السؤال: كيف يصل المؤمن الى درجة التقوى ثم الى درجة حق اليقين؟
الجواب: التقوى والإيمان واليقين أمور ذات مراتب ودرجات متفاوتة، لكنها جميعا حقيقة واحدة، تسقى من عين واحدة هي صفاء العقيدة، وعمق المعرفة، والعمل الصالح. وقوام هذا الأخير الالتزام بطاعة الله، واجتناب نواهيه.
والذي يدل على كون التقوى درجات هو قوله تعالى: "واتقوا الله حق تقاته"[1] ، حيث يدل على أن التقوى المطلوبة هي حق التقوى، لكنها لا تتأتى لكل أحد، لذلك قال الله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم"[2]. ولا شك أن استطاعة البعض أقل وأدنى من استطاعة البعض الآخر. وقوله عز من قائل: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"[3].
ومثلما كانت التقوى درجات كذلك الإيمان واليقين هما أيضا درجات كثيرة، كما قال تعالى: " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون"[4]، وإلا كان تحصيلا للحاصل، وهو محال. وقال الإمام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) لعبد العزيز القراطيسي: " يا عبد العزيز إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد: لست على شيء.. حتى ينتهي إلى العاشرة.. الحديث "[5]. وعن مراتب اليقين يقول المولى تبارك وتعالى: " كلّا لو تعلمون علم اليقين . لترونّ الجحيم . ثمّ لترونّها عين اليقين "[6]، ويقول: " إنّ هذا لهو حقّ اليقين"[7].
ثم إن المدخل الواقعي لارتقاء المدارج في أيّ من هذه العناوين الثلاثة؛ أعني التقوى والايمان واليقين، يتوقف بالدرجة الأولى على اختيار العبد وإرادته، وصدقه في ذلك الاختيار، ثم احترامه لاختياره، واستقامته عليه، وتحمل تبعاته. والطريق إلى تحقق تلك الغاية هو المواظبة على الواجبات والطاعات، وتجنب المحرمات، وتوقي الشبهات، بل وبالإقبال على النوافل والقربات، وتحاشي المكروهات العبادية، بل وغير العبادية أيضا لما لها من الآثار التكوينية على روح العبد وبدنه؛ كما قال عز وجل: " ونكتب ما قدّموا وآثارهم"[8]. وإن المفهوم من النصوص الشرعية: أن كل عمل يجر إلى نفسه تبعات ظاهرة وباطنة، وكل مرحلة تمهد للتي بعدها، سواء كان في الخير أو الشر. قال تعالى : " وأقم الصّلاة طرفي النّهار وزلفا من اللّيل إنّ الحسنات يذهبن السّيّئات ذلك ذكرى للذّاكرين . واصبر فإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين"[9]. وقال: "أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون . وخلق اللّه السّماوات والأرض بالحقّ ولتجزى كلّ نفس بما كسبت وهم لا يظلمون "[10].
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
[1] آل عمران: 102.
[2] التغابن: 16.
[3] الحجرات: 13.
[4] التوبة: 124.
[5] بحار الأنوار: ج66 ص165.
[6] التكاثر: 5-7.
[7] الواقعة:95.
[8] يس: 12.
[9] هود: 14-15.
[10] الجاثية: 21-22.
3 التعليقات:
احسنتم ايها الفا ضل
وفقكم الله
جميل جدا .. بارك الله في جهودكم
إرسال تعليق