السؤال: كيف تفسرون قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" ؟
الجواب: المراد هو الاستيلاء والهيمنة على العرش. وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل "الرحمن على العرش استوى"[1] فقال: استوى من كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء ،لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى من كل ش شيء "[2]. وفي تفسير الميزان: كناية عن استيلائه تعالى على عالم الخلق، وكثيراً ما يطلق الاستواء على الشيء على الاستيلاء عليه كما قيل:
قد استوى بشرٌ على العراق من غير سيف و دم مهراق[3]
فإن هذا لا يعني أن بشراً قد جلس على العراق، وأصبح العراق تحته، بل معناه أنه قد تسلط عليه. وأصبح مالكاً لأموره حتى في حال نومه، واضطجاعه، ومشيه..
وكذا لو قلت: جلس فلان على عرش البلاد، فهو لا يعني أنه جالس على عرشٍ بالفعل، إذ لعله نائم، أو جالس على الأرض، أو ماش أيضاً.. وإنما هي كناية عن فعلية الملك والسلطنة والهيمنة.
وقال الشيخ الصدوق في كتاب الاعتقادات: "اعتقادنا في العرش أنه جملة جميع الخلق، والعرش في وجه آخر هو العلم[4]. وفي التوحيد للشيخ الصدوق، بإسناده عن سلمان الفارسي فيما أجاب به علي (عليه السلام) الجاثليق: أن قال (عليه السلام): "إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر، وربك مالكه، لا أنه عليه ككون الشيء على الشيء...الخبر[5].
و في الكافي، عن البرقي رفعه؛ قال: سأل الجاثليق عليّاً (عليه السلام) فقال: أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله؟ فقال (عليه السلام): الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وذلك قول الله عز وجل: "إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا - و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده - إنه كان حليماً غفوراً". قال: فأخبرني عن قوله: "و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" فكيف ذاك وقلت: إنه يحمل العرش و السماوات والأرض؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن العرش خلقه الله تبارك وتعالى من أنوار أربعة: نور أحمر منه احمرّت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرّت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرّت الصفرة ونور أبيض منه ابيضّ البياض. وهو العلم الذي حمَّله الله الحملة، وذلك نور من نور عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المتشتتة فكل شيء محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضرّاً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة و لا نشوراً، فكل شيء محمول، والله تبارك و تعالى الممسك لهما أن تزولا، والمحيط بهما من شيء، وهو حياة كل شيء ونور كل شيء سبحانه وتعالى عما يقولون علوّاً كبيراً. قال له: فأخبرني عن الله أين هو؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا، وهو قوله: "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم - و لا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر - إلا هو معهم أينما كانوا" فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى، و ذلك قوله: "وسع كرسيه السماوات و الأرض - و لا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم". فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حمّلهم الله علمه، و ليس يخرج من هذه الأربعة شيء خلقه الله في ملكوته، وهو الملكوت الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله فقال: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض - وليكون من الموقنين" وكيف يحمل حملة العرش الله وبحياته حييت قلوبهم، وبنوره اهتدوا إلى معرفته... الخبر[6].
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
__________
[1] (طه: 5).
[2] (التوحيد، للشيخ الصدوق: ص316).
[3] (تفسير الميزان، للسيج الطباطبائي: ج8 ص87).
[4] (بحار الأنوار: ج 55 ص7).
[5] (مستدرك سفينة البحار: ج7 ص159).
[6] (بحار الأنوار: ج 55 ص9-10).
0 التعليقات:
إرسال تعليق