الخميس، 21 أغسطس 2014

سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

من طرف طريق الفضيلة  |  نشر في :  8:39 م 1 تعليق


م


وُلد الإمام جعفرُ بن محمد الصادق(عليه السلام) في 17 ربيع الأول سنة 80 هجرية في المدينة المنورة.

أبوه:

الإمام محمد الباقر(عليه السلام).

وأمّه:

" أمّ فروة " بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

قال الإمام الصادق(عليه السلام) عن والدته:(كانت أمّي ممّن آمنتْ واتّقت وأحسنتْ واللهُ يحبّ المحسنين).

عاش مع جدّه السجّاد 15 سنة ومع أبيه الباقر(عليه السلام) 34 سنة.

دعاه الناس بألقاب عديدة ؛ منها:

الصابر، والفاضل، والطاهر ؛ وأشهرها الصادق، و كلّها تدلّ على شخصيته الأخلاقية وحسْن سيرته.

كان استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، وما فعله الأمويون من ظلم بالمسلمين سبباً في زوال حكمهم وفتح الطريق أمام العباسيين الذين خدعوا الناس بدعوتهم إلى أهل البيت(عليهم السلام) ولكنهم ـ وبعد أن أحكموا قبضتهم ـ صاروا أشدّ أعداء أهل البيت.

عاصر الإمام الصادق ظلم بني أميّة أكثر من أربعين سنة، وعاش في زمن بني العباس أكثر من عشرين سنة.

وظل بعيداً عن السياسة منصرفاً إلى تثبيت دعائم الدين في نفوس الناس، ونشر أخلاق الإسلام وعقائده في زمن راجت فيه العقائدُ الإلحادية والمنحرفة.

تصدّى الإمام الصادق إلى محاربة الإلحاد والزندقة. وفي عهده انتشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

خصائصه الخلقية

* قال زيد بن علي الثائر المعروف: في كل زمان رجلٌ منّا أهلَ البيت يحتجّ اللهُ به على خلْقه، وحجّة زماننا إبن أخي جعفرُ بن محمد.. لا يضلّ من تبعَه ولا يهتدي من خالفه.

* وقال فيه مالك بن أنس إمام المذهب المالكي: والله ما رأت عيني أفضلَ من جعفر بن محمد زهداً وفضلاً وعبادةً و ورعاً، وكنت أقصده فيكرمني ويُقبل عليّ.

* وتتلمذ على يديه أبو حنيفة إمام المذهب الحنفي مدّة عامين، وكان يقول: لولا السنتان لهلك النعمان.

* وروى أحد أصحابه: كنت مع أبي عبد الله(عليه السلام) بالمدينة وهو راكب حماره، فلمّا وصلنا قريب السوق، نزل الإمام فسجد لله وأطال السجود وأنا أنتظره، ثم رفع رأسه، فقلت: جُعلتُ فداك رأيتك نزلت فسجدت؟ قال الإمام: إني ذكرت نعمة الله عليّ فسجدتُ شاكراً.

* وقال آخر: رأيتُ أبا عبد الله(عليه السلام) وبيده مسحاة وعليه إزارٌ غليظ يعمل في بستان له، والعرق يتصبّب منه، فقلت: جُعلت فداك: أعطني المسحاة أكفِك العمل فقال لي: إني أحبّ أن يتأذّى الرجل بحرّ الشمس في طلب المعيشة.

* وقد بعث الإمام ذات يوم غلامه في حاجة فأبطأ، فخرج الإمام الصادق(عليه السلام) على أثره يبحث عنه، فوجده نائماً، فجلس عند رأسه يروّح له الهواء حتى انتبه، فعاتبه الإمام برقة وقال له: تنام الليل والنهار؟! لك الليل، ولنا النهار.

* استأجر الإمام عمالاً يعملون في بستانه، فلما فرغوا من عملهم، قال لغلامه معتب: أعطيهم أجرهم قبل أن يجفّ عرقهم.

* كان الإمام الصادق(عليه السلام) إذا مضى جزء من الليل أخذ جراباً فيه خبز ولحم ودراهم، فحمله على عاتقه فوزّعه على ذوي الحاجة من أهل المدينة وهم لا يعرفونه.

فلما توفّي الإمام الصادق(عليه السلام) افتقدوا ذلك الرجل فعلموا أنه الإمام.

الإمام وسفيان الثوري:

مرّ سفيان الثوري في المسجد الحرام، فرأى الإمام الصادق(عليه السلام) مرتدياً ثياباً قيّمة جميلة، فقال: والله لأوبّخنهُ، فاقترب من الإمام وقال له: يا بن رسول الله، والله ما هذا لباس رسول الله ولا لباس علي بن أبي طالب ولا أحد من آبائك.

