الجمعة، 11 أبريل 2014

لا تزنوا فتزني نساؤكم! (آثار الزنا)

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  8:28 م 0 تعليقات


السؤال: كيف يمكن أن نفهم الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله، الذي يقول فيه: "لا تزنوا فتزني نساؤكم"؟! وهل من العدل أن يعاقب أهل الرجل بجناية ارتكبها هو؟ وكيف نوفق بين ذلك و بين العدل الإلهي؟. كيف نجمع بين ذلك و بين قوله تعالى { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }؟ سورة فاطر – 18 .
 
الجواب: هذا الحديث عنوان لطائفة غير قليلة من الأحاديث التي تعطي نفس المضمون، وبألسنة مختلفة؛ مثل: ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)) قوله: "بروا [آباءكم] يبركم أبناؤكم، وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم". (وسائل الشيعة، مؤسّسة آل البيتِ لإحياء التُّراثِ: ج 20  ص356)
وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: أما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم؟ !." (وسائل الشيعة، مؤسّسة آل البيتِ لإحياء التُّراثِ: ج 20  ص200).
وعنه أيضاً عليه السلام قال: لما أقام العالم الجدار أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى (عليه السلام) أني مجازي الابناء بسعي الآباء إن خيرا فخير وإن شرا فشر، لاتزنوا فتزني نساؤكم ومن وطئ فراش امرء مسلم وطئ فراشه كماتدين تدان.( فروع الكافي 2: 73 و 74.)
و قال أبوعبدالله (عليه السلام) للمفضل: ما أقبح بالرجل من أن يرى بالمكان المعور فيدخل ذلك علينا وعلى صالحي أصحابنا، يا مفضل أتدري لم قيل: من يزن يوما يزن به؟ قلت: لا جعلت فداك، قال: إنها كانت بغي في بني إسرائيل وكان في بني إسرائيل رجل يكثر الاختلاف إليها فلما كان في آخرما أتاها أجرى الله على لسانها أما إنك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا قال: فخرج وهو خبيث النفس فدخل منزله غير الحال التي كان يدخل بها قبل ذلك اليوم وكان يدخل بإذن فدخل يومئذ بغير إذن فوجد على فراشه رجلا فارتفعا إلى موسى فنزل جبرئيل على موسى فقال: يا موسى من يزن يوما يزن به، فنظر إليهما فقال: عفّوا تعفّ نساؤكم. (الكافي : ج 5  ص 553).
وعنه عليه السلام : بروا آباءكم يبركم أبناؤكم وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم. (الكافي : ج 5  ص 553).
وعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تزوجوا إلى آل فلان فإنهم عفّوا فعفّت نساؤهم ولاتزوجوا إلى آل فلان فإنهم بغوا فبغت نساؤهم، وقال: مكتوب في التوراة " أنا الله قاتل القاتلين ومفقر الزانين أيها الناس لا تزنوا فتزني نساؤكم كما تدين تدان " ( الكافي : ج 5  ص 553).
ولفهم الجواب لا بد - أولاً - من التفريق بين نوعين من الآثار والنتائج؛ بين الآثار المترتبة على مثل هذه الأفعال في عالم الدنيا، والتي هي خاضعة لقانون الأسباب والمسببات، مثل العدوى بالأمراض، وانتقال الجينات الوراثية، وتفشي بعض العادات والسلوكيات في المجتمع، حتى في البيوتات المؤمنة والبريئة، ما لم يشدد الحصار عليها، وبين الآثار القضائية التي تصدر بحق الخلق كعقاب وجزاء، سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة.
 وإن المراد بالعدل الإلهي هو الحكم القضائي دون عالم التكوين والآثار السلوكية فهما خارجان عن هذا القانون، بل يفهم من النصوص الشرعية على أن حكمة الله اقتضت وجوده لمصالح لا تخفى على العقلاء.
وثانياً:  في ضوء ما تقدم يمكن قراءة الأحاديث حول آثار الزنا من جهتين  :
الجهة الأولى: الجهة التكوينية: وهي من جهات أيضاً:
1_ حيث إن السلوكيات الاجتماعية بعضها مرتبط ومؤثر ببعضها اﻵخر. ولذلك كان من الطبيعي أن ينشأ العفيفون في حضن أصحاب العفة، والماجنون في أحضان الماجنين والخبثاء.
2- حين يصدر هذا اﻷمر من رب اﻷسرة، الذي يفترض فيه أن يكون قدوة لرعيته، فهو شاء أم أبى يعبّد الطريق لهم لاتباعه في ذلك العمل الفاحش القبيح.
3- وربما كان سلوكه ذلك سبباً في ردة فعل سلبية وانتقامية من نسائه، فيرتكبن نفس الخطأ ظنّاً منهن أنهن يعاقبنه، مع أنهن في الحقيقة إنما يعاقبن به أنفسهن.
4- على أن هذا الحديث الشريف القدسي لم يجزم بحصول تلك النتيجة على نحو يأبى التخلف، وإنما ذكره كنتيجة اعتيادية متعارفة، نظراً إلى الفعل والانفعال الطبيعيين بين اﻷفعال والسلوكيات، وربما تخلفت. كما أنه ليس المقصود من نساء المرء يعني زوجاته ولا نسائه المباشرات المعاصرات، بل ربما انتقلت العدوى أو حصل الأمر في ذرياته وحفدته، كما صرحت به بعض الأحاديث مثل المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان فيما أوحى الله إلى موسى (عليه السلام): من زنى زني به ولو في العقب من بعده، يا موسي، عف يعف أهلك، يا موسى بن عمران، ان أردت ان يكثر خير أهل بيتك فاياك والزنا، يا موسى بن عمران كما تدين تدان. (الفقيه 4: 13 - 14).
والجهة الثانية: الجهة اﻷخلاقية اﻹخبارية: ويراد منها التحذير باﻷصالة، بمعنى إيقاف المقصود بالخطاب على آثار ذلك العمل الخطيرة والكبيرة، وتحريك الغيرة عنده وإثارتها، عسى أن تكون زاجراً له عن إقدامه على الفاحشة، وإن لم يكن الحديث ناظراً إلى حتمية حصول ذلك من نساء الرجل.
وعلى هذا المحمل ﻻ يبقى مانع من أن تكون خطوة الفاحشة قد صدرت من النساء باختيارهن، نتيجة تلك التأثيرات المتقابلة، ﻻ بسبب ما ارتكبه الرجل فقط، حتى يصح الاعتراض بمثل قوله تعالى:" وﻻ تزر وازرة وزر أخرى " (اﻷنعام: 164).
كما أنه قد يكون إشارة إلى كيفية انتشار الفساد في المجتمع، فهو يبدأ ببذرة وحركة واحدة من شخص، ثم ما يلبث أن ينتشر ويتفشى في اﻷسرة والمجتمع كالنار في الهشيم. فيكون نظير التيار الذي يجرف كل ما يمر عليه بطريقه، دون أن يفرق حينها بين الخبيث والطيب؛ كما قال تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " (اﻷنفال: 25)، وكما قال عز من قائل: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" (الروم: 41).

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top