ عليها فيه.. أما علمت يا حسن!.. أنّ الله هو المثيب والمعاقب، والمجازي بالأعمال عاجلاً وآجلاً)؟.. قلت: بلى، يا مولاي!.. قال: (لا تعد، ولا تجعل للأيام صنعاً في حكم الله)..
وعليه، فإن هناك نكبات وبلاء، ولكن ليس معنى ذلك أنه كلما رأينا بلية، نفسر ذلك على أنه من عمل السحر والجن وما شابه ذلك.. والحل هو:
أولاً: أن لا ننتقل من عالم الشهود إلى عالم ما وراء الطبيعة إلا بدليل قاطع، وأنى لنا بدليل قاطع!..
ثانياً: دفع الصدقة.. فالوقاية خير من العلاج.. هناك ما يسمى اليوم بالتطعيم ضد الأوبئة والأخطار، لمن يخاف من المفاجآت المستقبلية.. وكذلك الذي يخاف من مفاجآت القضاء والقدر، عليه أن يدفع صدقة، وقد يكون أثر هذا العمل أكثر من بعض الأحراز لأن فيه تضحية، {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.
فإذن، يستحب للإنسان أن يدفع صدقة يومية، والذي نفهمه من الروايات، أن صدقة الليل غير صدقة النهار.. وهناك فرق بين عزل الصدقة وبين دفع الصدقة، حيث أن الأثر الأتم لدفع الصدقة للفقير، لا لعزل الصدقة.. ومن هنا ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} أنّه قال: (إنّي ضامن على ربّي تعالى، أنّ الصدقة لا تقع في يد العبد حتّى تقع في يد الربّ تعالى)، وكان يقول: (ليس من شيء إلاّ وكّل به ملك، إلاّ الصدقة فإنّها تقع في يد الله تعالى).. فهذا الفقير مرتبط بنحو من الأنحاء بالله عز وجل؛ لأن الفقراء عيال الله.
هناك ما يسمى بالحل الشرعي لمن لا يستطيع دفع الصدقة مباشرة إلى الفقير، وهو: أخذ وكالة من الفقير.. تقول: يا فلان!.. اجعلني وكيلا عنك في قبض الصدقات.. فتجعل الصدقة في يدك اليمنى ثم تقول: أخذت هذه الصدقة نيابة عن الفقير الفلاني، ثم تقبض المال.. وهكذا تجمع هذه الصدقات، وتجعلها أمانة عندك، إلى أن تراه في يوم من الأيام، وتقدمها له.. وبهذه الطريقة تدفع المال إلى الفقير مباشرة.. وهذا الطريقة أشد تأثيرا في دفع البلاء، من عزل الصدقة ودفعها في فيما بعد.

سماحة الشيخ حبيب الكاظمي.

المؤثرات السلبية الغيبية - الموقف الشرعي من العين والسحر والشعوذة

إن طبيعة الجنس البشري أنه يتأثر بالأوهام، إلى درجة أنه يتعامل مع الموهوم تعامله مع المتيقن.. مثال ذلك: لو طلب من إنسان أن ينام ليلة مع ميت، فإن معظم الناس يستوحش من ذلك، رغم يقينه أن هذا الميت كالخشبة.. فالإنسان يخاف من الحي، لا من الميت.
قديما كانت تعد الجراثيم من عالم الغيب -بمعنى من المعاني- لأنها لا ترى، وذلك قبل اكتشاف المجهر، أما الآن وبعد اكتشافه، فإننا نرى أدق الأشياء.. وهذه الأيام هنالك ما يسمى: بالعين، والسحر، والشعوذة، والعمل.. فما هو الموقف الشرعي تجاه هذه الأمور؟..
إن بعض الناس طبيعتهم هكذا!.. ولعل البعض يتظاهر بالأكاديمية، وأنه إنسان علمي وموضوعي، فينفي كل شيء ما وراء المادة.. وطبعا هذا من الجهل بكل وضوح!.. لأننا نعيش في بيئة مليئة بالأمواج المغناطيسية، والكهربائية، والصوتية ...الخ.. وكل ما حولنا هو أشد تأثيرا في حياتنا من  الشهود.. وعليه، فإن الإنسان الذي لا يعتقد بأصل المادة، هذا إنسان غير موضوعي.
إن الإنسان لا ينفي أصل الموضوع، فهناك سورة في القرآن الكريم باسم (الجن) {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}.. وبالنسبة إلى السحر أيضا يقول القرآن الكريم: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}..  قديما كان هذا السحر موجودا، كانوا يعقدون العقد على الحبل، وتنفث فيه الساحرة.. وهناك معنى آخر للنفاثات: أي أن الإنسان إذا عقد عزمه على شيء، يأتي إنسان يحبط من عزمه؛ أي ينفث في عقده.. وورد أيضا في القرآن الكريم: {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}.
فإذن، إن هناك حقيقة قائمة، ولكن ليس معنى ذلك أن كل ما يراه الإنسان من عوامل غريبة، ينسبه إلى السحر وما شابه ذلك.. أحدهم يقول: دخلتُ على الهادي (ع)، وقد نكيت إصبعي، وتلقّاني راكبٌ وصدم كتفي، ودخلتُ في زحمةٍ، فخرقوا عليّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرّك من يومٍ فما أشأمك!.. فقال لي: (يا حسن!.. هذا وأنت تغشانا، ترمي بذنبك من لا ذنب له).. فأثاب إليّ عقلي، وتبيّنتُ خطائي، فقلت: مولاي!.. أستغفر الله، فقال: (يا حسن!.. ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها، إذا جُوزيتم بأعمالكم فيها)؟.. قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً وهي توبتي يا بن رسول الله!.. قال: (والله ما ينفعكم، ولكنّ الله يعاقبكم بذمّها على ما لا ذمّ عليها فيه.. أما علمت يا حسن!.. أنّ الله هو المثيب والمعاقب، والمجازي بالأعمال عاجلاً وآجلاً)؟.. قلت: بلى، يا مولاي!.. قال: (لا تعد، ولا تجعل للأيام صنعاً في حكم الله)..
وعليه، فإن هناك نكبات وبلاء، ولكن ليس معنى ذلك أنه كلما رأينا بلية، نفسر ذلك على أنه من عمل السحر والجن وما شابه ذلك.. والحل هو:
أولاً: أن لا ننتقل من عالم الشهود إلى عالم ما وراء الطبيعة إلا بدليل قاطع، وأنى لنا بدليل قاطع!..
ثانياً: دفع الصدقة.. فالوقاية خير من العلاج.. هناك ما يسمى اليوم بالتطعيم ضد الأوبئة والأخطار، لمن يخاف من المفاجآت المستقبلية.. وكذلك الذي يخاف من مفاجآت القضاء والقدر، عليه أن يدفع صدقة، وقد يكون أثر هذا العمل أكثر من بعض الأحراز لأن فيه تضحية، {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.
فإذن، يستحب للإنسان أن يدفع صدقة يومية، والذي نفهمه من الروايات، أن صدقة الليل غير صدقة النهار.. وهناك فرق بين عزل الصدقة وبين دفع الصدقة، حيث أن الأثر الأتم لدفع الصدقة للفقير، لا لعزل الصدقة.. ومن هنا ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} أنّه قال: (إنّي ضامن على ربّي تعالى، أنّ الصدقة لا تقع في يد العبد حتّى تقع في يد الربّ تعالى)، وكان يقول: (ليس من شيء إلاّ وكّل به ملك، إلاّ الصدقة فإنّها تقع في يد الله تعالى).. فهذا الفقير مرتبط بنحو من الأنحاء بالله عز وجل؛ لأن الفقراء عيال الله.
هناك ما يسمى بالحل الشرعي لمن لا يستطيع دفع الصدقة مباشرة إلى الفقير، وهو: أخذ وكالة من الفقير.. تقول: يا فلان!.. اجعلني وكيلا عنك في قبض الصدقات.. فتجعل الصدقة في يدك اليمنى ثم تقول: أخذت هذه الصدقة نيابة عن الفقير الفلاني، ثم تقبض المال.. وهكذا تجمع هذه الصدقات، وتجعلها أمانة عندك، إلى أن تراه في يوم من الأيام، وتقدمها له.. وبهذه الطريقة تدفع المال إلى الفقير مباشرة.. وهذا الطريقة أشد تأثيرا في دفع البلاء، من عزل الصدقة ودفعها في فيما بعد.

سماحة الشيخ حبيب الكاظمي.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  4:56 م

الجمعة، 16 مايو 2014


السؤال: هل بالإمكان أن توضح لي كيف أن سعادة الدنيا والآخرة للمؤمن؟ داعماً الشرح بالأحاديث الشريفة.

الجواب: لا بد من أن نسأل أنفسنا قبل ذلك: ما المراد من السعادة أصلاً؟  هل هي بكثرة المال؟ هل هي بسلامة الجسم؟ هل هي بالجاه والسلطان؟ هل هي برفاهية العيش؟ هل هي بإشباع الغرائز الحيوانية؟ أم هي بالقوة البدنية؟ أم بكثرة العلم؟ أم بالتنسك والزهد والرهبانية، والتربية الروحانية؟ فإننا نرى كثيرين قد توفروا على هذه الأمور ومع ذلك رأيناهم يصرحون بعدم السعادة. وقد اختلف أصحاب الفكر والرأي من مختلف الملل والمشارب في تعريف السعادة والوصول إليها.
وفي اعتقادنا الراسخ أن النتائج التي ذكرتها التجارب البشرية، والطرق المسدودة التي وصلت إليها جراء سلوكها طرقاً معوجة وملتوية، أو منقوصة الأبعاد، كل ذلك دليل صارخ على خطأ  تلك المناهج. ومعلوم أن الإخفاق يكشف عن الخلل في الأسلوب والطريق. وقد صرح الإسلام العظيم بذلك أيضاً من خلال تعاليمه الحكيمة والدقيقة، في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

فلا بد من تعريف صحيح وواضح للسعادة، وكذلك لا بد من تحديد أبعاد الكائن الذي تراد له السعادة، ولو بالإجمال. ونعني بالكائن هنا الإنسان. ولا ريب أن السعادة المنشودة ليست هي حالة النشوة المؤقتة، التي قد تخيم على الفرد مدة من الزمن طالت أم قصرت، فإنها إلى زوال واضمحلال.

إن السعادة المنشودة هي استقرار حالة الرضا والانسجام التي يستشعر فيها الفرد بالانسجام بين احتياجاته وطموحاته وبين واقعه، في امتداديه الطولي والعرضي بالفعل والقوة. والمراد بالطول كل المراحل التي يمر بها الانسان في مسيرته الطويلة. والمراد بالعرضي كل أبعاد الإنسان الواقعية، من مقوماته وكمالاته. ومعلوم أن الانسان كائن متعدد الأبعاد، من روح ونفس وجسد، متنقل في عوالم مختلفة، لكل منها احتياجاته وقوانينه، ومنها ما يكون مشتركاً وثابتاً بين كل تلك العوالم، ومنها ما يكون متغيراً ومتحركاً.

فإذا أمعنّا الفكر في ذلك كله، نجد أن السعادة الواقعية تكمن في المواءمة بين الإنسان ككل وبين كل أبعاده ومراحله تلك. وبأي الطرق التحليلية سرنا، فإن المنطق يقول إن السعادة الحقيقية، أو لنقل: الكُملى، لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار تلك المؤثرات جمعاء. فلا يصح أن نلغي غرائزه، كما لا يصح أن نلغي كمالاته النفسية، وكذلك يجب أن نضع في الحسبان ما سوف يهجم عليه من مستقبل حتمي مجهول في العوالم الأخرى.

ومع ذلك فالإسلام العظيم الذي ينطق عن الله الحكيم الخبير؛ " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (الملك: 14)، قد كشف لنا عن بعض أسرار الغيب، وأظهر لنا أن كل أحكامه، بما فيها من تكاليف، ومشاق ظاهرية، هي في الواقع من أجل سعادتنا في الدارين. فهو سبحانه قد أوجب علينا الحج بما فيه من تعب ومشقة واضحين، ولكنه يقول عز وجل: "ليشهدوا منافع لهم"(الحج: 28)، وكتب علينا الصيام وهو مشقة في الظاهر، لكنه من أجل نفعنا وسعادتنا في الدنيا قبل الآخرة،كما قال تعالى: "كتب عليكم الصيام ... لعلكم تتقون"(البقرة: 183)، "فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة: 184)، ولكي يتعرف الغني على فقر الفقراء، فيفشو التكافل في المجتمع، ويعود النفع على الجميع، بما في ذلك الغني نفسه، وكتب علينا الزكاة وهي بذل مستصعب، لكنه سبحانه يبين العلة فيه فيقول: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "(التوبة: 103). وهكذا أوجب علينا الصلاة، والقصاص والعفاف، وحرّم علينا الربا والزنا والملاهي وأشباهها،كل ذلك من أجل نفع الإنسان نفسه، في هذه الدنيا، لكي يعيش البشر في وئام وانسجام، وفي الآخرة لكي يعيشوا النعيم الأبدي المقيم.

لذلك فإن الذي يغفل عن الله سبحانه وينغمس في الملذات بتوهم أنها هي السعادة، ما تلبث أن تزول عنه، فتذهب لذتها، وتبقى تبعتها، فيعيش الحرمان، وربما الندم. لكن الإسلام لم يحرم الملذات، بل قننها، ونظمها، بحيث جعلها تجري في المسار الإلهي، فالنوم يكون عبادة ولذة إذا كان في المسار الإلهي، والجنس يكون كذلك عبادة بهذا الاعتبار، والثروة، والكمال والجمال، والشهرة، وكل ما قالوا أنه محور السعادة، ربما يكون شكلاً من أشكالها، وبعداً من أبعادها، بشرط أن يكون في الحلال، وفي رضا الله جل وعلا.

لذلك لا نعجب عندما نجد أمير المؤمنين عليه السلام، يراجع النبي صلى الله عليه وآله بين الغزوة والغزوة  ليسأله عن زمان شهادته إذا كان قد حان!. ثم نراه أشد ابتهاجاً حين يفضخ المرادي رأسه بسيفه المسموم، فيقول مستبشراً: "فزت ورب الكعبة"!. وكذلك لا نتفاجأ إذا رأينا الإمام الحسين عليه السلام يعيش حالة الاطمئنان والرضا، بعد أن قتل العدو جميع أبنائه وقراباته وأصحابه، يقول: " إلهي رضا برضاك.. لا معبود سواك يا غياث المستغيثين"! (ينابيع المودّة ص418، أسرار الشهادة ص423). ويقول كذلك وهو في تلك الحال: "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله"! (اللهوف لابن طاووس: ص49، البحار للمجلسي: ج45، ص46). 

وهكذا حينما جلس ابْن زياد في القصر للناس وأذن إذناً عامّاً، وَ جِيءَ برأس الحسين ( عليه السلام ) فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ أُدْخِلَ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ وَ صِبْيَانُهُ إِلَيْهِ، فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ (عليه السلام) مُتَنَكِّرَةً. فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ .فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ! فَقَالَتْ: إِنَّمَا يفتضحُ الْفَاسِقُ، وَ يَكْذِبُ الْفَاجِرُ، وَ هُوَ غَيْرُنَا. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وأَهْلِ بَيْتِكِ؟ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلاّ جَمِيلًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وسَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلجُ يَوْمَئِذٍ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ (بحار الأنوار: ج15 ص115). كانت بذلك تخاطب أميراً مستأسداً، بكل رباطة جأش وطمأنينة نفس، مع أنها كانت أسيرة لا تملك حولاً ولاقوة في الظاهر!.

فالسعادة إذن هي حالة الانسجام النفسي الذي يعيشه الانسان حتى لو كان في ظاهره يعيش حالة العوز والحرمان، أو تحت ثقل الحديد والأغلال في غيابات السجون، وفي المقابل ربما يكون في غاية الشقاء، مع أنه ينام على جبال من الثروة المالية، أو يتربع على حكم البلاد والعباد. ومن هنا يتضح معنى قوله تعالى: "الذين تطمئن قلوبهم بذكر الله  ألا بذكر الله تطمئن القلوب"(الرعد: 28). وقوله تبارك وتعالى: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طه: 123-124) وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " (الأنفال: 24). وقوله تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" (النحل: 97).

ومن الروايات في هذا المجال، وهي كثيرة آبية عن الحصر: ما عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "حقيقة السعادة أن يختم الرجل عمله بالسعادة، وحقيقة الشقاء أن يختم المرء عمله بالشقاء".(بحار الأنوار: ج5 ص154)

وعندما سأله رجل: ما السعادة وما الشقاوة؟ قال عليه السلام: "السعادة سبب خير تمسّك به السعيد فيجره إلى النجاة، والشقاوة سبب خذلان تمسّك به الشقي فجره إلى الهلكة، وكل بعلم الله تعالى". (بحار الأنوار: ج10 ص184)

وقال عليه السلام: "فالمتبع لعقله يرزق السعادة والفوز، فهذا هو الذي طاب ظاهره وطاب باطنه، والمتبع لمقتضى هواه.. يرزق الشقاوة والعطب، وهذا هو الذي خبث ظاهره وخبث باطنه".( بحار الأنوار: ج29 ص604)

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "أربع من سعادة المرء: الخلفاء الصالحون، والولد البار، والمرأة المؤاتية، وأن تكون معيشته في بلده"( بحار الأنوار: ج100 ص86). وعنه صلّى الله عليه وآله: "من سعادة المرء: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب البهي، والولد الصالح"( بحار الأنوار: ج73 ص154).

ولكنه صلّى الله عليه وآله يؤكد عدم الانحصار في أمثال هذه النعم فيقول: "من لم ير لله عز وجل عليه نعمةً إلا في مطعمٍ أو مشربٍ أو ملبسٍ، فقد قصر عمله ودنى عذابه"( بحار الأنوار: ج70 ص8). ويقول الامام الباقر عليه السلام: "ليس منا من ترك دنياه لدينه، ولا دينه لدنياه"( بحار الأنوار: ج75 ص321).

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

يبحثون عن السعادة و هي في ظل الإيمان


السؤال: هل بالإمكان أن توضح لي كيف أن سعادة الدنيا والآخرة للمؤمن؟ داعماً الشرح بالأحاديث الشريفة.

الجواب: لا بد من أن نسأل أنفسنا قبل ذلك: ما المراد من السعادة أصلاً؟  هل هي بكثرة المال؟ هل هي بسلامة الجسم؟ هل هي بالجاه والسلطان؟ هل هي برفاهية العيش؟ هل هي بإشباع الغرائز الحيوانية؟ أم هي بالقوة البدنية؟ أم بكثرة العلم؟ أم بالتنسك والزهد والرهبانية، والتربية الروحانية؟ فإننا نرى كثيرين قد توفروا على هذه الأمور ومع ذلك رأيناهم يصرحون بعدم السعادة. وقد اختلف أصحاب الفكر والرأي من مختلف الملل والمشارب في تعريف السعادة والوصول إليها.
وفي اعتقادنا الراسخ أن النتائج التي ذكرتها التجارب البشرية، والطرق المسدودة التي وصلت إليها جراء سلوكها طرقاً معوجة وملتوية، أو منقوصة الأبعاد، كل ذلك دليل صارخ على خطأ  تلك المناهج. ومعلوم أن الإخفاق يكشف عن الخلل في الأسلوب والطريق. وقد صرح الإسلام العظيم بذلك أيضاً من خلال تعاليمه الحكيمة والدقيقة، في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

فلا بد من تعريف صحيح وواضح للسعادة، وكذلك لا بد من تحديد أبعاد الكائن الذي تراد له السعادة، ولو بالإجمال. ونعني بالكائن هنا الإنسان. ولا ريب أن السعادة المنشودة ليست هي حالة النشوة المؤقتة، التي قد تخيم على الفرد مدة من الزمن طالت أم قصرت، فإنها إلى زوال واضمحلال.

