السؤال: ماهو السر في غياب وعدم معرفة عبد الله بن جعفر الحميري وهو من مشايخ الطائفة ووجهائها، وكذالك احمد بن اسحاق لا يعرفان شخصية الامام المهدي ولا اسمه وعند السؤال عن الاسم يجيبهم النائب الاول عن الامام المهدي عليه السلام الشيخ الجليل عثمان بن سعيد (محرم عليكم ان تسألو عن ذلك ) الحديث في اصول الكافي. كيف نجمع بين الامامة اصل من اصول الدين ولولا الامامة لايعرف الله ولا دينه القويم وبالامامة تثبت الحجة وتدفع الشبهة وبين غياب وعدم معرفة اسم الامام وجهل شخصيته والتعتيم على اسمه الذي هو واجب على المسلم معرفته والانقياد اليه هذا كله بين الاصحاب واتباع واولياء الامام عليه السلام وليس عند الاعداء والمغرضين ارجو التوضيح والتفسير .
الجواب: من المقطوع به اطلاع هذين الرجلين العظيمين على شخص الإمام عليه السلام، فضلاً عن معرفتهما باسمه، ولكن الزمان الذي عاشاه كان زمان تقية شديدة، وكان لا بد من الإيحاء بالجهل بالإمام إخفاءً لأمره، وتلبيساً على آذان السلطات وعيونها. والمتتبع المدقق لأخبار تلك الفترة يدرك هذا الأمر بوضوح بالغ. وإلا فمن الثابت أن الإمام العسكري صلوات الله عليه قد عرض ولده على بعض أصحابه، ليكون أبلغ في تأكيد الحجة وتبليغ النص، فتشرف بعضهم برؤيته في يومه الأول، وبعضهم في اليوم الثالث، وبعضهم حينما بلغ السنة الثالثة، أو الخامسة من عمره الشريف، وكان من بينهم: أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، الذي رآه في سنته الثالثة[1]. ففي كتاب للإمام أبي محمد العسكري عليه السلام بخطه بعثه إلى أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، جاء فيه: " ولد لنا مولود، فليكن عندك مستورًا، وعن جميع الناس مكتومًا، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته..."[2].
وجاء في حديث آخر: " يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا؛ إنه سمي رسول الله صلى الله عليه و آله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا ". إلى أن قال: " يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمرالله، وسرٌّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه، وكن من الشاكرين تكن معنا في عليين "[3].
هذا، وأما عبد الله بن جعفر الحميري، فقد روى بطريقه هو بنفسه عدة روايات عن اسم الإمام الحجة صلوات الله عليه؛ فقد روى بطريقه إلى أبي بصير، عنالصادق جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقًا وخلقًا ، تكونله غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملأها قسطًا وعدلاً، كما ملئت ظلمًا وجورًا[4].
كما روى بطريقه أيضاً عن الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: قال لي: لا بد من فتنة صماء صيلم، يسقط فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض، وكل حرى وحران، وكل حزين ولهفان. ثم قال عليه السلام: بأبي وأمي، سميّ جدي صلى الله عليه وآله، وشبيه موسى بن عمران عليه السلام، عليه جيوب النور، يتوقد من شعاع ضياءالقدس، كم من حرى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين[5].
ومن هنا يظهر أن روايات السؤال عن الاسم المشار إليها في السؤال، لا بد من حملها على غير ظاهرها، إما بحملها على التقية، أو بحملها على لغة (إياك أعني واسمعي يا جارة)، كما ذكر في خطابات الكتاب العزيز الموجهة إلى النبي صلى الله عليه وآله، أو بغيرهما من المحامل المعقولة. خصوصاً مع وجود بعض القرائن في روايات السؤال تصرفها عن معناها الظاهر. ففي ذيل الرواية المنقولة في السؤال، جاء: " قلت: فالاسم؟ قال العمري: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه عليه السلام، فإن الأمر عند السطان أن أبا محمد عليه السلام مضى ولم يخلِّف ولدًا، وقسّم ميراثه، وأخذه من لا حقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئا، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوالله وامسكوا عن ذلك"[6]. وفي رواية أخرى حينما سألهالحميري عن اسم الامام عليه السلام قال: " إياك أن تبحث عن هذا، فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع[7]".!
فكأن تحريم السؤال عن الاسم إنما جاء كأسلوب من أساليب الكتمان التي انتهجها الإمام العسكري عليه السلام لإخفاء ولده، لأن الاسم يدل على المسمى، فإذا أشير إلى المسمى وقع الطلب عليه!.
ثم إن كثرة أحاديث إخفاء علائم وجود الإمام عليه السلام التي رواها الحميري تعد شاهداً آخر قائماً بذاته على اطلاعه على جملة من الأسرار أكثر من هذا المقدار.
[1] أصول الكافي ١ : ٣٢٩ ـ باب في تسمية من رآه 7 من كتاب الحجة ، إثبات الوصية : ٢٥٧).
[2] كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق: ص434).
[3] كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق: ص 385 ح1 الباب38).
[4] كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق: ص 287 ح4 الباب25).
[5] كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق: ص 371 ح3 الباب35).
[6] الكافي ١ : ٣30 ح1ـ باب في تسمية من رآه، إثبات الوصية : ٢٥٧).
[7] كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق: ص 442 ح14 الباب43).
0 التعليقات:
إرسال تعليق