السؤال: كثيراً ما نسمع عن الأبدال والأوتاد؟ فمن هم؟ وهل لهم وجود حقيقي؟ أم أنهم وصف عام مجازي يقصد منه كل شيء مؤثر في هذا الوجود؟
الجواب: الأبدال جمع بدل، مثل اقلام وأعلام جمع قلَم وعلَم، تعني في اللغة بنحو الإجمال شخصاً يكون بدلاً عن شخص آخر يكون مكانه في وظيفته ومقامه، مع صدق عنوان البدلية. وأطلق في الأحاديث لفظ الأبدال وأريد به معاني خاصة، كالأوصياء والأئمة المعصومين عليهم السلام، فقد رُوِيَ عن الخالد بن الهيثم الفارسي أنه قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السَّلام) إن الناس يزعمون أن في الأرض أبدالاً، فمن هؤلاء الأبدال؟ قال: "صدقوا؛ الأبدال الأوصياء، جعلهم الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض بَدَلَ الأنبياء، إذ رفع الأنبياء وختمهم محمد ( صلى الله عليه و آله ) "[1].
وفي بعضها أريد به أصحاب الإمام الحجة المهدي عجل الله فرجه الشريف، كما رُوِيَ عن جابر الجعفي أنه قال: قال أبو جعفر ( عليه السَّلام ): " يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، و الأبدال من أهل الشام، و الأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم"[2].
وفي بعضها أنهم قوم لهم عدد معين كلما مات واحد منهم حل آخر محله. كما قال الشيخ الطُريحي: [إن] الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم، إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر[3].
والمراد منهم على كل حال قوم بلغوا درجة عليا من الدين والتعبد استحقوا بها تلك المنزلة والفضل. وهو الظاهر من كلام العلامة المجلسي، حيث يقول: "ظاهر الدعاء المروي من أم داود عن الصادق ( عليه السَّلام ) في النصف من رجب ـ حيث قال ـ: " اللهم صل على محمد و آل محمد، و ارحم محمداً و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على الأوصياء و السعداء و الشهداء وأئمة الهدى، اللهم صل على الأبدال والأوتاد والسياح والعباد والمخلصين والزهاد وأهل الجد والاجتهاد "، ـ إلى آخر الدعاء ـ يدل على مغايرة الأبدال للأئمة (عليهم السلام )، لكن ليس بصريح فيها، فيمكن حمله على التأكيد"[4].
ويبدو أنها جميعاً صحيحة، أو لا أقل من صحة أغلبها، وإن كان كلٌّ منها بلحاظه الخاص.
ومثل ذلك الكلام عن الأوتاد. فالكلمة من حيث اللغة بمعنى المسمار والثقل الذي يكون سبباً لثبات البناء. كالمسمار في السفينة، والزر في الثوب، والجبال في الأرض. قال تعالى: "ألم نجعل الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً"[5]، وقال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "ووتد بالصخور ميَدَان أرضه"[6]. وهذا اللفظ أليق بانطباقه على أهل البيت الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأقرب من حمله على غيرهم؛ لأنهم العلة الغائية لهذا الخلق، ولولاهم لساخت الأرض بمن فيها. والأحاديث في ذلك غير قليلة؛ منها: ما رواه الكليني عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنّي واثني عشر من ولدي، وأنت يا علي، زر الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم يُنظَروا"[7]. ومنها ما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة: " وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه"[8].
[1]بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ): 27 / 48.
[2]الغيبة: 476، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، و بحار الأنوار: 52 / 334.
[3]مجمع البحرين: 5 / 319، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي.
[4] بحار الأنوار: 27 / 48.
[5] النبأ: 6-7.
[6] نهج البلاغة: الخطبة 1).
[7] الكافي 1: 534/ باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم عليهم السلام/ ح 17.
[8] بحار الأنوار: ج99 ص154.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.