السؤال: كيف يصح أن يتبع موسى الخضر عليهما السلام، والمفروض أن موسى هو النبي ومن أولي العزم، ولم يكن الخضر كذلك؟
الجواب: لا تنافي بين الأمرين، ولا بين الوظيفتين، فلموسى (عليه السلام) كان السبق في علوم التشريع، وكانت للخضر علوم تكوينية، ولم يكن الخضر من أمة موسى لكي يلزم تقدمه عليه حتى في الأمور التكوينية.
وروي: أن موسى سأل ربه: أي عبادك أحبّ إليك؟ فقال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى، أو ترده عن ردى. قال: إن كان في عبادك أعلم مني فادللني عليه، قال: أعلم منك الخضر، قال: أين أطلبه؟.. قال: على الساحل عند الصخرة، قال: كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتاِ في مكتلك[1]، فحيث فقدتَه فهو هناك ... الخبر[2].
فإن قيل: كيف يجوز أن يكون نبي أعلم من موسى في وقته: قيل عن ذلك ثلاثة اجوبة:
أحدها - انه يجوز أن يكون نبي أعلم من نبي في وقته عند من قال: ان الخضر كان نبياً.
والثاني - أن يكون موسى أعلم من الخضر بجميع مايؤدي عن الله على عباده، وفى كل ما هو حجة فيه، وإنما خص الخضر بعلم ما لا يتعلق بالأداء.
الثالث - ان موسى استعلم من جهة ذلك العلم فقط، وإن كان عنده علم ما سوى ذلك[3].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) كان عنده علم لم يكتب لموسى (عليه السلام) في الألواح، وكان موسى يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته، وأن جميع العلم قد كتب له في الألواح[4].
وقال الشيخ المفيد في المسائل العكبرية[5]؛ المسألة الخامسة: قال السائل: والأنبياء عندنا معصومون كاملون، فما بال موسى (عليه السلام) كان تلميذاً للخضر، وهو أعلى منه، ثم أنكر على الخضر فعله، والحق فيه؟ الجواب وبالله التوفيق: أن موسى (عليه السلام) اتبع الخضر قبل أن ينبأ ويبعث، و هو إذ ذاك يطلب العلم، ويلتمس الفضل فيه، فلما كلمه الله وانتهى من الفضل في العبادة والعلم إلى الغاية التي بلغها، بعثه الله تعالى رسولاً، واختاره كليماً نبياً، وليس في اتباع الأنبياء العلماء قبل نبوتهم قدح فيهم، ولا منفر عنهم، ولا شين لهم، ولا مانع من بعثتهم و اصطفائهم. ولو كان موسى (عليه السلام) اتبع الخضر بعد بعثته لم يكن ذلك أيضاً قادحاً في نبوته، لأنه لم يتبعه لاستفادته منه علم شريعته، وإنما اتبعه ليعرف باطن أحكامه، التي لا يخل فقد علمه بها بكماله في علم ديانته، وليس من شرط الأنبياء (عليه السلام) أن يحيطوا بكل علم، ولا أن يقفوا على باطن كل ظاهر.
أقول: يمكن النقاش في جواب الشيخ المفيد الأول، وهو: حصول المرافقة قبل بعثة موسى عليه السلام، وذلك لأن موسى إنما ذهب للقاء الخضر بوحي رباني بعد رجوعه من مدين وقيادته لبني إسرائيل حسب سياق الآيات والروايات.
كما يمكن الجواب عن الشبهة بالقول: إن معلم النبي إذا كان بوحي إلهي - كما هو الظاهر من القصة – يرفع الإشكال، باعتبار أن علم الاثنين من الله، الذي علم كل شيء. وبه يتضح الجواب عنه وعن أمثاله، مثل تعليم جبرئيل للنبي ولسائر الأنبياء صلوات الله على نبينا وآله وعلى سائر النبيين أجمعين.
[1] المكتل: الجعبة والجراب.
[2] (بحار الأنوار: ج13 ص 281. تفسير البيضاوي: ج2 ص19).
[3] (التبيان في تفسير القرآن، للشيخ الطوسي: ج7 ص70 و71).
[4] (الصافي، للفيض الكاشاني: ج3 ص252).
0 التعليقات:
إرسال تعليق