السؤال: قبل كل شئ انا لم آت الى هنا الا لطلب الهداية والرجوع لال البيت الطاهرين. قال الامام الحسين عليه السلام: "الموت اولى من ركوب العار, والعار اولى من دخول النار". وانا لا اريد دخول النار. انا رجل تربيت في بيئة شيعيه جيدة. لكنني لم اجد التوجيه المطلوب لأداء العبادات. فمن صغري تعلمت ان اعمل العبادات لأن اخي الكبير سيضربني ضربا مبرحا ان لم اقم بها. كبرت وانا على مثل حالي. لا اصلي ولا اصوم ولا اعمل العبادات الا بسبب خوفي من اخي. فعندما لا يكون موجودا فإني لا اتورع عن تركهم او التهاون واللعب بالعبادات ومنها الصلاة والصوم. فأنا لا اصلي كثيرا واتهاون في الصيام وبعض الاحيان ابطله متعمدا.
كبرت على حالي ولكني اصبحت اكثر كفرا وعنادا من قبل, فأنا الان لا اصلي بتاتا ولم اصم رمضان الا ثلثيه فقط. بعدها قررت الزواج علني التقي بزوجة صالحة تحثني على الصلاة والصيام واداء العبادات ولكن للأسف زوجتي مثلي لا تصلي ولا تتعبد كثيرا. انا الان متزوج وقد رزقت ببنت قبل شهر وانا والله خائف من دخول النار ومن غضب الله, لا ادري ما العمل, لقد حاولت كثيرا ان اصلي فقد التزم ليوم او يومين بعدها ارجع واتركها. اني والله خائف على ابنتي وعلى نفسي اولا.
سأقول اني امضيت سنة متهاونا في الصلاة بعض السنين تكون اقل تهاونا وبعضها تمر السنة وانا ما صليت الا عشرات الايام فقط. ونفس الشيء مع الصيام. والله اني سئمت حياة الكفر ولا اريدها واني اريد التقرب من الله تعالى واهل بيته الطاهرين لكن نفسي تراودني وتشجعني على العصيان. اني اعلم انني لا استحق العيش بعد كل ما قلته ولكنني اريد ان اتوب لوجه الله عز وجل و ان اكون من عباده الصالحين حتى اظفر بالجنة ان بقيت لي توبة اقدمها لربي. ارجوكم ساعدوني فأنا لا أعلم ما افعل ومستعد لفعل اي شيء يرجعني الى ربي, لا اريد ان يلبسني العار يوم القيامه وبعدها ادخل جهنم. استغفر الله ربي واتوب اليه.
الجواب: إن الخطوة الأولى ولله الحمد قد خطوتها بالاتجاه الصحيح، وهي إرادة الدين والإيمان، لكن هذه الإرادة يجب أن تكون إرادة حقيقية جادة، فكل الناس يتمنى الخير لنفسه، ولكن السائرون على الدرب الصحيح قليل. ولذلك لا بد من البدء بالخطوات التالية بثبات وإصرار؛ قال الله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"[1].
ويفهم مما ذكرته أن تدينك كان موجوداً، لكن حالة الجبر والخوف التي كانت تلجئك إلى القيام ببعض العبادات كبرت فيك فولدت في نفسك عقدة من الدين والإيمان، فانعكست بردة الفعل العصيانية، لكنها عرضية طارئة، بدليل أنك تجد النداء الخفي يصرخ في داخلك بضرورة العودة إلى الذات والفطرة السليمة.
ومن أجل استعادة تلك الفطرة، والرجوع إلى المسار الصحيح لا بد لك من معرفة الدين، وتقوية إيمانك بالله، وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا، ومعرفة أوليائه ووسطائه مع الخلق. إنك حين يعرض عليك اللحم الفاسد ولا تعرف حقيقة خطره، ثم تُنهى عن أكله، فربما لن تجد في نفسك الحماسة لامتثال ذلك النهي، بيد أنك لو اطلعت على أخطاره وسمومه لربما وليت منه فراراً، وملئت منه رعبا. كذلك يفعل العلم والمعرفة والإيمان في قلوب المؤمنين، حينما يعرفون الله وعظمته ومقامه وحضوره في كل موقف نقفه. قال عز من قائل: "ألم يعلم بأن الله يرى"[2]، وقال: " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى "[3]. ولأن النفس نزاعة للهوى، ميالة للتفلت والسهو، أمارة بالسوء؛ لا بد من تطبيق ذلك عليها في برنامج عملي صارم، وتجديد العهد لها كل حين، إلى أن تركن وتروض، مع الاستعانة بالدعاء والصلاة والتوسل بأهل البيت الطاهرين عليهم افضل الصلاة والسلام أجمعين. فعل ذلك الكبار ونجحوا بعد أن كانوا صغاراً. وقد ثبت بالنصوص والتجارب الكثار، والوعود الإلهية أنها حين تتروض تزكو وتطهر، وتصل إلى مراتب عالية من الدين واليقين، ولكن كما قلنا بالإرادة الصادقة الجادة والخطوات العملية، وأول الغيث قطر ثم ينهمر.
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
_________
[1] الرعد: 11.
[2] (العلق: 14).
[3] (النازعات: 40 و41).
0 التعليقات:
إرسال تعليق