اللهم صل على محمد وآل محمد
عظم
الله أجورنا وأجوركم بذكرى شهادة سيدنا ومولانا كريم أهل البيت من ِذكرُ
مصيبته من شيعته ومحبيه ومواليه قليل الغريب المظلوم في حياته وبعد مماته
صاحب النعش المرشوق بسهام العداوة والقبر المهدوم ظلمآ وعدوانا الإمام
الحسن المجتبى عليه السلام في السابع من صفر سنة50 للهجرة.
[{كلامكم نور وأمركم رشد}]
الإمام
الحسن الزكي المجتبى حبيب الله وصفيه وأمينه ونور صراطه ولسان حكمته وناصر
دينه والسيد البر التقي والقائم الأمين والعالم بالتأويل والعالم بالتنزيل
والهادي المهدي والباهر الخفي والطاهر الصديق الشهيد وهو ثاني أئمة أهل
البيت الطاهر وأول السبطين سيدي شباب أهل الجنة ريحانتي المصطفى وأحد
الخمسة أصحاب الكساء.
ولادته الطاهرة : ولد الامام الحسن عليه السلام في الخامس عشر من شهر رمضان بالسنة الثالثة للهجرة .
نسبه
الشريف : قال كمال الدين محمد بن طلحة : حصل للحسن ولأخيه الحسين عليهما
السلام ما لم يحصل لغيرهما ، فإنهما سبطا رسول الله صل الله عليه وآله .
جده : محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وينتهي نسبهالشريف الى النبي ابراهيم عليه السلام .
أبوه
: أميرالمؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغرالمحجلين علي بن أبي طالب بن
عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن
غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر
بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن أشعب بن أيمن بن نبت
بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وهو سيد شباب الجنة.
أمه
: سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين والبتول المعصومة والمظلومة
حقها أم أبيها أم الحسنين بضعة المصطفى فاطمة الزهراء بنت محمد بن عبد
المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة عليهم أفضل الصلاة
والسلام الطاهرة المطهرة أم الأئمة الأطهار.
جدته لأبيه : هي السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف عليها السلام .
جدته
لأمه : أم المؤمنين السيدة خديجة بنا خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر عليهاالسلام ، وهن من أشرف
وأطهر النساء .
روى ابن الخشاب أنه ولد عليه السلام لستة أشهر ، ولم يولد لستة أشهر مولود فعاش إلا الحسن وعيسى بن مريم عليه السلام .
تسميته : قال ابن طلحة ، سماه جده رسول الله صل الله عليه وآله فلما ولد سماه حسنآ.
صفاته
: كان عليه السلام أبيض، مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، رقيق
المشربة، كث اللحية، ذا وفرة، وكأن عنقه ابريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما
بين المنكبين، ربعة، ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس
وجهاً، وكان يخصب بالسواد، وكان جعد الشعر، حسن البدن.
وعن
علي عليه السلام : قال كان الحسن بن علي أشبه برسول الله صل الله عليه
وآله ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبه فيما كان أسفل من ذلك .
وعن أنس قال : لم يكن أحد أشبه برسول الله صل الله عليه وآله من الحسن بن علي علما السلام.
ألقابه
: من القابه السيد ، السبط ، الأمير، الحجة ، البر، التقي، الأثير، الزكي ،
المجتبى ، الأول ، الزاهد ، وسماه الله تعالى الحسن وسماه في التوراة
شبراً وكنيته أبو محمد وأبو القاسم. نقش خاتمه: العزة لله وحده.
أصحابه : هم نفس اصحاب أبيه علي عليه السلام، وبوابه قيس بن ورقاء المعروف بسفينة ورشيد الهجري ويقال ميثم التمار.
قد شيع عنه أن الامام الحسن عليه السلام كان مزواج ومطلاق قد تزوج بالمئات من النساء .
وهناك الكثير من الأكاذيب والإشاعات التي ألصقت التي تمس بكرامته ومقامه الرفيع .
زوجاته
: ففي موضوع زوجاته عليه السلام مواضيع شتى ومختلفة وقيل من الاكاذيب التي
لفقها من يدعون العلم والفقاهة في الدين الذين أشتراهم معاوية بالمال
وأراد أن ينقص من منزلته إتجاه المجتمع آنذاك فقال أحدهم أنه رأى أمير
المؤمنين عليه السلام جالسٌ على المنبر والحسن والحسين بجانبيه فوضع أمير
المؤمنين يده على رأس الحسن وقال لا تزجوا أبي الحسن عليه السلام فإنه
مطلاق فأمر معاوية لهذا اللعين بأموالٍ طائلة ، ومن الأكاذيب التي لفقوها
قالوا أنه تزوج سبعين حرة، وملك مائة وستين أمة في سائر عمره .
أولاده
: في كشف الغمة قال كمال الدين: كان الحسن عليه السلام له من الأولاد
عدداً لم يكن لكلهم عقب بل كان العقب لأثنين منهم فقيل كانوا خمسة عشر وهذه
أسماؤهم : الحسن، زيد، عمرو، الحسين، طلحة، عبدالرحمن، عبدالله، إسماعيل ،
محمد ، يعقوب ، جعفر، أبوبكر، والقاسم.
وكان
العقب منهم للحسن ولزيد وقيل كان له أولاد أقل من ذلك وقيل كان له بنت
تسمى أم الحسن، وقال ابن الخشاب: ولد له أحد عشر ولداً وبنت والأولاد كما
ذكر سابقاً بالإضافة إلى الحسين، عقيل، أم الحسن فاطمة وهي أم محمد الباقر
عليه السلام.
أما
الشيخ المفيد (ق.س) في إرشاده قال: أولاد الحسن بن علي خمسة عشر ولداً
ذكراً وأنثى وهم ، زيد بن الحسن وأختاه أم الحسن وأم الحسين أمهم أم بشير
بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الحزرجية والحسن بن الحسن أمه خولة
بنت منظورالفزارية وعمرو وأخواه القاسم وعبدالله بن الحسن أمهم أم ولد وعبد
الرحمن بن الحسن أمه أم ولد والحسين بن الحسن الملقب بالأثرم وأخوه طلحة
بن الحسن وأختهما فاطمة بنت الحسن أمهم أم إسحق بنت طلحة بن عبدالله
التميمي وأم عبدالله وفاطمة وأم سلمة ورقية بنات الحسن عليه السلام لأمهات
شتى وقتل مع الحسين عليه السلام من أولاده عبدالله والقاسم وأبوبكر.
عمره
الشريف: كان سبعآ وأربعين منها مع جده رسول الله صل الله عليه وآله سبع
سنين ، ومع أبيه عليه السلام بعد شهادة جده صل الله عليه وآله ثلاثين سنة
وبعد وفاة والده إلى وقت شهادته عشر سنين ، فإمامته كانت عشر سنوات.
إمامته
وبيعته : الكلام في الحسن بن علي عليه السلام لا يخالفنا أحد فيه من
المسلمين ، فأما غيره من الأئمة عليهم السلام فالمخالفة فيهم، فإن القائلين
بإمامة الجماعة بعد النبي صل الله عليه وآله قائلون بإمامة الحسن عليه
السلام بما رووه أن الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تعود ملكًا ، وبأن عليآ
عليه السلام أوصى بها إليه ، وأفاض ردائها عليه ، فهو عليه السلام مسألة
إجماع وقد سلم مدعي إمامته عن النزاع.
أما
أصحابنا فإنهم يقولون بوجوب الإمامة في كل وقت ، وقد ثبت ذلك من طريق
العقل في كتب الأصول ، وإن الإمام لا بد أن يكون معصومآ منصوصآ عليه ، وأن
الحق لا يخرج عن أمة محمد صل الله عليه وآله ، وفي تواتر الشيعة ونقلهم
خلفآ عن سلف أن أمير المؤمنين عليه السلام نص على ابنه الحسن وحضر شيعته
واستحلفه عليهم بصريح القول وليس لأحد أن يدعي كذبهم فيما تواتر عندهم .
قام
عبد الله بن العباس بين الامام الحسن عليه السلام فقال: معاشر الناس هذا
ابن نبيكم و وصي إمامكم فبايعوه فاستجاب الناس فقالوا ما أحبه إلينا و أوجب
حقه علينا و أحقه بالخلافة و بادروا إلى البيعة له بالخلافة.
قال
المفيد في الإرشاد : كانت بيعته يوم الجمعة 21 رمضان سنة40 قال أبو الفرج :
ثم نزل من المنبر فرتب العمال و أمر الأمراء و نظر في الأمور و أنفذ عبد
الله بن العباس إلى البصرة قال: و كان أول شيء أحدثه الحسن بن علي عليهما
السلام أنه زاد المقاتلة مائة مائة و قد كان علي عليه السلام أبوه فعل ذلك
يوم الجمل و الحسن عليه السلام فععلى حال الاستخلاف فتبعه الخلفاء من بعد
ذلك.
قال
المفيد : فلما بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين عليه السلام و بيعة الناس
ابنه الحسن عليه السلام دس رجلا من حمير إلى الكوفة و رجلا من بني القين
إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار و يفسدا على الحسن الأمور فعرف ذلك الحسن
فأمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكو فأخرج و أمر بضرب عنقه و كتب إلى
البصرة باستخراج القيني من بني سليم فأخرج و ضربت عنقه.
وفي
الاخبار الواردة في ذلك مما رواه محمد بن يعقوب الكليني وهو من أجل رواة
الشيعة وثقاتها ، عن علي بن ابراهيم عن أبيه ، عن حماد بن عيسى عن ابراهيم
بن عمر اليماني ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين حين
أوصى إلى أبنه الحسن ، وإشهد على وصيته الحسين ومحمدآ وجميع ولده ورؤساء
شيعته وأهل بيته ثم دفع الكتاب والسلاح ، وقال له : يا بني أمرني رسول الله
صل الله عليه وآله أن أوصي إليك ، وأدفع إليك كتبي وسلاحي ، كما أوصى ألي
ودفع ألي كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك
الحسين ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال : وأمرك رسول الله صل الله
عليه وآله إلى ابنك هذا ، ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال وأمرك رسول الله
صل الله عليه وآله إلى ابنك محمد فاقرأه من رسول الله السلام ومني السلام.
وقد
ثبت عند فرق الإسلام كافة أن عليآ عليه السلام لما مات دعا الحسن عليه
السلام إلى الأمر بعد أبيه فبايعه الناس على أنه الخليفة والإمام .
عبادته
: فضائل الامام الحسن و فواضله ومكارمه ونوافله وعبادته وزهادته وسيرته
التي جرت بها عادته وسريرته ، التي عرفت بها قاعدته ، من الامور التي
اشتهرت وظهرت ، وكم رام الاعداء سترها فما استترت ، وهل يخفى النهار لذي
عينين ومن الذي يبلغ شأو الحسن والحسين عليهما السلام وكيف لا وقد خصا
بالولدين السيدين الريحانتين فمناقبهما صل الله عليهما تملى وقلم القدر
يكتب بالتصديق ويسجل لمواليها بحسن الاهتداء ومعاونة التوفيق.
روى
صاحب كتاب صفوة الصفوة بسند عن علي بن زيد بن جدعان قال : حج الحسن عليه
السلام خمس عشرة حجة ماشيآ ، وأن النجائب لتقاد معه ، فأي زهد أعظم من
هذا.
مِن معاجز الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام
️الولاية
التكوينيّة: عن الأعمش، عن أبي بُرَيدة، عن محمّد بن حجارة قال: رأيتُ
الحسنَ بن عليّ عليهما السّلام وقد مرّت به صريمةٌ من الظِّباء، فصاح بهنّ
فأجابَتْه كلُّها بالتلبية.. حتّى أتتْ بين يديه .
️
قال عمارة بن زيد: سمعت إبراهيم بن سعد يقول: سمعتُ محمّد بن إسحاق يقول:
كان الحسن والحسين عليهما السّلام طفلَين فرأيتُ الحسنَ وقد صاح بنخلةٍ
فأجابتْه بالتلبية.. وَسَعتْ إليه كما يسعى الولدُ إلى والده .
️عن
قدامة بن رافع، عن أبي الأحوص مولى أُمّ سلمة قال: إنّي مع الحسن عليه
السّلام بعرفات ومعه قضيب، وهناك أُجراء يحرثون.. فكلّما هَمّوا بالماء (
أو: حين عَلِم همَّهم ) يضرب بقضيبه إلى الصخر فينبع لهم الماء، واستخرج
لهم طعاماً .
️عن
محمّد بن إبراهيم قال: أخبرنا موسى بن محمّد بن إسماعيل بن عبيدالله بن
العبّاس بن الإمام عليّ عليه السّلام قال: حدّثني جعفر بن زيد بن موسى، عن
أبيه عن آبائه عليهم السّلام قالوا: جاءت أمُّ أسلم إلى النبيّ صلّى الله
عليه وآله وهو في منزل أمّ سلمة، فسألَتْها عن رسول الله صلّى الله عليه
وآله فقالت:
خرج
في بعض الحوائج والساعة يجيء. فانتظرَتْه عند أمّ سلمة حتّى جاء صلّى الله
عليه وآله، فقالت أمّ أسلم: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، قد قرأتُ الكتب
وعلمتُ كلَّ نبيٍّ ووصيّ، فموسى كان له وصيٌّ في حياته، ووصيٌّ بعد موته
كذلك، فمَن وصيُّك يا رسولَ الله ؟
فقال
لها: يا أمَّ أسلم، وصيّي في حياتي وبعد موتي واحد. ثم قال لها: يا أمَّ
أسلم، مَن فعَلَ فِعْلي فهو وصيّي. ثمّ ضرب بيده إلى حَصاةٍ مِن الأرض
ففركها بإصبعه فجعَلَها شبه الدقيق، ثمّ عجَنَها ثمّ طبعها بخاتمه ثمّ قال:
مَن فعَلَ فِعْلي هذا فهو وصيّي في حياتي وبعد موتي.
قالت:
فخرجتُ من عنده، فأتيتُ أمير المؤمنين عليه السّلام فقلت له: بأبي أنت
وأُمّي، أنت وصيُّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ قال: نعم يا أمَّ أسلم.
ثمّ ضرب بيده إلى حصاةٍ ففركها فجعلها كهيئة الدقيق، ثمّ عجنها وختمها
بخاتمه ثمّ قال: يا أمَّ أسلم، مَن فعل فِعْلي هذا فهو وصيّي.
فأتيتُ
الحسن عليه السّلام وهو غلام، فقلت له: يا سيّدي، أنت وصيّي أبيك ؟ فقال:
نعم يا أمَّ أسلم. وضرب بيده وأخذ حصاةً، وفعل بها كفعلِها.
فخرجتُ
مِن عنده فأتيتُ الحسينَ عليه السّلام، وإنّي أستصغره لِسنّه، فقلت له:
بأبي أنت وأُمّي، أنت وصيُّ أخيك ؟ فقال: نعم يا أمَّ أسلم، ائتيني بحصاة.
ثمّ فعَلَ كفعلهم.
فعُمِّرتْ أمُّ أسلم حتّى لَحِقتْ بعليّ بن الحسين عليهما السّلام بعد قتل الحسين عليه السّلا
في منصرفه، فسألته: أنت وصيُّ أبيك ؟ فقال: نعم. ثمّ فعل كفعلهم صلوات الله عليهم أجمعين .
كرامات باهرة:
️
روى الشيخ محمّد بن عليّ العامليّ في كتاب ( تحفة الطالب ) نقلاً عن كتاب (
المصابيح ) من كتب العامّة، عن زين بن أرقم قال سبعُ حَصِيّاتٍ سبّحنَ في
كفّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فوضَعَها في يد الحسن ابن عليّ عليه
السّلام فسَبّحنَ كما سبّحن في كفّه، ثمّ وضعها في كفّ الحسين عليه السّلام
فسبّحن في كفّه. وكلُّ مَن حضر مِن الصحابة أخذ الحصيّات ولم يسبّحن في
أيديهم، فسُئل عليه السّلام عن ذلك فقال: الحصى لا يسبّحن إلاّ في كفّ
نبيّ، أو وصيِّ نبيّ .
️قال
أبو جعفر الطبريّ محمّد بن جرير: حدّثنا أبو محمّد عبدالله بن محمّد قال:
حدّثنا سلمة بن محمّد قال: أخبرنا محمّد بن عليّ الجاشي قال: حدّثنا
إبراهيم بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي الخُدْريّ قال: رأيتُ الحسنَ
بن عليٍّ ( عليه السّلام ) وهو طفل.. والطير تُظِلّه، ورأيتُه يدعو الطيرَ
فتُجيبه!
️عن
أبي السعادات في ( الفضائل ) أنه أملى الشيخ أبو الفتوح في مدرسة الناجية،
أنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام كان يحضر مجلس رسول الله صلّى الله عليه
وآله وهو ابنُ سبع سنين، فيسمع الوحيَ فيَحفَظُه، فيأتي أُمَّه فيُلقي
إليها ما حَفِظه.
فلمّا
دخل عليٌّ عليه السّلام وجدَ عندها عِلْماً، فسألها عن ذلك فقالت: مِن
ولدك الحسن. فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وكان سمع الوحي، فأراد أن
يُلقيَه فأُرْتِج عليه.. فعَجِبت أمُّه من ذلك، فقال لها: لا تعجبي يا
أماه؛ فإنّ كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني. فخرج عليٌّ عليه السّلام
فقبّلَه.
وفي روايةٍ أخرى قال الحسن عليه السّلام: يا أُمّاه، قَلّ بياني، وكَلَّ لساني، لعلّ سيّداً يرعاني!
️ادّعى
رجلٌ على الحسن بن عليٍّ عليهما السّلام ألفَ دينار كذباً، ولم يكن عليه،
فذهبا إلى شُرَيح ( القاضي )، فقال شريح للحسن: أتحلف ؟ قال: إن حلف خصمي
أُعطيه، فقال شريح للرجل: قلْ: بالله الذي لا إله إلاّ هو عالِمُ الغيب
والشهادة. فقال الحسن: لا أُريد مِثل هذا، قل: بالله أنّ لك علَيّ هذا،
وخُذِ الألف. فقال الرجل ذلك وأخذ الدنانير، فلمّا قام خرّ إلى الأرض ومات!
فسُئل الحسنُ عن ذلك فقال: خشيتُ أنّه لو تكلّم بالتوحيد يُغفَر له يمينُه
ببركة التوحيد ويَحجِبُ عنه عقوبة يمينه .
️وعن
محمّد بن إسحاق بالإسناد، في حديثٍ: أنّ أبا سفيان قال لفاطمة، والحسن
يدرج وهو ابنُ أربعة عشر شهراً: يا بنتَ محمّد، قولي لهذا الطفل يكلّم لي
بجدّه، فقال الحسن: يا أبا سفيان! قلْ: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول
الله.. حتّى أكونَ لك شفيعاً. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: الحمدُ لله
الذي جعَلَ في آل محمّدٍ نظيرَ يحيى بن زكريا وآتَيناهُ الحُكْمَ
صَبِيّاً .
الإخبار بالمغيّبات:
️
قال الطبريّ: حدّثنا أبو محمّد عبدالله بن محمّد البلويّ قال: حدّثنا
عمّار بن زيد المدنيّ، حدّثني إبراهيم بن سعيد ومحمّد بن مسعر كلاهما عن
محمّد بن إسحاق صاحب ( المغازي )، عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن عبّاس
قال: مرّت بالحسن بن عليّ عليه السّلام بقرة، فقال: هذه حُبلى بعِجْلةٍ
أُنثى، لها غرّة في جبهتها ورأس ذَنَبِها أبيض. فانطلقنا مع القصّاب، فلمّا
ذبحها وجدنا العجلة كما وصف على صورتها، فقلنا له: أوَ ليس الله عزّوجلّ
يقول: « ويعلم ما في الأرحام » ؟ فكيف علمتَ هذا ؟! فقال: إنّا نعلم
المكنون المخزون المكتوم الذي لم يطّلع عليه مَلَك مقرَّب ولا نبيّ مرسل
غيرَ محمّدٍ وذريّته عليهم السّلام .
️روى
أبو أُسامة زيد الشحّام عن أبي عبدالله الصادق عليه السّلام قال: خرج
الحسن بن عليّ عليهما السّلام إلى مكّة سنةً من السنين حاجّاً حافياً،
فورمَتْ قدماه، فقال له بعضُ مَواليه: لو ركبتَ لَسَكن عنك بعضُ هذا الورم
الذي برِجْلَيك. قال: كلاّ، ولكنْ إذا أتيتَ المنزل فإنّه لَيستقبلك أسْودُ
معه دُهْن لِهذا الداء، فاشترِ منه ولا تُماكِسْه. فقال له مولاه: بأبي
أنت وأمّي، ما قُدّامَنا منزل فيه أحدٌ يبيع هذا الدواء، فقال: بلى، إنّه
أمامك دون المنزل.
فسار
ميلاً فإذا هو بالأسود، فقال الحسن عليه السّلام لمولاه: دونَك الرجل،
فخُذْ منه الدُّهن وأعطه الثمن، فقال الأسود للمولى: يا غلام، لمَن أردتَ
هذا الدهن ؟ فقال: للحسن بن عليّ، فقال: انطلقْ بي إليه. فانطلق به فأدخله
إليه، فقال له: بأبي أنت وأمّي، لم أعلم أنّك تحتاج إليه ولا أنّه دواء لك،
ولستُ آخذُ له ثمناً، إنّما أنا مولاك، ولكنِ ادعُ اللهَ أن يرزقني
ذَكَراً سَوِيّاً يُحبّكم أهلَ البيت؛ فإنّي خلّفتُ امرأتي وقد أخذها
الطلق. قال: انطلقْ إلى منزلك؛ فإنّ الله تبارك وتعالى قد وهب لك ذَكَراً
سويّاً، وهو لنا شيعة.
فرجع
الأسود فورَه، فإذا أهلُه قد وضعت غلاماً سويّاً، فعاد إلى الحسن فأخبره
بذلك، ودعا له وقال له خيراً. ومسح الحسن رجلَيه بذلك الدهن، فما برح مِن
مجلسه حتّى سكن ما به ومشى على رِجلَيه.
️ورُويَ أنّ ذلك المولود هو السيّد إسماعيل بن محمّد الحِمْيريّ شاعر أهل البيت عليهم السّلام .
️وروى
ابن شهرآشوب بإسناده عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام
أنّه قال: كان الحسن بن عليّ جالساً فأتاه آتٍ فقال: يا ابن رسول الله، قد
احترقتْ دارُك! قال: لا، ما احترقت. إذ أتاه آتٍ فقال: يا ابنَ رسول الله،
وقد وقعت النار في دارٍ إلى جَنْب دارك حتّى ما شككنا أنّها ستُحرِق دارك،
ثمّ إنّ الله صرفها عنها .
️عن
المفضَّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عن جَدّه عليهم
السّلام، أنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام دخل يوماً إلى
أخيه الحسن عليه السّلام، فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يُبكيك يا أبا
عبدالله ؟ فقال: أبكي لما يُصنَع بك. فقال له الحسن عليه السّلام:
إنّ
الذي يُؤتى إليّ سُمٌّ يُدَسّ إليَّ فأُقتل به، ولكنْ لا يوم كيومِك يا
أبا عبدالله! يَزدلف إليك ثلاثون ألفَ رجلٍ يَدّعون أنّهم مِن أُمّة
جَدِّنا محمّد صلّى الله عليه وآله، وينتحلون دِينَ الإسلام، فيجتمعون على
قتلك وسفك دمك، وانتهاكِ حرمتك، وسَبْي ذراريك ونسائك، وأخذِ ثِقْلك،
فعندها تحلّ ببني أُميّة اللعنة، وتمطرُ السماءُ رماداً ودماً، ويبكي عليك
كلُّ شيء.. حتّى الوحوش في الفلوات، والحِيتانُ في البحار .
️عن
الحسن بن علاء، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام: إنّ الحسن عليه
السّلام قال لأهل بيته: أنا أموت بالسمّ كما مات رسول الله صلّى الله عليه
وآله، قالوا: ومَن يفعل ذلك بك، قال: امراتي جعدة بنت الأشعث بن قيس ( وفي
رواية: جاريتي أو امرأتي )، فإنّ معاوية يدسّ إليها ويأمرها بذلك، فقالوا:
أخرِجْها مِن منزلك، وباعِدْها عن نفسك، قال: كيف أُخرجها ولم تفعل بعدُ
شيئاً ؟! ولو أخرجتُها ما قتلني غيرها، وكان لها عذرٌ عند الناس. ( وفي
رواية: هيهاتَ مِن إخراجها ومَنيّتي على يدها! ما لي منها مَحيص، ولو
أخرجتُها ما يقتلني غيرها، كان قضاءً مقضيّاً وأمراً واجباً من الله ).
فما
ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها معاوية مالاً جسيماً يُمنّيها أن يُعطيها
مائةَ ألفِ درهم أيضاً وضياعاً، ويزوّجها من يزيد. وحمل شربة سمّ لتسقيها
الحسنَ عليه السّلام.
ففي
بعض الأيّام انصرف إلى منزل وهو صائم، وكان يوماً حارّاً، فأخرجتْ له وقت
الإفطار شربةَ لبن وقد ألقَتْ فيها ذلك السمّ، فشربها، وقال: يا عدوّةَ
الله! قتلتيني قَتَلكِ الله، واللهِ لا تُبصرين خيراً، ولقد غرّكِ وسخر بك،
واللهُ يخزيكِ ويُخزيه!
فمكث عليه السّلام يومينِ ثمّ مضى، فغدر معاوية بها فلم يَفِ لها بما عاهد عليه .
️وروى
الشيخ المفيد عن عبدالله بن إبراهيم، عن زياد المخارقيّ قال:لمّا حضرتِ
الحسنَ عليه السّلام الوفاةُ استدعى الحسين عليه السّلام وقال: يا أخي،
إنّي مُفارقك ولاحقٌ بربّي عزّوجلّ، وقد سُقيتُ السمَّ ورَميتُ بكَبِدي في
الطشت، وإنّي العارف بمَن سقاني السمّ ومِن أين دُهيت، وأنا أُخاصمه إلى
الله عزّوجلّ... فإذا قضيتُ فغمّضني وغسّلْني وكفّنّي، واحملني على سريري
إلى قبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ لأُجدّد به عهداً، ثمّ رُدّني
إلى قبر جدّتي فاطمة بنتِ أسد رضي الله عنها، فادفنّي هناك. وستعلم ـ يا
ابن أمّ ـ أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله صلّى الله
عليه وآله، فيجلبون في ذلك ويمنعونكم منه، وباللهِ أُقسم عليك أن تُهْريقَ
في أمري مِحْجَمةَ دم.. ( وجرى كلُّ ذلك فيما بعد ) .
استجابة الدعوات:
️عن
أبي البختريّ، عن جعفر الصادق عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: اجتمع
عند عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قومٌ فشَكَوا إليه قلّة المطر، وقالوا:
يا أبا الحسن، ادعُ لنا بدعواتٍ في الاستسقاء. قال: فدعا عليٌّ الحسنَ
والحسين عليهم السّلام، ثمّ قال للحسن عليه السّلام: ادعُ لنا بدعواتٍ في
الاستسقاء. فقال الحسن عليه السّلام: اللّهمّ هيّجْ لنا السَّحاب بفتح
الأبواب، بماء عُباب. وساقَ دعاءَ الاستسقاء.
ثمّ
قال للحسين عليه السّلام: ادعُ. فقال الحسين عليه السّلام: اللّهمّ يا
معطيَ الخيرات.. وساق دعاء الاستسقاء، فما فَرَغا من دعائهما حتّى صبّ الله
تبارك وتعالى عليهم السماءَ صَبّاً!
️عن
إسماعيل بن مهران، عن عبدالله الكناسيّ، عن أبي عبدالله الصادق عليه
السّلام قال: خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام في بعض عُمَره
ومعه رجلٌ مِن وُلْد الزبير كان يقول بإمامته. قال: فنزلوا في منهلٍ من تلك
المناهل، قال: نزلوا تحت نخلٍ يابسٍ قد يبس من العطش.
قال:
ففرش الحسن عليه السّلام تحت نخلة، والزبيريُّ بحذائه تحت نخلةٍ أخرى،
قال: فقال الزبيريُّ ورفع رأسَه: لو كان في هذا النخل رُطبٌ لأكلنا منه!
قال: فقال له الحسن عليه السّلام: وإنّك لَتشتهي الرُّطَب ؟ قال: نعم. فرفع
الحسن عليه السّلام يدَه إلى السماء فدعا بكلام لم يفهمه الزبيريّ،
فاخضرّت النخلة، ثمّ صارت إلى حالها فأورقَتْ وحملت رُطباً.
قال: فقال له الجمّالُ الذي اكتَرَوا منه: سحرٌ والله! قال: فقال له الحسن: وَيْلَك! ليس بسحر، ولكن دعوة ابن النبيّ مُجابة.
قال: فصعدوا إلى النخلة حتّى صرموا ممّا كان فيها ما كفاهم .
جرت
مناظرة في مجلس معاوية، وقد حضر المحفل رجلٌ من بني أُميّة ـ وكان شابّاً ـ
فأغلظ على الحسن كلامَه، وتجاوز الحدَّ في السبّ والشتم له ولأبيه، فقال
الحسن عليه السّلام: اللّهمّ غيّرْ ما به مِن النعمة، واجعلْه انثى
ليُعتبَر به. فنظر الأُمويُّ في نفسه وقد صار امرأة .
️وروى
ابن شهرآشوب، أنّ الناس استغاثوا مِن زياد بن أبيه إلى الحسن بن عليّ
عليهما السّلام، فرفع يديه وقال: اللّهمّ خُدْ لنا ولشيعتنا مِن زياد بن
أبيه، وأرِنا فيه نَكالاً عاجلاً، إنّك على كلّ شيءٍ قدير.
قال الراوي: فخرج خرّاجٌ في إبهام يمين زياد يُقال لها « السَّلْعة »، و ورم إلى عنقه فمات!
ما روي عنه أحاديث من ومواعظ وحكم:
القريب مَن قَرَّبتهُ المَودَّة وإنَ بَعُدَ نَسَبُه والبعيدُ من باعَدَتْه الموَدَّة وإن قَرُبَ نَسَبُه .
اجعل
ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك، واعلم أن مروءة
القناعة والرضا أكثر من مروءة الإعطاء، وتمام الصنيعة خير من ابتدائها.
من
وصاياه لبعض ولده: يا بُنَّي لا تواخِ أحداً حتّى تعرِفَ موارِدَه
ومصادِرَهُ فإذا استَنْبَطت الخُبرة ورضيت العِشرَة فآخِه على إقالةِ
العَثرة والمواساة في ألعسره.
مَن
أدام الاختلاف إلى المسجد أصابَ إحدى ثمانٍ: آيةً محكمة وأخاً مُستفاداً
وعِلماً مستطرفاً ورحمةً منتظِرَةً وكلمةً تدُلُّه على الهدى أو ترُّده عن
ردىً وتركَ الذنوبِ حياءاً أو خشيةً.
إنَّ من طَلَبَ العبادة تزكّى لها
لا تجاهد الطلب جهادَ الغالبِ ولا تتّكل على القدر اتّكال المُستَسلِم
فإنَّ ابتغاء الفضلِ من ألسنه والإجمال في الطَّلَبِ من العفة وليستِ
العِفّةُ بدافعةٍ رِزقاً ولا الحرصُ بجالبٍ فضلاً، فإن الرزق مقسومٌ
واستعمال الحرص استعمال المأثم.
لا
أدب لمن لا عقل له، ولا مروءة لمن لاهمةَ له، ولا حياء لمن لا دين له،
ورأس العقل معاشرةِ الناسِ بالجميل، وبالعقل تدرك الداران جميعاً، ومن حرم
من العقل حرمهما جميعاً.
علّم الناس وتعلّم علم غيرك، فتكون قد أتقنتَ علمك وعلمت ما لم تعلم.
هلاك الناس في ثلاث: الكبر والحرص والحسد فالكبر هلاك الدّين وبه لعن
إبليس والحرص عدوّ النفس وبه اخرج آدم من ألجنه، والحسد رائد السّوء ومنه
قتل قابيل هابيل.
يا
بن آدم عفّ من محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله سبحانه تكن غنياً
وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب الناس بمثل ما تحب إن يصاحبوك به
تكن عدلاً.
الخير الذي لا شرَّ فيه: الشكرُ مَعَ النّعمةِ والصبر على النازلة.
من اتكَل على حُسن الاختيار من الله له لم يتمنَّ انّه في غيرِ الحالِ التي اختارها اللهُ لَهُ.
العار أهونُ من النّار.
كرمه وجوده وسخاءه : ومن سخائه عليه السلام ما روي أنه سأل الحسن بن علي
عليهما السلام رجل فأعطاه فخمسين ألف درهم وخمس مائة دينار، وقال: ائت
بحمال يحمل لك فأتى بحملا فأعطى طيلسانه فقال: هذا كرى الحمال.
وجاءه
بعض الاعراب فقال: أعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف دينار فدفعها
إلى الاعرابي فقال الاعرابي: يامولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي
فأنشأ الحسن عليه السلام:
نحن اناس نوالنا خضل
يرتع فيه الرجاء والامل
تجود قبل السؤال أنفسنا
خوفا على ماء وجه من يسل
لوعلم البحر فضل نائلنا
لغاض من بعد فيضه خجل
عن
أبوجعفر المدائني في حديث طويل: خرج الحسن والحسين و عبدالله بن جعفر
حجاجا ففاتهم أثقالهم، فجاعوا وعطشوا فرأوا في بعض الشعوب خباء رثا وعجوزا
فاستسقوها فقالت: اطلبوا هذه الشويهة، ففعلوا واستطعموها فقالت: ليس إلا هي
فليقم أحدكم فليذبحها حتى أصنع لكم طعاما فذبحها أحدهم ثم شوت لهم من
لحمها فأكلوا وقيلوا عندها فلما نهضوا قالوا لها: نحن نفر من قريش نريد هذا
الوجه، فإذا انصرفنا وعدنا فالممي بنافإنا صانعون بك خيرا ثم رحلوا.
فلما
جاء زوجها وعرف الحال أو جعها ضربا ثم مضت الايام فأضرت بها الحال فرحلت
حتى اجتازت بالمدينة فبصربها الحسن عليه السلام فأمر لها بألف شاة وأعطاها
ألف دينار، وبعث معها رسولا إلى الحسين عليه السلام فأعطاها مثل ذلك ثم
بعثها إلى عبدالله ابن جعفر فأعطاها مثل ذلك.
البخاري:
وهب الحسن بن علي عليه السلام لرجل ديته وسأله (عليه السلام) رجل شيئا
فأمر له بأربعمائة درهم فكتب له بأربعمائة دينار فقيل له في ذلك فأخده،
وقال: هذا سخاؤه، وكتب عليه بأربعة آلاف درهم.
وسمع عليه السلام رجلا إلى جنبه في المسجد الحرام يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف إلى بيته وبعث إليه بعشرة آلاف درهم.
الحروب التي خاضها وشارك فيها(ع)
شارك
(ع) في فتوحات أفريقية وبلاد فارس ما بين سنة (25ـ30) للهجرة، وقاتل في
جميع حروب أبيه الإمام علي(ع)،منهاالجمل، صفّين، النهروان.
ما قام به الامام الحسن عليه السلام بعد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام عند تسلمه أمور ومهام الامامة وما جرى بينه وبين معاوية :
أمر
الامام الحسن عليه السلام ورتب العمال وولى عبدالله بن العباس البصرة وكتب
إلى سائر العمال بالمبايعة له فبايعه سائر العمال التي كانت تحت إمرة أمير
المؤمنين عليه السلام وهي الحجاز والعراق وفارس واليمن .
لما
بويع الإمام الحسن عليه السلام بالخلافة في الكوفة أزعج ذلك معاوية فبادر
إلى وضع الخطط لمواجهة الموقف وأرسل الجواسيس إلى الكوفة والبصرة وأدرك
الإمام الحسن عليه السلام أبعاد المؤامرة، وكشف الجواسيس، فأرسل إلى معاوية
يدعوه إلى التخلّي عن انشقاقه وأرسل معاوية رسالة جوابية يرفض فيها مبايعة
الحسن عليه السلام ، وتبادلت الرسائل بين الإمام ومعاوية قد ذكرت في
التأريخ ، وفي إحدى الرسائل التي أرسلها معاوية للإمام الحسن عليه السلام
جاء بها جندب لما أتى له قال له ما أرى الرجل إلا سائرٌ إليك فابدأه المسير
حتى تقاتله في أرضه وبلده ، فأما أن تقول إنه ينقاد لك لا والله حتى يرى
منا يومآ أعظم من صفين ، فقال أفعل إن شاء الله تعالى .
ثم
إن معاوية دس رجلاً من حمير إلى الكوفة ورجلاً من القين إلى البصرة
ليكتباربه بالاخبار ويفسدا على الحسن عليه السلام ، فعرف ذلك الحسن عليه
السلام فأمر باستخراج الحميري من حجام بالكوفة فأُخرج وأمر بضرب عنقه ،
وكتب كتاباً إلى البصرة إلى عبدالله بن العباس وكان عامله عليها وأمره
باستخراج الرجل القيني وقتله فاستخرجه عبدالله بن العباس من بني سليم وقتله
وكتب الامام الحسن عليه السلام كتاباً إلى معاويه : أما بعد فقد دسست
الرجال للإحتيال والأغتيال وأرصدت العيون كأنك تحب اللقا وما أوشك ذلك
فتوقعه إن شاء الله تعالى وبلغني إنك شمت بما لم يشمت به ذووا الحجى ....
فأجابه معاوية بكتاب ذكره المؤرخون في كتب السير .
زياد
كان والي على فارس من قِبل أمير المؤمنين وكان في فكر معاوية بعدها قام
معاوية بمراسلته وكان المغيرة موصل الكتاب له ، فاحتال عليه معوية بعد هذا
الكتاب وبكل طريقه حتى إنه أدعى أنه أخوه حتى غلبت على زياد الشقاوة وحب
الجاه بالاموال و الرياسه فصعد المنبر بعد ثلاثة أيام وقال : أيها الناس
أدفعوا البلاء ما أندفع عنكم وارغبوا في دوام العافية لكم فقد نظرت في أمور
المسلمين فوجدت أحمد العاقبين العافية وساء فعل في أموركم ما تحمدون
عاقبته .
فنزل
من على المنبر فأرسل كتاب إلى معاوية يذكر فيه القبول والطاعة، فوفى له
معاوية بكل ما اشترط عليه ، فنكث زياد بيعة الامام الحسن عليه السلام وأطاع
معاوية ، ثم أجتمعت العساكر إلى معاوية من كل جانب و مكان فتكاملت عنده
ستون ألفآ فسار بهم إلى العراق واستخلف الضحاك بن قيس الفهري على الشام و
الامام الحسن مقيم بالكوفة لم يشخص بعد فكتب له عبدالله بن العباس كتاب من
البصرة : أما بعد فإن المسلمين ولوك أمورهم بعد علي عليه السلام فشكر للحرب
وجاهد عدوك وقارب أصحابك اشتر من الضنين دينه مالم يلثم لك دينا وذكر له
الكثير من الامور.
فلما
وصل كتاب ابن عباس للإمام الحسن السلام وقرأه قال : لقد نصح ابن عباس فيما
يراه لكن هيهات أن أخالف سنة سنها رسول الله صل الله عليه وآله وأمير
المؤمنين بعدهما طلبآ لالتماس دنيا فإن في الحق سعة عن الباطل .
سار
الإمام الحسن (ع) بجيش كبير حتى نزل في موضع متقدم عرف ب"النخيلة" فنظم
الجيش ورسم الخطط لقادة الفرق ومن هناك أرسل طليعة عسكرية في مقدمة الجيش
على رأسها عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد بن عبادة كمعاون له .
وسار
معاوية نحو العراق ليغلب عليه، فلما بلغ جسر منبج تحرك الامام الحسن عليه
السلام وبعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير، واستنفر الناس للجهاد
فتثاقلوا عنه، ثم خفوا [و] معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه،
وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في
الغنائم وبعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون
إلى دين.
فسار حتى أتى حمام عمر، ثم أخذ على دير كعب، فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك.
فلما
أصبح أراد عليه السلام أن يمتحن أصحابه، ويستبرئ أحوالهم له في الطاعة
ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه، ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام
فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال:
الحمد
لله كلما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق [بشيرا] وائتمنه على الوحي صلى الله عليه
وآله.
أما
بعد فاني والله لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح خلق الله
لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة، ولا مريدا له بسوء ولا غائلة،
ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر
لكم خيرا من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا علي رأيي، غفر
الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا.
قال:
فنظر الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنه
والله يريد أن يصالح معاوية، ويسلم الأمر إليه، فقالوا: كفر والله الرجل ثم
شدوا على فسطاطه، وانتهبوه، حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد
الرحمان بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفة عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا
بالسيف بغير رداء، ثم دعا بفرسه وركبه وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته
ومنعوا منه من أراده، فقال: ادعو إلي ربيعة وهمدان، فدعوا له فأطافوا به،
ودفعوا الناس عنه عليه السلام وسار ومعه شوب من غيرهم.
فلما
مر في مظلم ساباط، بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان، وأخذ
بلجام بغلته وبيده مغول وقال: الله أكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من
قبل، ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن عليه السلام وخرا
جميعا إلى الأرض فوثب إليه رجل من شيعة الحسن يقال له عبد الله بن خطل
الطائي فانتزع المغول من يده، وخضخض به جوفه، فأكب عليه آخر يقال له ظبيان
بن عمارة فقطع أنفه فهلك من ذلك، وأخذ آخر كان معه فقتل، وحمل الحسن عليه
السلام على سرير إلى المدائن، فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي وكان عامل
أمير المؤمنين عليه السلام بها فأقره الحسن عليه السلام على ذلك، واشتغل
الحسن عليه السلام بنفسه يعالج جرحه.
وكتب
جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السر واستحثوه
على السير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه عند دنوهم من
عسكره أو الفتك به، وبلغ الحسن عليه السلام ذلك وورد عليه كتاب قيس بن سعد
وكان قد أنفذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة، ليلقى معاوية
ويرده عن العراق، وجعله أميرا على الجماعة، وقال: إن أصبت فالأمير قيس ابن سعد.
فوصل
كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبونية، بإزاء
مسكن وأن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المصير إليه، وضمن
له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف ويعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى
الكوفة فانسل عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته وأصبح الناس قد
فقدوا أميرهم، فصلى بهم قيس بن سعد ونظر في أمورهم.
فازدادت
بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما
أظهروه له من السب والتكفير له، واستحلال دمه، ونهب أمواله، ولم يبق معه من
يأمن غوائله إلا خاصة من شيعة أبيه وشيعته، وهم جماعة لا يقوم لأجناد
الشام فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين
ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه، واشترط له على نفسه في إجابته إلى
صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به
الحسن وعلم باحتياله بذلك واغتياله، غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما
التمس منه من ترك الحرب، وإنفاذ الهدنة، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من
ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له، وما انطوى عليه كثير
منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه، وما كان من خذلان ابن عمه له،
ومصيره إلى عدوه، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة.
فتوثق
عليه السلام لنفسه من معاوية لتوكيد الحجة عليه، والإعذار فيما بينه وبينه
عند الله تعالى وعند كافة المسلمين، واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين
عليه السلام والعدول عن القنوت عليه في الصلوات وأن يؤمن شيعته ولا يتعرض
لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق حقه، وأجابه معاوية إلى ذلك كله، وعاهد
عليه وحلف له بالوفاء له.
فلما
استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتى نزل بالنخيلة، وكان ذلك اليوم يوم
الجمعة فصلى بالناس ضحى النهار فخطبهم وقال في خطبته: إني والله ما قاتلتكم
لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك، ولكني
قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإني كنت
منيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشئ منها له.
ثم
سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما فلما استتمت البيعة له من أهلها صعد
المنبر، فخطب الناس وذكر أمير المؤمنين عليه السلام ونال منه، ونال من
الحسن عليه السلام ما نال، وكان الحسن والحسين عليهما السلام حاضرين، فقام
الحسين عليه السلام ليرد عليه، فأخذ بيده الحسن عليه السلام فأجلسه، ثم قام
فقال: أيها الذاكر عليا أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي
فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله وجدك حرب، وجدتي خديجة
وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا وألأمنا حسبا، وشرنا قدما، وأقدمنا
كفرا ونفاقا، فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين آمين .
وخرج
الناس من الكوفة وعسكروا، ونشطوا للخروج، وخرج الحسن عليه السلام إلى
المعسكر واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث، وأمره باستحثاث
الناس على اللحوق إليه، وسار الحسن عليه السلام في عسكر عظيم حتى نزل دير
عبد الرحمان فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس.
ثم
دعا عبيد الله بن العباس فقال له: يا ابن عم إني باعث معك اثني عشر ألفا
من فرسان العرب، وقراء المصر، الرجل منهم يزيد الكتيبة، فسر بهم، وألن لهم
جانبك، وابسط لهم وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، فإنهم بقية ثقات
أمير المؤمنين عليه السلام وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى
تسير بمسكن، ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية، فان أنت لقيته فاحتبسه حتى
آتيك فاني على أثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين يعني قيس بن
سعد، وسعيد بن قيس، وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل
فقاتله، فان أصبت فقيس بن سعد على الناس فان أصيب فسعيد بن قيس على الناس.
فسار
عبيد الله حتى انتهى إلى شينور، حتى خرج إلى شاهي، ثم لزم الفرات والفلوجة
حتى أتى مسكن، وأخذ الحسن على حمام عمر، حتى أتى دير كعب ثم بكر فنزل
ساباط دون القنطرة.
فأما
معاوية فإنه وافى حتى نزل في قرية يقال له الحبونية وأقبل عبيد الله بن
العباس حتى نزل بإزائه فلما كان من غد وجه معاوية إلى عبيد الله أن الحسن
قد راسلني في الصلح، وهو مسلم الأمر إلي فان دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا
وإلا دخلت وأنت تابع، ولك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم، أعجل لك
في هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر.
فانسل
عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما وعده، وأصبح الناس،
ينتظرونه أن يخرج فيصلي بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه، فصلى
بهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فثبتهم، وذكر عبيد الله فنال منه ثم
أمرهم بالصبر والنهوض إلى العدو، فأجابوه بالطاعة، وقالوا له: انهض بنا إلى
عدونا على اسم الله، فنهض بهم.
وخرج
إليهم بسر بن أرطاة فصاحوا إلى أهل العراق: ويحكم هذا أميركم عندنا قد
بايع، وإمامكم الحسن قد صالح، فعلام تقتلون أنفسكم؟ فقال لهم قيس ابن سعد:
اختاروا إحدى اثنين إما القتال مع غير إمام، وإما أن تبايعوا بيعة ضلال،
قالوا: بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم.
وكتب
معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه ويمنيه، فكتب إليه قيس: لا والله لا تلقاني
أبدا إلا بيني وبينك الرمح، فكتب إليه معاوية لما يئس منه: أما بعد فإنك
يهودي ابن يهودي تشقي نفسك وتقتلها فيما ليس لك، فان ظهر أحب الفريقين إليك
نبذك وعزلك، وإن ظهر أبغضهما إليك نكل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوتر غير
قوسه، ورمى غير غرضه، فخذله قومه، وأدركه يومه، فمات بحوران طريدا غريبا
والسلام.
فكتب
إليه قيس بن سعد أما بعد فإنما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الاسلام كرها،
وأقمت فيه فرقا، وخرجت منه طوعا، ولم يجعل الله لك فيه نصيبا، لم يقدم
إسلامك، ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حربا لله ولرسوله، وحزبا من أحزاب
المشركين، وعدو الله ونبيه، والمؤمنين من عباده، وذكرت أبي فلعمري ما أو تر
إلا قوسه، ولا رمى إلا غرضه، فشغب عليه من لا يشق غباره، ولا يبلغ كعبه
وزعمت أني يهودي ابن يهودي، وقد علمت وعلم الناس أني وأبي أعداء الدين الذي
خرجت منه، وأنصار الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه، والسلام.
فلما
قرأ معاوية كتابه غاظه وأراد إجابته، فقال له عمرو: مهلا فإنك إن كاتبته
أجابك بأشد من هذا، وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس، فأمسك عنه وبعث
معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن عليه السلام للصلح
فدعواه إليه وزهداه في الأمر، وأعطياه ما شرط له معاوية، وأن لا يتبع أحد
بما مضى ولا ينال أحد من شيعة علي بمكروه، ولا يذكر علي إلا بخير وأشياء
اشترطها الحسن، فأجاب إلى ذلك، وانصرف قيس بن سعد فيمن معه إلى الكوفة.
ثم
قال: وروى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية
بالنخيلة الجمعة، فخطب ثم قال: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا
ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك، إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد
أعطاني الله ذلك، وأنتم كارهون.
قال: فكان عبد الرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول: هذا والله هو التهتك.
قال
أبو الفرج: ودخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة، بين يديه
خالد بن عرفطة، ومعه حبيب بن حمار، يحمل رايته، فلما صار بالكوفة دخل
المسجد من باب الفيل، واجتمع الناس إليه.
قال
أبو الفرج: فحدثني أبو عبد الله الصيرفي، وأحمد بن عبيد [الله] بن عمار عن
محمد بن علي بن خلف، عن محمد بن عمرو الرازي، عن مالك بن سعيد عن محمد بن
عبد الله الليثي، عن عطاء بن السائب، عن أبيه قال: بينما علي بن أبي طالب
عليه السلام على منبر الكوفة إذ دخل رجل فقال: يا أمير المؤمنين مات خالد
بن عرفطة فقال: لا والله ما مات ولا يموت حتى يدخل من باب المسجد وأشار إلى
باب الفيل ومعه راية ضلالة يحملها حبيب بن حمار، قال: فوثب إليه رجل فقال:
يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمار، وأنا لك شيعة، فقال: فإنه كما أقول
قال: فوالله لقد قدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن
حمار.
قال أبو الفراج: ومقال مالك بن سعيد: وحدثني الأعمش بهذا الحديث فقال:
حدثني صاحب هذه الدار وأشار إلى دار السائب أبي عطا أنه سمع عليا عليه السلام يقول هذا.
الأمور ومجريات الأحداث كانت تجري على خلاف المتوقع فقد فوجىء الإمام عليه السلام بالمواقف المتخاذلة والتي أهمها:
خيانة قائد الجيش عبيد الله بن العباس الذي التحق بمعاوية لقاء رشوة تلقاها منه.
خيانة
زعماء القبائل في الكوفة الذين أغدق عليهم معاوية الأموال الوفيرة فأعلنوا
له الولاء والطاعة وعاهدوه على تسليم الإمام الحسن له.
قوّة جيش العدو في مقابل ضعف معنويات جيش الإمام الذي كانت تستبد به المصالح المتضاربة.
محاولات الاغتيال التي تعرض لها الإمام عليه السلام في الكوفة.
الدعايات والإشاعات التي أخذت مأخذاً عظيماً في بلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي.
وأمام
هذا الواقع الممزّق وجد الإمام عليه السلام أن المصلحة العليا تقتضي
مصالحة معاوية حقناً للدماء وحفظاً لمصالح المسلمين. لأن اختيار الحرب لا
تعدو نتائجه عن أحد أمرين:
إمَّا قتل الإمام عليه السلام والثلّة المخلصة من أتباع علي عليه السلام .
وأما
حمله أسيراً ذليلاً إلى معاوية ، فعقد مع معاوية صلحاً وضع هو شروطه بغية
أن يحافظ على شيعة أبيه وترك المسلمين يكتشفون معاوية بأنفسهم ليتسنى
للحسين عليه السلام فيما بعد كشف الغطاء عن بني أمية وتقويض دعائم ملكهم.
صلح الامام الحسن عليه السلام مع معاوية وبنود الصلح الذي نقضه معاوية بعد ذلك والإمام يعلم بذلك:
يقول
السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي روى فريق من المؤرخين، فيهم الطبري
وابن الاثير: «أن معاوية أرسل الى الحسن صحيفة بيضاء مختوماً على أسفلها
بختمه»، وكتب اليه: «أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت، فهو
لك » (الطبري (ج 6 ص 93) وابن الاثير (ج 3 ص 162)).
