:: المَوعِظَةُ الناجِعَةُ البليغةُ لسماحةِ سيّدنا الأُستاذ الفاضِل مُحَمّد باقر السيستاني، دَامَت إفاضاتُه المُباركة، والتي ينبغي أن نعيها بأُذنٍ واعيةٍ وبقلوبٍ صادقةٍ مَنهجاً وسُلُوكا ::
:1:- إنَّ اللهَ تبارك وتعالى قد ذمَّ اليهودَ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا -وفي ذلك رسالةٌ لنا أيُّهَا الإخوةُ، سواءٌ لنا كمؤمنين بصفةٍ عامّةٍ أم كدُعاةٍ إلى اللهِ سبحانه بصفةٍ خاصّةٍ بأن يكون حَملُهُم لكتاب اللهِ سبحانه وتعالى حَملاً ذي مِصداقيَّةٍ – يَحملونه بقلوبِهم وبعقولِهم وبعواطفِهم وبسُلُوكِهم – ولا يَحملونه بأذهانهم فحسب ليكونَ مادّةَ تصريفٍ للفِكرِ والمُناقشة.
:2:- وقد ذمَّ اللهُ اليهودَ أيضاً في ما كانوا يعتقدون بأنّهم أولياءُ اللهِ – وفي ذلك رسالةٌ لنا أيضاً – في أن لا تُؤدِّي العصبيّاتُ والخصوصيّاتُ الناشئةُ بالتراكم من خلال الأماني ومن خلال التفسير الخاطئ للنصوص إلى أن يعتقدَ الإنسانُ ويُوجبَ أنَّ له خصوصيّةً مع اللهِ تعالى، فليس بين الله وبين أحدٍ مِن قرابة، ولن يُفَضّل اللهُ تعالى قوماً لأنَّهم قومُ فُلانٍ ولا ذُريَّةً بعنوان أنّهم ذُريّة فُلان – لا بل المَناطُ في ذلك هو المِصداقيّة في الاعتقادِ والسلوك.
:3:- ويُنبّهُ اللهُ تبارك وتعالى في رسالةٍ أُخرى إلينا – إلى أنَّ على المُؤمن أن يكونَ جاهزاً للقاءِ اللهِ سبحانه وتعالى، كما ورد في دعاء الصحيفة السجّاديّة الشريفة :
(وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ عَمَلًا نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إِلَيْكَ، وَ نَحْرِصُ لَهُ عَلَى وَشْكِ اللّحَاقِ بِكَ حَتّى يَكُونَ الْمَوْتُ مَأْنَسَنَا الّذِي نَأْنَسُ بِهِ، وَ مَأْلَفَنَا الّذِي نَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وَ حَامّتَنَا الّتِي نُحِبّ الدّنُوّ مِنْهَا)
:4:- لا ينبغي بالمؤمن أن يكون فارّاً هارباً من ذِكرِ الموتِ – فعليه أن يكونَ مُستأنساً بالموتِ ومُتهيِّئاً له ومُستعدّاً للقاءِ اللهِ جلّ وعلا، - لا مَن إذا ذُكِرَ الموتُ اشمئزَّ منه ويقول: إنَّ قلبي انقبضَ – لماذا تذكرُ الموتَ؟ وهو المَصيرُ الّذي لا بُدَّ مِن أن نَصيرَ إليه جميعاً، وهو الغايةُ التي نسيرُ إليها – فالانقباضُ من ذكرِ الموتِ يُعبّرُ عن الخلودِ إلى هذه الحياة الدُنيا.
:5:- فلا بُدَّ مِن أن نُربّي أنفسنَا كمؤمنين عامةً وكدُعاةٍ إلى اللهِ خاصّةً على استحضارِ المَوتِ والشعورِ بأنَّنا نسير إلى المَوتِ سيراً حثيثاً، كما نسيرُ في الحقيقة في طريقنا إلى المَقاصد الأُخرى التي نقصدها.
:6:- وفي رسالةٍ أُخرى جاءت إلينا من اللهِ سبحانه بخصوصِ ذِكره والصلاة وتوقيره جلّ وعلا تنصُّ على عدم تقديم المقاصد الدنيويّة على المقاصد الدِّينيَّةِ وخصوصاً بشأن الصلاةِ – فالصلاةُ رمزُ العُبوديَّةِ والتعلّق بين الإنسانِ وبين اللهِ سبحانه، ومَن وقّر صلاته فقد وقّرَ اللهَ تبارك وتعالى، ومَن احتقرَ صلاته على حسابِ دُنيا فهذا نوعُ من قِصَرِ النَظَرِ في العاجل والآجل.
:7:- علينا في حالِ الصلاةِ، ومن وجوه الاهتمام بالصلاةِ أن نشعرَ بالإقبالِ على اللهِ سبحانه وتعالى، ولا نُفكِّر في اللهو، ولا نُفكّر في التجارةِ، ولا نُفكّر في البحوثِ الذهنيّة والفكريّة – وينبغي أن نُقبِلَ على ما أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى، وأن لا نقبِلَ على شيءٍ ليس مِن ذكرِ الصلاةِ في شيء.
:8:- الآن عندما يقول الإنسانُ: اهدِنَا الصراطَ المُستقيم عليه أن يكون ملء فكره وقلبه وفمه طلبَ الهدايةِ من اللهِ سبحانه وتعالى والثبات على الطريقِ المُستقيمِ، ولا ينبغي أن ينشغلَ بمعنى آخرٍ لا يُلائم، وقد ورد في بعض الرواياتِ الشريفةِ أنَّ اللهَ تعالى إذا وجدَ عبدَه يُفكّر في الصلاةِ بشيءٍ من مقاصد الدنيا وبشيء مِن همومها يقول بما مضمون الرواية: يا عبدي إذا رأيتَ غيري أملك من ما تهمّ به لأمور الدنيا فعند الله الدنيا والآخرة – فإذا تُريدُ الدنيا فأقبل على اللهِ تعالى وإذا تُريدُ الآخرةَ فأقبل على الله سبحانه، فاللهُ بيده جميع المقاديرِ والجنودِ والخزائن.
:9 : لا ينبغي أن نتعاملَ مع اللهِ سبحانه وتعالى بما يُعبِّرُ عن سوءِ الأدبِ والإعراضِ – وفي هذه الصلاةُ التي نُصليّها أيِّ معنىٍ أن يتوجّهَ الإنسانُ إلى الأجواء والهواجس – متى نخلصُ مِن هواجس الدنيا وهمومها؟
:10:- أليس للهِ تبارك وتعالى في حياتنا حقُّ بذكره بمقدار عشر دقائق أو بمقدارِ نصف ساعةٍ في اليوم والليلةِ؟ كما نُقبِلُ على أصدقائنا في جلساتنا معهم، ونُقبلُ على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام؟
أليس للهِ حظٌّ مِن حياتنا حتّى في ما أمرنا به وفرضه علينا - نُساقُ إليه كأنّنا مَجبورون عليه مع إبداءِ الكراهةِ وعدم الرغبة وثِقلِ نفسٍ – فهذا لا يَليق به جلّ وعلا .
________________________________________________
: مجلس درس التفسير القرآني – ليلة الأربعاء التاسع من شهرِ رمضان المُباركِ 1440 هجري.
0 تعليقات
من طرف طريق الفضيلة |  نشر في : 11:13 ص