السؤال: أحاديث وردت عن أهل البيت سلام الله عليهم بخصوص واقعة بين إبليس اللعين ومولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه:
منها: عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال كنت جالس عند الكعبة وإذ بشيخ محدودب قد سقط حاجباه على عينيه من شدة الكبر وفي يده عكازه وعلى رأسه برنس أحمر وعليه مدرعة من الشعر فدنا إلى النبي وهو مسند ظهره إلى الكعبة فقال يا رسول الله ادع لي بالمغفرة فقال النبي صلى الله عليه وآله خاب سعيك ياشيخ وضل عملك فلما تولى الشيخ قال يا أبا الحسن أتعرفه فقلت: اللهم لا قال: ذلك إبليس اللعين. قال علي عليه السلام فعدوت خلفه حتى لحقته وصرعته على الأرض، وجلست على صدره ووضعت يدي في حلقه لأخنقه فقال: لاتفعل يا أبا الحسن فإني من المنظرين الى الوقت المعلوم. ووالله يا علي إني لأحبك جداً، وما أبغضك أحدٌ إلا أشركت أباه وأمه فصار ولد زنا. قال عليه السلام: وضحكت وخليت سبيله"[1].
ومنها: عن سلمان الفارسي رحمه الله قال: مر إبليس لعنه الله بنفر يتناولون أمير المؤمنين عليه السلام فوقف أمامهم فقال القوم: من الذي وقف أمامنا فقال أنا أبو مرة!. فقالوا: يا أبا مرة أما تسمع كلامنا؟ فقال: سوأة لكم! تسبّون مولاكم علي بن أبي طالب؟! فقالوا له: من أين علمت أنه مولانا؟ فقال: من قول نبيكم: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فقالوا له: فأنت من مواليه وشيعته؟ فقال: ما أنا من مواليه ولا من شيعته، ولكني أحبه وما يبغضه أحد إلا شاركته في المال والولد، فقالوا له: يا أبا مرة فتقول في علي شيئاً، فقال لهم اسمعوا مني معاشر الناكثين والقاسطين والمارقين، عبدت الله عز وجل في الجان اثنتي عشرة ألف سنة، فلما أهلك الله الجان شكوت إلى الله عز وجل الوحدة، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فعبدت الله في السماء الدنيا اثنتي عشرة ألف سنة أخرى في جملة الملائكة، فبينا نحن كذلك نسبح الله عز وجل ونقدسه، إذ مر بنا نور شعشعاني، فخرت الملائكة لذلك النور سجداً، فقالوا: سبوح قدوس نور ملك مقرب أو نبي مرسل، فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: لا نور ملك مقرب ولا نبي مرسل، هذا نور طينة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه"[2].
السؤال: كيف يحب إبليس أمير المؤمنين ويدافع عنه ويذكر فضائله والآيات القرآنية تصرح أنه عدو للمؤمنين: "يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافه ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين"[3]، "إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير"[4].
الجواب: الروايتان ضعيفتان جدّاً. ولكن ضعفهما لا يعني أنهما موضوعتان في كل محتواهما!. وذلك أن أصل صدور مثل ذلك من إبليس لا مشكلة فيه؛ أما ذكر حبه لأمير المؤمنين عليه السلام؛ فهو من باب حب كل مخلوق للكمال، بما جبله الله على حبه، لا بما أنه يصطف في جبهته. وله نظائر كثيرة عند البشر، فإنهم بفطرتهم يحبون الكمال والحق وإن كانوا يجاهرون بعداوتهم له، لمصالحهم، أو لعصبياتهم وعنادهم. نظير ما فعل الوليد بن المغيرة، حين استشاروه في القرآن الذي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد ذكروا أنه كان يتخفى لسماع القرآن، وشهد لهم بصدق الرسول، وأنه حق، لكنه حين أحس بأنهم سوف يسحبون الفراش من تحت رجله، قال لهم: إن كان ولا بد، فقولوا: إنه ساحر![5]. كما أن الفواجر من النساء ربما يحببن العفاف والطهارة، لكنهن لا يتبن عن فجورهن، ولا يرعوين عن غيّهن. وأمير المؤمنين (عليه السلام) هو الحق، ومعه يدور حيثما دار، بنص الأحاديث القطعية، والمجمع عليها عند كافة المسلمين.
