الأحد، 27 أبريل 2014

ربما نرى كافراً لا يرتكب الفواحش ونرى مؤمناً يرتكبها فكيف يكون ذلك؟!

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  7:21 م 0 تعليقات


درجات الإيمان (2-3)
 
السؤال: إننا نرى كافراً وربما لا يرتكب الفواحش، ولا يكذب، ونرى بعض المؤمنين يرتكبونها، فكيف يمكن أن يكون العبد مؤمناً وعاصياً تصدر منه الفواحش، وكيف لم تصدر من الكافر غير العارف المعتقد؟
 
الجواب: لا شك أن ترك الفواحش والإثم والبغي وأمثالها يرجع إلى سبب واضح عند من يتركها. كما أنه لا شك في أن الله سبحانه لم يحرّم ما حرّم إلا لمصالح في الطاعات ومفاسد في المعاصي. ومن غير المستبعد أن يكون دافع الكافر في تركه للفواحش هو ما يراه من قبح ومفاسد في تلك الأفعال، أو بسبب تقبيح العرف البشري لها.
لكن هذا الكلام غير مسلّم على إطلاقه، لأن القبائح كثيراً ما لا تكون واضحة ظاهرة، ولذلك وجدنا البشر البعيدين عن الوحي غير متفقين على تقبيح  المحرمات الشرعية؛ فكيف يجتنبها من لا يعرفها أصلاً؟!
فتحتاج إلى نور الوحي والتشريع لبيانها، وهذا لا يتأتى من غير المؤمن المعتقد. شريطة أن يثبت الإيمان في قلب صاحبه، فإنه إن لم يكن راسخاً مستقراً كان متأرجحاً متفلتاً، بأقل الدوافع وأدنى الأسباب. والناس في إيمانهم درجات ومراتب. فالمؤمنون جميعاً مؤمنون في درجاتهم الدنيا التي لا تخرجهم عن الاعتقاد والدين إلى الكفر، لكنهم ينسلخون من درجات إيمانهم التي هي فوق ذلك.
وفي أحاديث أهل البيت عليهم السلام: أن المؤمن لا يصدر منه تلك الفواحش، مع هيمنة إيمانه عليه وتمكنه منه. فإن له أربعة أرواح: روح اﻹيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، ربما انسلخت منه روح فبقي تأثير غيرها.
وقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: إن أناساً يزعمون أن العبد لا يزني وهو مؤمن. ولا يشرب الخمر وهو مؤمن. ولا يأكل الربا وهو مؤمن. ولا يسفك دماً حراماً وهو مؤمن، قد كبر هذا علي وحرج منه صدري حتى أزعم أن هذا العبد الذى يصلي ويواريني وأواريه أخرجه من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه، فقال عليه السلام: صدقك أخوك أخوك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: خلق الله الخلق على ثلاث طبقات فأنزلهم ثلاث منازل، فذلك قوله: " فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون " (الواقعة: 8-11).
 فأما ما ذكره الله عز وجل من السابقين السابقين، فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس وروح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وبروح الايمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معائشهم وبروح الشهوة أصابوا لذيذ المطعم والمشرب ونكحوا الحلال من النساء، وبروح البدن دبّوا و درجوا، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنبهم.
 ثم قال: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " (البقرة: 87). ثم قال في جماعتهم: "وأيدهم بروح منه "(المجادلة: 22)؛ يقول: أكرمهم بها وفضلهم على سواهم، فهؤلاء مغفور لهم. " (الكلينى في الكافى باب الكبائر ج 2 ص 281).
ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم فجعل فيهم أربعة أرواح: روح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فلا يزال العبد مستكملا هذه الارواح الاربعة حتى تأتى عليه حالات، فقال: وما هذه الحالات؟ فقال علي عليه السلام: أما أولهن فما قال الله: " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " (النحل: 70)؛ فهذا تنقص منه جميع الأرواح وليس بالذي يخرج من الإيمان، لأن الله الفاعل به ذلك ورادُّه إلى أرذل العمر، فهو لا يعرف للصلاة وقتاً ولا يستطيع التهجد بالليل ولا الصيام بالنهار، فهذا نقصان من روح الإيمان وليس بضاره شيئاً إن شاء الله. وتنقص منه روح الشهوة فلو مرت به أَصبحُ بناتِ آدم ما حنّ إليها، وتبقى فيه روح البدن فهو يدب بها ويدرج حتى يأتيه الموت فهذا بحال خير، الله الفاعل به ذلك، وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه يهم بالخطيئة فتشجعه روح القوة وتزين له روح الشهوه وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة، فإذا لامسها تفصَّى من الإيمان (تفصى يعني تخلص وانفصل) وتفصى الإيمان منه، فليس بعائد أبداً أو يتوب، فإن تاب وعرف الولاية تاب الله عليه، وإن عاد فهو تارك للولاية أدخله الله نار جهنم. وأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله سبحانه: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه (يعني محمدا والولاية في التوراة والانجيل) كما يعرفون أبناءهم (في منازلهم) وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " (البقرة: 146-147). فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوة وروح الشهوة وروح البدن. ثم أضافهم إلى الأنعام فقال: " إن هم إلا كالانعام " (الفرقان: 44)؛ لأن الدابة تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن. قال له السائل: أحييت قلبي (بحار اﻷنوار: ج25  ص65-67).

سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.

التسميات :
نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top