السؤال: للمرأة عدة عند موت زوجها أو طلاقها، ولكل واحد أحكامه، لكن عند موت الزوج يحرم على المرأة التحلي بالذهب والاكسسوار ولبس الملون طول العدة حزناً على زوجها، ولكن يحل للرجل أن يتزوج ويفرح من ثاني يوم. هل موت المرأة لا يهم، وموت الرجل شيء محزن أم ماذا؟
الجواب: إن أحكام الله سبحانه قائمة على الحكمة والمصلحة للإنسان نفسه، فهو سبحانه ليس رجلاً حتى ينحاز للرجال، ولا عدوا للمرأة؛ بل خلق الزوجين متفاوتين لحكمة التكافل والتكامل، والتفاوت في الخلقة والكمالات يستدعي تفاوتاً في الحقوق والواجبات.
وإن من الأخطاء التي يقع في مطبها البعض أنهم يقيسون الأمر من منظار كمي عددي، فيطالبون بالمساواة. مع أن المساواة في كثير من الأحيان تكون ظلماً ووبالاً على المرأة والرجل معاً.
فالمرأة مضافاً إلى إنسانيتها، جعلها الله حرثاً للرجل وسكناً، فهيأها روحيًّا وعقليًّا وجسميّاً لذلك، حيث الزينة والفتنة والرقة والضعف البدني، وكل ذلك كمال مطلوب في خلقة المرأة، لا نقص. فهي تحمل وتلد وتؤنس، فصار عليها حقوق وقيود، وسقطت عنها كذلك حقوق وتكاليف، مثل الصلاة في أيام الحيض، والجهاد، والنفقة، وغيرها. والرجل مضافاً إلى إنسانيته، جعله الله كذلك زارعاً وكفيلاً، فهيّأ له سبحانه بسطة في العقل والجسم، لكي يحمّله مسؤوليات وتكاليف، ومنها القيام على خدمة المرأة وإدارة شؤونها.
ومن أجل ما تقدم وغيره، لم يكن للمرأة أن تتزوج مباشرة بعد الطلاق أو وفاة الزوج. ومن أسباب ذلك: إمكان اختلاط المياه والأنساب، ولذلك اشترط الله سبحانه في الطلاق الحيض، ثم النقاء، ثم عدم الاتصال الجنسي في ذلك النقاء. والطلاق عادةً أمر اختياري، يقدم عليه الزوجان عن علم قيقدران على استبراء الرحم. ولذلك اختلفت عدد الطلاق، من حالة إلى أخرى، طولاً وقصراً، حتى إنها انتفت في بعض الحالات أصلاً، في مثل اليائس، والتي لم تحض بعد، وغير المدخول بها، وفي بعضها طالت لتصل إلى قرابة سنة في مثل الحامل. وما ذلك إلا رعاية لتلك التفاوتات والملابسات.
أما الوفاة فإنها تأتي عادة على حين غرة، من دون أن تعطي مجالاً معها للاحتياط من الوقوع في اختلاط النسب، لذلك طالت مدة عدتها لتراعي الثغرات الموجودة والمحتملة.
وفي علل الشرئع ، عن الإمام الرضا عليه السلام: أن الأربعة أشهر كتبها الله سبحانه في عدة الوفاة على المرأة مقابل ما كتبه الله على الرجل في طلاق الإيلاء، قال تعالى: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر" (البقرة: 226). وعلل عليه السلام ذلك بأنه غاية صبر النساء على الرجال في علم الله، وفسّر الإمام ذلك بقوله: "وأما ما شرط عليهن، فقال عدتهن أربعة أشهر وعشراً، يعني إذا توفي عنها زوجها فأوجب عليها إذا أصيبت بزوجها وتوفي عنها مثل ما أوجب لها في حياته إذا آلى منها، وعلم أن غاية صبر المرأة أربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجب عليها ولها" (علل الشرائع: 2، 509).
وفي خبر آخر عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: لأن حرقة المطلقة تسكن في ثلاثة أشهر، وحرقة المتوفى عنها زوجها لا تسكن إلا في أربعة أشهر وعشرا" (علل الشرائع: 2، 509).
وفي غوالي اللئالي: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة ثم يكون نطفة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح". فيكون المجموع أربعة أشهر!
فالعدة إذن تستبرئ الرحم من الحمل، كما تحفظ للمحامي الذي فرض الله عليه القيام على خدمة وكفالة زوجته، بل وتحفظ للمرأة كرامتها الاجتماعية، بما أنها شرف المجتمع، الذي يتفاخر أفراده بعفة نسائهم وصيانتهن لنسلهم ونقاء أنسابهم.
والله عز وجل قد منح المرأة في مقابل ذلك: التحمل والصبر عن الرجال، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "أن الله جعل للمرأة صبر عشرة رجال"، وفي رواية أخرى: "إن الله جعل للمرأة أن تصبر صبر عشرة رجال". فصارت مطلوبة غير طالبة، تقدر على انتظار مجيء الخاطبين أكثر من قدرة الرجل. ووجدنا أكثر النساء مستعدات للتفرغ لتربية أولادهن والسهر على راحتهم، لو توفر لهن الأمن المالي، وليس كذلك الرجال.
وعوداً على بدء، فليس الأصل في زواج الرجل هو المتعة والفرح، بل المسؤولية وكفالة الأسرة. ولو فرضنا الرجل عزف عن التزويج فإن أول المتضررين هو المرأة، فإنها تحتاج إلى الكنف الحامي والمعيل المتعهد. فحين يقرر الرجل الزواج يكون قد تقبل مسؤولية جديدة يحث عليها الشرع والعقلاء. ولعله من أجل ذلك غرس الله عز شأنه في الرجل الميل إلى المرأة والنسل، لكي يكفلها وينفق عليها وعلى ذريتهما. ولولا ذلك لما التفت الرجل إلى المرأة ولتعبت المرأة ونصبت في توفير القوت والمأوى والمسكن.
ثم كيف يسوغ للمرأة الزواج في العدة وهي زوجة على الحقيقة، قال الله سبحانه وتعالى: " والذين يتوفون ويذرون أزواجاً"، فهن أزواج حقيقة ما دمن في العدة؟! إلى ذلك فإن الرجل هو أيضاً يجب عليه الانتظار في عدة الوفاة، ذلك لأن الأرملة لو أراد أي شخص الزواج منها، فإنها لا تحل له حتى تخرج من العدة، فكان عليه الصبر هو أيضاً!.
بل قد يقال: إن الزواج للمرأة لو جاز بعد الموت مباشرة لاستدعى الراغبين فيها أن يهيئوا مقدمات الزواج قبل وفاة الرجل، وفيه من المفاسد ما لا يخفى!. أما الزوج فكان يمكنه الزواج حتى في حياة زوجته كما ذكرنا، لما هيأه الله سبحانه لذلك.
ويجد بالذكر أن عدة المرأة في الجاهلية كانت سنة كاملة " إذا توفي عنها زوجها أخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها، ثم قالت: لا أمتشط ولا أكتحل ولا أختضب حولاً كاملاً"، ثم جاء الإسلام فرفع عنها إصرها، وخفف عنها فجعلها أربعة أشهر وعشرة أيام، تعيش فيها عيشة راضية متعارفة، لا يحرم عليها شيء سوى الزينة وعدم التعرض للزواج.
أما مسالة الفرح والحزن القلبي فهي أمر ينطلق من أصل العلاقة بين الزوجين، ومقدار ما كان بينهما من حرمة ومحبة.
1 التعليقات:
احسنتم وبارك الله بكم
إرسال تعليق