الأحد، 2 فبراير 2014

جمع المال بين الحلال والحرام

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  6:59 م 0 تعليقات

السؤال: قال الإمام علي ( ع ) : ما جمع مال إلا من شحٍ أو حرام. وكلاهما حرام.
أود أن أعلم معنى هذا الحديث لو سمحتم.

الجواب: الموجود في نهج البلاغة هو "ما جمع مال إلا من شح أو حرام" فقط من دون زيادة (وكلاهما حرام).
وهو أمر حق، فإن المال إنما هو مال الله سبحانه خوله للإنسان ليقضي أغراضه به وحاجاته. ولكن ابن آدم ربما انقلب عنده المقياس، فيتحول المال عنده إلى هدف وغاية في نفسه. وحينئذ يتوجه لجمع المال حرصاً وادخاراً، كأنه يرى في المال منعة وقوة. مع أن المال إذا جمع لا لحاجة حقيقية كان وبالاً على صاحبه وعلى المجتمع. أما على المجتمع، فلأن المحتاجين حينئذ لن يجدوه بسبب احتكار البعض له، وأما على الفرد نفسه، فلأنه يعبر عن مرض استفحل به، فهو يحرس المال بدل أن يحرسه المال، ويكنز المال ويتوجع لكل آفة تطرأ عليه من دون فائدة يجنيها وراءه، بل يعامل معاملة الأغنياء، مع أنه يتصرف به تصرف الفقراء. ولا فرق بينه حينئذ وبين غيره من المحرومين الذين لا يجدون ما ينفقونه به. ولذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في قول آخر: " عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ : يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ ، وَ يَفُوتُهُ الْغِنَى : الَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ. فَيَعِيشُ : فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ" (نهج ‏البلاغة ص491قصار الحكم 126).
لكن لا يفهم من الحديث أن كل جمع للمال مذموم، بل المذموم هو الجمع الذي لا يكون لحاجة عقلائية. ولعل ادخار المال للحاجات العقلائية لا يسميه العرف جمعاً أصلاً، أو أن الجمع المنهي عنه هنا منصرف عن الجمع المفيد للدين والدنيا. وهو المفهوم من جملة النصوص من الكتاب والسنة. قال تعالى: وتحبون المال حبّاً جمّاً" (سورة الفجر، الآية: 20). وقال: "وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ " (سورة النساء، الآية: 128). وقال: " قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا " (سورة التوبة، الآية: 35). وقال: "وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ "(سورة الأنعام، الآية: 94).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: " لو أنّ لابن آدم واديين من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً"( بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 1، ص 182). وقوله: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت"( الكافي، الشيخ الكليني، ج 4، ص 32). وقوله: صلى الله عليه وآله :"ليس البخيل : من أدى الزكاة المفروضة من ماله ، وأعطى البائنة في قومه .إنما البخيل : حق البخيل من لم يؤد الزكاة المفروضة من ماله ، ولم يعط البائنة في قومه ، و هو يبذر فيما سوى ذلك" ( الكافي ج4ص45 باب البخل و الشح ح8).
وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه سُئِل عن الدنانير والدراهم وما عمل الناس فيها، فقال عليه السلام: "هي خواتيم الله في أرضه جعلها الله مصلحة لخلقه وبها تستقيم شؤونهم ومطالبهم، فمن أكثر له منها فقام بحقّ الله فيها وأدّى زكاتها فذاك الّذي طابت وخلصت له، ومن أكثر له منها فبخل بها ولم يؤدِّ حقّ الله فيها واتّخذ منها الآنية فذاك الّذي حقّ عليه وعيد الله عزّ وجلّ في كتابه، يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ " (سورة التوبة، الآية: 35)
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "إنما أعطاكم الله هذه الفضول من الأموال لتوجّهوها حيث وجّهها الله ولم يُعطكموها لتكنزوها"( الكافي، الشيخ الكليني، ج 4، ص 32، وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 6، ص 17).
- وقال عليه السلام: "المال مال الله عزّ وجلّ، جعله ودائع عند خلقه، وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً، ويشربوا منه قصداً، ويلبسوا منه قصداً، وينكحوا منه قصداً، ويركبوا منه قصداً، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين، فمن تعدّى ذلك كان ما أكله حراماً، وما شرب منه حراماً وما لبسه منه حراماً، وما نكحه منه حراماً، وما ركبه منه حراماً"(ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج 4، ص 2994).

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

التسميات :
نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top