جاءت روايات كثيرة في أن الله سبحانه وتعالى قد غفر لفطرس كما ورد أيضاً في دردائيل وصلصائيل ـ وأنهم كانوا ملائكة مغضوب عليهم ـ وفي يوم ولادة الحسين عليه السلام كرامة له عليه السلام غفر الله لهم .
عن إبراهيم بن شعيب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
{{إن الحسين بن علي لما ولد أمر الله عز وجل جبرائيل أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنئ رسول الله صلى الله عليه وآله من الله عز وجل ومن جبرائيل .
قال : فهبط جبرائيل فمر على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له : فطرس كان من الحملة بعثه الله عز وجل في شئ فأبطأ عليه فكسر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة فعبد الله تبارك وتعالى فيها سبعمائة عام حتى ولد الحسين بن علي عليهما السلام .
فقال الملك لجبرائيل : يا جبرائيل أين تريد ؟ قال : إن الله عز وجل أنعم على محمد بنعمة فبعثت أهنئه من الله ومني فقال : يا جبرائيل احملني معك لعل محمدا صلى الله عليه وآله يدعو لي ، قال : فحمله .
قال : فلما دخل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله هنأه من الله عز وجل ، ومنه وأخبره بحال فطرس .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : قل له : تمسح بهذا المولود ، وعد إلى مكانك ، قال فتمسح فطرس بالحسين بن علي عليهما السلام وارتفع .
فقال : يا رسول الله أما إن أمتك ستقتله وله علي مكافاة ألا يزوره زائر إلا أبلغته عنه ولا يسلم عليه
مسلم إلا أبلغته سلامه ولا يصلي عليه مصل إلا أبلغته صلاته ثم ارتفع}} . (1)
قال ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :
{{إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له : دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح هواء ، والهواء كما بين السماء والأرض .
فجعل يوما يقول في نفسه : أفوق ربنا جل جلاله شئ ؟ فعلم الله تبارك وتعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح ثم أوحى الله عز وجل إليه أن : طر ، فطار مقدار خمسمائة عام ، فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش .
فلما علم الله عز وجل أتعابه ، أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك ، فأنا عظيم فوق كل عظيم ، وليس فوقي شئ ، ولا أوصف بمكان ، فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة .
فلما ولد الحسين بن علي صلوات الله عليهما ، وكان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة أوحى الله إلى مالك خازن النيران أن اخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد صلى الله عليه وآله ، وأوحى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان وطيبها لكرامة مولد ولد لمحمد صلى الله عليه وآله في دار الدنيا ، وأوحى إلى حور العين [ أن ] تزين وتزاورن لكرامة مولود ولد لمحمد صلى الله عليه وآله في دار الدنيا .
وأوحى الله إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير ، لكرامة مولود ولد لمحمد صلى الله عليه وآله في دار الدنيا ، وأوحى الله عز وجل إلى جبرائيل عليه السلام أن اهبط إلى نبيي محمد في ألف قبيل ، في القبيل ألف ألف ملك على خيول بلق مسرجة ملجمة ، عليها قباب الدر والياقوت ، معهم ملائكة يقال لهم : الروحانيون بأيديهم حراب من نور أن هنئوا محمدا بمولوده .
وأخبره يا جبرئيل أني قد سميته الحسين وعزه وقل له : يا محمد يقتله شرار أمتك على شرار الدواب فويل للقاتل ، وويل للسائق ، وويل للقائد ، قاتل الحسين أنا منه برئ وهو مني برئ لأنه لا يأتي أحد يوم القيامة إلا وقاتل الحسين أعظم جرما منه .
قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر والنار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله إلى الجنة .
قال : فبينا جبرائيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مر بدردائيل فقال له دردائيل : يا جبرائيل ما هذه الليلة في السماء هل قامت القيامة على أهل الدنيا ؟ قال : لا ، و لكن ولد لمحمد مولود في دار الدنيا وقد بعثتي الله عز وجل إليه لأهنئه بمولوده فقال الملك له : يا جبرائيل بالذي خلقك وخلقني إن هبطت إلى محمد فأقرئه مني السلام وقل له : بحق هذا المولود عليك إلا ما سألت الله ربك أن يرضى عني ويرد علي أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة .
فهبط جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله وهنأه كما أمره الله عز وجل وعزاه
.
فقال النبي صلى الله عليه وآله : تقتله أمتي ؟ قال : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله ما هؤلاء بأمتي أنا برئ منهم والله برئ منهم قال جبرائيل : وأنا برئ منهم يا محمد .
فدخل النبي صلى الله عليه وآله على فاطمة وهنأها وعزاها فبكت فاطمة عليها السلام وقالت :
يا ليتني لم ألده قاتل الحسين في النار وقال النبي صلى الله عليه وآله أنا أشهد بذلك يا فاطمة ولكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده .
ثم قال صلى الله عليه وآله : الأئمة بعدي : الهادي علي ، المهتدي الحسن ، الناصر الحسين ، المنصور علي بن الحسين ، الشافع محمد بن علي ، النفاع جعفر بن محمد ، الأمين موسى بن جعفر ، الرضا علي بن موسى ، الفعال محمد بن علي ، المؤتمن علي بن محمد ، العلام الحسن بن علي ، ومن يصلي خلفه عيسى بن مريم ، فسكنت فاطمة من البكاء .
ثم أخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بقضية الملك وما أصيب به .
قال ابن عباس فأخذ النبي صلى الله عليه وآله الحسين وهو ملفوف في خرق من صوف فأشار به إلى السماء ثم قال : اللهم بحق هذا المولود عليك ، لا بل بحقك عليه ، وعلى جده محمد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، إن كان للحسين بن علي ابن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل ورد عليه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة .
فاستجاب الله دعاءه ، وغفر للملك ، والملك لا يعرف في الجنة إلا بأن يقال : هذا مولى الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله . (2)
عن الصادق عليه السلام أنه قال :
{{كان ملك بين المؤمنين يقال له : صلصائيل ، بعثه الله في بعث فأبطأ فسلبه ريشه ودق جناحيه وأسكنه في جزيرة من جزائر البحر إلى ليلة ولد الحسين عليه السلام ، فنزلت الملائكة واستأذنت الله في تهنئة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وتهنئة أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة عليها السلام فأذن الله لهم فنزلوا أفواجا من العرش ومن السماء فمروا بصلصائيل وهو ملقى بالجزيرة .
فلما نظروا إليه وقفوا فقال لهم يا ملائكة ربي إلى أين تريدون ؟ وفيم هبطتم ؟
فقالت له الملائكة : ياصلصائيل قد ولد في هذه الليلة أكرم مولود ولد في الدنيا بعد جده رسول الله صلى الله عليه وآله وأبيه علي وأمه فاطمة وأخيه الحسن والحسين وقد استأذنا الله في تهنئة حبيبه محمد صلى الله عليه وآله لولده فأذن لنا .
فقال صلصائيل : يا ملائكة الله إني أسألكم بالله ربنا وربكم وبحبيبه محمد صلى الله عليه وآله وبهذا المولود أن تحملوني معكم إلى حبيب الله وتسألونه وأسأله أن يسأل الله بحق هذا المولود الذي وهبه
الله له أن يغفر لي خطيئتي ويجبر كسر جناحي ويردني إلى مقامي مع الملائكة المقربين .
فحملوه و جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فهنئوه بابنه الحسين عليه السلام وقصوا عليه قصة الملك وسألوه مسألة الله والإقسام عليه بحق الحسين عليه السلام أن يغفر له خطيئته ويجبر كسر جناحه ، ويرده إلى مقامه مع الملائكة المقربين .
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل على فاطمة عليها السلام فقال لها : ناوليني ابني الحسين فأخرجته إليه مقموطا يناغي جده رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج به إلى الملائكة فحمله على بطن كفه فهللوا وكبروا وحمدوا الله تعالى وأثنوا عليه .
فتوجه به إلى القبلة نحو السماء ، فقال : اللهم إني أسألك بحق ابني الحسين أن تغفر لصلصائيل خطيئته ، وتجبر كسر جناحه ، وترده إلى مقامه مع الملائكة المقربين ، فتقبل الله تعالى من النبي صلى الله عليه وآله ما أقسم به عليه ، وغفر لصلصائيل خطيئته وجبر كسر جناحه ، ورده إلى مقامه مع الملائكة المقربين .(3)
_______
(1) بحار الأنوار ج43 ص258 ح18.
(2) كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : 282 ـ 284 ح 35.
(3) بحار الأنوار: ج43 ص258 ب11 ح47.