إن السعادة المنشودة هي استقرار حالة الرضا والانسجام التي يستشعر فيها الفرد بالانسجام بين احتياجاته وطموحاته وبين واقعه، في امتداديه الطولي والعرضي بالفعل والقوة. والمراد بالطول كل المراحل التي يمر بها الانسان في مسيرته الطويلة. والمراد بالعرضي كل أبعاد الإنسان الواقعية، من مقوماته وكمالاته. ومعلوم أن الانسان كائن متعدد الأبعاد، من روح ونفس وجسد، متنقل في عوالم مختلفة، لكل منها احتياجاته وقوانينه، ومنها ما يكون مشتركاً وثابتاً بين كل تلك العوالم، ومنها ما يكون متغيراً ومتحركاً.

فإذا أمعنّا الفكر في ذلك كله، نجد أن السعادة الواقعية تكمن في المواءمة بين الإنسان ككل وبين كل أبعاده ومراحله تلك. وبأي الطرق التحليلية سرنا، فإن المنطق يقول إن السعادة الحقيقية، أو لنقل: الكُملى، لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار تلك المؤثرات جمعاء. فلا يصح أن نلغي غرائزه، كما لا يصح أن نلغي كمالاته النفسية، وكذلك يجب أن نضع في الحسبان ما سوف يهجم عليه من مستقبل حتمي مجهول في العوالم الأخرى.

ومع ذلك فالإسلام العظيم الذي ينطق عن الله الحكيم الخبير؛ " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (الملك: 14)، قد كشف لنا عن بعض أسرار الغيب، وأظهر لنا أن كل أحكامه، بما فيها من تكاليف، ومشاق ظاهرية، هي في الواقع من أجل سعادتنا في الدارين. فهو سبحانه قد أوجب علينا الحج بما فيه من تعب ومشقة واضحين، ولكنه يقول عز وجل: "ليشهدوا منافع لهم"(الحج: 28)، وكتب علينا الصيام وهو مشقة في الظاهر، لكنه من أجل نفعنا وسعادتنا في الدنيا قبل الآخرة،كما قال تعالى: "كتب عليكم الصيام ... لعلكم تتقون"(البقرة: 183)، "فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة: 184)، ولكي يتعرف الغني على فقر الفقراء، فيفشو التكافل في المجتمع، ويعود النفع على الجميع، بما في ذلك الغني نفسه، وكتب علينا الزكاة وهي بذل مستصعب، لكنه سبحانه يبين العلة فيه فيقول: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "(التوبة: 103). وهكذا أوجب علينا الصلاة، والقصاص والعفاف، وحرّم علينا الربا والزنا والملاهي وأشباهها،كل ذلك من أجل نفع الإنسان نفسه، في هذه الدنيا، لكي يعيش البشر في وئام وانسجام، وفي الآخرة لكي يعيشوا النعيم الأبدي المقيم.

لذلك فإن الذي يغفل عن الله سبحانه وينغمس في الملذات بتوهم أنها هي السعادة، ما تلبث أن تزول عنه، فتذهب لذتها، وتبقى تبعتها، فيعيش الحرمان، وربما الندم. لكن الإسلام لم يحرم الملذات، بل قننها، ونظمها، بحيث جعلها تجري في المسار الإلهي، فالنوم يكون عبادة ولذة إذا كان في المسار الإلهي، والجنس يكون كذلك عبادة بهذا الاعتبار، والثروة، والكمال والجمال، والشهرة، وكل ما قالوا أنه محور السعادة، ربما يكون شكلاً من أشكالها، وبعداً من أبعادها، بشرط أن يكون في الحلال، وفي رضا الله جل وعلا.

لذلك لا نعجب عندما نجد أمير المؤمنين عليه السلام، يراجع النبي صلى الله عليه وآله بين الغزوة والغزوة  ليسأله عن زمان شهادته إذا كان قد حان!. ثم نراه أشد ابتهاجاً حين يفضخ المرادي رأسه بسيفه المسموم، فيقول مستبشراً: "فزت ورب الكعبة"!. وكذلك لا نتفاجأ إذا رأينا الإمام الحسين عليه السلام يعيش حالة الاطمئنان والرضا، بعد أن قتل العدو جميع أبنائه وقراباته وأصحابه، يقول: " إلهي رضا برضاك.. لا معبود سواك يا غياث المستغيثين"! (ينابيع المودّة ص418، أسرار الشهادة ص423). ويقول كذلك وهو في تلك الحال: "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله"! (اللهوف لابن طاووس: ص49، البحار للمجلسي: ج45، ص46). 

وهكذا حينما جلس ابْن زياد في القصر للناس وأذن إذناً عامّاً، وَ جِيءَ برأس الحسين ( عليه السلام ) فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَ أُدْخِلَ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ وَ صِبْيَانُهُ إِلَيْهِ، فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ (عليه السلام) مُتَنَكِّرَةً. فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ .فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ! فَقَالَتْ: إِنَّمَا يفتضحُ الْفَاسِقُ، وَ يَكْذِبُ الْفَاجِرُ، وَ هُوَ غَيْرُنَا. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وأَهْلِ بَيْتِكِ؟ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلاّ جَمِيلًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وسَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلجُ يَوْمَئِذٍ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ (بحار الأنوار: ج15 ص115). كانت بذلك تخاطب أميراً مستأسداً، بكل رباطة جأش وطمأنينة نفس، مع أنها كانت أسيرة لا تملك حولاً ولاقوة في الظاهر!.

فالسعادة إذن هي حالة الانسجام النفسي الذي يعيشه الانسان حتى لو كان في ظاهره يعيش حالة العوز والحرمان، أو تحت ثقل الحديد والأغلال في غيابات السجون، وفي المقابل ربما يكون في غاية الشقاء، مع أنه ينام على جبال من الثروة المالية، أو يتربع على حكم البلاد والعباد. ومن هنا يتضح معنى قوله تعالى: "الذين تطمئن قلوبهم بذكر الله  ألا بذكر الله تطمئن القلوب"(الرعد: 28). وقوله تبارك وتعالى: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طه: 123-124) وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " (الأنفال: 24). وقوله تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" (النحل: 97).

ومن الروايات في هذا المجال، وهي كثيرة آبية عن الحصر: ما عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "حقيقة السعادة أن يختم الرجل عمله بالسعادة، وحقيقة الشقاء أن يختم المرء عمله بالشقاء".(بحار الأنوار: ج5 ص154)

وعندما سأله رجل: ما السعادة وما الشقاوة؟ قال عليه السلام: "السعادة سبب خير تمسّك به السعيد فيجره إلى النجاة، والشقاوة سبب خذلان تمسّك به الشقي فجره إلى الهلكة، وكل بعلم الله تعالى". (بحار الأنوار: ج10 ص184)

وقال عليه السلام: "فالمتبع لعقله يرزق السعادة والفوز، فهذا هو الذي طاب ظاهره وطاب باطنه، والمتبع لمقتضى هواه.. يرزق الشقاوة والعطب، وهذا هو الذي خبث ظاهره وخبث باطنه".( بحار الأنوار: ج29 ص604)

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "أربع من سعادة المرء: الخلفاء الصالحون، والولد البار، والمرأة المؤاتية، وأن تكون معيشته في بلده"( بحار الأنوار: ج100 ص86). وعنه صلّى الله عليه وآله: "من سعادة المرء: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب البهي، والولد الصالح"( بحار الأنوار: ج73 ص154).

ولكنه صلّى الله عليه وآله يؤكد عدم الانحصار في أمثال هذه النعم فيقول: "من لم ير لله عز وجل عليه نعمةً إلا في مطعمٍ أو مشربٍ أو ملبسٍ، فقد قصر عمله ودنى عذابه"( بحار الأنوار: ج70 ص8). ويقول الامام الباقر عليه السلام: "ليس منا من ترك دنياه لدينه، ولا دينه لدنياه"( بحار الأنوار: ج75 ص321).

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  8:30 م

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top