لماذا الشيعة يصلون فقط على تربة الإمام الحسين وهل الرسول صلى الله عليه وسلم والسيدة فاطمة عليها السلام والإمام علي عليه السلام كانوا يصلون على التراب؟
الجواب: في هذا السؤال مسألتان: الأولى: صلاة الشيعة على التراب، وليس على الفرش التي تفرش بها المساجد والبيوت عادة، والثانية: صلاتهم على تراب كربلاء، الذي ينتسب إلى قبر الإمام الحسين عليه السلام.
وبالنسبة
للمسألة الأولى: فالأصل في السجود أنه لا يجوز إلا على الأرض وما أنبتت، من غير
المأكول والملبوس. فإن الصلاة وأحكامها أمور تعبدية لا يجوز التعدي التوسع فيها من
غير دليل من الشارع المقدس نفسه. وما ذكرناه هو المروي عن النبي الأعظم صلى الله
عليه وآله، وعن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام.
وهو
المروي في صحاح العامة كذلك؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن السجود على غير
الأرض، حتى أن الصحابة كما في كتب القوم المعتبرة، شكوا إلى رسول الله حرارة
الرمضاء والحصباء عند السجود عليها، وطلبوا منه الرخصة في السجود على ثيابهم فلم
يأذن لهم صلى الله عليه وآله. نعم نزل الوحي فيما بعد ليرفع الحرج والأذى عن
الناس، فجوز لهم السجود على طرف الثوب، وأشباهه، مما هو جزء من لباس المصلي، وليس
على الفراش، بعد أن كان ذلك محرماً عليهم زماناً.
وعلى
كل تقدير فكل من أحاديث الفريقين، وسيرة المسلمين ينصان على صحة السجود على الأرض
والتراب ونباتهما، من غير المأكول والملبوس، ولا يقبلان السجود على غيرهما. فإن
قيل بالجواز على غيرهما، وغضضنا النظر عن الإشكال فيه، فإنه مع ذلك لا ينفي صحة
السجود على الأرض، وعلى التراب، كما يفعل أتباع مدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم.
فطريقة السجود عن الشيعة الإمامية صحيحة على كل حال.
ونسجل
هنا بعض الأحاديث من الفريقين الناصة على ما ذكرنا، وقد بحثنا واستقصينا، فلم نجد
ما يخالفها أويتقدم عليها، حتى عند العامة المخالفين. وعلى هذا فالإشكال في حقيقة
الأمر يتوجه إليهم في عدم الإلتزام بهذه السنة الثابتة، وابتداع سنة جديدة مرفوضة
بلسان الشرع:
فمن
مشايخنا الثقات: قد روى الشيخ الصدوق في كتاب الخصال، بسنده إلى ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: أُعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض
مسجداً وطهوراً، ... الحديث[1].
كما روى أيضاً في كتاب (الفقيه) بإسناده عن هشام بن الحكم أنه قال لأبي عبد الله (
عليه السلام ): أخبرني عما يجوز السجود عليه، وعما لا يجوز قال: "السجود لا
يجوز إلا على الأرض، أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس". فقال له:
جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال: "لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن
يكون على ما يؤكل ويلبس، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في
سجوده في عبادة الله عز وجل ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء
الدنيا الذين اغتروا بغرورها، والسجود على الأرض أفضل؛ لأنّه أبلغ في التواضع
والخضوع لله عزَّ وجلَّ"[2].
وهي تدل بوضوح على عدم صحة الصلاة بالسجود على غير صعيد الأرض.
وروى
الشيخ الكليني بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «السجود على الأرض
فريضة، وعلى الخمرة سُنّة»[3].
ودلالتها واضحة أيضاً على وجوب السجود على وجه الأرض، وأما استعمال مصداقٍ خاص منه
فليس بواجب، بل هو سنة.
وروى
حمران بن أعين عن أحدهما ـ الباقر أو الصادق عليهما السلام ـ قال: «لا بأس بالقيام
على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض، فإن كان من نبات الأرض فلا
بأس بالقيام والسجود عليه»[4].
وهذه الرواية أيضاً تؤكد على أن المقصود بالحرمة أو الوجوب هو موضع السجود لا ما
يقوم عليه المصلي.
وأما
من طريق العامة؛ فنذكر عدة روايات:
1
ـ روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: "جعلت لي الأرض
مسجدا وطهوراً"، وفي لفظ مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا
طهورا إذا لم نجد الماء .
وفي
لفظ الترمذي: جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا، عن علي، وعبد الله بن عمر، وأبي
هريرة، وجابر، وابن عباس، وحذيفة وأنس، وأبي أمامة، وأبي ذر.
وفي
لفظ البيهقي: جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وفي لفظ له أيضا: جعلت لي الأرض طيبة
ومسجدا، وأيما أدركته الصلاة صلى حيث كان[5].
والحديث واضح في أن الأصل في المسجدية هو الأرض، ولا يمكن الخروج عنه بغير دليل
صحيح.
2
ـ وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس: أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سجد
على الحجر[6].
3
ـ جابر بن عبد الله قال: كنا نصلي مع رسول الله ( صلى الله عليه [وآله] وسلم )
صلاة الظهر، وآخذ بيدي قبضة من حصى فأجعلها في يدي الأخرى حتى تبرد ثم أسجد عليها
من شدة الحر.
وفي لفظ البيهقي: كنت أصلي مع رسول الله ( صلى
الله عليه [وآله] وسلم ) صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد، وأضعها
بجبهتي إذا سجدت من شدة الحر، فقال البيهقي: قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب
متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها[7].
4
ـ أنس بن مالك: "كنا نصلي مع رسول الله ( صلى الله عليه [وآله] وسلم ) في شدة
الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه"[8].
5
ـ خباب بن الأرت قال: "شكونا إلى رسول الله ( صلى الله عليه [وآله] وسلم )
شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يُشكِنا"[9].
وهل أصرح من ذلك في الحرمة؟!
قال ابن الأثير في معنى الحديث: "إنهم لما
شكوا إليه ما يجدون من ذلك لم يفسح لهم أن يسجدوا على طرف ثيابهم"[10].
6
ـ عمر بن الخطاب: مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل يمر على البطحاء
فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه، فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه [وآله] وسلم
) ذاك قال: ما أحسن هذا البساط ، فكان ذلك أول بدء الحصباء.
وأخرج أبو داود عن ابن عمر: مطرنا ذات ليلة
فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته، الحديث[11].
وبهذا يظهر أنه حتى عمر وابنه كانا ممن يسجدون على الحجر!.
7
ـ عياض بن عبد الله القرشي: رأى رسول الله ( صلى الله عليه [وآله] وسلم ) رجلاً
يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك، وأومأ إلى جبهته"[12].
ودلالتها واضحة في مداقة النبي صلى الله عليه وآله في لزوم أن يكون السجود مباشراً
على الأرض من دون أي فاصل من لباس أو فراش!.
8
ـ أبو عبيدة: إن ابن مسعود كان لا يصلي أو لا يسجد إلا على الأرض"[13].
9
ـ ميمونة أم المؤمنين: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي وأنا حذاءه،
وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على خمرة[14].
وقد أخرج شيخ
البخاري أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده في كتابه (المصنف) في المجلد الثاني عن سعيد
بن المسيب وعن محمد بن سيرين: أن الصلاة على الطنفسة محدث[15].
وقد
صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله: شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة
بدعة[16].
وأما
بالنسبة للمسألة الثانية، وهي السجود على التربة الكربلائية، وهي الطين المخصوص
الذي اعتاد الشيعة على اقتنائه والسجود عليه في الصلاة؛ فهو طين طاهر، مصبوب بغير
طبخ ولا حرق، لتسهيل عملية النقل، فإنه لو كان تراباً منثوراً لعسر نقله. وقد ثبت فيما
تقدم عدم الإشكال في كل ذلك. مضافاً إلى ورود أحاديث غفيرة لفضل هذه التربة بنحو
الخصوص.
فقد
كان المسلمون الأوائل يصطحبون الأحجار واللبن والخُمُر والفحول والحُصُر ليسجدوا
عليها حيث لا يجدون ما يصح السجود عليه، فليكن التراب الحسيني من هذا القبيل.
فعن خالد
الجهني: قال: رأى النبي ( صلى الله عليه [وآله] وسلم) صهيباً يسجد كأنه يتقي
التراب فقال له: "ترب وجهك يا صهيب"[17].
وروى
البيهقي عن عمر بن الخطاب: مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل يمر على
البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه، فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) ذاك قال: ما أحسن هذا البساط ، فكان ذلك أول بدء الحصباء .
وأخرج
أبو داود عن ابن عمر: مُطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصى
في ثوبه فيبسطه تحته[18]
... الحديث .
وعن
عائشة قالت: قال لي رسول الله ( صلى الله عليه [وآله] وسلم ): "ناوليني الخُمرة
من المسجد قالت: فقلت: إني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك"[19].
وهي واضحة الدلالة على أن النبي ( صلى الله عليه [وآله] وسلم ) أمر بأن يؤتى بما
يسجد عليه، وهو الخمرة، ولم يقبل أن يسجد على الفراش. والخُمرة بضم الخاء، كما في المصباح المنير: وزان غرفة حصير صغيرة قدر ما يسجد عليه[20].
وهذا يعني أن الحكم الشرعي بعدم صحة السجود على الفراش، جعل المسلمين منذ الصدر
الأول يصطنعون لأنفسهم سجاجيد من الأرض أوما أنبتت، يضعون جباههم عليها حين الصلاة!.
ومثله
عن ابن عمر بقوله: كان رسول الله ( صلى الله عليه [وآله] وسلم ) يصلي على الخمرة
ويسجد عليها. أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط .
وما
عن أم سلمة أم المؤمنين رضوان الله عليها بقولها: كان لرسول الله حصير وخمرة يصلي
عليها، أخرجه أبو يعلى، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح،
وعن أم حبيبة مثله صحيحاً كما في المجمع: ج2 ص57.
وعن
أنس قوله: كان رسول الله ( صلى الله عليه [وآله] وسلم ) يصلي على الخمرة ويسجد
عليها، أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير بأسانيد بعضها صحيح، ورجاله ثقات، كما في
المجمع: ج2 ص57.
كما
نقلوا عن التابعي المعروف مسروق بن الأجدع المتوفى سنة 62هـ، وهو من رجال الصحاح
الستة، ومعدود من الفقهاء الكبار والثقات المجمع عليهم، أنه كان يأخذ في أسفاره
لبنة يسجد عليها، كما أخرجه شيخ مشايخهم الحافظ الثقة وإمام السنة عندهم، أبو بكر
بن أبي شيبة في كتابه ( المصنف ) في المجلد الثاني في باب: من كان يحمل في السفينة
شيئاً يسجد عليه، فأخرج بإسنادين: أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة
لبنة يسجد عليها[21].
وليت
شعري ما الفرق بين استصحاب لبنة أو تربة من تراب قبر الإمام الحسين سيد شباب أهل
الجنة عليه السلام؟! فالسجود إذن على التربة الكربلائية أمر مسلم الجواز، وكانت
تجري عليه سيرة المسلمين، ويعدونها من التدين والتشرع.
بل
في مصباح المتهجد لشيخ الطائفة الشيخ الطوسي، عن معاوية بن عمار قال: «كان لأبي
عبد الله [الإمام الصادق] عليه السلام خريطة من ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد
الله الحسين عليه السلام، فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه. ثمّ
قال: إنّ السجود على تربة أبي عبد الله عليه السلام يخرق الحجب السبع»[22].
والروايات
المعتبرة في فضل السجود على هذا التراب الطاهر متظافرة، فتركها لمن اطلع عليها نوع
من الجفاء والحمق والسفاهة!.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
[1] الخصال، للشيخ الصدوق: باب الخمسة ص292.
[2] الوسائل: ج3 الباب1 من أبواب ما يسجد عليه،
الحديث1. من لا يحضره الفقيه: ج1 ص177ح1 باب 41. وعلل الشرائع: ص341 ح1 باب42.
[3] الكافي: ج3 ص332 ح9 من الباب السابق.
[4] الاستبصار: ج1 ص335 ح2 باب 119 السجود على شيء
ليس عليه سائر البدن، كتاب الصلاة.
[5] صحيح
البخاري: ج1 ص86 ، 113 ، صحيح مسلم: ج2 ص64، صحيح النسائي: ج2 ص32 ،
صحيح أبي داود: ج1 ص79 ، صحيح الترمذي: ج2 ص114، السنن الكبرى: ج2 ص433،
435.
[6] أخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 473 وصححه هو
والذهبي .
[7] مسند أحمد: ج1
ص327، السنن الكبرى: ج2 ص105.
[8] السنن الكبرى ج2 ص106 .
[9] السنن الكبرى ج2 ص105 ، 107، نيل الأوطار: ج2 ص268.
[10] ابن الأثير، النهاية 2 : 497 مادة " شكا
".
[11] أبو داود: ج1 ص75، السنن الكبرى: ج2 ص440.
[12] السنن الكبرى: ج2 ص105.
[13] أخرجه الطبراني في الكبير وعنه في المجمع: ج2 ص57 .
[14] البخاري: ج1 ص101، مسلم: ج2 ص128، ابن ماجة: ج1 ص320، النسائي: ج2 ص57، البيهقي: ج2 ص421.
[15] مصنف أبي شيبة: الباب: ج1 ص401 الباب 182 (من كره الصَّلاَةَ عَلَى الطَّنَافِسِ، وَعَلَى شَيْءٍ دُونَ
الأَرْضِ) ص401 ح4079 و4080.
[16] صحيح مسلم: ج3 ص11،
مسند أحمد: ج3 ص319 و 371.
[17] مصنف عبد الرزاق: كِتَابُ الصَّلاةِ، بَابُ
الصَّلاةِ عَلَى الصَّفَا وَالتُّرَابِ، ح 1474. كنز العمال، المتقي الهندي: ج7 ص465 برقم
19810.
[18] أبو داود: ج1 ص75 ، السنن الكبرى: ج2 ص440.
[19] مسلم: ج1 ص 168.
[20] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: مادة: خمر.
[21] طبقات
ابن سعد: ج6 ص50 ـ 56 ، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: ج1 ص396، تهذيب
التهذيب: ج10 ص109 - 111، المصنف، لأبي بكر بن أبي شيبة: ج1 ص400
كما في السجدة على التربة: 93.
[22] مصباح المتهجد: 734.
0 التعليقات:
إرسال تعليق