السؤال: هل تنام الملائكة والشياطين؟ وإذا لم يكونوا ينامون، فكيف نفسر قوله تعالى: "لا تأخذه سنة ولا نوم"؟ لأن مفهومها أن ذلك من مختصات الله جل وعلا، ومن مميزاته عن جميع خلقه؟
الجواب: تبقى الآية على ظاهرها، وهو أن سبحانه هو الوحيد الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولكن مع التوسع في مفهوم السنة والنوم، فهما من كل أحد بحسبه، بما يعني الضعف والحاجة. فإن الوسن يعني النعاس والفتور في الحواس، وعدم القدرة على مواصلة التيقظ، والنوم شبيه بالموت، وهو غاية الضعف. وكل مخلوق يعتريه هذا الضعف بشهادة الوجدان فيما تستشعره الحواس، وشهادة العقل والنصوص الوحيانية فيما لا طريق إلى الحواس فيه. غير أن بعض الكائنات ربما تباعدت فترة النوم والوسن فيها، نتيجة لما وزعه الله فيها من مقدرات لتنفيذ أمر الله في الخلق، كما ربما اختلفت في ظاهرها حتى لا يكاد يطلق عليها نوم أو نعاس، لاعتياد الناس على شكل معين للسنة والنوم.
فأما الملائكة فقد يظهر خلاف ذلك من قول أمير المؤمنين عليه السلام في صفتهم: " ثم فتق ما بين السماوات العلى، فملأهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافّون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان"[1]. وهو الموافق لما جاء في وصفهم في الكتاب المجيد، من أنهم " يسبحون الله الليل والنهار لا يفترون"[2].
لكن الوارد في بعض الأخبار نسبة النوم إليهم، كما في كتاب كمال الدين بإسناده عن داود بن فرقد العطار قال: قال لي بعض أصحابنا أخبرني عن الملائكة أينامون؟ قلت: لا أدري، فقال: يقول الله عز وجل: " يسبحون الليل والنهار لا يفترون "، ثم قال: ألا أطرفك عن أبي عبد الله عليه السلام فيه بشئ؟ [قال:] فقلت: بلى، فقال: سئل عن ذلك فقال: ما من حي إلا وهو ينام ما خلا الله وحده عز وجل، والملائكة ينامون. فقلت: يقول الله عز وجل: "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" فقال: أنفاسهم تسبيح"[3].
وكذلك في علل ابن هاشم: « سئل الصادق عليه السّلام عن الملائكة: يأكلون ويشربون وينكحون؟ فقال: لا، إنّهم يعيشون بنسيم العرش. فقيل له: فما العلّة في نومهم؟ فقال: فرقاً بينهم و بين اللّه تعالى، لأنّ الّذي لا تأخذه سنة و لا نوم هو اللّه تعالى"[4].
والروايتان مع صراحتهما، إلا أن الجمع بينهما وبين ما تقدم من قول أمير المؤمنين عليه السلام ممكن بوجوه: منها: أن النوم أمر يختلف حاله بين مخلوق وآخر، وأن المنفي في كلام الأمير عليه السلام هو نوم العيون، والمثبت في الطائفة الأخرى هو أصل النوم، دون تعرض إلى كيفية خاصة، ومنها: أن المنفي في كلام أمير المؤمنين عليه السلام هو الغشيان، ولعل المقصود منه الاستغراق الذي يذهب بالعقل، بينما المفهوم من تتمة كلامه عليه السلام: كونهم لا يغلبهم سهو العقول، وهو تفسير يبين أن المنفي ليس هو أصل النوم بل النوم الخاص الذي يذهب العقل، أو القدرة على إطاعة الله وتسبيحه. ومنها غير هذين الوجهين، مما يظهر للمتأمل المدقق.
وأما الشياطين فربما يفهم من فحوى بعض النصوص ذلك، مثل أحاديثهم صلوات الله عليهم عن طريقة نوم الشيطان، كالذي رواه الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه بإسناده عن حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد، عن أبيه جميعاً، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، في وصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: يا علي، النوم أربعة: نوم الأنبياء على أقفيتهم، ونوم المؤمنين على أيمانهم، ونوم الكفّار والمنافقين على أيسارهم، ونوم الشياطين على وجوههم[5].
(ولكن ثمة أحاديث ربما تخالف ذلك مثل سجود إبليس سجدة واحدة لمدة ستة آلاف سنة، وفي بعض الروايات: لمدة اثني عشر ألف سنة. وربما يمكن الجمع: بأن الفترات بين نومه تكون فواصلها طويلة جداً. أو قد تفسر أحاديث السجود بأن مدة السجود هي مدة العبادة، وبذلك وردت بعض الأحاديث، مما لا يتنافى مع النوم في أثنائها.
نعم يمكن القول هنا: إن وصف النوم فيها بنوم الشياطين، ربما لا يقصد منه جنس الجن، فإن لفظ الشيطان أعم من الجن. فيكون وصفها هنا بنوم الشياطين بقصد النهي عن الطريقة نفسها، لأضرارها وآثارها المخربة على النفس والبدن، لا للإخبار عن نسبتها إلى جنس الجن والشياطين، خصوصاً مع التعليل لها في بعض الأخبار بأنها "نومة يمقتها الله وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار"[6]، ولا يعقل أن يجبل الله جل وعلا جنساً كاملاً من خلقه على طريقة خاصة من النوم، ثم يكرهها، وينفر منها. على أن هذا الاعتراض بنفسه لا يخلو من نظر. لكننا نعرض عنه صفحاً لعدم وجود ثمرة مفيدة في الإطالة فيه، والله العالم).
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
_______
[1] بحار الأنوار: ج74 ص302 .
[2] الأنبياء: 20.
[3] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص٦٦٦.
[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج٥٦ ص١٩٣.
[5] من لا يحضره الفقيه: ج4 ص365
[6] بحار الانوار: ج 42 ص281.