متى يبدأ وقت الأسحار للاستغفار؟ وبالأسحار هم يستغفرون.
أتمنى إفادتي بالضبط متى يبدأ وينتهي وقت الأسحار؟ من أي ساعة ولغاية الساعة كم ينتهي؟ ولماذا خصص الله هذا الوقت؟ ما سر هذا الوقت؟
.
.
الجواب:
أولا: تحديد معنى السّحر وزمانه:
السحر هو آخر ساعة من الليل قبل الفجر. وذلك لأنهم قسموا الليل والنهار إلى أربع وعشرين ساعة، اثنتاعشرة لليل واثنتاعشرة للنهار. ولكن هذه الساعات ليست كساعات عصرنا الحديث، بل المقصود منها الأجزاء. وبما أن الليل والنهار يتناوبان في الطول والقصر بحسب اختلاف الفصول الأربعة، فكذلك ساعاتهما، فتكون ساعات الليل في الشتاء أطول منها في الصيف. وعلى هذا تكون ساعة السحر في الشتاء أطول من ساعة السحر في الصيف.
وأما ساعات الليل فحسبما نقل في الأحاديث وكتب التراث والأدب: هي: الغسق[1]، والفحمة، والعشوة، أو العشاء، أو العشية[2]، والهدأة أو المهدأة، ومنه قولهم: في هدأة من الليل والسباع، والجنح، ومنه قولهم في جنح الظلام[3]، والهزيع[4]، والعفر أو اليعفور[5]؛ والزلفة[6]، والسحر[7]، والبهرة[8].
وقال الشيخ المجلسي رحمه الله: (أقول : ورأيت في بعض الكتب أن العرب قسموا كلا من الليل والنهار باثنتي عشرة ساعة وسموا كلا منها باسم ، فساعات النهار (إلى أن يقول): وساعات الليل : الشفق[9] ، والغسق ، والعتمة[10] ، والسدفة[11]، والجهمة[12]، والزلفة ، والبهرة ، والسحر ، والسحرة ، والفجر ، والصبح ، والصباح[13]
وقال رحمه الله: "وأقول : الظاهر أن مرادهم بالفجر: [هو: الفجر] الأول ، وبالصبح [هو الفجر] الثاني ، وبالصباح الإسفار"[14].
ثانيا: لماذا خصص الله هذا الوقت؟ وما سره ؟
فإن الذي يظهر من النصوص هو أن الأوقات كما الأماكن والأفراد لها خصائص وآثار وزعها الله جل وعلا فيها. والمفهوم من طواهر الآيات والروايات هو مطلوبية العبادة في أوقات دون أوقات. ومن هنا نجد تركيز الآيات على أن الليل ووقت الظلمة هو وقت العبادة والذكر، وأطراف النهار. قال عز من قائل: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون . يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين"[15]. وقال: "فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ومن آناء اللّيل فسبّح وأطراف النّهار لعلّك ترضى"[16]. وقال: "أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب"[17]. وقال: "وأقم الصّلاة طرفي النّهار وزلفا من اللّيل"[18]. وقال: "يا أيّها المزّمّل . قم اللّيل إلّا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا . إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا . إنّ ناشئة اللّيل هي أشدّ وطئا وأقوم قيلا"[19]. وقال عز من قائل: " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون"[20] إلى غيرها من الآيات.
وجاء في الروايات عن محمد بن علي بن الحسين قال: روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ): إن الله إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب قال: لولا الذين يتحابون بجلالي ويعمرون مساجدي ويستغفرون بالأسحار ، لولاهم لأنزلت عذابي[21].
وعن علي بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن محمد بن يوسف، عن أبيه قال: سأل رجل أبا جعفر ( عليه السلام ) وأنا عنده فقال: إني كثير المال وليس يولد لي ولد، فهل من حيلة؟ قال: استغفر ربك سنة في آخر الليل مائة مرة، فإن ضيعت ذلك بالليل فاقضه بالنهار، فإن الله يقول: استغفروا ربكم )[22] الآية .
وعن أم سعد، عنه ( صلى الله عليه وآله )، أنه قال: « إن الله تعالى يحب ثلاثة أصوات: صوت الديك، وصوت قارئ القرآن، وصوت الذين يستغفرون بالأسحار»[23].
وروي أن داود ( عليه السلام )، سأل جبرئيل عن أفضل الأوقات، قال: لا أعلم، إلا أن العرش يهتز في الأسحار!"[24].
وفي وصايا لقمان لابنه: "يا بني، لا يكون الديك أكيس منك، يقوم في وقت السحر ويستغفر، وأنت نائم"[25].
وروى الديلمي في الإرشاد : عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، أنه قال: « ثلاثة معصومون من إبليس وجنوده : الذاكرون لله، والباكون من خشية الله، والمستغفرون بالأسحار"[26].
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
[1] قال الفيروز آبادي: الغسق محركة ظلمة أول الليل .ومنه قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر".
[2] وقال بعضهم: العشية واحدة جميعا عشي، والعشاء بالكسر والمد أول ظلام الليل.
[3] وقال الراغب في مفرداته: الجنح قطعة من الليل مظلمة .
[4] وفي القاموس: هزيع من الليل كأمير طائفة أو نحو ثلثه أوربعه.
[5] وفي القاموس: اليعفور جزء من أجزاء الليل.
[6] وفي القاموس: الزلفة بالضم الطائفة من الليل والجمع زلف كغرف.
[7] وقال: السحر قبل الصبح، والسحرة بالضم السحر الاعلى. وقال الراغب في المفردات: السحر والسحرة اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار، وجعل اسما لذلك الوقت، يقال لقيته بأعلى سحرين.
[8] والبهرة بالضم من الليل وسطه. وفي القاموس: ابهار الليل انتصف، أو تراكبت ظلمته، أو ذهبت عامته، أو بقي نحو ثلثه .
[9] وقال: الشفق بقية ضوء الشمس له حمرتها في أول الليل إلى قريب من العتمة.
وقال الخليل: الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة، فإذا ذهب قيل غاب الشفق.
[10] وقال: العتمة وقت صلاة العشاء، قال الخليل: العتمة هو الثلث الاول من الليل بعد غيبوبة الشفق، وقد عتم الليل يعتم، وعتمته ظلامه.
[11] وقال: قال الأصمعي: السدفة في لغة نجد الظلمة، وفي لغة غيرهم الضوء، وهو من الاضداد، وكذلك السدف بالتحريك.
وقال أبوعبيد: بعضهم يجعل السدفة اختلاط الضوء والظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الأسفار، وقد أسدف الليل أي أظلم.
[12] وقال الفيروز آبادي: الجهمة أول مآخير الليل أو بقية سواده من آخره ويضم.
[13] بحار الأنوار: ج 56 ص7. والتوضيحات المنسوبة لعلماء اللغة كلها مأخوذة من كتاب البحار بنفس المجلد والصفحة.
[14] بحار الأنوار: ج 56 ص8.
[15] آل عمران: 113 - 114.
[16] طه: 130.
[17] الزمر: 9.
[18] هود: 114.
[19] المزمل: 1 -6.
[20] الذاريات: 17 – 18.
[21] وسائل الشيعة: ج7 ص181 باب 27 باب استحباب الاستغفار في السحر وفي الوتر ح1.
[22] بحار الأنوار: ج84 ص221.
[23] مستدرك الوسائل: ج12 ص146، (باب استحباب الاستغفار في السحر) ح2.
[24] نفس المصدر: ح3.
[25] نفس المصدر: ح4.
[26] نفس المصدر: ح5.
0 التعليقات:
إرسال تعليق