السؤال: اريد جوابا على هذه المسألة لاني داخل في حوار مع اهل الخلاف واشكلوا علي بإشكال من خطبة لامير المومنين الى معاوية يعترف فيها بالشورى وهي موجودة في الجزء الرابع عشر في شرح ابن ابي الحديد ص244 حيث يقول ((ان بايعني القوم الذين بايعو ا ابو بكر وعمر......... الى ان يقول عليه السلام وانما الشورى للمهاجرين والانصار فان اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك لله رضا فان خرج عن امرهم خارج بطعن او بدعة ردوه الى ما خرج...)) فهل هذا اقرار من الامام على حجية الشورى؟
الجواب: ان ذلك منه (عليه السلام) يجري مجرى إلزام الخصم بما ألزم به نفسه. وهي قاعدة شرعية وعقلائية، يستخدمها الناس عادة في الموارد التي لا يعتقدون هم بها، ولكن خصومهم يعتقدون بها، أو يعملون وفقها. وإن مشروعية بقاء معاوية في الحكم هي أن عمر بن الخطاب ولاه على الشام، ثم أقرّه عثمان على ولايته تلك. فمشروعية ولايته تلك نابعة من مشروعية خلافة عمر وعثمان، وأصل مشروعية عمر وعثمان، ومن قبلهما أبو بكر، مستلة من استنادهم إلى الشورى. فيحتج أمير المؤمنين (عليه السلام) على معاوية بما لا يمكن له ردّاً، حتى لو لم يكن يعتقد هو بها في داخل نفسه، وإلاّ فإنه يبطل المستند القانوني والشرعي لولايته وينقضها.
أما أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا يتوجه عليه هذا الكلام. كيف وقد اعترض على أصحاب السقيفة المتمسكين بالشورى قولاً وفعلاً. حيث إنه احتجب عنهم ورفض بيعتهم، إلى أن جرّوه غصباً وعنوة، ومروا به على قبر النبي (عليه السلام)، فخاطبه (عليه السلام) قائلاً: " ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني"[1]. وكم أبدى اعتراضه على مبدأ الشورى وعلى الطريقة التي سلكوها في ذلك، كقوله في خطبته الشقشقية: " فيا لله وللشورى متى اعترض الرَّيْبُ فيَّ مع الاوَّل مِنهم، حتى صِرتُ أُقْرَنُ إلى هذه النظائر! لكني أسْفَفتُ إذ أسَفُّوا، وَطِرتُ إذْ طارُوا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الاخر لصهره، مع هَنٍ وهنٍ [2]". وقوله عليه السلام موجهاً انتقاده قبل ذلك لأبي بكر[3]:
فإن كنت بالقربى ملكـت أمـورهم *** فغيرك أولى بالنبي وأقـربُ
وإن كنت بالشورى حججت خصيمهم *** فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ
بل المعيار عنده صلوات الله عليه هو النص الصريح من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وبأمرٍ من الله عز وجل. ولذلك تراه (عليه السلام) يقول في الخطبة المذكورة أعلاه: "أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينسدل عني السيل، ولا يرقى إليّ الطير، ... (إلى أن يقول فيها): فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً"[4]، فهو يعدها تراثاً له من رسول الله صلى الله عليه وآله بالنص والوحي الصريحين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق