السؤال: رواية يحيى بن ابي عمير انه قال كتبت الى ابي جعفر الثاني عليه السلام في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطه الي صل فيها - كتاب من لايحضره الفقيه ج 1 باب 39 - ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب وجميع الانواع ص 171
السؤال الاول لماذا يجيب الامام سلام الله عليه اتباعه بالتقية
السؤال الثاني – أليس الحديث فيه دلالة على ان هنالك عشوائية وضبابية بين الاتباع والامام عليه السلام ووجود شك وعدم ثقة وعدم الجزم بالميراث العلمي الخارج من الامام عليه السلام والواصل الى الاتباع والاصحاب؟
الجواب 1: دواعي التقية كثيرة، مرجعها إلى حفظ مصالح عليا أهم وأخطر من مورد التقية. فأحياناً تكون من أجل حفظ الدين، وأخرى تكون لحفظ الشخص نفسه، أو جماعة المؤمنين، أو الأمة، من أذى متوقع عام أو خاص، وثالثة: تكون لتأليف بعض القلوب، وهي راجعة لحفظ الدين أيضاً، ولكن بشكل غير مباشر.
الجواب 2: أولاً: أن أهل البيت عليهم السلام قد وضعوا ضوابط لتشخيص الحق من الباطل، والحكم الواقعي من التقية، نفياً لحصول اللبس والتشويش. وهذه الرواية المرقومة في متن السؤال وغيرها لا بد أن تمر عبر تلك الضوابط لتعرف من أي نوع هي. وعلى افتراض خفاء هذا الأمر على المحقق المدقق، فلا شيء عليه، وله أن يلتزم بالحكم الذي حدثوا به صلوات الله عليهم. على أن الموازين معروفة عادة، وكذلك الأحكام الثابتة بنص الكتاب العزيز والروايات المستفيضة، فيرتفع اللبس في أغلب الموارد. والباقي تجري عليه المعايير الدقيقة المذكورة. والشك بحمد الله إنما يطرأ بسبب تعدد الحكم الصادر عنهم صلوات الله عليهم، أو بسبب مخالفته لآية محكمة صريحة، أو قاعدة فقهية مشهورة، أو لموافقته لعمل المخالفين الذين عرف عنهم تعمد الخلاف على أهل البيت الطاهرين.
وثانياً: أحياناً يضطر الإمام إلى ذلك اضطراراً، لحفظ الشخص المخاطب، أو دفع شر يترصده، أو لحفظ الحق والدين، كما أشرنا إلى ذلك في متن الجواب الأول؛ كما روي عن عبد اللَّه بن زرارة أنه قال : "قَالَ لي أبُو عَبدِ اللَّه ِ عليه السلام : اقرَأ مِنّي عَلى وَالِدِكَ السّلَامَ وقُل إنّمَا أعِيبُكَ دِفَاعاً مِنّي عَنكَ ، فَإنّ النّاسَ والعَدُوّ يُسَارِعُونَ إلى كُلّ من قَرّبنَاه ُ وحَمِدنَاُ مَكَانَه ُ بإدخَالِ الأذَى فِيمَن نُحِبّه ُ ونُقَرّبُه ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا، ويرون إدخال الأذى عليه و قتله، ويحمدون كل من عيبناه نحن وأن يحمد أمره، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا ولميلك إلينا فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون بذلك منا دفع شرهم عنك، يقول الله عز وجل: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا"[1].
وثالثاً: على فرض أن الإمام عليه السلام أوعز إلى أحد أصحابه بأمر معين تقيةً، فلا مشكلة بالنسبة لذلك الرجل، إذ أن الأمر الجديد الذي ألقي إليه هو المأمور به شرعاً، من باب الحكم الثانوي الاضطراري. ففي حديث أبي عمرو الكناني قال : « قَالَ أبُو عَبدِ اللَّه ِ عليه السلام يا أبَا عَمرو أرَأيتَ لَو حَدّثتُكَ بحدِيثٍ أو أفتَيتُكَ بفُتيَا ثُمّ جِئتَني بَعد ذَلِكَ فَسَألتَني عَنه ُ فَأخبَرْتُكَ بخِلَافِ ذَلِكَ بأيّهِمَا كُنتَ تَأخُذُ ؟ قُلتُ بأحدَثِهِمَا وأدَعُ الآخَرَ . فَقَالَ : قَد أصَبتَ يا أبَا عَمروٍ أبَى اللَّه ُ إلَّا أن يُعبَدَ سِرّاً . أمّا واللَّه ِ لئن فَعَلتُم ذَلِكَ إنّه ُ لَخَيرٌ ليَ ولَكُم وأبَى اللَّه ُ عَزّ وجَلّ لَنَا ولَكُم في دِينِه ِ إلَّا التّقِيّةَ »[2].
وروي عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قَالَ لي : يا زِيَادُ مَا تَقُولُ لَو أفتَينَا رَجُلًا مِمّن يتَوَلَّانَا بشَيءٍ مِنَ التّقِيّةِ ؟ قَالَ : قُلتُ لَه ُ: أنتَ أعلَمُ جُعِلتُ فِدَاكَ . قَالَ : إن أخَذَ بِه فَهُوَ خَيرٌ لَه ُ وأعظَمُ أجراً. وفي رواية أخرى: إن أخَذَ بِه ِ أُجِرَ وإن تَرَكَه ُ واللَّه ِ أثِمَ »[3].
ورابعاً: أن هذه الرواية المسؤول عنها: مضافاً لضعف سندها، يعتبر سؤال السائل فيها في غير محله، لأن الإمام عليه السلام أعرف بوظيفته، فإن لزم فيها التقية عمل بها وإلا فلا. ولا يمكن الإتكاء على أخطاء بعض الرواة لإثبات ادعاء خطير مثل هذا. والله العالم.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
________
[1] (بحار الأنوار: ج2 ص247).
[2] (الكافي، للشيخ الكليني: ج2 ص218).
[3] ( وسائل الشيعة، للحر العاملي: ج27 ص107) .
0 التعليقات:
إرسال تعليق