السبت، 14 يونيو 2014

الإنتظار والترقّب في زيارة الجامعة الكبيرة

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:49 م 0 تعليقات


السؤال: في زيارة الجامعة الكبيرة نقرأ فيها تعبيرين هما الانتظار والارتقاب وظاهرهما بمعنى واحد، لكن أولهما أضيف للأمر والآخر للدولة، مما يوحي بالاختلاف؛ يقول النص: (مُنْتَظِرٌ لِأَمْرِكُمْ مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ)، فهل هو من قبيل التنويع البلاغي، أم أن هناك فرقاً فعليّاً بين الانتظار والارتقاب؟
 
الجواب: هما على الإجمال بمعنى واحد، ولكن بلحاظ اختلاف الاشتقاق فيهما، وتفاوت استعمال العرف لهما يكون لهما معنيان مختلفان، لا سيما مع البناء على عدم وجود الترادف في اللغة. فإن أصل الانتظار جاء من النظر، والارتقاب من الرقبة. والنظر هنا بمعنى مداومة النظر إلى ما يتوقع الناظر حصول المرجو منه. والارتقاب والترقب بمعنى إقامة العنق والرقبة لملاحقة الشيء أو الشخص الذي يتوقع حصول المبتغى منه، واستعمال الرقبة كناية عن شدة الاهتمام، وأخذ الأهبة لاستقبال حصول المرتقب عما قريب.
والفرق بين الصورتين الخياليتين في الجذرين واضح؛ بحيث يمكن القول: إن الإنتظار أوسع من الارتقاب، فكل ترقب هو انتظار وليس كل انتظار ترقباً!. الانتظار يحتمل طول المدة قبل حصول المنتظَر (بالفتح)، وليس كذلك الترقب. والترقب حسيٌّ وعملي أكثر من الانتظار؛ قال تعالى: "وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ"[1].
كلنا بهذا اللحاظ ننتظر الموت، بمعنى أننا نعلم بحصوله يوماً، لكننا لا نعد مرتقبين له. وفي بحار الأنوار عن عليٍّ عليه السلام قال: "ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات"[2]. وفي كتابه عليه السلام لمحمَّد بن أبي بكر "ارتَقِبْ وقت الصلاة فصلِّها لوقتها، ولا تعجلْ بها قبلَه لفراغٍ ولا تُؤخِّرها عنه لشغل"[3].
 وبتتبع استعمال الترقب والارتقاب في القرآن والأحاديث ولسان العرب يظهر أن المراد منه هو توقع حصول الشيء عما قريب، والظن الشديد بحصوله، بنحو المشارفة، فكأن قارئ الزيارة يقول: إني موقن بقيام دولتكم عن قريب، حتى كأني أراها تتشكل. وأما الانتظار فهو اللبث والمكث أملاً في لقاء المطلوب. والتعبير بالارتقاب لا يخلو من إشعار وكناية عن الإشراف على الشيء من علٍ، كأنه يراه ويرصده، ومنه المرقب، والرقيب، والرقابة، وما إلى ذلك. ومن هنا كان المناسب للأمر أن يُنتظر، متى ما جاء، ليُمتثل ويُتبع، والمناسب للدولة هو أن ترتقب، بما أنها كيان يمكن أن يرى ويرصد، والله العالم.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

______
[1]  هود: 93.
[2]  البحار: ج77  ص173.
[3]  بحار الأنوار: ج74 ص390.
 

التسميات :
نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top