السؤال: لماذا تقومون بالجمع في الصلاة مع أن هناك خمس صلوات الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء؟
الجواب: ماذا نفعل إذا كان الجمع هو الذي يأمر به كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين
الصلاتين كراراً و مراراً من دون أي عذر من سفر أو مطر أو مرض . كما روي ذلك عن
جمع من الصحابة، كابن عباس، و ابن عمر، و جابر بن عبداللّه وأبي أيوب الأنصاريين.
أما
من القرآن فقوله عز وجل: "أقم الصلاة لدُلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر
إنَّ قرآن الفجر كان مَشْهُوداً"[1].
وهي واضحة الدلالة في تقسيم أوقات الصلوات إلى ثلاثة فقط هي الظهران والعشاءان
والفجر.
وقد
نص على صحة ذلك أئمتنا المعصومون صلوات الله عليهم، الذين نص الكتاب والنبي صلى
الله عليه وآله على وجوب اتّباعهم.
فعن
زرارة عن الإمام أبى جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال: سألتهُ عما فرض اللّه من
الصلاة؟ فقال: "خمس صلوات فى الليل والنهار، فقلتُ: هل سمّاهن اللّه وبينهُنَّ
فى كتابه؟ فقال: نعم، قال اللّه عز وجل لنبيّه (صلى الله عليه وآله ): ( أقم
الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)؛ و دلوكها زوالها: ففي ما بين دلوك الشمس إلى
غسق الليل أربع صلوات سماهنَّ وبينهُنَّ و وقتهُنّ ، وغسق الليل: انتصافه، ثم قال:
و أوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل، يعنى نصف الليل".[2]
وقال
الفخر الرازي في تفسير الآية: "فإن فسَّرنا الغَسَق بظهور أوّل الظلمة - وحكاه
عن ابن عباس وعطاء والنضر بن شميل - كان الغَسق عبارة عن أوّل المغرب، وعلى هذا
التقدير يكون المذكور فى الآية ثلاثة أوقات: وقت الزوال، ووقت أوّل المغرب، ووقت
الفجر .
و
هذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين
الصلاتين، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركاً
أيضاً بين هاتين الصلاتين، فهذا يقتضى جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء
مطلقاً"[3].
وأما
من سنة النبي صلى الله عيه وآله ؛ فالأحاديث كثيرة ومن الفريقين، تدل بصراحة على أصل
التوسعة أولاً وأنه من غير عذر أو علة خاصين، وعلى أن السبب فيها ثانياً هو
التوسعة ورفع الحرج عن الأمة:
فمما
روي عن أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين: ما قد رواه الصدوق بإسناده عن
عبداللّه بن سنان، عن الصادق (عليه السلام ) أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله )
جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء فى الحضر من غير
علة بأذان واحد و إقامتين[4].
وروى
أيضاً: بسنده عن إسحاق بن عمار، عن أبى عبداللّه (عليه السلام ) قال: إن رسول
اللّه (صلى الله عليه وآله ) صلّى الظهر والعصر فى مكان واحد من غير علة ولا سبب،
فقال له عمر - وكان أجرَأ القوم عليه - أحَدَث فى الصلاة شيء؟ قال: لا، ولكن أردتُ
أن أوسَّع على أمتى »[5].
وروى
الكليني بسنده عن زرارة، عن أبى عبداللّه (عليه السلام) قال: "صلى رسول اللّه
(صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس فى جماعة من غير علة، وصلى
بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة فى جماعة، وإنما فصّل رسول
اللّه (صلى الله عليه وآله ) ليتسع الوقت على أمتّه"[6].
ومن
طرق صحاح العامة المخالفين أيضاً روايات كثيرة تدل على الأمرين السابقين:
فقد
روى البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل عن ابن عباس قال: صليت مع رسول اللّه (صلى الله
عليه وآله) ثمانياً جميعاً و سبعاً جميعاً، قال عمرو بن دينار، قلت: يا أبا
الشعثاء، أظنه أخَّر الظهر و عجّل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء . . . قال: وأنا
أظن ذلك[7].
وروى
مسلم ومالك والترمذي: عن حبيب بن أبى ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع
رسول اللّه (صلى الله عليه وآله ): بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة فى
غير خوف و لا مطر[8].
وقوله
(في المدينة) ينفي علة السفر أيضاً! فيكون اللفظ من غير سفر ولا خوف ولا مطر،
فيتطابق مع ما رواه أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم.
وقد
نصت عليه رواية الثلاثة أيضاً (البخاري ومسلم وأحمد) عن ابن عباس قال: صلى رسول
اللّه (صلى الله عليه وآله ) فى المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً و ثمانياً الظهر والعصر،
والمغرب والعشاء[9].
وعن
عبداللّه بن شفيق العقيلى: قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت
النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، قال: فجاء رجل من بنى تميم لا يفترُ ولا
ينثني يقول: الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلّمنى بالسنة لا أمَّ لك؟! ثم قال:
رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله ) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال
عبداللّه بن شفيق: فحاك فى صدرى من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدَّق مقالته[10].
وأما
السبب في الجمع فقد روى مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: صلى رسول اللّه (صلى
الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً بالمدينة فى غير خوف ولا سفر . قال أبو
الزبير: فسألت سعيداً لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألتُ ابن عباس كما سألتنى، فقال: أراد
أن لا يحرج أحداً من أمته[11].
وروى
أبو داود: عن ابن عباس: جمع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر والمغرب
والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد
أن لا يحرج أمته[12].
علماء
العامة يصرحون بصحة الجمع بين الصلاتين
ثم
إن القول بجواز الجمع بين الصلاتين ليس جديداً حتى على فقهاء العامة أنفسهم، فالمعروف
عندهم صحته، والعجب أن بعضهم يحصره بحالات العلة والسفر والمطر وما أشبه، مع أن
الأحاديث كما سبق واضحة صريحة في نفي أي سبب وعلة، بل تجعل المكلف مخيراً بشكل مطلق
بين الجمع والتفريق، تفضلاً من الله ورفعاً للحرج عن الأمة.
قال
ابن رشد: "أما الجمع فانه يتعلق به ثلاث مسائل : إحداها جوازه . . . فإنهم
أجمعوا على أنَّ الجمع بين الظهر و العصر فى وقت الظهر بعرفة سنّة ، و بين المغرب
والعشاء بالمزدلفة أيضاً فى وقت العشاء سنّة أيضاً، واختلفوا فى الجمع فى غير هذين
المكانين، فأجازه الجمهور على إختلاف بينهم فى المواضع التى يجوز فيها من التى لا
يجوز ومنعه أبو حنيفة و أصحابهُ بإطلاق . . . . "[13].
وقال
السرخسي: "قال مالك: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى بقدر ما يصلى فيه
أربع ركعات دخل وقت العصر، فكان الوقت مشتركاً بين الظهر والعصر إلى أن يصير الظل
قامتين لظاهر حديث إِمامة جبرئيل"[14].
وقال
ابن حجر : و ممن قال به ابن سيرين و ربيعة و أشهب من أصحاب مالك و ابن المنذر و
القفال الكبير، و حكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث و أضاف: ما ذكره ابن عباس
من التعليل بنفي الحرج ظاهر فى مطلق الجمع[15].
سماحة الشيخ عبدالحسن نصيف.
[1] الإسراء ، آيه 78 .
[2] تهذيب
الاحكام ، ج 2 ، ص 28 ؛ نورالثقلين ، ج 2 ، ص 200 ، ح 370 .
[3] التفسير الكبير: ج21 ص26.
[4] الفقيه: ج1 ص186 ح886؛ عنه الوسائل: ج4 ص220 ب32
ح1.
[5] علل الشرايع: ص321 ح1 ب11؛ عنه الوسائل: ج4 ص221
ب32 و2.
[6] الكافي: ج3 ص286 ح1؛ عنه الوسائل: ج4 ص222 ح 8.
[7] البخاري: ج2 ص72؛ مسلم: ج2 ج152؛ أحمد، ج1 ص221.
[8] مسلم: ج2 ص152؛ الموطأ: ج1 ص144؛ الترمذي: ج1 ص354؛
أخرجه أحمد عن جابر بن زيد: ج1 ص221 .
[9] مسلم: ج2 ص152؛ البخاري: ج1 ص147؛ أحمد: ج1 ص221.
[11] مسلم: ج2 ص151.
[12] سنن أبى داود: ج2 ص6 ح1211 و1214.
[14] المبسوط
السرخسي: ج1 ص143؛ انظر المجموع: ج4 ص384؛ حلية العلماء: ج2 ص244؛ المغنى: ج1 ص382.