وأما لوم إبليس لهم وتبكيتهم على سبهم له صلوات الله عليه؛ فهو كذلك لا إشكال فيه، من حيث أن إبليس أحياناً يصدر منه الحق، والاعتراف بفضل الأنبياء والأولياء، بعد أن يعلم ويتيقن بعدم أثر ذلك أثراً معكوساً على قلوب المنحرفين. بل لعله يفرح بتبكيتهم، بعد ضلالهم وانحرافهم، لأنه عدوّ مبين لكل إنسان، فيبتهج حين يحرج عدوه، ويفرح حين يجده محاطاً بالإثم مكبّلاً بالخطيئة، دون أن يستطيع لنفسه نجاةً ولا خلاصاً.
ولهذا الأمر أيضاً نظائر عديدة من الكتاب والسنة، ومن القصص المروية عنه وعن حبائله. قال تعالى: "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"[6]. وفي أمالي الطوسي: بسنده عن سليم بن بلال المدني، عن الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام: أن إبليس كان يأتي الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله المسيح عليه السلام يتحدث عندهم ويسائلهم، (وكان ممن سألهم وسألوه يحيى بن زكريا) فقال له يحيى: يا أبا مرة إن لي إليك حاجة. فقال له: أنت أعظم قدراً من أن أردّك بمسألة فسلني ما شئت، فإني غير مخالفك في أمر تريده.
فقال يحيى: يا با مرة أحب أن تعرض علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم. فقال له إبليس: حبّاً وكرامة ، وواعده لغد. فلما أصبح يحيى عليه السلام قعد في بيته ينتظر الموعد وأغلق عليه الباب إغلاقاً، فما شعر حتى ساواه من خوخة كانت في بيته، فإذا وجهه صورة وجه القرد، وجسده على صورة الخنزير، وإذا عيناه مشقوقتان طولا، وإذا أسنانه وفمه مشقوق طولاً عظماً واحداً بلا ذقن ولا لحية، وله أربع أيد: يدان في صدره ويدان في منكبه، وإذا عراقيبه قوادمه، وأصابعه خلفه، وعليه قباء وقد شدّ وسطه بمنطقة فيها خيوط معلقة بين أحمر وأصفر وأخضر وجميع الألوان، وإذا بيده جرس عظيم، وعلى رأسه بيضة، وإذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاب.
فلما تأمله يحيى عليه السلام قال له: ما هذه المنطقة التي في وسطك؟ فقال: هذه المجوسية، أنا الذي سننتها وزينتها لهم، فقال له: فما هذه الخيوط الألوان؟ قال له: هذه جميع أصباغ النساء، لا تزال المرأة تصبغ الصبغ حتى تقع مع لونها، فأفتتن الناس بها. فقال له: فما هذا الجرس الذي بيدك؟ قال: هذا مجمع كل لذة من طنبور وبربط ومعزفة وطبل وناي وصرناي، وإن القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه فأحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوه استخفهم الطرب، فمن بين من يرقص ومن بين من يفرقع أصابعه، ومن بين من يشق ثيابه. فقال له: وأي الأشياء أقر لعينك؟ قال النساء هن فخوخي ومصائدي، فإني إذا اجتمعت عليّ دعوات الصالحين ولعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهن. فقال له يحيى عليه السلام: فما هذه البيضة التي على رأسك؟ قال: بها أتوقى دعوة المؤمنين. قال: فما هذه الحديدة التي أراها فيها؟ قال: بهذه أقلب قلوب الصالحين.
قال يحيى عليه السلام: فهل ظفرت بي ساعة قط؟ قال: لا، ولكن فيك خصلة تعجبني قال يحيى: فما هي؟ قال: أنت رجل أكول، فإذا أفطرت أكلت وبشمت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل. قال يحيى عليه السلام: فإني أعطي الله عهداً ألا أشبع من الطعام حتى ألقاه. قال له إبليس: وأنا أعطي الله عهداً أني لا أنصح مسلماً حتى ألقاه. ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك[7].
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
__________
[1] كتاب عيون اخبار الرضا للشيخ الصدوق ج2 –باب 31 –فيما جاء عن الرضا من الاخبار المجموعة.
[2] كتاب امالي الشيخ الصدوق ص209
[3] البقرة: 208.
[4] فاطر: 6.
[5] بحار الأنوار 9 : 167.
[6] (الحشر: 16).
[7] الأمالي للطوسي ص : 340.
0 التعليقات:
إرسال تعليق