السؤال: ما هي الادلة من كتب اهل السنة المعتبرة على ان الرسول الأكرم (ص) نصب علي ابن ابي طالب وليا و خليفة من بعده؟
الجواب: إن طالب الحق لا يقترح شكلا خاصا في الدليل، لأنه حيثما صح البرهان، وقام الدليل الحق، وجب عليه اتباعه. على أن هذه المسألة بعرضها العريض لا يتسع لها هذا المختصر. فإن حق الجواب أن يشمل آيات القرآن وأحاديث السنة.
ويكفي إجماع المسلمين على تصحيح اتباع أمير المؤمنين عليه السلام، والاختلاف على قبول غيره. وهذا من الأمور المتفق عليها. ثم إن القرآن يعج بالآيات النازلة بحق أمير المؤمنين وأهل بيته صلوات الله عليهم، من قبيل قوله تعالى في آية الولاية: " إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون "[1]، وقوله تعالى في آية التطهير: " إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا"[2]، وقوله تعالى في آية المباهلة: " فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين "[3]، وقوله في آية الإنذار: " وأنذر عشيرتك الأقربين "[4]، وغيرها كثير من الآيات، مع ملاحظة الأحاديث المفسرة لها، والمبينة لأسباب نزولها، ومن كتب الفريقين المعتبرة. والتأمل في دلالاتها بعيدا عن التعصب يقود إلى إمامتهم وولايتهم وطهارتهم وعصمتهم، وأن الاقتداء بهم واتباعهم أمان في الدنيا والآخرة.
ومن الأحاديث عدد كبير لا يمكن حصره في مثل هذه الإجابات المختصرة، من قبيل حديث الثقلين الذي نقلته أهم كتب المسلمين، وأكثرها اعتبارا، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا"[5].
وحديث المنزلة، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"[6]، وهو وارد عن رسول الله في مصادر أهل السنة في أكثر من خمسة عشر موطنا. والقرآن يفسر تلك المنزلة بذكر ما كان لهارون من موسى، ومن ضمنها قوله تعالى: "واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري . كي نسبّحك كثيرا . ونذكرك كثيرا . إنّك كنت بنا بصيرا . قال قد أوتيت سؤلك يا موسى"[7]، وهكذا سائر الآيات الواصفة لمقام هارون ومنزلته من موسى.. وحديث السفينة، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله: "مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"[8]!.
وحديث الولاية بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي يقول فيه: "إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي"[9] الذي روي بأربعة أسانيد وطرق كل منها صحيح في نفسه، ولا يمكن رده، كما شهد بذلك علامتهم الألباني ، وقد خرجها في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وشدد النكير على ابن تيمية لإنكاره وتكذيبه لهذا الحديث الصريح !.
وحديث الغدير المعروف والمشهور والمتواتر وأيضا جاء عنه (صلى الله عليه وآله) عن البراء بن عازب قال : كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال [وا]: بلى. قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى قال: فأخذ بيد علي فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة"[10] وقد رواه بطرق عدة أحمد بن حنبل، في كتاب فضائل الصحابة، كما روى الذهبي مثله، في كتاب أحاديث مختارة[11].
وحديث الإنذار يوم الدار، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟"، فلم يستجب له في ذلك المجلس الذي جمع فيه النبي (ص) عشيرته ، غير علي (عليه السلام) فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا..". وهذا الحديث رواه ابن عساكر في تاريخه بسند صحيح ورواه بسند جيد، وأحمد بن حنبل في مسنده، وأيضا رواه غير هما من رجال الحديث ورواة السنن.
وحديث "الخلفاء من بعدي اثنا عشر". وفي رواية أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "كلهم من قريش" وفي ثالثة: "كلهم من بني هاشم"[12]. وثمة روايات تنقلها بعض مصادر أهل السنة يذكر صلى الله عليه وآله وسلم فيها الأئمة بأسمائهم كما ذكر ذلك الخوارزمي الحنفي في كتابه (مقتل الحسين): (بسنده عن أبي سلمى راعي إبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : "ليلة أسري بي إلى السماء، قال لي الجليل جل وعلا: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه"، قلت : والمؤمنون، قال : صدقت، قال : يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم أطلعت الثانية فاخترت عليا فشققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم، ما غفرت له، حتى يقرّ بولايتكم. يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يارب، فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور، قياما يصلون وهو في وسطهم (يعني المهدي)، كأنه كوكب دري. قال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي)[13]. وهذا الحديث أيضا رواه القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة)[14]، وفيه : "قال : يا محمد هؤلاء حججي على عبادي وهم أوصياؤك..."[15] الحديث، وأيضا رواه الشيخ الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين ج2 آخر الكتاب).
ومن المعلوم أن هذا ليس إلا مجرد إيجاز، كما ذكرنا في بداية الكلام، وإلا فإن العشرات، إن لم يكن المئات، من كتب العقائد والمناظرات قد ناقشت هذه المسائل، بشيء من الروية والتفصيل والتوثيق، ويمكن مراجعتها، مثل كتب المراجعات، والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين، وليالي بيشاور لسلطان الواعظين، وغيرها.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
[1] المائدة: 55.
[2] الأحزاب: 33.
[3] آل عمران: 61.
[4] الشعراء: 214.
[5] حديث متواتر ، أخرجه مسلم في صحيحه ، والدارمي في فضائل القرآن ، وأحمد في مسنده 2: 114 وغيرهم.
[6] منها على سبيل المثال: صحيح البخاري: 5 / 89 90 ح 202 و ج 6 / 18 ح 408، صحيح مسلم: 7 / 120 121، سنن الترمذي: 5 / 598 599 ح 3730 و 3731.
[7] طه: 29-36.
[8] المستدرك على الصحيحين: 3 / 150. ذخائر العقبى: 20. مجمع الزوائد: 9 / 168.
[9] سلسلة الأحاديث الصحيحة، ناصر الدين الألباني: (2223).
[10] أحمد بن حنبل، في كتاب فضائل الصحابة، ج2 ص596.
[11] أحاديث مختارة، لشمس الدين الذهبي: ج1 ص78. صحيح الترمذي 5: 591 برقم: 3713. الاستيعاب 3: 36 المطبوع على هامش الاصابة، وغير هذه الكتب.
[12] ينابيع المودة 3/104.
[13] مقتل الحسين 1/95.
[14] ينابيع المودة 3/380.
[15] فرائد السمطين، الحمويني الشافعي: ج2 آخر الكتاب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق