السؤال: ما معنى ان للقرآن ظاهر وباطن وهل تختلف تفسير الايات القرآنية في الظاهر عن تفسيرها في الباطن؟
الجواب: في الكلام العرفي الاعتيادي عند الناس تارة يكون اللفظ له معنى واحد لا غير
كأن يقول الأب لابنه أنا عطشان فأتني بماء.
وعلى هذا يتعامل الناس
وتارة هناك شيء يسمونه تورية
والمقصود بالتورية أن اللفظ يحتمل أكثر من معنى والمتكلم لا يريد المعنى القريب الظاهر بل يريد المعنى البعيد
مثلا ابراهيم يقول لقومه أنا ميت أو أنا سقيم
ولكنه يقصد انه سقيم فيما بعد أو بحب الله
أو أنه ميت فيما بعد
وهم يفهمون انه يقصد كونه مريضا وقت الخطاب
ومنه قول الله للنبي
انك ميت وانهم ميتون
مع ان النبي كان حيا وقت الخطاب
والسؤال هو لماذا يلجأ النبي أو العقلاء الى هذه الطريقة من الخطاب؟
والجواب ان الأسباب كثيرة
بعضها خوفا من تهديد معين
أو انه لا يريد للسامع أن يفهم لخطورة الأمر
أو أن المعلومة أكبر من فهم السامع
ولو خاطبوه بالمباشرة والوضوح ربما كان عقله أو قلبه لا يحتمل
وهنا نقول ان هذه المعاني ليس بالضرورة ان تكون اثنين
فربما كانت ثلاثة أو أربعة أو عشرين
والذي يميز القرآن الكريم أنه يحمل هذه الرسائل التي يفهمها كل بحسب فهمه ومستواه
فجرت سيرة العقلاء والحكماء أن يلقوا ألفاظا معينة تحتمل اكثر من معنى فينسبق ذهن السامع الى المعنى القريب لأنه مألوف له ولا يخطر بباله أن البعيد هو المراد
وهنا نقول ان هذه المعاني ليس بالضرورة ان تكون اثنين
ولذلك قالوا ان القرآن له ظاهر وباطن وللباطن ظهر وباطن
وله سبعة بطون
أو سبعون بطنا
ولو أخذنا مثالا واحدا من سورة الفاتحة
"اهدنا الصراط المستقيم .... ولا الضالين"
فلو قلنا ان المراد ان صراط الله مستقيم لا اعوجاج فيه لصح
ولو قلنا انه ليس طريق اليهود المغضوب عليهم ولا طريق النصارى الضالين لصح
وهذه مرحلة اعلى من الأولى اللفظية
لأن الثانية لا يفهمها الا من قرأ تاريخ اليهود والنصارى
ولو جئنا في مرحلة ثالثة وقلنا ان المراد هو صراط أهل البيت لصح ايضا
لأن الايات تفترض ان الذين يجب اتباعهم هم من انعم الله عليهم غير المذنبين ولا الضالين
واما المنعم عليهم فتفترض توفرهم على مقامات عالية من الله سبحانه بحيث أنهم لم يصدر منهم ما يستوجب الغضب الإلهي ولا يؤدي الى التيه والجهل
فكل من يعصي ويصدر منه الذنب والظلم لم ولن يستحق ذلك المقام
وكل من لا يتوفر على العلم والحكمة يصدر منه المواقف الحائرة
فهذا في الواقع تعبير آخر عن العصمة وأن القرآن يأمرنا باتباع المعصوم وينهانا عن اتباع غيره
وبالنتيجة هذه معان بعضها اعمق من بعض، بعضها في طول بعض، ومترتب على بعض
وهو ما نسميه انه باطن لسابقه
وفي الواقع كل ما فهمناه نحن من القرآن فهو بواطن لظواهر كنا نفهمها من قبل
وما نزال في طي هذا الطريق الذي كلما ارتقينا منه درجة انفتح لنا مجال للتأمل لارتقاء درجة أعلى منه وبطن اعمق!.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق