الثلاثاء، 6 مايو 2014

أيهما أفضل: الصمت أم الكلام؟

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:57 م 0 تعليقات


السؤال: ما هو أفضل: الصمت أم الكلام؟ فإنا نجد بعض الأحاديث مختلفة في ذلك، وحتى الأقوال المأثورة عن الحكماء؟  فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله لأحد أصحابه: (إنك لم تزل سالما ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك). وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال لقمان لابنه: يا بني إن كنت زعمت أن الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب.

 
الجواب: لا شك أن الصمت مطلوب، وقد حثت عليه الأخبار المتضافرة، غير أن الكلام كذلك مطلوب، ولكن لكل مقامه. وفصول الحديث تكشف الفارق بين المقامين.
ففائدة الصمت تظهر حين تغيب فائدة الكلام، وهو الغالب في حديث الناس؛ حيث يكون لغوا، أو إيغالا في الحرام بالغيبة والكذب والنميمة والتنابز وما إلى ذلك، فهنالك تتضح ثمرة السكوت. غير أن الله سبحانه قد برأ الإنسان محتاجا لبني جنسه، يأنس بكلامهم، ويزداد علما بأحاديثهم لا بالاحتجاب عنهم ولا بقطيعتهم. ولذلك نجد النصوص الشرعية قد راعت الجهتين، كما نقرأ ذلك في قوله تبارك وتعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما " (النساء: 114). وكما نقرأ أن: "أول العبادة الصمت" (بحار الأنوار: ج74 ص27)، نقرأ كذلك أن: "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، فيما نسب إلى الإمام الحسين عليه السلام. وكما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "رب سكوت أبلغ من كلام"(عيون الحكم والمواعظ، لليثي: ج1 ص200) فقد ورد عنه أيضا: "رب قول أشد من صول"(غرر الحكم ودرر الكلم: ج1 ص136)! ومما يجمع بين الجانبين قوله عليه السلام: "لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل"(بحار الأنوار: ج2 ص81)، وقوله: (عليه السلام): "العافية عشرة اجزاء تسعة منها فى الصّمت الا بذكر الله و واحد فى ترك مجالسة السّفهاء" (بحار الأنوار: ج71 ص198).
على أن الفضيلة في الأساس ليست للصمت بما هو صمت، بل للصمت الواعي، الذي يكون عن دراية وقصد، وإلا فربما كان الصمت بسبب العي والعجز، وربما كان خوفا من نصرة الحق. ولذلك حاول البعض أن يوجه هذا المعنى بالتفريق بين الصمت والسكوت، حيث الأول ينشأ عن قصد ووعي، والثاني قد يكون بسبب الجهل والعجز، ولكن هذا التفريق مجرد استحسان، لا دليل عليه  من اللغة، ولا من عرف المتكلمين.
وعلى كل حال فالنبوات والرسالات وآداب الأمم الفاضلة، إنما انتقلت للناس باللسان والحديث لا بالصمت والسكوت. وإنما عرفت فضيلة الصمت بواسطة تلك الرسالات والآداب. ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام فيما نسب إليه: "ومن علم قدر الكلام أحسن صحبة الصّمت، ومن أشرف على لطائف الصّمت وائتمن على خزائنه كان كلامه وصمته عبادة" (بحار الأنوار: ج68 ص285).
والحديث المرقوم في متن السؤال لا يمكن فهمه إلا في هذا السياق، لأن الانقطاع عن الإخوان المؤمنين يجلب الجفوة وينفي المودة، ويفاقم التفكك في المجتمع، ويشحن الجو بالأنانية والتوحد وسوء الظنون. وإن ترك المذاكرة في أحاديث الآداب والتعاليم، يفشي الجهالة،ويبعد من الدين.
وقد روى الكليني في الكافي، عن معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويسدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ولعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل؟ قال: الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد» (بحار الأنوار: ج2 ص145).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): "إن حديثنا يحيي القلوب" (بحار الأنوار: ج2 ص144)
وعنه (عليه السلام) أيضا: "لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها" (بحار الأنوار: ج2 ص148).



سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top