الأحد، 18 يناير 2015

فضل النبي (ص) وتكامل الخلق

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:25 م 0 تعليقات




السؤال: في ذهني شبهة لا أجد لها جواباً، وهي أن الله سبحانه حين خلق الخلق، فاجتبى منهم النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، وشرفهم بالطهارة والعصمة، وعلّمهم الأسماء كلها، وجعلهم سادة الخلق، فإنه بذلك قد سد الباب بوجه سائر الخلق للتكامل والتنافس فيه مع أهل البيت الطيبين، فالسؤال هو: ألا يلزم من ذلك الجبر، وهو من جهة أخرى خلاف العدل أيضاً، لما سيترتب عليه من الثواب والعقاب، مع أنه يرجع في نهاية المطاف إلى أن الخلق كلهم كانوا مجبولين على  أفعالهم واختياراتهم، فأرجو الجواب الشافي جزاكم الله خيراً.

 

الجواب: الميدان مفتوح لكل إنسان لكي يتكامل، ولا منع منه من طريق العقل. ولا يظهر من النصوص أن الله تبارك اسمه قد اجتبى فجبل، كما جاء في متن السؤال، بل دلت الأخبار المستفيضة، بل المتواترة على أن الله سبحانه علم بسابق علمه أن النبي (صلى الله عليه وآله) هو أوسع الخلق وجوداً، فاختاره واصطفاه، ولما خلق الخلق قبل هذا العالم كان النبي صلى الله عليه وآله أسبق الخلق إلى الإقرار بالعبودية، وأسرعهم إلى جواب سؤال "ألست بربكم" (إشارة إلى قوله تعالى : "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ"[1].

 وفي هذا العالم كان أكثر الخلق تأدباً بأدب الله، وفي العالم الآخر سيكون حسب التعاليم أكثرهم حدباً وحنوّاً على أمته، حيث ينادي الجميع: نفسي نفسي، بينما هو الوحيد الذي ينادي بقوله: " أمتي أمتي"! (إشارة إلى قول جبرئيل الأمين لرسول الله صلى الله عليه وآله في حديث الحشر وجهنم، كما نقله العلامة المجلسي في البحار: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية: " وجيء يومئذ بجهنم " سئل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أخبرني الروح الامين: أن الله لا إله غيره إذا برز الخلائق، وجمع الأولين والآخرين، أتى بجهنم تقاد بألف زمام، يقودها مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد، لها هدة وغضب، وزفير وشهيق، وإنها لتزفر الزفرة، فلولا أن الله عز وجل أخرهم للحساب، لأهلكت الجمع، ثم يخرج منها عنق فيحيط بالخلائق، البر منهم والفاجر، فما خلق الله عز وجل عبداً من عباده ملكاً ولا نبيّاً، إلا ينادي: رب نفسي نفسي، وأنت يا نبي الله تنادي: أمتي أمتي!، ثم يوضع عليها الصراط أدق من الشعرة، وأحد من السيف، عليها ثلاث قناطر فأما واحدة فعليها الأمانة والرحم، وأما ثانيها فعليها الصلاة، وأما الثالثة فعليها عدل رب العالمين لا إله غيره، فيكلفون الممر عليها فتحبسهم الرحم والأمانة، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين عزوجل، وهو قوله تبارك وتعالى: " إن ربك لبالمرصاد " والناس على الصراط فمتعلق بيد، وتزول قدم، ويستمسك بقدم، والملائكة حولها ينادون: يا حليم اغفر واصفح وعد بفضلك وسلم سلم، والناس يتهافتون في النار كالفراش، فإذا نجا ناج برحمة الله عزوجل مر بها فقال: الحمدلله وبنعمته تتم الصالحات وتزكو الحسنات والحمد لله الذي نجاني منك بعد إياس بمنه وفضله إن ربنا لغفور شكور"[2].

 على أن كل إنسان يعلم في قرارة نفسه أنه مخير، بمعنى أن له أن يختار الخير والكمال دائماً إذا أراد، كما له أن يختار غيرهما. والله سبحانه قضى التفاضل في أمور كالعلم والحلم والصبر والتقوى والإيمان والعمل الصالح وشبهها، وكان السبق فيها لمحمد بن عبد الله. لذلك رفعه الله المقام المحمود الذي لم يدركه ولا يدركه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا وليّ صالح امتحن الله قلبه للتقوى، فصلى عليه وملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم.

وبنفس الاعتبار تأتي مناقب الأنبياء وعظمتهم. ويمكن مراجعة الكتب المتصدية لذلك العنوان، مثل كتاب البحار للعلامة المجلسي، وباب الحجة من كتاب الكافي للشيخ الكليني، وغيرهما.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

[1] الأعراف: 172 و173.

التسميات :
نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top