السؤال: ما هو تفسير قول الإمام علي عليه السلام: "عرفت الله بفسخ العزائم، وحل العقود، ونقض الهمم" ؟.
الجواب: يحصل للإنسان أحياناً أن يعزم على أمر مّا، ويرى أنه ماض في أمره ذاك، وإذا به يُفَتّ في عزيمته، فيتبدّل رأيه، ويعزم على أمر غيره. فيقول أمير المؤمنين عليه السلام: إن هذه الظاهرة تهدي إلى الله وأنه مالك الأمر والمهيمن والمحيط. وذلك لأن العبد لو كان مالكاً لأمر نفسه لما تغير عزمه، ومضى في ما قرره. وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إن رجلاً قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، بماذا عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم، ونقض الهم؛ لمّا هممت فحيل بيني وبين همي، وعزمت فخالف القضاء عزمي، علمت أن المدبر غيري"[1].
توضيحه: أن هذا التبدل المفاجئ لا بد له من علة خارجة عن الإنسان، لأنه بنفسه يجهلها، ثم لو فرضنا جدلاً إرجاعها إلى كائن مخلوق آخر، فحتى لو انحلت المشكلة في هذه المسألة عند ذلك المخلوق، إلا أن ذلك المخلوق هو بنفسه تحصل له مثل هذه الحالة، فلا بد أن نرجع إلى غيره، فإذا رجعنا إلى مخلوق ثالث لن تنحل المشكلة، ونبقى ننتقل من مخلوق إلى آخر قبله، فيحصل التسلسل، أو نرجعه إلى أحد المخلوقين السابقين مرة أخرى فيحصل الدور، فنضطر لحل المشكلة من الأساس إلى أن ننسب الحالة إلى موجود خالق لا يرجع إلى غيره، وغير قابل للحوادث وفسخ العزائم.
وكل ما ذكر في فسخ العزائم يأتي كذلك في حل العقود، ونقض الهمم. ويحتمل أن تكون الفقرات الثلاث بمعنى واحد، كما يحتمل أن يكون لكل منها معنى خاص، خصوصاً مع تبدل العامل والمعمول فيها. وحمل كلام الحكيم والبليغ على التكرار خلاف البلاغة، ولا يناسب الحكمة. ولعل الفرق بينها يكمن في تغطية الحالات الثلاث لأكثر قصود الإنسان وما يطرأ عليها من التغير. فالفسخ يعني الانفكاك بين الشيئين الملتصقين اللذين صارا كشيء واحد، والحل يعني فك الربط والعقد، ولكن قد يحصل العقد بين الشيء الواحد وجزء منه، أو بين الشيئين أو الأشياء المتعددة المختلفة، والنقض مقابل الإبرام، فكأنه يصيب كل النسيج بالتفسخ والانحلال. وللتوسع يمكن مراجعة البحوث المختصة.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
_________
[1] التوحيد، للشيخ الصدوق: ص288.
0 التعليقات:
إرسال تعليق