الجمعة، 10 أكتوبر 2014

العول في الإرث بين العامة وأتباع أهل البيت عليهم السلام

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:47 م 0 تعليقات




السؤال: اشكالية في القرآن

لقد وضع أحد أصدقائي اشكالية حول القرآن الكريم تحت عنوان "خطأ حسابي في القرآن" , و تقول هذه الاشكالية نقلا عنه  :

يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النّصف ولأبويه لكلّ واحد ...مّنهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولد فإن لّم يكن لّه ولد وورثه أبواه فلأمّه الثّلث فإن كان له إخوة فلأمّه السّدس من بعد وصيّة يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعا فريضة مّن اللّه إنّ اللّه كان عليما حكيما

ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولد فإن كان لهنّ ولد فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّة يوصين بها أو دين ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّة توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّة يوصى بها أو دين غير مضارّ وصيّة من اللّه واللّه عليم حليم

سورة النساء-11-12

إذا ورث المتوفى ثلاث بنات ووالديه وزوجته, فإن:

نصيب ال3 بنات = 2/3 التركة

فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك

نصيب والديه = 1/6 + 1/6 = 1/3 التركة

ولأبويه لكلّ واحد مّنهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولد

نصيب زوجته = 1/8 التركة

فإن كان لكم ولد فلهنّ الثّمن ممّا تركتم

مجموع الأنصبة= 2/3 + 1/3 + 1/8 = 1.125

أكثر من 1 أى أكثر من مقدار التركة المتاحة

فى المثال السابق, أن يصير مجموع الأنصبة 112.5% بدلا من 100% خطأ حسابى كبير, أليس كذلك؟

لو كان المبلغ 1000

نحتاج 1125 لتوزيعها عليهم كما قال القرأن

سيدي أطلب منكم اذا سمحتم جوابا علميا فقهيا يدحض هذه الاشكالية لأتمكن من الرد عليه وتوضيح خطأه و تبيان أن القرآن حق و منزه عن الأخطاء .. فهل من تفاسير أوضح لهذه الآيات  ؟

 

الجواب: هذه الشبهة اعترضت عمر بن الخطاب وبعض الصحابة حين ووجهوا بقضية امرأة ماتت عن زوج و أختين لأب ، فجمع الصحابة ، وقال: فرض الله للزوج النصف ، و للأختين الثلثين ، فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين الثلثان ، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج النصف  . فظن عمر حصول العول (أي النقص) في السهام بالنسبة إلى التركة، حيث يكون مجموع السهام - كما قال السائل - سبعة من ستة هي جميع التركة. وقد انقاد لهذا الرأي الظني المخالفون لأهل البيت (عليهم السلام)، وتركوا قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: "علي مع الحق والحق مع علي" ، وقال: "أقضاكم علي" ، وقال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها" ، و "علي مع القرآن والقرآن مع علي" . وفي هذه القضية: روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله، كما جاء في الكافي، عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إن الذي أحصى رمل عالج ليعلم أن السهام لا تعول على ستة لو تبصرون وجهها لم تجز ستة" !. وعن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "الحمد لله الذي لا مقدم لما أخر، و لا مؤخر لما قدم، ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال: يا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدمتم من قدم الله و أخرتم من أخر الله، وجعلتم الولاية والوراثة حيث جعلها الله ما عال ولي الله، ولا عال سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولا تنازعت الأمة في شيء من أمر الله إلا وعند علي علمه من كتاب الله، فذوقوا وبال أمركم وما فرطتم فيما قدمت أيديكم، وما الله بظلام للعبيد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" .

ويؤيد ذلك ما نقله العامة عن الزهري، حيث قال الشيخ أبو زهرة في كتابه: (الميراث عند الجعفرية): قال ابن شهاب الزهري: " لولا تقدم فتوى الإمام العادل عمر بن الخطاب على فتوى ابن عباس لكان كلام ابن عباس جديرا بأن يتبعه كل أهل العلم ويصادف الإجماع عليه". وإن الإمامية قد اختاروا رأي ابن عباس رضي الله عنهما ؛ وإنه لفقه جيد" . ومعلوم أن الإمامية لم يتبنوا هذا القول جريا وراء رأي ابن عباس، بل تبعا منهم لأمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي تبعه فيه ابن عباس نفسه.

وفي رواية عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: جالست ابن عباس، فعرض ذكر الفرائض في المواريث، فقال ابن عباس: سبحان الله العظيم، أترون أن الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا ، فهذان النصفان قد ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري: يا أبا العباس فمن أول من أعال الفرائض؟ فقال: عمر بن الخطاب لما التقت (وفي نسخة أخرى: التفت) الفرائض عنده، ودفع بعضها بعضا، فقال: والله ما أدري أيكم قدم الله، وأيكم أخر، وما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص، فأدخل على كل ذي سهم ما دخل عليه من عول الفرائض، وايم الله لو قدّم من قدّم الله، وأخر من أخر الله ما عالت فريضة، فقال له زفر: وأيها قدّم، وأيها أخر؟ فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلا إلى فريضة فهذا ما قدم الله، وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يبق لها إلا ما بقي، فتلك التي أخر، فأما الذي قدّم فالزوج له النصف، فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع، لا يزيله عنه شيء، والزوجة لها الربع، فإذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلى الثمن، لا يزيلها عنه شيء، والأم لها الثلث، فإذا زالت عنه صارت إلى السدس، ولا يزيلها عنه شيء، فهذه الفرائض التي قدم الله، وأما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان، فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي، فتلك التي أخر، فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدئ بما قدم الله، فأعطي حقه كاملا، فإن بقي شيء كان لمن أخر، وإن لم يبق شيء فلا شيء له، الحديث .

وقد رواه البيهقي، من طريق محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فراجع .

ولتوضيح هذا الحديث نقول:

إن سهام المواريث على ضربين:

الأول: ما يكون له نصيب مفروض في القرآن في كل حالاته وصوره، كالزوج والزوجة والأم، فهؤلاء مهما كانت الصور المحتملة فإن القرآن قد حدد نصيبهم بالنسبة، كالنصف والربع والثمن والثلث والسدس. ومعنى ذلك أنهم يرثون نصيبهم كما ذكر تماما غير منقوص، فلا تدخل عليهم النقيصة أبدا. 

والضرب الثاني: ما لا يكون له نصيب مفروض أصلا، أو يكون له نصيب فقط على بعض الصور، لا في جميعها. كما هو الحال بالنسبة إلى البنت الواحدة، والبنتين أو أكثر، حيث نصيب الأولى النصف، ونصيب الأخريات الثلثان، في بعض الحالات لا فيها جميعا. ومن جهة أخرى نحن نعلم أن الورثة يرثون على كل حال، فالسؤال يأتي بالنسبة لمثل هؤلاء في حالة عدم تحديد النصيب في الكتاب، كما هو الحال في حالة هذا السؤال. وفي هذا الضرب الثاني لا بد من ملاحظة سائر قواعد المواريث لكي يعلم ما هو الموقف القرآني تجاههم.

فإذا نظرنا إلى القرآن الكريم وجدناه يقرر قواعد أخرى عامة تكون مرجعا لنا في صور الخلو من الفروض. ومن تلك القواعد المسلمة: الإرث بالقرابة. ومرجع الإرث بالقرابة قانونان: الأول: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه" ؛ حيث يرث بهذا القانون ذوو القرابة بقرابتهم، الأقرب فالأقرب. والقانون الثاني: "يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين" ، وهي نفس الآية مورد السؤال، وذلك أحرى بأن تكون ناظرة للحل. ومن مجموع الآيات والروايات في هذا الضرب الثاني يتبين أن أهل القرابة، بعنوان القرابة لا نصيب لهم مفروضا في الأصل، بمعنى أنهم يرثون كل التركة مع عدم المزاحم، ومع المزاحمة يأخذ الآخر حصته، المفروضة في الكتاب، ويكون جميع الباقي للأقربين. وهذا الباقي، قد يكون هو أكثر التركة، وقد يكون أقل، وفقا لمقتضى قاعدة شرعية وعقلائية أخرى تقول: إن "من له الغنم فعليه الغرم" .

ثم لو قارنا صورة نصيب البنت أو أكثر، مع حالة نصيب الولد، لارتفعت الشبهة من أصلها. حيث إن الولد والذي كان يفترض أن يأخذ بجميع التركة، لولا المزاحم، هو أيضا مع اجتماع الزوج والأبوين، سوف تنقص حصته هو فقط، بنسبة ما يأخذه هؤلاء المزاحمون من حصص موفورة كاملة، كما نص عليها القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top