السؤال: يقال بأن زواج الأقارب قد تزداد به نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية، فهل الأفضل زواج البعداء (غير الأقارب)؟ وماذا لو لم يجد الإنسان زوجة خارج العائلة هل ينتظر أكثر أم يتزوج من العائلة؟ في حال تزوجه من العائلة هل تعتبر النتائج إلقاء للتهلكة ومخاطرة قد ينهى عنها الإسلام ؟ وشكرا.
الجواب :
لم يثبت نهي عنه في النصوص الشرعية، بل على العكس في بعض الروايات الحث عليه من جهات، كما أن بعض الروايات تنبه على بعض مضاره الصحية الوراثية، مثل: "أبعدوا في النكاح لا تضووا" ، ومثل: "اغتربوا لا تضووا"، ومثل: "لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا" (الجامع للشرايع، يحيى بن سعيد: ج 3 ص 94 * (هامش الهامش)). ولكنها أحاديث ضعيفة لا يمكن التعويل عليها في إصدار حكم شرعي.
ثم إن السيرة العملية لأهل البيت صلوات الله عليهم يظهر منها الحث على التزويج من الأقارب لكن لا بعنوان الأقارب، بل بعنوان التوفر على خصال الشرف والعفة والمتانة النفسية والبدنية، وينهون عن الارتباط بمن لا تتوافر فيه تلك الخصال.
والقرآن الكريم حين استعرض محرمات النكاح حرم التزويج من طوائف غير التحريم بسبب الكفر والردة، مرة بعنوان القرابة النسبية، وأخرى بالمصاهرة السببية، وهما بابان واسعان يشملان القريب والبعيد على حد سواء. قال تعالى: "حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرّضاعة وأمّهات نسائكم وربائبكم اللّاتي في حجوركم من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الّذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلّا ما قد سلف إنّ اللّه كان غفورا رحيما" (النساء: 23).
ولو توسعنا قليلا لرأينا أن كل البشر في الواقع هم أقارب بعضهم لبعض، لأنهم أبناء أب واحد، وأم واحدة. وفي حدود ما لدينا من الروايات عن الأنبياء يتبين أنهم جميعا أو غالبا قد تزوجوا من قريبات لهم. ولو كان الأمر منهيا عنه شرعا، ولو على مستوى الكراهة لكانوا أولى الناس بالاتباع للسنة، خصوصا وأن الأمر له تبعات وراثية على النفس والروح والبدن، وهي الخصال التي يجهدون للاهتمام بها.
نعم، لكن العقل السليم لا يمنع من النظر إلى أمثال هذه الروايات إذا حملت على الإرشاد. بل حتى إذا سقطت عن الروائية، لكن أيدتها شواهد العلم وتجاريب البشر. وكلما بلغ الأمر في أي شيء مبلغ الضرر حرم وامتنع شرعا، أو لا أقل من يأمر العقل باجتنابه والاحتراز منه، والله العالم.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق