السؤال: يقول البعض: إن نظرية وحدة الوجود والموجود ليست نظرية سطحية بسيطة كما يتصور البعض، أو يحاول تصويرها، بحيث ينعتونها بالكفر والزندقة. فإن لها تفاصيل وفروعاً عديدة، لا يمكن الحكم عليها من دون أن نحيط بتلك التفاصيل والتعاريف. ومن تلك المصطلحات: الواجب والممكن، والواجب بالذات والممكن بالذات وبالغير، وما إلى ذلك، ثم هناك وحدة الوجود الروحية والمثالية والثنائية، ومقام الاتحاد. فما هو قولكم، وما هو الفرق بين تلك العناوين من وحدة الوجود؟
الجواب: أما وجوب الوجود فهو لزوم حصوله واستحالة عدمه، فإذا كان بالذات كان وجوده ذاتيّاً لنفسه، بلا حاجة لموجد. وممكن الوجود هو ما يحتاج في وجوده إلى علة موجدة له، ما لم يكن ممتنعاً، وأما غير هذين الاصطلاحين فإنما هي أسماء واصطلاحات ناتجة عن التفكر في ذات الله، ما أنزل الله بها من سلطان، ومنشأها والله العالم: قياس وجود الممكنات بالذات على واجب الوجود بالذات، مع أن هذه الوجودات الإمكانية مهما عظمت وكبرت لا تعدو كونها محدودة وفقيرة مخلوقة، وتعالى الله سبحانه من أن يشابه وجود خلقه، فضلاً عن الاتحاد معه، لكن فقر الإنسان المعرفي وجهله، وابتعاده عن مصادر الوحي وأنوار الهدى، يجعله يشطح أمثال هذه الشطحات.
وأما اتصاف الاثنين بصفة الوجود فإنما هو من ضيق اللغة ومحدوديتها، أو هو من قبيل الاشتراك اللفظي، الذي هو اتحاد اللفظ وتعدد المعنى، من قبيل كلمة الخال التي تعني العلامة في الجسم، كما تعني أخا الأم. في حين أنه لا علاقة في الحقيقة بين المعنيين. أو هو من قبيل المشترك المعنوي، الذي هو اتحاد اللفظ والمعنى، لكن بمعنى كون اللفظ حقيقة في أحدهما ومجازاً في الآخر، أو بمعنى وجود المشترك العام الذي يصحح الوضع في الاثنين لكنه لا يصحح الوحدة بينهما، كلفظ الشيء الذي يطلق على الشيء وضده، بل ونقيضه؛ فالحب شيء والبغض شيء، واللون شيء واللالون شيء. وليس الجامع بينهما إلا صحة الإخبار عن الشيء في مقابل العدم الذي لا يصح الإخبار عنه!.
وبذلك يتضح المراد من وحدة الوجود والموجود، وهو مرفوض بأي صورة وتوجيه كان. والفرق بين الطبيعية والمثالية والثنائية: أن الأولى يقصرون الوجود فيها على الوجود الطبيعي المادي الفيزياوي، والثانية يقصرونه فيها على عالم الروح، ويسمونها أيضا بوحدة الوجود الروحية، والثالثة يمزجون فيها بين الروحي والمادي الطبيعي. وهي مذاهب منحولة من بعض الأمم القديمة الوثنية والإشراكية كالبراهمانية والهندوسية والأفلاطونية القديمة والأفلوطينية والرومانية ما قبل المسيح، إلى أن جاء دور المتصوفة المبتعدين عن هدى أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ليستخدموا أذواقهم واستحساناتهم ليستعيروا من هؤلاء وأولئك اصطلاحاتهم، لتجد – مع شديد الأسف- هذه العناوين لها مكاناً في كتب المسلمين، وتتسرب إلى عقائدهم. والله العالم.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق