الجمعة، 7 نوفمبر 2014

لماذا أخذ الإمام الحسين النساء والأطفال معه إلى كربلاء؟

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  10:05 م 0 تعليقات




السؤال: كيف نرد على الذين يقولون : إن الإمام الحسين عليه السلام قد أخطأ عندما أخذ معه أهل بيته من نساء و أطفال إلى كربلاء، و هو يعرف المصير؟ وهل للإمام الحسين عليه السلام الحق فى التصرف فى حياة أهله؟

أرجو التوضيح و وفقكم الله في خدمة الإسلام، وخدمة مذهب أهل البيت عليهم السلام.


الجواب : نظير هذا الاعتراض يُذكر في مواجهة الصديقة الزهراء (عليها السلام) عندما أراد جماعة السقيفة إجبار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على بيعتهم، فتصدت لهم من وراء الباب، وقد كان (عليه السلام) في البيت. فيورد المعترضون أنه كيف تسمح الغيرة الأبية لمثل أمير المؤمنين ولسيد الشهداء (عليهما السلام) بذلك ؟! وما الحكمة في ذلك، وهما (صلى الله عليه وآله) قد اتفق ذلك منهما بوصية من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما جاء في الروايات أنه (صلى الله عليه وآله) أخذ على علي (عليه السلام) الصبر وعلى الحسين (عليه السلام) إن الله شاء أن يراهن سبايا، فهل الإرادة والمشيئة إلالهية تتعلق بذلك ؟! وكيف وجه الحكمة فيه ؟!

ويستعرض لنا القرآن الكريم الإجابة عن ذلك بأن المجاهدة في سبيل الله تعالى، ومقارعة المعسكر الآخر كما تكون بالنفس والمال تكون بالمخاطرة بإهانة العرض لا بنحو الابتذال والتدنيس، كما في قصة مريم (عليها السلام).

ففي سورة آل عمران: { إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح … قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } ( الآيات / 4547 ).

وفي سورة مريم : { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا * قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا * قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكن بغيا … فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا * فناداها من تحتها ألا تحزني … فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا * فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا * ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا * فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد الله آتاني … } ( الآيات / 1730 ).

وفي سورة المؤمنون: { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } ( الآية/50 ). فمريم قد تعرضت لوظيفة حمل النبي عيسى (عليه السلام) من غير أب لتتحقق المعجزة الإلهية؛ لإثبات نبوة عيسى (عليه السلام)، وبعثته بشريعة جديدة ناسخة لشريعة موسى (عليه السلام) ، مع أن تحقيق المعجزة هذه كان يخاطر بسمعة مريم وعرضها، إلى درجة مواجهة بني إسرائيل لها بالقذف والبهتان، ولكن كل ذلك لا يعنى ابتذال وتدنيس مريم بل غاية الأمر إهانة عرضها، فتحملت المسؤولية الإلهية، وأعباء المعجزة، والرسالة الجديدة مع أنها أصعب من الجهاد بالنفس والقتل بالسيف للإنسان الغيور، وبالنسبة للمرأة العفيفة التي أحصنت فرجها؛ ولذلك قالت: { ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } ( مريم/23 )، ولكن جهادها وتحملها أقام الحجة على كفار بني إسرائيل، فجعلها الله تعالى آية حجة تشارك ابنها النبي عيسى (عليه السلام) في الحجية.

وهناك واقعة أخرى يسردها لنا القرآن، وهي: واقعة المباهلة: { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } ( آل عمران/61 ).

فههنا في واقعة المباهلة احتج الله تعالى بالزهراء (عليها السلام) على حقانية الشريعة المحمدية، ونبوة سيد الرسل (صلى الله عليه وآله) جنبا إلى جنب الاحتجاج بالأربعة بقية أصحاب الكساء (عليهم السلام)، ففي هذه الواقعة قد تحملت الصديقة الزهراء (عليها السلام) بأمر من الله تعالى أنزله في القرآن، تحملت المشاركة في المباهلة أمام ملأ أهل الكتاب، وهو نمط من المنازلة والمواجهة.

فإذا اتضح بعض الأمثلة المسطورة في القرآن الكريم من نماذج المجاهدة بالعرض لا بدرجة الابتذال والتدنيس، يتضح عدم المجال لمثل هذه الاعتراضات الناشئة من عدم الإحاطة بجهات أحكام الشريعة، وعدم الإحاطة بملابسات الأحداث التاريخية في صدرالإسلام، وقراءة الأحداث بشكل مبتور تخفى فيه الحقيقة كما هي عليه، ثم الأخذ في الحكم على هذه الصورة المقطعة؛ فإن الحكمة في كل من فعل الأمير (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) هو لأجل تعرية وفضح الخصم، والكشف عن جرأته على مقدسات الدين، وحريم النبي (صلى الله عليه وآله)، وأن الخصم لا يتقيد بأبجدية المبادئ الدينية، وكان استخدام هذا النمط من المواجهة والجهاد في ظرف اغلقت فيه أي فرصة أخرى لدحض إجرام الخصم وباطله أمام أنظار وأذهان الناس المفتتنة بأكاذيب الخصم الناسية لوصايا القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله) في حق العترة المطهرة، ولولا موقف الزهراء (عليها السلام) والعقيلة زينب (عليها السلام) لكان الخصم يلتف بدعايته ووسائل إعلامه على الحقيقة ويغيب على الناس في ذلك الوقت فضلا عن الأجيال اللاحقة حقيقة الموقف؛ ولأجل ذلك أوصت (عليها السلام) بإخفاء قبرها، وتشييعها ليلا خفية ليظل ذلك رمزا يطن في أذن التاريخ على الحقيقة التي حاولوا اخفاءها.

سماحة الشيخ محمد السند

التسميات :
نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top