الجمعة، 24 أكتوبر 2014

ما معنى السب والكلام البذيء؟ وهل يجوزان؟

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:18 م 0 تعليقات




السؤال: المغرب / الدار البيضاء
سؤالي كالتالي: ولله الحمد لست ممن يتوانى أو يتأثم عن لعن وسب أعداء الله ظالمي محمد وأهل بيته عليهم السلام والجهر بذلك براءة منهم وكفرا بهم.
ومع ذلك لست ممن يجيز على نفسه احتياطا استعمال كلام بذيئ وما أشبه. فارتأيت استفتاء سماحتكم بعدة أسئلة عن هذا الموضوع وما يشوبه من إشكالات وما وجه القيد الشرعي فيه.
1- ما معنى الكلام البذيئ وما فرقه عن السب أو ما وجه الخصوص فيه ؟
2- هل يرتبط تحديد الكلام البذيئ بالعرف ويختلف بذلك من وسط لآخر زمانا ومكانا ؟
3- كيف يمكن الجمع بين روايات تذم الفحاش واللسان البذيئ واحتجاج الإمام أبو محمد الحسن المجتبى روحي فداه مثلا على معاوية والطغام ممن حوله لعنهم الله الواردة في الاحتجاج وغيرها من كلام الأئمة الأطهار في وجه أعداءهم الطواغيت:
- هل الأمر خاص بالأئمة الأطهار في حق أعدائهم؟
- هل يختص الأمر فقط في مورد المواجهة بين المعصوم وأعدائه لا تكلما عنهم في مورد الخطبة على جمهور الناس يجتمع فيه المؤالف والمخالف والحديث دائما عن ما أظنه كلاما بذيئا في مواجهتهم عليهم السلام لأعداءهم لا مطلق السباب مع استحقاق أعداءهم منهم لذلك.
4- هل بعنوان التبري وهي ممارسة للبراءة بلعن وسب أعداء الله ظالمي أهل البيت عليهم السلام والجهر بذلك في غير موارد التقية يسقط عن الكلام البذيئ قبحه لأنه في حقهم يكون؟
5- كيف يمكن الجمع بين هذه الروايات:
(الرواية طويلة مع كل ما تضمنته من تطاول جماعة من منكري فضائل الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام في مجلس معاوية لعنه الله ومواجهتهم من قبل الإمام المجتبى عليه السلام بالطعن في أعراضهم والنيل منهم .. فاقتطعت موضع الشاهد) 
الاحتجاج - احتجاج الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام على جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل في مجلس معاوية " لعنه الله"
"....... فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال: يا أبا محمد ما كنت فحاشا ولا طياشا، فنفض الحسن عليه السلام ثوبه، وقام فخرج، فتفرق القوم عن المجلس بغيظ، وحزن، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة."
يمكن مراجعة الرواية للوقوف على ما تضمنته من كلام الإمام المجتبى عليه السلام وكيف ألقمهم الحجة واكفهرت وجوههم لذلك ونظائرها كثير. وفي قبالها من حيث ما يظهر لي عن قصور واشتباه ما يلي:
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنّ الفحش والبذاء والسلاطة من النفاق».
الكافي: ج2 ص325 باب البذاء ح10.
وعن سماعة قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي مبتدئاً: «يا سماعة ما هذا الذي كان بينك وبين حمّالك؟ إيّاك أن تكون فحّاشاً أو صخّاباً أو لعّاناً». فقلت: والله لقد كان ذلك أنّه ظلمني. فقال: «إن كان ظلمك لقد أربيت عليه إنّ هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي، استغفر الله ولا تعد». قلت: أستغفر الله ولا أعود. (الكافي: ج2 ص326 باب البذاء ح14).
 
الجواب (1-5): البذاءة هي ذكر الألفاظ المخلة بالأدب العرفي، وفي عرف المتشرعين هي المخلة بالأدب الذي يعده الشرع منكراً.
والسب هو خطاب الغير بذكر سبته وعورته، فهو أعم من وجه من الكلام البذيء؛ إذ الكلام البذيء هو التفوه بالكلام النابئ سواء في السب أو غيره، والسب هو مخاطبة الغير بذكر عيبه وسبته سواء بالكلام النابئ أو بغيره. ومن الواضح أن البذاءة أمر مقبوح مذموم على كل حال. وأما السب فحسب التعريف المذكور قد يكون بألفاظ لاتأباها النفوس العفيفة، وذلك إذا جاء في مكانه الصحيح، وبشرطه وشروطه. ومن شروطه أن يكون حقّاً، مستحقّاً على الخصم، وأن يكون من مظلوم، أو ممن ينتصر بشكل مشروع لمظلوم كالقاضي ونحوه. وبتعبير جامع أن يكون معروفاً غير منكر.
وانطلاقاً من محورية المنكر والمعروف المنطلقة من الشرع المقدس يمكن أن نرى لفظاً ما في سياق معين فنطلق عليه سبّاً، ولا نطلق عليه ذلك في سياق آخر. وهذا ما نشاهده بأم أعيننا، ونعايشه بوجداننا، حين نقرأ كتاب الله وهو يقول في حق بلعم بن باعوراء مثلاً: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ"[1]، أو قوله في حق الوليد بن المغيرة: " وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ "[2]، وقوله سبحانه في حق أبي لهب وامرأته: "تبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ... وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ"[3]. وهكذا الآيات التي تذم وتستنكر أفعال الكفرة والفجرة.
ولا يقولن قائل: بأن أولئك كفار ونحن نتكلم عن المسلمين؛ وذلك لأن الكلام هو على صحة السب أو الذم بمثل هذه الألفاظ وعدمها. فإذا صحت وساغت في حق أشخاص مهما كانوا، كان علينا أن نرجع إلى تلك الأسباب والدواعي لنرى هل أنها موجودة أم لا؟ فبوجودها تصح وتسوغ نتيجتها.
وإن كل ما صدر ويصدر من أهل البيت صلوات الله عليهم لا يكون إلا حقّاً. ولا يلجأون إلى ذكر تلك المثالب بحق مناوئيهم وأعدائهم إلا أن يلجئهم خصومهم وأعداؤهم إلى ذلك إلجاءً. ولذلك وجدنا أن كل من نعتهم أهل البيت عليهم السلام بمثل تلك الصفات والألقاب أقروا بها ولم يحيروا جواباً، ولم يعترضوا، بل عاتبوا من كان السبب في إجبار أهل البيت عليهم السلام لقول تلك المقالات.
خصوصاً وقد ثبت بمتابعة السيرة أنهم صلوات الله عليهم إنما ينتفضون حين ينتفضون لا لأنفسهم وأشخاصهم بل لعناوينهم وما يترتب على تلويثها وتدنيسها من ضياع للحق، وضلال للناس.
ومما تقدم يمكن القول: إن السب لدى العرف وإن كان يصدق بذكر السُّبّات والعورات، غير أن العرف لا يطلق على كل ذكر للعيب والعورات سبّاً. ولذلك نراهم لا يسمون القاضي سابّاً أو شاتماً للمحكوم عليهم، حين يذكر المجرمين بألقابهم الإجرامية، من قبيل الزاني، وابن الزنا، والكاذب، وشبهها.




سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

__________
[1] (الأعراف: 175 و176).
[2] (القلم: 10-13).
[3] (المسد: 1 و4).

نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top