فقال الإمام: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في زمن فقر، ونحن في زمن غنى، و الأبرار أحقّ من غيرهم بنعم الله، ثم قرأ الإمام قوله تعالى:((قُل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)).

فنحن أحقّ من أخذ منها ما أعطاه الله، ثم كشف الإمام ثوبه فإذا تحته ثوب غليظ خشن، وقال: يا ثوري هذا لبسته للناس، وهذا لي.

الإمام والتجارة:

دعا الإمام مولى له اسمه " مصادف " وأعطاه ألف دينار ليتاجر بها، وقال له: تجهّز حتى تخرج إلى مصر، فإنّ عيالي قد كثروا، فتجهَّز وخرج مع قافلة التجار إلى مصر، فصادفتْهم قافلة خرجتْ من مصر تريد العودة، فسألوهم عن البضاعة وحاجة الناس هناك، فأخبروهم أنّه ليس في مصر منه شيء، فاتّفق التجار ومعم (مصادف) على ربح فاحش على بضاعتهم، فلما وصلوا مصر عرضوا بضائعهم بربح 100% وباعوا على ذلك، ثم عادوا إلى المدينة.

ودخل مصادف على الإمام الصادق وهو يحمل كيسين ؛ في كل واحد ألف دينار، وقال للإمام: يا سيدي هذا رأس المال وهذا ربحه، فقال الإمام: هذا ربح كثير، كيف ربحته؟ فحدثه مصادف بحاجة بلاد مصر إلى بضائعهم وكيف اتفق التجار على استغلال هذه الحاجة، وتحالفهم عن أن يكون ربح كل دينارٍ ديناراً، فتأثر الإمام وقال مستنكراً: سبحان الله ! تتحالفون على قوم مسلمين إلاّ تبيعوهم إلاّ ربح الدينار ديناراً.

أخذ الإمام رأس المال فقط، وقال: هذا مالنا ولا حاجة لنا في ربحه، ثم قال: يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال.

* سأل فقيرٌ الإمام الصادق(عليه السلام) فقال لغلامه: ما عندك؟ قال الغلام: أربعمائة درهم.

فقال الإمام: أعطه إياها، فأخذها الفقير وانصرف شاكراً.

فقال الإمام لغلامه: أرجعه.

فقال الفقير متعجباً: سألتك فأعطيتني فماذا بعد ذلك! فقال الإمام: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خير الصدقة ما أبقت غنى و إنا لم نغنك، فخذ هذا الخاتم، فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة.

برّ الأم:

أسلم شاب نصراني ودخل على الإمام الصادق فدعا له وقال له: سلْ عما شئت يا بني.

فقال الشاب: إن أبي وأمّي وأهل بيتي على النصرانية، وأمي مكفوفة البصر، أنا أعيش معهم وآكل في آنيتهم.

فقال الإمام: أيأكلون لخم الخنزير؟ فقال الشاب: كلاّ.

فقال الإمام: كل معهم، وأوصيك بأمّك فلا تقصر في برّها، وكن أنت الذي تقوم بشأنها.

وعاد الشاب إلى الكوفة، فرأت أمّه منه أخلاقاً حسنة لم ترها من قبل، فقالت: يا بني ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني، فما الذي أرى منك منذ هاجرت ودخلت في الحنيفية؟ فقال الشاب: أمرني بهذا رجلٌ من ولد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقالت أمّه: أهو نبي؟ فقال الشاب: لا، ولكنه ابن نبي.

فقالت الأم: دينك خير الأديان اعرضه عليّ.

فعرض الابن على أمّه دين الإسلام فأسلمت، وعلّمها الصلاة.

الإمام والاحتكار:

قال الإمام الصادق(عليه السلام) الحكرة (الإحتكار) في الخصْب أربعون يوماً وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد على ثلاثة أيام في العسر فصاحبه ملعون.

وكان يقول لخادمه في أوقات حاجة الناس: اشترِ لنا شعيراً واخلطْ به طعامنا فإنّي أكره أن نأكل جيداً ويأكل الناس رديئاً.

* ذات ليلة، وكان الظلام يغمر المدينة رأي المعلّى بن خنيس الإمامَ الصادق(عليه السلام) يشقّ طريقه في المطر والظلام وهو يحمل كيساً مليئاً بالخبز، فتبعه ليعرف أين يذهب، فسقطت بعض أرغفة الخبر فجمعها ومضى في طريقه حتى وصل إلى مساكين كانوا نائمين، فوضع عند رأس كل واحد منهم رغيفين فدنا منه المعلّى، وسلّم عليه وسأله: أهم من شيعتك؟ فقال الإمام: لا.

* وكان الإمام يعول كثيراً من الاُسر.. يحمل إليهم الطعام في الليل وهم لا يعرفونه، حتى إذا توفّي انقطع ما يأيتهم في الليل، فعرفوا أنّه الإمام.

* وأصاب المدينة قحط، واختفى القمح من أسواقه، فسأل الإمام غلامه " معتب " عنه، فقال معتب: عندنا ما يكفينا شهوراً، فأمره أن يبيعه ويعرضه في الأسواق.

* روى بشار المكاري، قال: دخلت على أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) وكان بين يديه طبقٌ من رطب وهو يأكل، فقال: يا بشار، اُدنُ فكل.

فقلت: هنّأك الله قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي... أوجع قلبي.

رأيت جلوازاً "شرطياً" يضرب امرأة ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي: المستغاث بالله ورسوله.

فسألتُ، فقال الناس: إنّها عثرت في طريقها، فقالت: لعَن اللهُ ظالميكِ يا فاطمة.

فقطع الإمام الأكل وبكى حتى ابتلّ منديله، ثم نهض إلى المسجد ودعا لها، فلم تلبثْ في الحبس إلاّ قليلا، ثم بعث لها بصرّة فيها سبعة دنانير، وكانت امرأة فقيرة.

 الجامعة الإسلامية:

سعى الأمويون، ومن ورائهم العباسيون، في القضاء على أهل البيت(عليه السلام) وطاردوا شيعتهم في كل مكان، وكان الناس يتداولون الروايات عن أهل البيت سرّاً، خوفاً.

وعندما أتيحت القرصة إلى الإمام الباقر ثم ابنه الإمام الصادق (عليهما السلام) انصرفا إلى نشر علوم الدين، وتحكيم اُسس الإيمان في قلوب الناس.

وقد اتّسم العصر الذي عاشه الإمام بظهور الحركات الفكرية، ووفور الآراء الاعتقادية الغربية إلى المجتمع الإسلامي، وأهمهاعنده هي حركة الغلاة الهدّامة، الذين تطلّعت رؤوسهم في تلك العاصفة الهوجاءإلى بثْ روح التفرقة بين المسلمين، وترعرعت بنا ت أفكارهم في ذلك العصر ليقوموا بمهمّة الانتصار لمبادئهم التي قضى عليها الإسلام، فقد اغتنموا الفرصة في بثّ تلك الآراء الفاسدة في المجتمع الإسلامي، فكانوا يبثّون الأحاديث الكاذبة ويسندونها إلى حملة العلم من آل محمّد، ليغرّروا به العامّة، فكان المغيرة بن سعيد يدّعي الاتّصال بأبي جعفر الباقر، ويروي عنه الأحاديث الـمـكـذوبة, فأعلن الامام الصادق(عليه السلام) كذبه والبراءة منه، وأعطى لأصحابه قاعدة فيالأحاديث التي تروى عنه فقال: «لا تقبلوا عليناً حديثا إلا ما وافق القرآن والسنّة , أو تجدون معهشاهداً من أحاديثنا المتقدّمة».

ثم إن الإمام قام بهداية الأمّة إلى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الاراء والأفكار, و اشتعلت فيه نار الحرب بين الأمويّين ومعارضيهم من العباسيّين , ففي تلك الظروف الصعبة و القاسية استغلّ الإمام الفرصة فـنـشر من أحاديث جدّه، وعلوم آبائه ما سارت به الركبان, وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والـفـقـهـاء ولـقـد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقاة ـ على اختلافآرائهم ومقالاتهم ـ فكانوا أربعة آلاف رجل وهذه سمة امتاز بها الامام الصادق عن غيره من الأئمّة ـ عليه و عليهم السلام.

إن الإمام(عليه السلام) شرع بالرواية عن جدّه و آبائه عندما اندفع المسلمون إلى تدوين أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بعدالغفلةالـتـي استمرّت إلى عام 143ه حيث اختلط آنذاك الحديث الصحيح بالضعيف وتسرّبت إلـى الـسـنـة , العديد من الروايات الإسرائيلية الموضوعة من قبل اعداء الإسلام منالصليبيّين والمجوس، بالإضافة إلى المختلقات والمجعولات على يد علماء السلطة ومرتزقة البلاط الأموي.

