السؤال: ثمة أحاديث تنهى عن التفكر في الله وتعدها على حد الكفر والزندقة، وفي المقابل توجد أحاديث أخرى تحض على التفكر، فكيف نجمع بين الطائفتين؟
الجواب: التفكر المنهي عنه هو التفكر في ذات الله وكنهه، فإنه لا يزيد العطشان إلا عطشاً، والتائه إلا تيهاً وضياعاً، والتفكر المطلوب هو التفكر في صفاته وقدرته، فإنه يزيد صاحبه معرفة بكمال الله وجماله وجلاله. والآيات والروايات مشحونة بالحث على الثاني بالتصريح والكناية، والمباشرة وغيرها.
وقد نهت الأحاديث عن التفكر في ذات الله، فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "إياكم والتفكر في الله ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه"[1]. وعن ابنه الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إياكم والتفكر في الله، فإن التفكر في الله لا يزيد إلا تيهاً، إن الله عز وجل لا تدركه الأبصار ولا يوصف بمقدار"[2]. وقال (عليه السلام): "تكلموا في خلق الله ولا تكلموا في الله، فان الكلام في الله لا يزيد الا تحيراً"[3].
ولعل النكتة التي تكمن وراء النهي عن أحد التفكرين، والأمر بالآخر: هي استحالة تصور الواجب الوجود من قبل الممكن، واللامتناهي من قبل المحدود، فهو بدل أن يركن إلى ركن وثيق، ويطمئن إلى نور العلم، سيصطدم بأمور تتكسر أمامها كل معارفه ومداركه، فإن عقل المخلوق مهما علا واستعلى، إلا أنه يبقى محدوداً وقاصراً. وبدل أن يهتدي بنور العلم يغرق في أمواج الجهل والضلال.
وأما التفكر في خلق الله، وفي أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فهو ضروري له، لكي يتعرف على ما يجب عليه من أدب وشكر تجاه خالقه، إذ كيف يمكن له شكر من لا يعرفه، أم كيف يتأدب مع موجود لا يعرف ما يحب وما يكره، وما وهبه لم وهبه إياه، وما حرمه لم حرمه منه؛ مضافاً إلى أنه السبيل إلى ارتقاء أسباب الكمال، والتوفر على الشروط التي يتمكن العبد بها من استنزال الخير والرحمات، وتوقي الشر والنقمات. قال عز وجل: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "[4]، وقال: "يتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا، سبحانك فقنا عذاب النار"[5]. وقال تعالى: "واعلموا أن الله غني حميد"[6]، وقال رب العزة في الحديث القدسي: "كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف"[7]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "تخلقوا بأخلاق الله"[8]. ولا طريق إلى التخلق بأخلاقه إلا بمعرفته ومعرفة صفاته جل وعلا.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
_____________
[1] (الكافي: ج1 ص93 ح 7).
[2] ( بحار الأنوار: ج3 ص295 ب9 ح4. و روضة الواعظين ص36. والتوحيد ص457 ح13 و14 باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عزوجل. والامالي للشيخ الصدوق ص417 المجلس 65 ح3.)
[3] (التوحيد ص454 ب67 ح1 باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عزوجل).
[4] (الأعراف: 180).
[5] (آل عمران: 191).
[6] ( البقرة: الآية 267).
[7] (بحار الأنوار: ج84 ص344 ب 13 ح 19).
[8] بحار الأنوار: ج58 ص 129 ح42).
0 التعليقات:
إرسال تعليق