الجمعة، 16 يناير 2015

النبي وظلال العرش!

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  9:12 م 0 تعليقات


السؤال: في متابعتنا لأحاديث العرش وجدنا نوعاً من التعارض فيما بينها، ففي بعضها أن الذي يكون تحت ظل العرش رسول الله وحده، وفي بعضها هو وأهل بيته وإبراهيم الخليل لا يشركهم فيه أحد، وفي بعضها فئات من الناس بسبب أعمال برّ عملوها في الدنيا. فكيف يمكن الجمع بين هذه الأخبار؟

 

الجواب: أولاً: لا بد أن نفهم المراد من ظل العرش في مثل هذه الأحاديث، ثم نرى ما إذا كان يمكن الجمع بينها أم لا.

فأما المقصود من ظل العرش، فقد بحثه بعض المحققين، وأعطى فيه احتمالات عدة، ناشئة من صعوبة حمله على ظاهره، حيث إن المروي عن يوم الحشر أنه خال من الظلال، فما معنى أن يكون فيه ظل للعرش أو غيره. مضافاً إلى أن أحاديث العرش يوم القيامة مختلفة الألسنة، ففي بعضها جاء بلفظ المفرد، فقال تحت ظل عرش الله، وفي بعضها بلفظ الجمع، فعبر بأظلة العرش.

 ثم مسألة أخرى أيضاً: هي أن التعبير بالاحتماء تحت ظل العرش أو أظلة العرش، في حالة اختفاء الشمس يحتاج إلى تفسير مقبول كذلك. لذلك قال بعضهم: إنه تعبير عرفي عن الملجأ المنيع، والجوار المأمون في تلك الأهوال المخوفة.

لذلك قال في البحار: يحتمل أن يكون لله تعالى يوم القيامة ظلال غير ظل العرش، وهو أعظمها وأشرفها، يخص الله سبحانه به من يشاء من عباده، ...، وقيل: على الأخير ينافي ظاهراً ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: أن أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن، فإن صدقته تظله، ومن ثم قيل: إن في القيامة ظلالاً بحسب الأعمال تقي أصحابها من حر الشمس والنار وأنفاس الخلائق، ولكن ظل العرش أحسنها وأعظمها، وقد يجاب بأنه يمكن أن لا يكون هناك إلا ظل العرش يظل الله بها من يشاء من عباده المؤمنين، ولكن ظل العرش لما كان لا ينال إلا بالأعمال، وكانت الأعمال تختلف فيحصل لكل عامل ظل يخصه من ظل العرش به حسب عمله وإضافة الظل إلى الأعمال باعتبار أن الأعمال سبب لاستقرار العامل فيه. 

وقال الطيبي: في ظل عرش الله: أي في ظل الله من الحر والوهج في الموقف، أو أوقفه الله في ظل عرشه حقيقة، وقال النووي: قيل الظل عبارة عن الراحة والنعيم، نحو هو في عيش ظليل، والمراد ظل الكرامة لا ظل الشمس، لأن سائر العالم تحت العرش، ...، وقيل: أي كنه من المكاره ووهج الموقف[1]

فعلى بعض ما ذكر يحتمل أن يكون المراد من أظلة العرش هو انعكاسات وتجليات للعرش تكون لكل بحسب ما توفروا عليه من إيمان وعمل صالح. وعلى هذا يكون لكل عبد ظله الخاص بما قدمت يداه، وهذا المعنى أحد وجوه الجمع المحتملة بين تلك النصوص، إذ يصح أن يقال حينئذ: لا يدخل تحت ظل العرش يومئذ إلا مجموعة، وإلا فرد معين، وإلا المؤمنون.

 ولا مشكلة في هذا الوجه في أن يكون الشخص الواحد ربما كان قائماً تحت ظلال متعددة، بينما بعض من يشاركه في بعض الظلال لا يشاركه في بعضها الآخر، فإن عالم الملكوت واسع، ويمكن أن يستوعب كل ذلك.

ووجه آخر: أن يقال: إن يوم القيامة يوم واحد لكنه يمتد فترة خمسين ألف سنة. وربما كان بعض هذه الأحاديث يتحدث عن أول مشاهد الحشر والقيامة، وبعضها الآخر في مواقف أخرى؛ فإن اجتماع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببضعته الزهراء عليها السلام، مثلاً، سيكون في أول مراحل ذلك اليوم الطويل. ولا يتنافى مع قدوم أصناف متعددين – يومئذ - من المؤمنين على فترات فيما بعد ليستظلوا بظل العرش. والله العالم بحقائق الأمور.


سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.



[1] بحار الأنوار: ج 72  ص 40.


التسميات :
نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top