ومن هنا فقد وجـد الإمام(عليه السلام) أن أمر السنّة النبوية قد بدأ يأخذ اتّجاهات خطيرة وانحرافات واضحة، فـعـمد(عليه السلام) للتصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة , وتفنيد الآراء الدخيلة على الإسلام والتي تسرّب الكثير منها نتيجة الاحتكاك الفكري والعقائدي بين المسلمين وغيرهم.

إن تلك الفترة شكّلت تحدّيا خطيراً لوجود السنة النبوية، وخلطاً فاضحاً في كثير من المعتقدات , لذا فإن الإمام(عليه السلام) كان بحقّ سفينة النجاة من هذا المعترك العسر.

إن علوم أهل البيت(عليهم السلام) متوارثة عن جدّهم المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي أخذها عن الله تعالى بواسطة الأمين جبرئيل(عليه السلام)، فلا غرو أن تجد الأمة ضالّتها فيهم(عليهم السلام)، وتجد مرفأ الأمان في هذه اللجج العظيمة، ففي ذلك الوقت، حيث أخذ كلّ يحدّث عن مجاهيل ونكرات ورموز ضعيفة ومطعونة، أو أسانيد مشوّشة، تجد أن الإمام الصادق(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث علي بن أبي طالب، وحديث عليّ حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قول الله عزّ وجلّ.

فتأسّست بذلك على يديه(عليه السلام) جامعة إسلامية كبرى تضمّ أكثر من أربعة آلاف عالم تخرّجوا على يديه، في علوم الدين والرياضيات والكيمياء، وحتى الطب.

وكان جابر بن حيّان الكيميائي المشهور يبدأ مقالاته في هذا العلم بقوله: حدّثني سيّدي " جعفرُ بن محمدٍ الصادق(عليه السلام) ".

كان الإمام الصادق(عليه السلام) يحترم العلماء المؤمنين ويشجّعهم ويوضّح لهم الطريق الصحيح للبحث والحوار لخدمة الدين وتعميق أساس الإيمان، وكان يشعر بالحزن لدى رؤيته المنحرفين الضالّين الذين يسعون إلى بلبلة عقائد الناس ونشر الضلال.

واجتمع أربعة من هؤلاء الضالّين في مكة وراحوا يسخرون من الحُجّاج وهم يطوفون بالكعبة، ثم اتّفقوا على نقض القرآن بتأليف كتابٍ مثله، فتعهّد كلّ واحد منهم بربع القرآن، وقالوا ميعادنا العام القادم.

ومرّ العام، واجتمعوا مرّة أخرى.

قال الأول: قضيت العام كلَّه أفكّر في هذه الآية: ((فلّما استيأسوا خلصوا نجيّاً)) وقد حيّرتني فصاحتها وبلاغتها.

قال الثاني: فكّرت في هذه الآية: ((يا أيها الناس ضُرِب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له } فلم أقدر أن آتي بمثلها)).

وقال الثالث: وأنا فكّرت في هذه الآية: ((لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا)) فلم أستطع أن آتي بمثلها.

وقال الرابع: انه ليس من صنع البشر.

لقد قضيت العام كلّه أفكّر في هذه الآية: ((وقيل يا أرض ابلعي ماءكِ ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين)).

ومرّ بهم الإمام الصادق(عليه السلام) فنظَر إليهم وتلا قوله تعالى: ((لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً))..

المذهب الجعفري:

انتشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في زمن الإمام الصادق(عليه السلام) وأصبح له أتباع كثيرون، حتى أطلق الناس على مذهب التشيع اسم المذهب الجعفري نسبة إلى جعفرٍ الصادق(عليه السلام).

وبالطبع لا يختلف المذهب الجعفري، فهو مذهب علي(عليه السلام) الذي اغتيل في المحراب على يد الخوارج، وهو المذهب الذي مات عليه الحسن(عليه السلام) مسموماً على يد معاوية، وهو المذهب الذي استشهد من أجله الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء.

لقد أوصى رسول الله المسلمين بكتاب الله وعترته (أهل البيت) ولكن المسلمين ـ ومع الأسف ـ غفلوا عن وصية النبي(عليه السلام) فغصب المنحرفون حقّهم، وانتشر الفساد والظلم،وكان الحكام يطاردون آل النبي وشيعتهم، بل تجرّأوا على قتلهم وارتكاب أبشع الجرائم بحقّهم كما حصل في كربلاء.

وأدرك الناس أنّهم قد خسروا خسارة كبرى بتضييع وصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنهم كانوا يخافون سطوة الحاكمين، حتى كان بعضهم يخفي ولاءه لأهل البيت خوفاً على حياته.

