لماذا يقوم الشيعة بعد زيارة الأئمة عند الخروج من المسجد لا يديرون ظهورهم للمسجد؟ ولكن في بيت الله يديرون ظهورهم للكعبة عند خروجهم؟ أرجو منكم الرد على أسئلتي..
الجواب: ذلك من باب الاحترام وحسن الأدب. ولا شك أن للكعبة المشرفة مقامها واحترامها التي ينبغي على كل مؤمن أن يراعيهما ويحفظهما لها، لكن حرمة الكعبة لا يمكن قياسها أبدا بحرمة النبي وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين، بل ولا بالمؤمن العادي. ففي الحديث المستفيض والمشهور عند الفريقين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (كان) يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه".
والحديث مروي عندنا بطرق صحيحة، عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الإمام الصادق عليه السلام[1]. وفي كتب العامة بعدة طرق وألفاظ متفاوتة، عن عدد من الصحابة كابن عباس وابن عمر وابن عمرو في صحيحي الترمذي[2] وابن حبان[3] وسنن ابن ماجة[4] والمعجم الكبير للطبراني[5] وغيرها.
وأين مقام المؤمن هذا من مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي أوجب الله حبه واحترامه، بل وتعزيره، وهو المبالغة في التعظيم، فقال عز وجل: (لتؤمنوا باللّه ورسوله وتعزّروه وتوقّروه)[6]. وحدد لنا سبحانه بعض تلك الآداب؛ فقال: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم"[7]، وقال: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي اللّه ورسوله واتّقوا اللّه)[8]. وقال: "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم لبعض"[9]. ومعلوم أن حرمته ميتا كحرمته حيا. وقال جل وعلا: (يا أيّها الّذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، إنّ الّذين يغضّون أصواتهم عند رسول اللّه أولئك الّذين امتحن اللّه قلوبهم للتّقوى لهم مّغفرة وأجر عظيم، إنّ الّذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون)[10].
وقد أفصحت السنة المطهرة، بعد الكتاب العزيز، عن بعض الآداب الضرورية الواجبة مع النبي الأكرم وعترته الأطهار صلوات الله عليهم، ومنها الطهور، والاستئذان، وغض البصر، وعدم اللغط ورفع الصوت، والانشغال في حضرتهم مع غيرهم، إلى غير ذلك من الآداب.
ومن الثابت أن عترة النبي عليهم السلام يلونه صلى الله عليه وآله في المنزلة، حياتهم كحياته، ومماتهم كمماته، ما عدا ما اختص به صلوات الله عليه وعلى آله. فهم نفس النبي، وأبناؤه لصلبه، ونساؤه[11]، والأبرار[12] الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا[13]، بنص الكتاب العزيز؛ يصلهم الكلام، ويردون السلام، ويشفعون، ويستجيب الله عندهم الدعاء والمسألات.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
___________
[1] الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص83 . ونقل عنه في بحار الأنوار ٦٤ / 71 ح 39. الخصال / ٢٧. مشكاة الأنوار / ٧٨.
[2] تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: كتاب البر والصلة عن رسول الله ص باب ما جاء في تعظيم المؤمن ح2032.
[3] ابن حبان في صحيحه: كتاب الحظر والإباحة (13/75)، عن ابن عمر.
[4] أخرجه ابن ماجه في «سننه» كتاب الفتن، باب حرمة دم المؤمن وماله: (3932)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. والحديث حسنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (7/2/1250). وتحت الرقم 2676 عن ابن عمر.
[5] المعجم الكبير للطبراني: رقم الحديث: 10811.
[6] الفتح:8،9.
[7] الأحزاب: 53.
[8] الحجرات: 1.
[9] النور: 43.
[10] الحجرات:1-4.
[11] [11] آية المباهلة: آل عمران: 61. وسورة النساء: 23.
[12] الإنسان: 5.
[13] الأحزاب: 33.
0 التعليقات:
إرسال تعليق