الاثنين، 16 يونيو 2014

"قل لن يصبنا إلا ما كتب الله لنا" والجبر والإختيار

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  8:25 م 0 تعليقات



السؤال: كيف تفسرون قوله تعالى: " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا "؟ ألا تدل دلالة واضحة على الجبر، وأن ما يقع على الإنسان مكتوب ومقدر عليه، لا يمكن أن يخطئه مهما فعل وحاول. فأهل الخير كتب لهم ذلك، وأهل الشر كتب عليهم ذلك.
 
الجواب: لا دلالة في الآية الكريمة على الجبر، فإنها تشير إلى أن الأمور ومقاليدها بيد الله سبحانه، لا تفلته ولا يفلتها، لكنها لا تنفي من جهة أخرى أثر العبد على مسير نفسه ومصيره. فإن لدعائه أثراً، ولسعيه وكدحه، كما لجرمه وجنايته. لكن ليس معنى هذا أن يخرج الأمر من هيمنة الله جل وعلا، بل إن المقادير الجديدة حيث إنها  تكتب في كتاب المحو والإثبات فهي بالنتيجة كتابة أخرى إلهية، تصحح أن يقال: إن العبد لم يصبه إلا ما كتبه الله له.
مع احتمال أن يكون المراد من الكتاب هنا اللوح المحفوظ، الذي يعني علم الله وإحاطته بما كان ويكون وما سيكون، ( أي كتاب القضاء والقدر العلميين)، وهو يختلف عن لوح المحو  والإثبات، الذي هو كتاب القضاء والقدر العينيين. وعلى كلا اللوحين يصح إطلاق الكتابة. وبذلك يجمع بين النصوص التي تؤكد أن كل الأمور بيد الله وبقضائه وقدره، وأن للعبد يداً كذلك في تقرير مصيره، فله أن يختار الجنة وله أن يختار السعير، وبيده أن يكون من أهل الحق، وبيده أن يكون من أهل الباطل!.
كما يمكن حمل الآية على معنى ثالث: هو أنها بصدد بيان هذه الحقيقة من جهة واحدة، وهي أن الله ناصر المؤمنين، وأن الكافرين لا قدرة لهم على إيذاء المؤمنين قيد شعرة، إذا لم يكتب الله لهم ذلك. فهي تريد أن تطمن المؤمنين بأن كل الأمور بيد الله المهيمن الجبار، والذي هو مولى المؤمنين وناصرهم، فلا داعي للخوف من الكافرين، الذين لا حول لهم ولاقوة من دون الله، وهو إلى جانبنا نحن المؤمنين. ولذلك جاءت تتمة الآية: " هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون"[1]. فلا دلالة في الآية من قريب ولا بعيد على الجبر ، بقدر ما هي بصدد تقوية قلوب المؤمنين، وبيان أن جانبهم هو الأقوى وركنهم هو الأوثق وأن الله لن يخذلهم، والله العالم.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.


______
[1]  (التوبة: 51).

التسميات :
نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top