ثم
بتروا الحديث، فلم يذكروا بعد ذلك، ماذا كتب الحسن على صحيفة معاوية.
وتتبعنا المصادر التي يُسّر لنا الوقوف عليها، فلم نر فيما عرضته من شروط
الحسن عليه السلام، الا النتف الشوارد التي يعترف رواتها بأنها جزء من كل.
وسجّل مصدر واحد صورة ذات بدء وختام، فرض أنها [النص الكامل لمعاهدة
الصلح]، ولكنها جاءت - في كثير من موادّها منقوضة بروايات أخرى تفضلها
سنداً، وتزيدها عدداً.
من
الأصح الأهم، مما حملته الروايات الكثيرة عن هذه المعاهدة، فوضعنا الصورة
في مواد، وأضفنا كل فقرة من الفقرات الى المادة التي تناسبها، لتكون مع
هذه العناية في الاختيار والتسجيل أقرب الى واقعها الذي وقعت عليه ، صورة
المعاهدة التي وأمة تسويتها :
المادة الأولى: تسليم الامر الى معاوية، على أن يعمل بكتاب اللّه وبسنة رسوله صلى اللّه عليه وآله، وبسيرة الخلفاء الصالحين .
المادة الثانية: أن يكون الامر للحسن من بعده ، فان حدث به حدث فلأخيه الحسين ، وليس لمعاوية أن يعهد به الى احد .
المادة الثالثة: أن يترك سبَّ أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة ، وأن لا يذكر علياً الا بخير.
المادة الرابعة: استثناء ما في بيت المال الكوفة، وهو خمسة آلاف الف فلا يشمله تسليم الامر.
المادة
الخامسة: « على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه، في شامهم وعراقهم
وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمّنَ الاسود والاحمر، وان يحتمل معاوية ما يكون من
هفواتهم، وأن لا يتبع احداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة .
«وعلى
أمان أصحاب عليّ حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأن
اصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وان لا
يتعقب عليهم شيئاً، ولا يتعرض لاحد منهم بسوء، ويوصل الى كل ذي حق حقه،
وعلى ما أصاب اصحاب عليّ حيث كانوا ».
«وعلى
أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول
اللّه، غائلةً، سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم، في أفق من الآفاق ».
وكان ذلك في النصف من جمادى الاولى سنة 41 - على أصح الروايات -.
ويقول السيد عبد الحسين شرف الدين في تحليله لبنود الصلح :
فلم
يهدف معاوية في صلحه مع الحسن عليه السلام ، الا الأستيلاء على الملك، ولم
يرض الحسن بتسليم الملك لمعاوية الا ليصون مبادئه من الانقراض، وليحفظ
شيعته من الابادة، وليتأكد السبيل الى استرجاع الحق المغصوب يوم موت معاوية
..
ويظهر من قول الامام الحسن عليه السلام وقول معاوية هذه النتيجة التي وصل إليها السيد عبد الحسين شرف الدين .
ما قاله الإمام الحسن عليه السلام لشيعته :
ما تدرون ما فعلت واللّه للذي فعلت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس .
وما قاله مرة أخرى لبشير الهمداني وهو احد رؤساء شيعته في الكوفة: « ما أردت بمصالحتي الا ان أدفع عنكم القتل » .
وما
قاله في خطابه : بعد الصلح : أيها الناس إن اللّه هداكم بأوّلنا، وحقن
دماءكم بآخرنا، وقد سالمت معاوية، وان أدري لعله فتنة ومتاع الى حين
ويكفينا ما قاله معاوية بعد الصلح، فيما يمتّ الى معاهدته مع الحسن عليه السلام
ما قاله معاوية بعد الصلح : قوله فيما يرويه عنه كثير منهم ابن كثير: « رضينا بها ملكاً » .. (تاريخ ابن كثير (ج 6 ص 220).)
وقوله
في خطبته بعد الصلح بالنخيلة : ( إِنِّي وَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُكُمْ
لِتُصَلُّوا وَ لَا لِتَصُومُوا وَ لَا لِتَحِجُّوا وَ لَا لِتُزَكُّوا،
إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَ لَكِنِّي قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ
عَلَيْكُمْ، وَ قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَ أَنْتُمْ لَهُ
كَارِهُونَ، أَلَا وَ إِنِّي كُنْتُ مَنَّيْتُ الْحَسَنَ وَ أَعْطَيْتُهُ
أَشْيَاءَ وَ جَمِيعُهَا تَحْتَ قَدَمَيَّ لَا أَفِي بِشَيْءٍ مِنْهَا
لَه ) . ( بحار الأنوار : 44 / 48 )
فنال الإمام ما أراد ومهد الأجواء والمكان لثورة الإمام الحسين عليه السلام بهذا الصلح
يقول
الشيخ صالح الكرباسي : كان الصلح الحسني ممهدا للنهضة الحسينية .. لقد نجح
الإمام الحسن ( عليه السلام ) في تحقيق أهداف الصلح، فبعد مضي أيام على
توقيع معاهدة الصلح أسقط معاوية القناع عن وجهه فبدأ يعترف بنواياه و يقول:
إِنِّي وَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا وَ لَا لِتَصُومُوا وَ
لَا لِتَحِجُّوا وَ لَا لِتُزَكُّوا، إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَ
لَكِنِّي قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، وَ قَدْ أَعْطَانِي
اللَّهُ ذَلِكَ وَ أَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَلَا وَ إِنِّي كُنْتُ
مَنَّيْتُ الْحَسَنَ وَ أَعْطَيْتُهُ أَشْيَاءَ وَ جَمِيعُهَا تَحْتَ
قَدَمَيَّ لَا أَفِي بِشَيْءٍ مِنْهَا لَه .( بحار الأنوار : 44 / 48 )
وهكذا مكَّن الإمام الحسن ( عليه السلام ) المسلمينَ من إكتشاف حقائق مهمة و الحصول على تجربة سياسية عظيمة مهدت لتجربة أخرى أكبر.
لذا
فان هناك فرقاً كبيراً جداً بين المواجهتين، أي مواجهة الإمام الحسن عليه
السلام لمعاوية، و مواجهة الإمام الحسين عليه السلام ليزيد بن معاوية،
حيث لم تكن الأمور ملتبسة على الناس أيام حكومة يزيد كما كانت ملتبسة أيام
حكومة معاوية.
من الاشكاليات والاعتراضات التي قام بها البعض إتجاه الإمام الحسن عليه السلام في زمانه إلى يومنا هذا منها .
صلحه
مع معاوية : قول بأن الامام الحسن عليه السلام إمام سلام وسلم وإمام تسامح
مع معاوية وغيره ، عكس أخيه الامام الحسين عليه السلام وكان من المفترض أن
يكون كالحسين عليه السلام.
كلام عاري عن الصحة ، متجاهلين قول النبي الأعظم صل الله عليه واله في (الحسن والحسين عليهما السلام إمامان إن قاما وإن قعدا) .
إن قعد الامام الحسن عليه السلام عن الجهاد فهو أمرٌ من الله وهو إمام وأمره وفعله حجة ،
وإن ثار الامام الحسين عليه السلام بالسيف وأعلن الثورة ضد يزيد وغيره فهو أمرٌ من الله وهو إمام وأمره وفعله حجة.
لو
كان الامام الحسين عليه السلام لقعد عن الجهاد ضد معاوية وغيره ، ولو كان
الامام الحسن عليه السلام مكان الامام الحسين عليه السلام لثار على يزيد
لعنه الله وأعلن الثورة ، كلهم سواء يأتمرون بأمر الله ورسوله وأمير
المؤمنين صل الله عليهم أجمعين.
أمر أهل البيت عليهم السلام و فعلهم صعب مستصعب :
دون ابن الشريفة الواسطي في كتابه
(
اللبات ) أن مِيثم التمّار قال: بينما أنا في السوق إذ أتى أصبَغُ بن
نُباتة فقال: وَيحَك يا مِيثم! لقد سمعتُ من أمير المؤمنين عليه السّلام
حديثاً صعباً شديداً، قلت: ما هو ؟ قال: سمعته يقول: إنّ حديث أهل البيت
صعبٌ مُستَصعَب، لا يحتمله إلاّ مَلَكٌ مقرَّب أو نبيٌّ مُرسل أو عبدٌ مؤمن
امتحن الله قلبه للإيمان.
قال
ميثم: فقمتُ من فورتي فأتيتُ عليّاً عليه السّلام فقلت: يا أميرَ
المؤمنين، حديثٌ أخبرني به أصبَغُ قد ضِقتُ به ذَرعاً، فقال عليه السّلام:
ما هو ؟ فأخبرته به، فتبسّم ثمّ قال: اجلِسْ ما ميثم، أوَ كلُّ علمٍ يحتمله
عالِم ؟! إنّ الله تعالى قال للملائكة: إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا
أتجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدِّماءَ ونحن نُسبِّحُ بِحمدِكَ
ونُقدِّسُ لك ؟! قال إنّي أعلَمُ ما لا تعلمون ، فهل رأيتَ الملائكة
احتملوا العلم ؟!... وأمّا النبيّون، فإنّ نبيّنا صلّى الله عليه وآله أخذ
يومَ غديرِ خُمٍّ بيدي فقال: اللّهمّ مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه »، فهل
رأيتَ احتملوا ذلك إلاّ مَن عصم اللهُ منهم ؟
فأبشِروا،
ثمّ أبشِروا؛ فإنّ الله قد خصّكم بما لم يخصّ به الملائكة والنبيّين
والمرسلين فيما احتملتم ذلك في أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وعلمه،
فحدِّثوا عن فضلنا ولا حَرَج، وعن عظيم أمرنا ولا إثم. قال: قال رسول الله
صلّى الله عليه وآله: أُمِرنا معاشرَ الأنبياء أن نخاطب الناسَ على قَدْر
عقولهم .
البعض لم يستوعب فعل الامام الحسن عليه السلام في صلحه مع معاوية فلذلك أعترض عليه .
ومن
تلك المواقف : قيل كان الإمام الحسن عليه السلام جالسا مع جماعة أمام
منزله، فمر عليهم سفيان بن ليلى، وقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين.
فقال عليه السلام : عليك السلام يا سفيان!
فنزل عن مركبه وترجل، وربط بعيره، وجلس.
فقال: له الإمام عليه السلام : ما الذي قلت يا سفيان؟.
قال: قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين.
قال عليه السلام: ما هذا الكلام الذي جرى على لسانك ؟!
قال:
فداك أبي وأمي، والله لقد أصبحنا أذلاء يوم صالحت هذا الظالم، وجعلت أمور
الناس بيد ابن هند آكلة الأكباد، مع انه لك مائة ألف من الرجال شاهرين
سيوفهم، وما يقتلون إلا قبل أن تقتل، ويجمع الله لك أمر الناس.
فقال
عليه السلام : يا سفيان! نحن أهل بيت متى تبين لنا الحق نعمل به، سمعت من
أبي علي عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول:
لا تنقضي الأيام والليالي حتى يكون أمر هذه الأمة في يد رجل عظيم البطن
واسع البلعوم يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه نظر رحمة، ولا يموت حتى لا
يرضى به أحد من أهل السماء، ولا يريده أهل الأرض، وهذا هو معاوية، وأنا
أعلم أن الله تعالى عمل بإرادته .
قراءة جديدة في معاهدة صلح الإمام الحسن عليه السلام :
️قال
العلامة المحق السيد سامي البدري صاحب هذه الرؤية إن قضية صلح الامام
الحسن مع معاوية تعد - كما تصورها لنا المصادر التاريخية الاولى من اخطر
القضايا وأشدها تشويشا في تاريخ اهل البيت من جهة، وفي تاريخ العراق
الاسلامي المبكر من جهة اخرى، وذلك لان القراءة الاولية للمصادر التاريخية
الاسلامية حول الموضوع تفرض على القارئ ان يخرج بانطباعين سلبيين هما :
الاول
: الانطباع السلبي الشديد عن العراقيين الاوائل الذين عاصروا الأئمة عليا
والحسن والحسين عليهم السلام في الكوفة خاصة، وهو الانطباع السائد لدى كل
من درس الموضوع او كتب فيه، وهو : كونهم متفرقين متخاذلين طالما تمنى علياً
فراقهم غير قادرين على النهوض بدولة مستقلة بهم نظير ما صنعه الشاميون مع
معاوية، بل كان بعض العراقيين كما بعض الروايات يفكر بتسليم الحسن حيا الى
معاوية!!!، ولذلك اضطر الحسن الى تسليم الأمر لمعاوية!! وهذا الانطباع
يستوى فيه القارئ المسلم بغض النظر عن مذهبه .
الثاني
: الانطباع السلبي عن شخصية الإمام الحسن عليه السلام لدى القارئ الذي لا
تربطه معه رابطة الاعتقاد بإمامته وعصمته ولا رابطة الاعتقاد بوجوب محبته
واحترامه لانه من اهل البيت، كالمستشرقين الذين كادوا يجمعون على كون
الإمام الحسن عليه السلام شخصية غير جديرة بان تكون ابنا لعلي!!! وانه باع
الخلافة بدراهم من اجل شهواته!!! .
اما
القارئ المؤمن بعصمة الامام الحسن عليه السلام فلم يؤثر عليه ذلك الركام
الهائل من الروايات الطاعنة في شخصيته لإيمانه المسبق ان الحسن منزه عن ذلك
وان تلك الروايات لا بد ان تكون موضوعة من قبل اعدائه لتشويه صورته .
ويعد
كتاب صلح الحسن للباحث المحقق الشيخ راضي ال ياسين رحمه الله الذي صدرت
الطبعة الاولى منه سنة 1372هـ - 1952م افضل واشهر كتاب معاصر في الموضوع،
وقدم له في وقته الحجة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله صاحب
التآليف القيمة بكلمة تصدرت الكتاب زادت في قيمته واهميته، و من ثم سادت
الرؤية التي قدمها الكتاب في النقد و التحليل واخذ بها كل من جاء بعده من
الباحثين الشيعة .
ولما
كنا في دراستنا عن الموضوع خرجنا برؤية مخالفة للرؤية السائدة، مع كشف
اسرار جديدة للصلح وأَلَقٍ كبيرٍ في شخصية الإمام الحسن صاحب القضية التي
نهض بها ونظَّر لها وتوضيحها :
إذ تبين الرؤية الجديدة لنا ان الإمام الحسن كان أمامه أحد خيارين :
الاول
: قبول اطروحة الصلح بالصيغة التي قدمها معاوية وهو ان يبقى الإمام الحسن
على حكم النصف الشرقي للبلاد الاسلامية، وان يبقى معاوية على حكم النصف
الغربي من البلاد الاسلامية، وهو الذي كان يطمح اليه معاوية ويرغب فيه وقد
عرضه على الإمام علي ايام حكمه .
الثاني
: رفض الصلح واللجوء الى الحرب، ولم يكن جيش الإمام الحسن قاصرا عن خوض
معركة كالتي خاضها زمن الإمام علي، بل كان الجيش قد تعمقت بصيرته بالإمام
علي واجتمعت كلمته عليه بعد حرب النهروان خاصة .
أعرض الإمام الحسن عن الخيار الاول لأنه يؤدي الى تكريس الانشقاق في الامة مع تكريس ثقافة العداء للإمام علي في الشام .
أعرض
عن الخيار الثاني لتقديره انَّ الحرب لم تعد بعد تعقيد الحالة، هي الاسلوب
الصحيح للعلاج، مضافا الى ان رفع شعار السلم يقتضي الاستجابة له .
وهكذا
فاجئ الإمام الحسن خصمه معاوية بخيار جديد لم يدُر في خَلَدِه، وهو أن
يسلم أمر العراق إلى معاوية لتكون الأمة موحدة بحاكم واحد هو معاوية، ولكن
وهذا هو المهم يكتب مواد دستور الدولة الإمام الحسن ليتضمن شروطا أولها ان
يسير معاوية بالقرآن والسنة النبوية الصحيحة وأن يتنازل عن سيرة الشيخين
كمادة أساسية في الدستور وان يكون الأمر للإمام الحسن بعد موت معاوية، وان
حدث للإمام الحسن حدث فالأمر للإمام الحسين، وأن ليس لمعاوية ان يعهد إلى
أحدٍ من بعده، الى آخر شروطه عليه السلام، ووضع وثيقة تنازله المؤقت عن
السلطة بتلك الشروط.
لقد استمد الإمام الحسن روح هذه الأطروحة الذكية من صلح الحديبية وحقق بها فتحا مبينا بكل معنى الكلمة.
نتائج هذا الفتح : وقد تمثل هذا الفتح المبين كما تصوره الرؤية الجديدة لصلح الإمام الحسن بما يلي من النتائج الإيجابية:
فضح معاوية أمام الشاميين بانه كان يطلب الملك بكل وسيلة .
اتضاح حقيقة الإمام علي وولده الإمام الحسن بانهما ائمة هداية منصوص عليهم وليسا طلاب ملك .
توحيد
شقي البلاد الاسلامية واختلاط العراقيين مع الشاميين، الذين اخذوا ينظرون
اليهم والى قائدهم الإمام الحسن نظرة محبة واعجاب بهم وإكبار لهم، يستمعون
إليهم، يروون لهم بتفاعل مدهش ثقافة الولاء للإمام علي التي تؤسسها احاديث
النبي وسيرة الإمام علي المشرقة .
ارجاع هيبة الامة في قلوب اعدائها -الروم الشرقيين على الجبهة الشمالية الشرقية.
واخيرا
تخليص الكوفة عاصمة مشروع النهضة الاحيائية للإمام علي ومركز رجالاتها من
إرهاب داخلي كان على ابوابها، قام به الخوارج التكفيريين، وقد نفذوه اولاً
بالإمام علي.
وساد
الأمان في الامة كلها عشر سنوات بعد توقيع وثيقة الصلح وبرز الإمام الحسن
مرجعاً دينياً لمن كان ياخذ عنه معالم دينه، وعرف الشاميون وغيرهم، من
عبادته وعلمه وحسن خلقه وكرمه واهتمامه بقضاء حوائج الناس ما ذكّرهم بابيه
وبجده النبي.
ثم
غدر معاوية بالإمام الحسن بعد عشر سنوات غدرا مبينا حين دس له السم ونقض
شروط الصلح ولاحق شيعة العراق بما هو معروف وواضح في كتب التاريخ .
ما السر إذن في وجود هذا الكم الهائل من الروايات الموضوعة ضد الشيعة والكوفة؟
يجيب العلامة المحقق السيد سامي البدري على ذلك بقوله :
يأتي
الجواب للغدر المبين الذي قام به معاوية خلال النصف الثاني من حكمه فقد
رأيناه يقلب ظهر المجن للإمام علي باللعن والبراءة بعد الترحم عليه وذكره
بخير، ويلاحق شيعته بالسجن والقتل والتهجير وبخاصة اهل الكوفة، واقترن ذلك
بسياسة ثقافية منظمة لتربية النشئ الجديد في الدولة الاسلامية شرقا وغربا
على لعن الإمام علي، قائمٍ على رؤية سلبية ازاءه مبنية على احاديث نبوية،
فمنعت من تداول احاديث النبي التي تدعو الى محبته وموالاته وطاعته، وشجعت
الناس الذين يرغبون في الدنيا في وضع احاديث مكذوبة على النبي تدعو الى
معاداة الإمام علي والبراءة منه، وبذلك تكوَّن ركام هائل من الاحاديث
الموضوعة ضد الإمام علي واهل بيته تداولها الناس ثمانين سنة وصارت دينا
يدان به .
وحين
ظهرت الدولة العباسية لم يسمح الوضع العام للدولة بتداول تلك الاحاديث
لكون قيادتها هاشمية و الإمام علي هو كبير بني هاشم بعد النبي، وكونها
تحركت اساسا تحت شعار مظلومية الإمام علي وولده الإمام الحسين شهيد كربلا
فدثر امرها تدريجيا ولم يبق منها الا طرف من قبيل (ان عليا لا يصلي!!، ان
عليا دخل حفرته وما قرا القرآن!!، ان عليا سرق والنبي قطع يده!!، ان قول
النبي ياعلي انت منى بمنزل هارون من موسى اشتباه من الرواة وانما بمنزلة
قارون موسى!!!) .
وقد
تكررت التجربة الاموية هذه في الدولة العباسية وذلك حين رأى العباسيون
انفسهم يواجهون خصمين كبيرين يقفان عقبة امام استمرار ملكهم وحفظ ولاء
الامة لهم، هذان الخصمان هما :
️الخصم الاول الحسنيون الثائرون الذين يملكون الشرعية في قبال بني العباس لأمرين:
الأول
كونهم ذرية المصلح الكبير الإمام الحسن صاحب الفتح المبين في انقاذ الامة
من سفك الدماء بطريقة بارعة تكشف عن جدارة خاصة بحكم الامة ورعايتها.
الثاني
كون العباسيين قد اعطوا بيعة مسبقة لزعيم الحسنين محمد بن عبد الله بن
الحسن في مؤتمر عام لبني هاشم وقد انتشر خبر هذا المؤتمر والبيعة في
المجتمع .
الخصم
الثاني مرجعية الامام الصادق التي تقوم على فكرة امامة علي واهل بيته
المعصومين بوصية من النبي، وهذه المرجعية آخذة بالتوسع والنمو ، ولأن
الكوفة قاعدة شعبية لكلا هذين الخصمين .
وفي
ضوء ذلك فليس للعباسيين الحاكمين الا ان يحذوا حذو الامويين لضمان استمرار
ملكهم بتحريف تاريخ خصومهم وهم الحسنيون، الكوفة، الشيعة، وقاموا بتحويل
حسناتهم وامتيازاتهم الى عار يلاحقهم ابد الدهر .
فبدأوا يروجون للترهات والأقوايل الكاذبة بحق الإمام الحسن من قبيل افتراءات:
هل
هناك عار في تاريخ الحسنيين كعار ابيهم الحسن؟!!! تبايعه الامة على الحكم
ثم يبيعه الى معاوية بدراهم يغدقها فيما بعد على محظياته يتزوج واحدة ويطلق
اخرى ؟!!! وهل ذرية مثل هذا الانسان جديرة بحكم الامة ؟!!!.
وبحق
الكوفة من قبيل افتراءات: هل هناك عار مثل عار الكوفة؟!! تدعو الإمام
الحسين لنصرته ثم تخذله ثم تقتله ثم تحمل رأسه ورؤوس اصحابه هدية الى
يزيد؟!! ثم ترفقها باسرة الإمام الحسين سبايا؟!! الامر الذي يرق له يزيد
وتدمع له عيناه(!!!!) ويلعن الكوفة واميرها ابن مرجانة ؟ ويقول انه لو كان
صاحبه أي الحسين ما صنع به هذا الصنيع!!!!.
وبحق
الشيعة من قبيل افتراءات: وهل هناك عار مثل عار الشيعة الذين استجابوا
ليهودي من اليمن اسلم على عهد عثمان ليتلقوا منه عقيدتهم بالامامة ؟!!(في
إشارة إلى الرجل الأسطورة عبدالله بن سبأ) .
ثم
عالجوا مرجعية الصادق بأمرين، الأول تبني مرجعية مالك بن انس وفرضها على
الناس، وتبني طلابه ليكونوا قضاة وخطباء، واشاعة الشك في مرويات الامام
الصادق بل تضعيفه كما روى ذلك بن سعد، قال جعفر بن محمد كثير الحديث
ويستضعف، وكما قال يحيى بن سعيد القطان مجالد احب الي منه وقال عنه الذهبي
وهذه زلقة من ابن القطان .مع ملاحقة اصحابه وسجن الامام من بعده ولده
الكاظم.
وفي
ضوء ذلك فان ظهور هذا الكم الهائل من الروايات الطاعنة في الامام الحسن
وفي الكوفة وفي الشيعة يكون طبيعيا وكما تفرضه طبيعة الاشياء ولا نحتاج معه
الى بحث اسانيد هذه الروايات الطاعنة مع وجود الروايات المادحة وذلك لان
هذا المبرر وحده كاف في اسقاطها جملة وتفصيلا . ومع ذلك فاننا لم نغفل بعض
الاسانيد لاجل تقديم نماذج مفيدة .
حال
الامام ما بعد الصلح : ثم إن مولانا الحسن عليه السلام بعد كل ما جرى عليه
من الخذلان ونقض معاوية بنود الصلح ، أقام في الكوفة أياماً ثم تجهز
الشخوص إلى المدينة فدخل عليه المسيب بن نجبه وظبيان بن عماره ودار بينهم
حديث فعرض له المسيب وظبيان بالرجوع عن المسير ، فقال ليس إلى ذلك من سبيل
.
فلما كان من الغد خرج عليه السلام بأهله واخوته وأولاده وجميع من يليه من أهل بيته وخرج سائرآ.
حتى
دخل المدينة فأقام فيها ملازمآ بيته كاظمآ غيظه مسلمآ لله أمره ، ثم توجه
إلى بيت الله الحرام وساق معه المحامل وحج بيت الله ماشياً لم يركب قط وقد
فعل ذلك عشرين حجة.
ثم إن معاوية لا زال بعد الاستقرار بالأمر يتجبر في ملكه ويفتك بشيعة علي ، ثم إنه استلحق بزياد وقتل حجر بن عدي.
شهادته
الأليمة عليه السلام : يقول الحسن البصري لما تم الامر لمعاوية عشر سنين
عزم أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده فنظر في نفسه فرأى أثقل الناس عليه مؤنة
الحسن بن علي عليه السلام وسعد بن أبي وقاص الزهري. أما الحسن فلن تعدل
الناس عنه إلى يزيد لأنه ابن بنت رسول الله صل الله عليه وآله ، وأما سعد
فإنه من الصحابة أحد الستة أصحاب الشورى فتوصل إلى هلاكهما بكل وجه حتى
يخلوا له الامر عن منازع ينازعه في ذلك ، فأرسل إلى سعد رجلاً فدس إليه
سماً فقتله .
كان
معاوية يرى أمر الإمام السبط عليه السلام حجر عثرة في سبيل أمنيته الخبيثة
بيعة يزيد، ويجد نفسه في خطر من ناحيتين: عهده إليه عليه السلام في الصلح
معه بأن لا يعهد إلى أحد من جانب، وجدارة أبي محمد الزكي ونداء الناس به من
ناحية أخرى، فنجى نفسه عن هذه الورطة بسم الإمام عليه السلام، ولما بلغه
نعيه غدا مستبشرا، وأظهر الفرح والسرور وسجد وسجد من كان معه.
ثم
عزم على هلاك الامام الحسن عليه السلام فأسل إلى الأشعث بن قيس وهو قبل
ذلك من حزب علي ولاه أذربيجان فاقتطع من فيئ المسلمين مالاً فهرب به إلى
معاوية وبقي عنده ، فاستشاره معوية في هلاك الامام الحسن عليه السلام فقال
له : الرأي عندي أن ترسل لأبنتي جعده فإنها تحت الحسن وتغطيها مالاً جزيلاً
وتعدها أن تزوجها من أبنك يزيد وتأمرها أن تسم الحسن.
فقال
معاوية نعم الرأي وليكن أنت الرسول إليها ، فقال لا بل يكون الرسول غيري
لأني إذا سرت إليها يستوحش الحسن من ذلك فربما فات المراد فاستدعى معاوية
رجلاً من بطانته وخاصته ودفع إليه مائة ألف درهم ، وكتب معه كتاباً إلى
الجعدة بنت الأشعث وأودعها بالعطاء الجزيل ، وأن يزوجها من أبنه يزيد إذا
قتلت الحسن.
فسار
الرجل ونزل في بعض بيوتات المدينة وأرسل إلى جعدة سرا ، فأتت إليه فدفع
لها المال والكتاب الذي من عند معاوية ، فسرت بذلك الملعونة سرورآ عظيما،
وكانت على رأي أبيها من بغض أمير المؤمنين عليه السلام وعلمت أن أباها هو
الذي أشارعلى معاوية بذلك ، فما زالت الملعونة تتربص به الغرة حتى كانت
ليلة من الليالي قدم إلى منزله وكان صائماً في يوم صائف شديد الحر فقدمت
إليه الطعام فيه لبن ممزوج بعسل ، قد ألقت فيه سماً، فلما شربه أحس بالسم
فالتفت إلى جعدة وقال لها : قتلتيني يا عدوة الله قتلك الله وأيم والله لا
تصيبين مني خلفآ فقد غرك وسخر بك فالله مخزيه ومخزيك.
ثمّ
إنّه عليه السلام لزم فراش المنية ، وألزم نفسه الصبر ، وسلّم لله الأمر ،
فاشتدّ الأمر عليه ، فقد اقيئ ثلثي كبده، فبقي طوال ليلته فأكبّ عليه
ولده عبد الله ، وقال له : يا أبت هل رأيت شيئاً فقد أغممتنا ؟
فقال
عليه السلام : " يا بني هي والله نفسي التي لم أصب بمثلها " ، ثمّ قال : "
افرشوا لي في صحن الدار ، وأخرجوني لعلّي أنظر في ملكوت السماوات ، ففرش
له في صحن الدار وأخرج فراشه ، فدخل عليه أخوه الإمام الحسين عليه السلام
فرآه متغيّراً وجهه ، مائلاً بدنه إلى الخضرة ، فقال له الحسين عليه السلام
بأبي أنت وأُمّي ما بك فقال له : إنّي قد سقيت السمّ مراراً ، فلم اسق
مثل هذه المرّة ، فقال : يا أخي من تتهم فقال : وماذا تريد منه فقال :
لأقتله ، فقال : إن يكن الذي أظنّه فالله أشدّ نقمة منك وأشدّ تنكيلاً ،
وإن لم يكن فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء .
ثمّ
إنّ الإمام الحسين عليه السلام بكى لما رأى من حال أخيه ، فقال له الحسن
عليه السلام : " أتبكي يا أبا عبد الله ، وأنا الذي يؤتى إليّ بالسمّ فأقضي
به ، ولكن لا يوم كيومك ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدّعون أنّهم من
أُمّة جدّك فيقتلونك، ويقتلون بنيك وذرّيتك ، ويسبون حريمك ، ويسيرون برأسك
هدية إلى أطراف البلاد ، فاصبر يا أبا عبد الله ، فأنت شهيد هذه الأُمّة ،
فعليك بتقوى الله ، والصبر والتسليم لأمره ، والتفويض له ، لتنال الأجر
الذي وعدنا به فقال له الإمام الحسين عليه السلام ستجدني إن شاء الله
صابراً راضياً مسلّماً له الأمر ، وأهون عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله ،
فقال له الإمام الحسن عليه السلام : وفّقت لكلّ خير يا أبا عبد الله .
ثمّ
إنّ الإمام الحسن عليه السلام لمّا تحقّق دنو أجله ، دعا بالحسين عليه
السلام ، ودفع إليه كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلاحه ، وكتب أمير
المؤمنين عليه السلام وسلاحه ، وأوصاه بجميع ما أوصى به أمير المؤمنين عليه
السلام ، ثمّ قال له : يا أخي إنّي مفارقك ولاحق بربّي عزّ وجلّ ، فإذا
قضيت نحبي ، فغمّضني ، وغسّلني ، وكفّني ، واحملني على سريري إلى قبر جدّي
رسول الله صلى الله عليه وآله ، لأجدّد به عهداً وميثاقاً ، ثمّ ردّني إلى
قبر جدّتي فاطمة بنت أسد ، وادفنّي هناك ، وستعلم يا ابن أُمّ أنّ القوم
يظنّون أنّكم تريدون دفني عند جدّي ، فيجدون في منعك ، فبالله أقسم عليك لا
تهرق في أمري ملء محجمة دماً .
ثمّ
أوصاه بجميع أهله وأولاده ، وما كان أوصى به أمير المؤمنين حين استخلفه
وأهله ، ودلّ شيعته على إمامة الحسين عليه السلام ، ونصّبه لهم علماً من
بعده ، ثمّ التفت إلى أولاده وأخوته ، وأمرهم باتباعه ، وأن لا يخالفوا له
أمراً.
ثمّ
إنّ الحسن عليه السلام قال : " أستودعكم الله ، والله خليفتي عليكم " ،
ثمّ إنّه غمّض عينيه ومدّ يديه ورجليه ، ثمّ قضى نحبه وهو يحمد الله ويقول :
لا إله إلاّ الله ، فضجّ الناس ضجّة عظيمة ، وصار كيوم مات رسول الله ،
وخرج أولاده وأخوته يبكون وينوحون ، وأمثل بنو هاشم رجالاً ونساءً يبكون
عليه ، ويدعون بالويل والثبور ، وعظائم الأُمور .
ثمّ
إنّ الإمام الحسين عليه السلام قام في تجهيز أخيه ، وأمر عبد الله بن
العباس ، وعبد الله بن جعفر أن يناولاه الماء ، فغسّله ، وحنّطه ،وكفّنه
،كما أمره ، وصلّى عليه في جملة أهل بيته وشيعته .
ضج
أهل بيته ومواليه بالبكاء والعويل كلٌ ينادي وا أماماه وا حسناه وحُمل
نعشه الشريف إلى مسجد جده النبي الأعظم ليدفنوه بجواره صل الله عليه وآله ،
وليجدِّدوا العهد معه، على ما كان قد وصّى به الإمام الحسين عليه السلام .
فجاء
مروان بن الحكم وبنو أُميّة شاهرين سلاحهم، ومعهم عائشة بنت أبي بكر وهي
على بغل، إلى الموكب الحافل بالمهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر المؤمنين
في المدينة.
فقال
مروان: يا رُبّ هيجاء هي خير من دعة! أيُدفن عثمان بالبقيع، ويُدفن حسن في
بيت النبي! والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف .
وقالت عائشة: والله، لا يدخل داري من أكره ، أو قالت: مالي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب .
وبذلك قال الشاعر:
منعته عن حرم النبي ضلالة
وهو ابنه فلأيّ أمر يُمنع
فكأنّه روح النبي وقد رأت
بالبعد بينهما العلائق تقطع .
ولقد
تحمل وصبر مولانا الحسين (ع) على ما فعله بنوا أمية بجثمان أخيه وهم
يسيرون متذكرآ وصيته له قبل شهادته بأن لّا يُراق في تشييعه ملء محجمةِ
دمٍ، ولولم يوصي لَمَا ترك الحسين عليه السلام و بنو هاشم لبني أُميّة في
ذلك اليوم كياناً. فناداهم الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: «الله الله
لا تضيِّعوا وصية أخي، واعدلوا به إلى البقيع، فإنّه أقسم عليّ إن أنا
مُنعت من دفنه مع جدِّه أن لا أُخاصم فيه أحداً، وأن أُدفنه في البقيع مع
أُمِّه .
ولما عدلوا به كانت سهام بني أُميّة قد تواترت على جثمانه عليه السلام ، وأخذت سبعين سهماً مأخذها منه.
ولما
دُفن مولانا الحسن عليه السلام جلس مولانا الحسين عليه السلام على شفير
قبر أخيه وهو باكي العين قد علا صوته بالنحيب وهو يقول مانُسب إليه نقلته
من البحار:
أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي
ورأسك معفور وأنت سليب
أو استمتع الدنيا لشيءٍ أُحبّه
ألا كلّ ما أدنى إليك حبيب
فلا زلت أبكي ما تغنت حمامة
عليك وما هبّت صبا وجنوب
وما هملت عيني من الدمع قطرة
وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب
بكائي طويل والدموع غزيرة
وأنت بعيد والمزار قريب
غريب وأطراف البيوت تحوطه
ألا كلّ من تحت التراب غريب
ولا يفرح الباقي خلاف الذي مضى
وكلّ فتى للموت فيه نصيب
فليس حريب من أُصيب بماله
ولكن من وارى أخاه حريب
نسيبك من أمسى يناجيك طرفه
وليس لمن تحت التراب نسيب
قال
ابن قتيبة: لما مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه، كتب عامل المدينة إلى
معاوية يخبره بشكاية الحسن، فكتب إليه معاوية: إن استطعت أن لا يمضي يوم
بي يمر إلا يأتيني فيه خبره فأفعل. فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي فكتب
إليه بذلك، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه،
فبلغ ذلك عبد الله ابن عباس وكان بالشام يومئذ فدخل على معاوية فلما جلس
قال معاوية: يا ابن عباس هلك الحسن بن علي؟ فقال ابن عباس: نعم هلك، إنا
لله وإنا إليه راجعون.
ترجيعا
مكررا، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله ما سد
جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أصبنا
به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم فجبر
الله مصيبته، وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة. ثم شهق ابن عباس وبكى.
إمام غريب في حياته وبعد مماته ليومنا هذا من النواصب ومن بعض محبيه ومواليه :
أولا : لاقى الامام الحسن عليه السلام الامرين من ظلم وأضطهاد وقتله
بالسم وتخوينه وغدره وخيانته وعند تشييعه يمنع من الدفن بجوار جده ورشق
نعشه بسبعين نبله حتى نشب بعضها في جسده إم لم تكن كلها وبعد سنون طويلة
هدم قبته بالبقيع على يد الوهابية ومنع محبيه ومواليه وشيعته من زيارته
ولثم قبره وترابه الطاهر و منع النعي والبكاء والرثاء واللطم وقراءة
الزيارة عنده ، من يدخل الموالي إلى البقيع وينظر إلى قبور أئمته تخنقه
العبرة ويخرج بغصته .
ثانيآ:
ما يقدم من موائد بأسمه ما شاء الله كثير شيئ جيد و لكن لوحظ من سنوات
غابرة ليومنا هذا التقصير في احياء ذكرى شهادته و ضعف التفاعل النفسي من
ناحية الجزع والبكاء والعويل و التجلبب بالسواد وحضور المجالس والمواكب ،
شيئ محزن و مؤسف نتصور نظر الامام لنا ماذا نفعل ماذا عسانا أن نقول ،
لماذا لا يقوم الاعلام الشيعي بدوره بتعظيم هذه المناسبة الأليمة بأكبر
مستوى ، لماذا لا تقوم إدارات مآتمنا بإقامة مجالس بمسمى العشرة أو المجالس
الحسنية و إستضافة عشرة خطباء وعشرة رواديد وإقامة العزاء بكل هيبة وسكينة
وروحانية ، فهذا حالنا بكل سنة ألاحظ ذلك و أتألم لذلك ولكن ليس باليد
حيلة.
التعتيم
على سبب شهادته عليه السلام : لم يقنع رواة الخلافة ومحبو معاوية بشهادة
الإمام الحسن عليه السلام نفسه وإجماع الأئمة من أهل البيت عليهم السلام
وشيعتهم ، وشهادة العديد من المؤرخين والمحدثين ، بأن سُمَّ جُعدة للإمام
الحسن عليه السلام كان بأمر معاوية ، فقاموا بأعمال متعددة لتغطية الجريمة
وتضييع الحقيقة وكانت مهمتهم صعبة لأنه انتشر في الناس أن الإمام عليه
السلام سُقِيَ السم مراراً وبقي آخر مرة يعاني منه مدة طويلة ! ومن الواضح
أن المستفيد من قتله معاوية ليجعل الخلافة لابنه يزيد ، وينقض عهده
ومواثيقه للإمام الحسن عليه السلام أن يكون الخليفة بعده ! وهذه خلاصة
الآراء في القضية:
الإتجاه
الأول ، إجماع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم على أن معاوية قتله بواسطة
جعدة بنت الأشعث ! ووافقهم عدد مهم من الرواة والمحدثين السنيين كما يأتي.
️ففي
الكافي:8/167، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن الأشعث بن قيس شرك في
دم أمير المؤمنين عليه السلام وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام ومحمد
ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام .
️وفي
الكافي:1/462 ، عنه عليه السلام قال: إن جعدة بنت أشعث بن قيس الكندي سمت
الحسن بن علي وسمت مولاة له ، فأما مولاته فقاءت السم وأما الحسن فاستمسك
في بطنه ثم انتفط(التنفُّط حالة كالجدري) به فمات .
️وفي كمال الدين للصدوق/546: (مات الحسن عليه السلام مسموماً ، سمته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي لعنها الله ، دسّاً من معاوية) .
️وفي
الإرشاد للمفيد رحمه الله :2/7: (من الأخبار التي جاءت بسبب وفاة الحسن
عليه السلام وما ذكرناه من سم معاوية له ، وقصة دفنه وما جرى من الخوض في
ذلك والخطاب: ما رواه عيسى بن مهران قال: حدثنا عبيدالله بن الصباح قال:
حدثنا جرير ، عن مغيرة قال: أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس: أني
مزوجك يزيد ابني على أن تَسُمِّي الحسن وبعث إليها مائةألف درهم ، ففعلت
وسمت الحسن عليه السلام فسوغها المال ولم يزوجها من يزيد ، فخلف عليها رجل
من آل طلحة فأولدها ، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم
وقالوا: يا بني مُسِمَّةِ الأزواج ) .
(ونحوه
في المناقب والمثالب للقاضي النعمان/231 ، و مناقب آل أبي طالب:3/202،
,وشرح الأخبار:3/123، وفيه: فحملها ما كان بينها وبين الحسن عليه السلام
وما تخوفت من طلاقه إياها ، وما عجله لها معاوية وما وعدها به ، على أن
سقته ذلك السم فأقام أربعين يوماً في علة شديدة). (ونحوه في
الإحتجاج:2/12ودلائل الإمامة/160 )
️الإتجاه
الثاني، تشجَّعَ بعض محدثيهم ومؤرخيهم فوافقوا أهل البيت عليهم السلام
وشيعتهم ، ورووا عن ثقاتهم أن الجريمة ثابتة في رقبة معاوية:
كالزمخشري
في ربيع الأبرار/907 ، قال: (جعل معاوية لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن
مائة ألف حتى سمته ومكث شهرين وإنه ليرفع من تحته كذا طستاً من دم . وكان
يقول: سقيت السم مراراً ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة لقد لفظت
كبدي فجعلت أقلبها بعود كان كان في يدي).(والغدير:11/11)
️وقال
أبو الحسن المدائني: (كانت وفاته في سنة49 هـ وكان مريضاً أربعين يوماً ،
وكان سنه سبعاً وأربعين سنة ، دس إليه معاوية سماً على يد جعدة بنت الأشعث
زوجة الحسن وقال لها: إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف وأزوجك يزيد ابني .
فلما مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد وقال: أخشى أن تصنعي بابني ما
صنعت بابن رسول الله ). (شرح النهج:16/11) .
️وقال
الشعبي: ( إنما دس إليها معاوية فقال: سُمِّي الحسن وأزوجك يزيداً وأعطيك
مائة ألف درهم ، فلما مات الحسن بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد فبعث
إليها بالمال وقال: إني أحب يزيد وأرجو حياته ، ولولا ذلك لزوجتك إياه !
️وقال
الشعبي: ومصداق هذا القول: أن الحسن كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع
معاوية: لقد عملتْ شربتُه وبلغتْ أمنيته ، والله لا يفي بما وعد ، ولا يصدق
فيما يقول) . (الغدير:11/10 ، عن تذكرة ابن الجوزي . والانتصار
للمؤلف:8/33).
️وقال
السدي: ( دس إليها يزيد بن معاوية أن سمي الحسن وأتزوجك . فسمته فلما مات
أرسلت إلى يزيد تسئله الوفاء بالوعد فقال: أنا والله ما أرضاك للحسن ،
أفنرضاك لأنفسنا ؟)(الغدير:11/10، عن تذكرة ابن الجوزي/121)
️طائفة
من العلماء ، ذكرهم في الإستيعاب:1/141، وفي طبعة:1/ 389: (قال قتادة ،
وأبو بكر بن حفص: سُمَّ الحسن بن علي ، سمته امرأته بنت الأشعث بن قيس
الكندي . وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في
ذلك وكان لها ضرائر . فالله أعلم). انتهى. ولم يعيِّن من هم أولئك الطائفة !
️ابن
الأعثم في كتاب الفتوح:4/318، قال: (وأرسل مروان بن الحكم إلى المدينة
وأعطاه منديلاً مسموماً وأمره بأن يوصله إلى زوجة الحسن جعدة بنت الأشعث بن
قيس بما استطاع من الحيل).
️وفي
مقاتل الطالبيين/31: (ودس معاوية إليه حين أراد أن يعهد إلى يزيد بعده
وإلى سعد بن أبي وقاص ، سُمَّاً فماتا منه في أيام متقاربة ! وكان الذي
تولى ذلك من الحسن عليه السلام زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس لمال بذله لها
معاوية) .
️وهم
يَعُدُّون أبا الفرج الأموي النسب شيعياً ، ولكنه شيعي بالمعنى الأعم
الطبري في تاريخه ، وابن سعد في طبقاته ، وابن الجوزي في المنتظم ! فقد
نقل ذلك عنهم بعض علماء السنة ، ولكن طبعاتها الموجودة خالية منه !
️اعترف
به ابن تيمية لكنه برر فعل معاوية فقال: ( فمعاوية حين أمر بسم الحسن فهو
من باب قتال بعضهم بعضاً) .(منهاج السنة:2/225) وابن تيمية يعترف بذلك وهو
يعلم: أن معاوية قتله بعد الصلح ، وبعد العهود والأيمان والمواثيق ، وشهادة
الضامنين لوفائه بالشروط ، وأن يكون الحسن الخليفة بعده ، وأن لايبغي له
ولا لأخيه الحسن غائلة !
️الحافظ ابن عقيل في النصائح الكافية لمحمد بن عقيل/86 ، ونقله عن ابن عبد البر.
️وكان
الحصين بن المنذر الرقاشي رئيس ربيعة قبائل يقول: ( والله ما وفى معاوية
للحسن بشئ مما أعطاه ، قتل حجراً وأصحاب حجر وبايع لابنه يزيد وسم الحسن) .
(شرح ابن أبي الحديد:16/17 ) .
️والمسعودي
في مروج الذهب/659 ، قال: (ذكر الذي سمه وذكر أن امرأته جعدة بنت الأشعث
بن قيس الكندي سقته السم ، وقد كان معاوية دس إليها إنك إن احتلت في قتل
الحسن وجهت إليك بمائة ألف درهم ، وزوجتك من يزيد ، فكان ذلك الذي بعثها
على سمه ، فلما مات وفى لها معاوية بالمال ، وأرسل إليها: إنا نحب حياة
يزيد ، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه ).
️وقال
الهيثم بن عدي: دس معاوية إلى ابنة سهيل بن عمرة امرأة الحسن مائة ألف
دينار على أن تسقيه شربة بعث بها إليها ، ففعلت).(أنساب الأشراف/747)
️ويجد
المتتبع شهادات أخرى لعلمائهم ، فقد قال ابن حجر في الصواعق:2/413:
(وبموته مسموماً شهيداً جزم غير واحد من المتقدمين ، كقتادة وأبي بكر بن
حفص ، والمتأخرين كالزين العراقي في مقدمة شرح التقريب) .
قُتل(ع) مسموماً على يد زوجته جُعدة بنت الأشعث الكندي بأمر من معاوية بن أبي سفيان.( لعنه الله)
️ذكر
المفيد(قدس سره) «وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف
درهم، فسقته السم »فبقي بأبي هو وأمي على فراشه أربعين يومآ يعاني حرارة
السموم حتى تقيآ كبده قطعةً بعد قطعة ، ففعلت وسمّت الإمام الحسن(ع)
فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد.
فضل زيارة الإمام الحسن عليه السلام :
جاء
في كامل الزيارات لإبن قولويه القمي : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله
قال : يا عليُّ من زارني في حياتي أو بعد مَوتي ؛ أو زارَك في حياتك أو
بعد موتك ؛ أو زار ابنَيك في حَياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة
أن اُخلّصه من أهوالها وشدائدها حتّى اُصيّره معي في درجتي .
جاء
في مستدك سفينة البحار أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : من زاره
يعني الامام الحسن عليه السلام في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه
الأقدام .
جاء
في تهذيب الأحكام أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : بينا الحسن عليه
السلام في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ رفع رأسه فقال : يا
أبه ما لمن زارك بعد موتك ؟ قال : يا بني من زارني بعد موتي فله الجنة .
ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنة . ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله
الجنة . ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة .
جاء
في الفصول المختارة أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : للحسن عليه
السلام في حديث : تزورك طائفة من امتي يريدون به بري وصلتي ، فإذا كان يوم
القيامة زرتها في الموقف وأخذت بأعضادها فأنجيتها من أهواله وشدائده
قال الامام الباقر عليه السلام : إن الحسين ابن علي كان يزور قبر الحسن عليه السلام في كل عشية جمعة .
زيارته
عليه السلام : السلام عليك يابن رسول الله السلام عليك يابن نبي الله
السلام عليك يابن أمير المؤمنين السلام عليك يابن فاطمة الزهراء السلام
عليك يابن خديجة الكبرى السلام عليك ياحبيب الله السلام عليك ياصفي الله
السلام عليك ياأمين الله السلام عليك ياحجة الله السلام عليك يانور الله
السلام عليك ياصراط الله السلام عليك يالسان حكمة الله السلام عليك ياناصر
دين الله السلام عليك أيها السيد الزكي السلام عليك أيها البر التقي السلام
عليك أيها القائم الأمين السلام عليك أيها العالم بالتأويل السلام عليك
أيها العالم بالتنزيل السلام عليك أيها الهادي المهدي السلام عليك أيها
الباهر الخفي السلام عليك أيها الطاهر الزكي السلام عليك أيها الصديق
الشهيد السلام عليك أيها الحق الحقيق السلام عليك ياصاحب الكبد المقطعة من
أثر سموم الغدر والنفاق، السلام عليك ياصاحب النعش المرشوق بسهام الحقد
والعداوة السلام عليك يامن منعت اللعينة دفنه عند جده السلام عليك يا منعت
النواصب شيعته ومحبيه ومواليه من زيارته ولثم تراب قبره والنعي والبكاء
واللطم عنده السلام عليك ياصاحب القبر المهدوم ظلمآ وعدوانا الذي لا تظله
قبةٌ ولا ظِلال وقد ضاع بين القبور السلام عليك يا من واسيت أمك الزهراء
بستواء قبره السلام عليك يا من زواره الحمام المتطايرة السلام عليك ايها
المهتظم المظلوم في الحياة وعند تشييعه وبعد الممات حتى يقوم الحساب
السلام عليك يامولاي يا أبا محمد الحسن بن علي ورحمة الله وبركاته رزقنا
الله في الدنيا زيارتكم والتوفيق والثبات والتسديد وعدم الحرمان من خدمتكم
وفي الاخرة شفاعتكم والصلاة والسلام عليك سيدي ورحمة الله وبركاته.
فساعد
الله مولانا الحسين وعظم الله له الأجر بفقد عضيده وأخيه الحسن (ع) فلا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون وسيعلم
الذين ظلموا أي منقلب ٍ ينقلبون والعاقبةُ للمتقين ولا عدوان إلا على
الظالمين .
دعواتكم لأحبتنا بالعراق بالفرج والنصر وأسألكم الدعاء بشفاء والدتي ومرضى المؤمنين والمؤمنات
( الرادود عمار العرب) الثامن من صفر ١٤٣٦ هجرية .
_________________
فصول هذا السرد المتواضع :
ولادته
الشريفة / عمره الشريف/ نسبه / صفاته /ألقابه / كرمه /جود /زوجاته أولاده
/أصحابه / عبادته / رواياته / حكمه مواعظه / الولاية التكوينية / معاجزه /
إخباره بالمغيبات / الحروب التي خاضها/ خيانة قواد جيشه / بنود صلحه مع
الغادر معاوية / الإشكاليات والاعتراضات التي استشكل بها البعض ليومنا هذا
على الامام الحسن عليه السلام/ أمر و فعل المعصوم صعب مستصعب/ إمامٌ غريب
في حياته وبعد مماته ليومنا هذا من النواصب وبعض المحبين / قراءة حديثة
لأحد المحققين في صلحه مع معاوية / حال الامام الحسن عليه السلام بعد
الصلح وما قام به / سمه وشهادته على يد معاوية/ تجهيز الحسين عليه السلام
له ودفنه/ سرور معاوية بمقتله / التعتيم على سبب شهادته / فضل زيارته /
زيارته النصية .
أهم المصادر التي رجتُ لها في جميع هذا السرد المتواضع :
️الإرشاد 2/15.
️تاريخ دمشق 13/291.
️دلائل الإمامة: 161.
️ الإرشاد 2/18.
️الأنوار البهية: 92.
️بحار الأنوار 44/141.
️وفيات المعصومين صفحة 129/93
️كشف الغمة 116/ إلى 176
️كامل الزيارات ص 9
️تهذيب الأحكام
️الفصول المختارة
️مستدرك سفينة البحار