الإمام وولاة عصره:

ضجّ الناس من حكم بني أمية وظلمهم، واستغلّ البعض عواطف الناس و ولاءهم لأهل النبي، فبدأوا معارضتهم لبني أمية باسم آل البيت، وقد نشط العباسيون وراحوا يدعون الناس إلى " الرضا من آل محمد ".

وقد ساعد هذا الشعار في انتشار دعوتهم، وبدأوا ثورتهم في خراسان.

وسرعان ما التفّ الناس حولهم، فانتصروا وانتهت حكومة بني أمية.

وبدل أن يُسلّم العباسيون الخلافة إلى أصحابها، راحوا يطاردون العلويين في كل مكان، وأمعنوا في قتلهم و تشريدهم.

أمسك المنصور بمقاليد الخلافة بقوّة وراح يخطّط للقضاء على معارضيه، فقتل محمداً وأخاه إبراهيم ؛ وهما من ولد الحسن(عليه السلام) وبثَّ الجواسيس في المدن، وأمر حاكم المدينة المنورة بمراقبة الإمام الصادق مراقبة دقيقة.

استدعى المنصورُ الإمامَ مرّة وقال له: لماذا لا تزورنا كما يزورنا الناس؟ أجابه الإمام: ليس لنا من أمر الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوه منك، ولا أنت في نعمةٍ فنهنئك بها، ولا في نقمة فنعزيك.

فقال المنصور بخبث: تصحبنا لتنصحنا.

فأجابه الإمام: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك.

كان المنصور يأمر وإليه على المدينة بالحطّ من مكانة علي(عليه السلام).

وذات يوم صعد الوالي المنبر وراح يذكر أمير المؤمنين وأهل بيته بسوء، فنهض الإمام وقال: أما ما قلت من خير فنحن أهله، وما قلت من سوء فأنت وصاحبك (أي المنصور) أولى به، والتفت الإمام إلى الناس وقال: ألا أنبئكم بأخفّ الناس ميزاناً وأبينهم خسرانا يوم القيامة وأسوأهم حالاً: من باع آخرته بدنيا غيره ؛ وهو هذا الفاسق.

فنزل الوالي من المنبر وهو يشعر بالخزي.

وفي مجلس " المنصور " كانت ذبابة لا تنفكّ تحطّ على أنف المنصور وهو يطردها فتعود، حتى آذته، فالتفت إلى الإمام وسأله بانزعاج: لِمَ خلق اللهُ الذباب؟ فأجابه الإمام: ليذلّ به أنوف الجبابرة.

استشهاد الإمام :

لم يكن المنصور يتحمّل وجود الإمام الصادق(عليه السلام) وكان يخطّط للقضاء عليه، وأخيراً دسّ إليه السم.

واستشهد الإمام في 25 شوّال سنة 148 هجرية.

حيث دُفن جثمانه الطاهر في مقبرة البقيع.

من كلماته(عليه السلام)

إحذر من الناس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمّام، لأنّ من خان لك سيخونك ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمّ إليك سينمّ عليك.

ثلاثة لا يصيبون إلاّ خيرا: أولو الصمت وتاركو الشرّ، والمكثرون من ذكر الله، ورأس الحزم التواضع.

فقيل للإمام: وما التواضع؟ فأجاب: أن ترضى من المجلس بدون شرفك، وأن تسلّم على من لقيت، وأن تترك المِراء (الجدل) وإن كنت محقاً.

كان رجل يتردّد على الإمام فانقطع، ولمّا سأل الإمام عنه قال أحدهم منتقصاً شأنه: إنّه نبطي.

فقال الإمام: أصل الرجل عقله، و حسَبه دينه، وكرمه تقواه، والناس في آدم مستوون.

اتقوا المظلوم فإنّ دعوة المظلوم تصعد إلى السماء.

الفقهاء أمناء الرسل فإذا رأيتهم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتّهموهم في دينهم.

ثلاثة تكدّر العيش: السلطان الجائر وجار السوء، المرأة البذيئة، وثلاثة لا يصلح العالم بدونها: الأمن والعدل والخصب.

و من وصيته لسفيان الثوري: «الوقوف عند كلّ شبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وترك حديث لم تروه، أفضل من روايتك حديثاً لم تحصه. إن على كلّ حق حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فدعوه».

التسميات :
نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

1 التعليقات:

Unknown يقول...

عظم الله تعالى اجورنا واجوركم بمصاب أمامنا الصادق عليه السلام

أرشيف المدونة الإلكترونية

back to top