السؤال: لا شك ولا كلام في استحقاق الكافر العالم العامد للنار، ولكن ما حكم الكفار في الآخرة، إذا كانوا مظلومين في الدنيا؟ وكذلك أعمالهم الخيرة التي قدموها للبشرية؟
الجواب: إن الله سبحانه للظالمين لبالمرصاد، ولا يريد ظلماً للعباد. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن ربي عز وجل حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم" (بحار اﻷنوار: ج22 ص508)، كائناً من كان الظالم أو المظلوم.
غير أن هناك سنناً إلهية أبى الله إﻻّ أن تكون. ومنها: أن الكافرين ليس لهم نصيب في اﻵخرة؛ قال تعالى: " الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" (الكهف: 105)، وقال: "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب" (النور: 39).
على أن الكفر في الواقع درجات، فإذا كان الكافر كافراً بكل العقائد الحقة، حتى بالتوحيد، فإنه لا يغفر له، وتحبط أعماله كلها. وإذا كان له حصة من اﻹيمان فيكون وزنه بمقدار ما له من اﻹيمان، وبحسب موقعيته من العقائد المطلوبة. وإذا فرضنا كون الكافر معذوراً في كفره، فإن الله يعدّ له يوم القيامة امتحاناً يتبين به أنه من أصحاب الجنة أم من اصحاب السعير. وهذا اﻷمر يصدق أيضاً على المسلم غير المؤمن أيضاً؛ قال الله تعالى: "قالت اﻷعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل اﻹيمان في قلوبكم، وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ "(الحجرات: 14-15). وبه يعلم جواب السؤال الثالث أيضاً.
ثم إنه ينبغي التنبيه على أن الكفر بحد ذاته يُعدّ أعظم ظلمٍ وأفحشه؛ قال تعالى: "والكافرون هم الظالمون" (البقرة: 254). ومقتضى العدل واﻹنصاف أنه كما يؤخذ له ممن ظلمه، كذلك يؤخذ منه إذا صدر منه الظلم بحق الغير سواء بسواء، وبلا فرق بين الظلمين. فإذا كان له حق بسبب مظلوميته، فإن الله سبحانه يوفيه حقه ذاك، إما في الدنيا، أو بالتخفيف عنه بذلك المقدار في اﻵخرة؛ "ولا يظلم ربك أحداً" (الكهف: 49).
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق